مجلة النور العدد الثالث – 2023
تبيّن لنا الأسفار المقدّسة أنّ «اللَّه عظيمٌ في قدّيسيه» (المزمور67: 36). هذا يعني أوّلًا، أنّ اللَّه هو المصدر الوحيد للقداسة، يمنح قداسته للبشر، بمقدار ما يبحث البشر عنه.
لهذا، يحثّنا القدّيس بولس الرسول قائلًا: «اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحدٌ الربّ» (عبرانيّين 12: 14). إنّ كنيسة المسيح المصلوب والقائم، التي أسّسها هو بحلول الروح القدس، في اليوم الخمسين هي في الوقت ذاته خبرة بحث البشر عن القداسة والحصول عليها. بكلماتٍ أخَر، شركة القدّيسين عبر العصور، وفي كلّ الأصقاع، هي شركة ملكوت اللَّه (رومية 14: 17).
القدّيسون هم أصدقاء اللَّه الأكثر قربًا، وهم الأكثر قداسة بين البشر. القدّيس هو حاملٌ محبّة المسيح للعالم، ومسكن سكنى الروح القدس، الذي بتنهّداتٍ صامتةٍ يريد أنّ كلّ إنسانٍ ينمو روحيًّا، نحو التشابه مع اللَّه (رومية 8: 27- 28).
تكرّم الكنيسة القدّيسين لكونها تلمس بحضورهم المسيح وفعل الروح القدس فيهم. تكريم القدّيسين ليس محوًا أو ملاشاةً لتكريم اللَّه وتمجيده، بل عكس ذلك، إنّه تمجيدٌ لمحبّته للبشر وفعله في صعود الإنسان إلى السماء، للتمتّع بجمال اللَّه، والحياة الأبديّة.
اللَّه ليس عظيمًا في الانفراديّة أو الانعزاليّة الأبديّة، بل هو عظيم في قدّيسيه، في وسطهم، الذين يتمتّعون بفرحٍ عظيمٍ بمحبّته ومجده. لذلك، الكنيسة القويمة الرأي تختبر فرح القدّيسين وتكرّمهم. لكون الإنسان خُلق على صورة اللَّه، الأزليّ القدّوس، فالقداسة هي الحياة الحقيقيّة للإنسان، أو «ملء الإنسانويّة». ولذلك يحثّنا الربّ على أن «نكون كاملين كما أنّ أباكم الذي في السموات هو كامل» (متّى 5: 48).
اللَّه يعمل عملًا عظيمًا، عبر تاريخ الإنسانيّة، ويدعو كلّ الشعوب بطبقاتهم كافّة، وأعمارهم إلى القداسة: «الذي يريد أنّ جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحقّ يقبلون» (1 تيموثاوس 2: 4).
نقرأ في سفر الرؤيا أنّ الشعوب ستقدّم مجدها وكرامتها في ملكوت اللَّه (21: 24). إنّ قدّيسي كلّ أمّةٍ سيمثّلون في ملكوت اللَّه، وبصورةٍ خاصّةٍ، جماليّات شعوبهم وكرامتهم أمام اللَّه.