مجلة النور العدد الثالث – 2023
يتضمّن العنوان في الحقيقة سؤالين. لأنّنا لا يمكننا أن نتعاطى مع مصطلح «المرأة المضحّية» مرور الكرام.
هناك نساء كثر على ما أعتقد تبنّين فكرة «المرأة المُضحّية» منذ كنّ مازلنّ في البيت مع أهلهنّ وكنّ يعشنَ مع أُمّ مضحّية. أنا لا أقول إنّ الرجل في الأُسرة لا يُضحّي، ولكن بما أنّنا كمجتمع شرقيّ ذكوريّ نرى أنّ تربية الأولاد ورعايتهم هو دور الأُمّ أوّلًا ونُكرِّم المرأة والأمّ المضحّية بكلّ شيء، كثيرًا، نعرف أنّ نساء كثيرات تتحملنَ أعباء فوق الطاقة وهنّ صامتات «راضيات». نحن لا نُنصف المرأة في مفهومنا لدورها بالأساس. من قال إنّ التربية ورعاية الأطفال هو دور الأُمّ ولماذا؟ لماذا الصمت عن مسؤوليّة الرجل ودوره؟
كثيرات يصمتنَ إمّا لأنّهنّ يعتقدنَ أنّه لا يُمكن تغييرالتقاليد، إمّا خوفًا من كلام الأهل والزوج والعائلة المحيطة. ما هو المُبتغى إذًا؟ المُبتغى هو أن نُغيّر خطابنا وطريقة تفكيرنا وطريقة كلامنا مع المرأة والرجل، على الصعيد الشخصيّ والعامّ، في الوعظ وفي الكتابة. هنا تقع مسؤوليّة كبيرة على الكهنة والكُتّاب وعلى كلّ شخص عنده موقع مسؤوليّة في الكنيسة وخارجها. لأنّه عندما نكتب ونعظ ونُبشِّر ونعمل من منطلق يدلّ بشكل غير مباشر على أنّ حياة المرأة وظروفها كحياة الرجل وظروفه، فنحن عندئذ تلقائيًّا نظلم المرأة. كلّ شيء يبدأ منذ نعومة الأظفار. كيف نُعامل الفتاة في البيت وفي المدرسة وفي الكنيسة. هل نطلب منها أن تجلب كأس ماء بارد لأخيها من دون أن نطلب منه المِثل. هل نطلب منها أن تربط شريط حذائه أو توضب له ثيابه من دون أن نطلب منه المِثل. هل نقول لها أنت فتاة لا يحقّ لك هذا ولكن يحق لأخيكِ لأنّه صبيّ؟ أرجو أنّنا تخطينا مرحلة وضع الفروقات في الأدوار بين الذكر والأنثى. ولكن كلّ شيء في مجتمعاتنا مبنيّ على الفرق بينهما وهذا هو ما يُثَبِّت الهرميّة ويحنّطها.
هل أنا ضدّ مفهوم الخدمة والتضحية؟ وهل أبغي محو كلّ الفروقات بين الأنثى والذكر كما في بعض البلدان في الغرب؟ أنا مع المشاركة في الحياة بين الرجل والمرأة. مشاركة الرجل في التربية ورعاية الأولاد والأعمال المنزليّة كما مشاركة المرأة في العمل خارج المنزل وإعالة العائلة يدًا بيد مع الرجل. يحتاج أطفالنا إلى أن يكبروا وهم يرون آباءهم يعتنون بهم منذ الصِغر في كلّ تفاصيل يوميّاتهم ويربونهم تربية مسيحيّة صالحة يدًا بيد مع الأمّ. وعلى أن نُربّي أولادنا على أنّهم متساوون في الحقوق والواجبات. هذا وحده ممكن أن يغيّر الأوطان إلى التقدّم الفعليّ الذي نبتغيه إذا طُبق في المدرسة والكنيسة والبيت.
أمّا بالنسبة إلى التضحية والخدمة فهما ضروريّتان للمرأة كما للرجل. وعلى المرأة أن تُحرّر نفسها من لبس هذا الدور وحدها بحيث لا يمكنها أن تُفكّر بذاتها خارجًا عن الواجبات العائليّة. أي على المرأة أن تعتاد التفكير بذاتها أيضًا وليس فقط بالبيت والعمل والأولاد والزوج، عليها أن تُفكّر بما يريحها ويُخفّف عنها. ربّما تُعطي الوقت لهواية أهملتها أو للرياضة والمشي في الطبيعة، أو أيّ أمر آخر مناسب يريحها، وعلى التخفيف من الضغط على نفسها في كلّ حين. يجب أن تكوني سعيدة لكي تستطيعي أن تسعدي أسرتك. وليس بالضرورة أن تنتظري أن يأتي إليك هذا الأمر. خذيه أنت بنفسك.
بالنسبة إلى محو الفروقات بين المرأة والرجل فهذا يحتاج إلى مقال وحده. ولكن يمكنني أن أقول إنّ المجتمع الذكوريّ هو من وضع أكثر الفروقات بينهما، ليُميّز الرجل عن المرأة وليُقوّم الواحد بشكل مُختلف عن الآخر، ولكي يكون للرجل سلطة على المرأة. وإن كان هناك بعض الفروقات البيولوجيّة والنفسيّة فإنّها لا تعني تلقائيًّا أنّ الأدوار يجب أن تكون مُختلفة تمامًا.
لا يُخفى على أحد أنّ الإنسان أحيانًا يضطرّ إلى التضحية بقوّة، رجلًا كان أو امرأة، هذا، ببركة الربّ يُمكن أن يُعطي نتيجة مُذهلة. وعندما تكون المرأة هي المُضحّية الكبرى تكون هي رأس الرجل ولكن ليس بمعنى التباهي، لأنّ من يحبّ الربّ يخجل من أن يتباهى على أحد. هذا يحتاج إلى تواضع كبير وانسحاق أمام اللَّه. والتضحية تكون بصبر، بهدف جلب الرجل إلى الإيمان الحقيقيّ والعميق والعمل حسب الإنجيل. ليست التضحية من طرف واحد هدفًا بحدّ ذاته من أجل تعذيب الذات وراحة الآخرين على حساب النفس، بل هي موجودة لتدلّ على حضور الربّ بقوّة ولتعيد الآخر إليه.