العدد الثالث - سنة 2023

15 - قرأت لك - موجز الحقيقة في التاريخ كنيسة اللَّه على الأرض - نقولا طبليّة - العدد 3 سنة 2023

مجلة النور العدد الثالث – 2023

 

 

التاريخ يُسجِّل أدقّ التفاصيل التي تكشفها تطوّرات الأحداث على مدى الأزمان. أمّا الحقيقة فهي ثابتة لا يتغيّر منها حرف أو ينحرف معناها مهما حاول البعض الالتفاف حولها في محاولةٍ لتزوير بعض معالمها أو طمسه بما يتناسب وغاية في نفس يعقوب.

لكلّ ما سبق ذكره، أتت حماسة الأب جورج عطيّة، وهو الأب والمعلّم والمُحاور في الحوارات المسكونيّة، وبعد جهاد طويل وأبحاث ودراسات مُعمّقة في التاريخ والعقيدة بخاصّة، إلى جانب حياته الشخصيّة الداخليّة الملتصقة بحياة الكنيسة، والمستنيرة بإلهامات الروح القدس، وسعيًا لكشف الحقيقة، كلّ الحقيقة التي جاهد الآباء القدّيسون في إعلانها والشهادة لها والذود عنها. وهذه الحماسة أثمرت هذا الكتاب الجامع والمبسّط في تاريخ الكنيسة.

صحيح أنّ هذا الكتاب يُعتبر الأصغر (الأقلّ صفحات، 323 صفحة) بين أقرانه من كتب التاريخ الصادرة قبله. لكن، وللإنصاف، يمكن وصفه بالـ«موسوعة» التي تضمّ في طيّاتها معلومات وتفاصيل تاريخيّة وعقائديّة تُثلج قلب كلّ مؤمن وتحمله على الامتنان لهذا العمل المتكامل الذي يُرضي طموح أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة بشكلٍ عامّ، لكونه يكشف بصدق وتجرّد وموضوعيّة كلّ الحقيقة التاريخيّة والعقائديّة والليتورجيّة لكنيسة اللَّه على الأرض.

ينقسم الكتاب إلى أربعة أدوار تشكّل ركائزه:

الدور الأوّل: يعرض حالة الأمبراطوريّة الرومانيّة إبّان ظهور المسيح وتأسيس الكنيسة وبداءتها وانتشارها، وأيضًا الهرطقات الأولى وصراع الكنيسة ضدّها، ثمّ الاضطهادات ضدّ الكنيسة، والحياة الداخليّة للكنيسة (إكليروس وعبادة وأسرار،...).

الدور الثاني: يعرض سياسة الدولة تجاه الكنيسة وانتشار المسيحيّة خارج الأمبراطوريّة الرومانيّة، وصراع الكنيسة ضدّ الهرطقات يُقابله عقد المجامع المسكونيّة السبعة، ونشوء الكنيسة المارونيّة. وأخيرًا نتعرّف إلى حياة الكنيسة الداخليّة من إدارة وأسرار والحياة الرهبانيّة في الشرق والغرب.

الدور الثالث: الكنيسة في عصر المُشادّة بين الشرق والغرب، وأهمّ العوامل المؤدّية إلى ذلك:

1- إضافة عبارة انبثاق الروح القدس إلى «الابن» في دستور الإيمان. وهذه الإضافة تتعارض مع الإيمان بوحدة الثالوث وبالتمايز بين الأقانيم الثلاثة.

2- القول بعصمة البابا ورئاسته على العالم المسيحيّ بتكليفٍ إلهيّ، وما صدر من روما على التوالي من قرارات بهذا الخصوص، منها:

«إنّ اللَّه قد جعل هذا الرجل (بطرس) يشترك في سُلطانه (تعالى) اشتراكًا عظيمًا وعجيبًا. وإذا أراد اللَّه أن يكون للرؤساء الآخرين شيء مشترك، فإنّه ما منحهم إيّاه إلّا بواسطة بطرس». كذلك «إنّ الحبْر الرومانيّ، متى كانت سيامته قانونيّة، يصبح قدّيسًا».

وأيّد ذلك المجمعان الفاتيكانيّان الأوّل والثاني. وهكذا اعتبرت الكنيسة الكاثوليكيّة البابا في موقع اللَّه الكلّيّ القدرة وهو معصوم عن الخطأ. إضافة إلى الأسباب العقائديّة التي وردت قبلًا، هناك عوامل سياسيّة وحضاريّة عمّقت الشرخ أكثر فأكثر بين الشرق والغرب، أهمّها: أ- وجود روما الجديدة، «القسطنطينيّة»، السنة 330 م. إلى جانب روما القديمة، ما وضعهما في تنافس واحتكاك سلبيّ. ب- محاولات روما، بعد دخول البرابرة إليها خلال حكم شارلمان، التدخّل في الأمور العقائديّة وفرضها على الشرق، إضافة إلى الحملات الصليبيّة التي استباحت القسطنطينيّة وأذلّتها (1٢04 م.).

الدور الرابع: وضع الكنيسة الغربيّة بعد الانشقاق، وفيه ذكر للصراع بين البابوات وملوك الغرب حول السلطة. وبعدها أتى المجمع اللاتيرانيّ (1512 م.-1517م.) ليؤكّد سلطة البابا فوق المجامع المسكونيّة. وأيضًا خلط الغرب في أكثر من عقيدة ابتدعوها بعد الانبثاق وعصمة البابا، فكانت «الحبل بلا دنس». وغيّروا في ترتيبات الخدم الإلهيّة، كالمعموديّة (بالرشّ بدلًا من التغطيس)، وفصلوا بين المعموديّة وسرّ الشكر ومسحة الميرون. إضافة إلى كلّ ما ورد، ولتمويل الحملات الصليبيّة، اخترعت روما «صكوك الغفران»، وهي براءات تُعطى مقابل مبالغ مادّيّة، تُخوّل أصحابها غفران خطاياهم السابقة وحتّى المستقبليّة!! وهذا ما أسهم أيضًا في انشقاقات داخل الكنيسة الغربيّة، ونشوء الإصلاح الدينيّ (البروتستانت) الذي انتشر بقوّة في كلّ أنحاء أوروبّا أوّلًا، تلاه دخولهم إلى الشرق كإرساليّات منظّمة للتبشير، ساعدتهم على ذلك المساعدات التي قدّموها للشعوب، من أموال وإنشاء مدارس ومطابع، وقيامهم بأوّل ترجمة مطبوعة للكتاب المقدّس 1865 م. وأيضًا قام الكاثوليك بنشاطات موازية عبر رهبانيّات وإرساليّات، فأسّسوا المدارس والأديار، ما سبّب لاحقًا تأسيس كنائس شرقيّة كاثوليكيّة، أهمّها كنيسة الروم الكاثوليك 1724 م.

في الختام، يذكر المؤلّف «حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة» التي، منذ نشأتها في العام 1942، أحدثت نهضة روحيّة وفكريّة واجتماعيّة في سائر أرجاء أنطاكية. ويخصّ بالذكر المثلّثي الرحمة بولس بندلي ويوحنّا منصور، ورئيسي الأديار إلياس مرقس وإسحق عطااللَّه، والأمّ سلام قدسيّة، مؤسِّسة ورئيسة دير القدّيس يعقوب الفارسيّ المقطّع للراهبات في ددّه - الكورة.

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search