مجلة النور العدد الثاني – 2023
لا يظهر في كتابات الرسول بولس أيّ تعليم عقائديّ مباشر ومنتظم
عن الخطيئة(systematic)
، مصدرها، طبيعتها، وأفعالها. بل يرد الحديث عن الخطيئة في سياق تعليمه حول الخلاص
(soteriology)، إذ هو يوصِّف الخطيئة على ضوء عمل المسيح الخلاصيّ وانطلاقًا من فهمٍ لكامل التدبير الإلهيّ. تاليًا، ورغم عدم تقديم الرسول بولس لاهوتًا نظاميًّا عن الخطيئة، يخطئ من يقلّل من أهمّيّة تعليمه عنها ويعتبره ذات أهمّيّة صُغرى بالنسبة إلى المواضيع العقائديّة الكبرى وهذا واضح عبر ذكره هذا الموضوع في أماكن عدّة بخاصّة في رسائله الأربع الكبرى. تهدف هذه الدراسة إلى توضيح مفهوم الرسول بولس للخطيئة، عبر تقصِّي مختلف المقاطع التي تقدِّم تعليمًا أو رؤيةً معيّنة لهذا المفهوم، انطلاقًا من عرضٍ منهجيّ يقدِّم صورةً أوضح وتحديدًا لكلّ مقوّمات الخطيئة ونتائجها واستعمالاتها في كتابات الرسول بولس بعامّة وفي الرسالة إلى أهل رومية بخاصّة.
الخطيئة كمصطلح:
قبل ولوج عمق بحثنا هذا، لا بدّ لنا من إسقاط الضوء على كلمة خطيئة بحدّ ذاتها من ناحيةٍ لغويّة، وتَتَبُّع مختلف المصطلحات أو المفردات الكتابيّة التي يستعملها بولس الرسول في وصفِهِ إيّاها. يستعمل بولس الرسول، وبشكلٍ أساس، الكلمة المعروفة ἁμαρτία(peccatum) للإشارة إلى الخطيئة، وهي ترجمة للكلمة العبريّة (ح ط أ). ترد هذه الكلمة 62 مرّة في رسائله، 48 مرّة منها في رسالته إلى أهل رومية، و14 مرّة فقط في باقي الرسائل، وفي رسالته إلى أهل فيليبّي لا ترد الكلمة ولا مرّة (Barclay 138). كلمة ἁμαρτία تعني أساسًا الفشل الفعليّ في بلوغ مقياس معيّن. كما أنّ الفعل ἁμαρτάνω يعني إضاعة الهدف (EDNT 65-67). هناك تقريبًا إجماعٌ بين الآراء على أنّ الرسول بولس يتميّز بتشخيص الخطيئة، ولكن يبقى هذا الإجماع على مستوى المصطلح فقط لا على مستوى المفهوم. فهي ليست قوّة خارجيّة (Fitzmyer 76, 91، Karl Barth 10، 18) تتحكّم في الإنسان إنّما الخطيئة، تَملُك (رومية21:5)، لها جسد (رومية6:6)، خدَّام (17:6-20)، جيش (23:6). إضافةً إلى وجود بعض الآراء، التي تحدّد الخطيئة في معنين: معنى عامّ (عندما ترد الكلمة من دون «ألـ» التعريف) حيث تأخذ شكل قوّة مجرّدة، ومعنى شخصيّ آخر عندما ترد مع «ألـ» التعريف. هذا التمييز لا يَظهَر بهذا الوضوح الذي يحاول البعض أن يصوّره، تاليًا لا يمكننا النظر إلى الخطيئة على أنّها شيءٌ مجرّد إنّما هي فعلٌ شخصيّ يَفعَل في الكيان الإنسانيّ وينتج موتًا. ويُقصَدُ بها أساسًا الإنسان وكلّ البشريّة لأنّها أخطأت الهدف الذي من أجله أوجدها اللَّه. الحقيقة أنّ الخطيئة ليست شخصيّة مستقلّة ولكنّها هي الإنسان مُخطِئًا، إنّها الخطايا الفعليّة التي يرتكبها الإنسان (رومية 21:1-32). يحدِّد Orello Cone صورة الخطيئة عند الرسول بولس في إطارٍ ذي شقّين، الأوّل حيث ترد الخطيئة كمبدأ أو قوّةٍ في الفرد وفي حياة الإنسان والتاريخ (ἁμαρτία). وثانيًا، كفعل تعدٍّ ومخالفة للوصايا الإلهيّة (παρἀβασις, ἁμαρτἀνειν) (Cone 242).
لفظٌ آخر يستخدمه الرسول للتعبير عن الخطيئة، وهي كلمة «ἀσέβεια» وتُترجم كفر (رومية18:1؛ 5:4؛ 26:11) وهذه تنفي كلمة يَحترم (σέβομαι) وتاليًا هي تعني عدم احترام اللَّه والكفّ عن الخضوع له، بمعنى آخر هي العصيان، وهذا ما حدث للإنسان الذي عبد المخلوق دون الخالق، وأبدل مجد اللَّه الذي لايفنى بما يفنى (رومية ١ :٢٣- 25). وهذا أيضًا ما حدث لليهود الذين لم يخضعوا لبرِّ اللَّه وأرادوا أن يثبتوا برَّ أنفسهم (رومية ٣: ١٠). هذا الرفض يصفه الرسول بعدم الاحترام (رومية ١١: ٢٦). إذًا تعبِّر هذه الكلمة عن موقف عدم الخضوع والعصيان، ومع أنّ الإنسان يعرف ما عمله اللَّه من أجله، لكنّه لا يخضع له. فالخطيئة ليست مجرّد أعمال فقط، لكنّها إرادةٌ عاصيةٌ ومعاندة وهي في ثورةٍ ضدّ اللَّه. وإلى جانب ذلك تعتبر أساسًا لكلّ الأعمال الخاطئة التي يرتكبها الإنسان. لذلك يربطها الرسول في (رومية ١: ١٨) بكلمة أخرى هي (ἀδικία) وتعني «إثم»، وترتبط بكلمة كفر وتتولّد عنها (رومية ١: ٢٦- ٣٢)
هناك أيضًا كلمة «παρακοή» (رومية ٥: ١٩؛ 2كورنثوس ٦: ١٠) ومعها تُذكَر كلمة «ἀνομίᾳ» (رومية ٦: ١٩). الأولى تعني العصيان أو المعصية. والثانية احتقار الناموس وكسره. والكلمتان تُنسبان إلى الشخص الذي يكسر وصيّةً من الوصايا. أيضًا هناك كلمة «παράπτωμα» أي الانحراف عن البرّ أو السقطات، ثمّ كلمة «παράβασις» وتعني التعدّي. هذه المصطلحات الثلاثة (παράπτωμα, παράβασις, παρακοή) يستخدمها أيضًا الرسول بولس على التوالي في كلامه على خطيئة آدم الذي خالف وصيّةً محدّدة (رومية 14:5، 17، 19).
- عمومّية الخطيئة:
هيمنة الخطيئة وعموميّتها في حياة البشريّة والتاريخ طرح مفصليّ لدى الرسول بولس التي يبدأها بعرض أفعال الخطيئة (رومية 1؛ 2؛ 10:3- 12، 19، 23؛ 23 : 7). وهو لا يميّز بين اليهود والأمم فالكلّ تحت الخطيئة. يذهب العديد من الدارسين إلى الاعتقاد بأنّ الإصحاح الخامس من رومية يقدّم تعليمًا عقائديًّا عن الخطيئة الأصليّة، مخرجين النصّ من سياقه الذي يشدّد على شموليّة الخطيئة، إذ هي ليست شيئًا يخصّ بعض الناس. هي ليست كمرض يصيب قسمًا فقط من الناس. بالنسبة إلى بولس اليهود والوثنيّون هم تحت الخطيئة (رومية 9:3)، الكلّ أخطأوا وأعوزهم مجد اللَّه (رومية ٣: ٢٣). تظهر عموميّة الخطيئة في الواقع البشريّ في (رومية 18:1- 20:3) حين يقرّر الرسول أنّ اليهود والأمم معًا خطأة، ويلخّص هذه الحقيقة في قوله: لأنّنا ...(٣: ٩- ١٢) لأنّه لا فرق...(٣: ٢٣) اللَّه أعلن نفسه للأمم بالطبيعة (رومية ١: ١٩- ٢٢). كما أنّ هذا الإعلان لم يقتصر على الطبيعة بل هو في أنفسهم أيضًا، ففي داخلهم أعلن اللَّه إرادته (رومية ٢: ١٤- ١٦). أمّا اليهود فمسؤوليّتهم أعظم لأنّ اللَّه اختصَّهم بامتيازاتٍ أكثر وإعلاناتٍ أوضح وأكمل (رومية٩: ٤- ٥).
الخطيئة والجسد: (ἁμαρτία, σάρξ)
يتكلّم بولس الرسول على الخطيئة انطلاقًا من خبرةٍ شخصيّة، ولا يسعى إلى تحديدها بشكل علميّ، يراها على علاقة بناموس اللَّه، كتعدٍّ على الوصايا الإلهيّة. إضافةً إلى أنّه يرى في اللحم (σάρξ) آداة للخطيئة. الجسد (σῶμα) هو الجزء المادّيّ من الإنسان وهو ليس بالضرورة شرّيرًا. أن تسلك بحسب الجسد هو أن تعيش بعيدًا عن اللَّه. هذا يعني أن تعيش بعيدًا عن الخالق وتلتجئ إلى المخلوق الذي هو متبدّلٌ وفانٍ. عكس هذا أن تحيا بحسب الروح. فكما أنّ الروح تبعث الحياة والسلام، الجسد يجلب الفساد والموت (رومية ٣٥: ٦- ٨) (hunter 24,25). ولكن كيف يرى الرسول بولس أنّ الخطيئة هي قوّة أو مبدأ مرتبط بالطبيعة البشريّة؟ الردّ على هذا السؤال يتطلّب لمحة عن أنثروبولوجيا القدّيس بولس.
أوّلًا، هناك الإنسان الخارجيّ ( ὁ ἐξω ἀνθρωπος) الذي يُنظر إليه كمادّة تتكوّن من اللحم σάρξ. هذا هو القسم الفاسد من الإنسان الذي لا يمكن أن يرث ملكوت السموات. أمّا بالنسبة إلى الحياة بحسب الجسد فهي أن تحيا حياةً جسدانيّةً تقوم على الشهوات (رومية 4:8، 5، 12، 13؛ 2 كورنثوس 2:10، 3؛ غلاطية 24:5). أيضًا في بعض الأحيان يستعمل الرسول الكلمة اليونانيّة «σῶμα»، للإشارة إلى «جسد الخطيئة» (رومية 6:6، 13؛ 3:8) (Cone 243). وتاليًا من الصعب استنتاج المعنى المراد من الكلمتين بالعودة إلى التعبير اللغويّ فقط.
ثانيًا، وفي المقابل، هناك الجسد الروحيّ «σῶμα πνευματικόν» الذي هو جسد المجد الذي على مثال المسيح القائم والصاعد (1كورنثوس ١٥: ٤٤- ٤٥؛ فيليبّي ٣: ٢١). بينما يعتبر الجسد مائتًا (رومية ٦: ١٢) لأنّه فاسدٌ، يتّضح أنّه قابلٌ للفداء (رومية ٨: ٢٣). وتاليًا نكون محميّين من الفساد بالموت ومن الضعف (رومية ٨: ١١)، شرط أن نحافظ على روحه الذي قام من بين الأموات، والذي نناله بالمعموديّة، ساكنًا فينا.
لكن ما هي علاقة الخطيئة بما يسمّيه بولس الجسد. الجسد هو عرش الخطيئة (رومية ٧: ١٧، 18، 23). الخطيئة لم تدخل العالم بالخلق إنّما بخطيئة آدم (παράπτωμα)؛ فَقَدَ الإنسان حرّيّته وبيع إلى الخطيئة (رومية ٧: ١٥). هناك ما يسمّيه بولس الإنسان الداخليّ (رومية ٧: ٢٢) الذي يرتاح إلى وصيّة الله. قوّة الخطيئة هي قوّة انحلال (رومية 24:7). (Sabatier 307- 313). ودور الجسد في الخطيئة يظهر بشكل أوضح عبر علاقة الخطيئة بالناموس. يرى الأب جاك خليل أنّ هذه الوصايا أتت لتخاطب الجسد (σάρξ)، لكونها جسديّة (عبرانيّين 17:6). فتولّدت شهوة المعصية (رومية ٧: ٧) وعاشت الخطيئة (رومية ٧: ٩). لذلك عندما يموت الإنسان عن الجسد في المعموديّة يتحرّر من قوّة الخطيئة التي هي الناموس.
5- الخطيئة والناموس (Ό νόμος):
يرى الرسول بولس أنّ الناموس تعبير عن إرادة اللَّه فهو مقدّسٌ، وعادلٌ، وصالحٌ (رومية ٧: ١٢). وفي الوقت عينه يراه غير فعَّال، إذ بدلًا من أن يحيي الإنسان بوصاياه أماته موتًا. لا بل يضُّم الناموس إلى مثلّث (ناموس، موت، خطيئة) الذي يُبعِد الإنسان عن اللَّه. فالناموس لم يكن قادرًا على وقف الخطيئة وتحقيق البرّ، رغم أنه مقدّسٌ وروحيّ (رومية ٧: ١٤)، بل به عُرفت الخطيئة وعاشت (رومية ٧: ٨- 9). أيضًا في (رومية ٩: ٤) بولس يشرح مشكلة الناموس عندما يستشهد بالمزمور ١٤٣: ٢، هو غير قادر على إعطاء الحياة لأنّه مقياس خارجيّ يشرِّع ويحرِّم، وهذا كلّه لا يحمل في ذاته قوّة لإعطاء الحياة. ولكن ما هو سبب فشل الناموس هذا؟
الناموس لم ينتج ثمارًا روحيّة لأنّ الإنسان لحميّ (σάρκινος) (رومية ٧: ١٤). لا يمكنه أن يوقف جريان الخطيئة أو ينتج برًّا لأنّه ضعيفٌ تجاه الجسد (رومية ٨: ٣). هو ضعيف تجاه رغبات اللحم (σάρξ). يعتبر Fitzmeyer أنّ الرسول بولس في رسالته إلى رومية يشير إلى أنّ المشكلة ليست في الناموس إنّما في الإنسان في قسمه اللحميّ (σάρξ). لذلك فالإنسان ضعيف وتتحكّم فيه الخطيئة الساكنة فيه (Fitzmeyer78). الناموس تعبيرٌ عن إرادةِ اللَّه، أمّا سبب عدم قدرته (رومية 3:8)، برأي Sabatier، فليست طبيعته نفسها بل لأنّ الناموس روحيّ بينما الإنسان لحميّ، تاليًا هناك جدليّة لا تنتهي بين ما هو روحيّ وما هو لحميّ (Ό νόμος πνευματίκος - ἐγὼ δὲ σαρκινὸς (رومية14:7) الناموس يُظهِر للإنسان البرّ ولكن لا يعطيه، يبقى غير قابل للتحقيق في الجسد، (رومية ٥: ٢٠، ٧: ٧- ١١؛ غلاطية ٣: ١٩). دور الناموس أن يوصل الخطيئة إلى كامل نضجها. بهذا المعنى يكون الناموس قوّة الخطيئة (1كورنثوس ١٥: ٥٦). إلى مجيء الناموس كانت الخطيئة موجودة ولكن نائمة، يقول بولس إنّها كانت ميتة (Άμαρτία νεκρά (رومية ٧: ٨)). أيقظها الناموس وأعطاها الحياة. الناموس روحيّ ومقدّس، والإنسان ليس له سوى قدرة الجسد لإتمامه، تاليًا فأعمال الناموس (ἐργα νόμου) تكون هي نفسها أعمال الجسد (ἔργα σαρκός). (Sabatier 314-317). يَشرح Sabatier في هذا الطرح كيفيّة فشل الناموس في تحقيق البرّ، إلّا أنَّ تفسيره يظهر ضعيفًا في تفسير كيف يكون الناموس هو قوّة الخطيئة. الحلّ يقدّمه الأب جاك خليل إذ يعتبر أنّ الناموس أحيا الخطيئة وأنعشها، أي صار قوّة الخطيئة، لأنّه يتكلّم لغة الجسد وتاليًا فإنّ هذا الناموس اللحميّ (عبرانيّين 1٧: ١٦) لا يمكنه أن ينتج ثمارًا روحيّة في ما بعد.
يرى Barclay أنّ الناموس يحدّد الخطيئة، وتاليًا حيث لا يكون الناموس ليس هناك من خطيئة (مثال القيادة في الاتّجاهين) (رومية 20:3، 22:3، 13:5، 20:5). قبل الناموس لم يكن أحد يخرق الناموس وتاليًا هناك إحساس بأنّ الناموس يخلق الخطيئة (barclay 140). إلَّا أنّ هذا الطرح لا يقدّم تفسيرًا وافيًا، لا بل يذهب إلى إظهار العلاقة من ناحية أخلاقيّة. الناموس عند بولس الرسول رغم أنّه روحيّ وصالح، إلّا أنّه لم يستطع أن يتعامل مع الخطيئة كعنصر شافٍ لعنصرها الفاسد، بل حاول محاصرتها في أشكالها وأنواعها ولم يجرؤ على أن يقترب من عنصرها القاتل بل زاده وضوحًا وحسب (رومية ٧: ١١ و14). أعاد المسيح الإنسان إلى وجوده الروحيّ فلا تعود هناك إمكانيّة لأن يخاطبه الناموس، وتاليًا أصبح الناموس غير نافع بالنسبة إلى الذين للمسيح يسوع أي الذين صلبوا الجسد مع المسيح. وتاليًا أصبح الحرف عتيقًا أمّا الوجود الجديد فهو السلوك بحسب الروح (رومية ٧: ٦؛ 2كورنثوس ٣: ٦). هذا الوجود الجديد يتحقّق بالمعموديّة، حيث ننال التبنّي (رومية 15:8) وتاليًا لا نعود بحاجة إلى مؤدّبٍ إذ صرنا لآخر (رومية 4:7).
6- الخطيئة والموت:
الخطيئة والموت لهما العموميّة ذاتها، لأنّ الواحدة تكون نتيجة للأخرى. العلاقة السببيّة التي تجمع الموت مع الخطيئة يُعبَّرُ عنها بطريقتين. أوّلًا، بالخطيئة دخل الموت إلى العالم وتاليًا دخل الموت إلى الإنسانيّة جمعاء. ثانيًا، اجتاز الموت إلى جميع الناس لأنّ الكلّ أخطأوا (رومية ٥: ١٢). من المهمّ لفت الانتباه إلى أنّ كلمة موت ترد مرّةً واحدة خارج الإصحاحات (٥- ٨) من الرسالة إلى أهل رومية، وكلمة الخطيئة أيضًا ترد فقط ثلاث مرّات خارج هذه الإصحاحات، وتاليًا نستشفّ أهمّيّة علاقة الخطيئة بالموت. يأتي الموت في معانٍ عدّة، ما يهمنا هو المعنى حيث يكون الموت كنتيجة للخطيئة. وهذا المعنى يأخذ حيّزًا مهمًّا في هذه الإصحاحات. علاقة الخطيئة بالموت ترد أيضًا في مواقع أخرى (أفسس ٢: ١؛ 1كورنثوس ١٥: ٥٦) ولكن يُنظر إلى هذه المواقع انطلاقًا من الإصحاحات (5- 8) في الرسالة إلى أهل رومية. هناك ثلاثة أنواع من الموت كنتيجة للخطيئة: أوّلًا، الموت كقتل (physical death) ويأتي كعقوبة للخطيئة في الناموس الموسويّ (خروج 12:21-17)، هناك أيضًا الموت الطبيعيّ الذي دخل مع الخطيئة الجدّيّة (رومية ٥: ١٢، 14، 17، 21). وأخيرًا هناك الموت الروحيّ. يرى البعض العلاقة بين الموت والخطيئة كعلاقة سببيّة فتكون الخطيئة سببًا للموت. هذا صحيح مئة في المئة فالرسول يسمّي الموت أجرة الخطيئة (رومية 23:6). نرى أيضًا هذه العلاقة طبيعيّة أكثر منها قضائيّة فالموت الروحيّ ليس عقاب الخطيئة إنّما نتيجة حتميّة. أيضًا نرى أنّ لا سلطة للموت على الإنسان إلّا عبر الخطيئة.
من ناحيةٍ أخرى الآية (كورنثوس ١٥: ٥٦) تعبّر بشكلٍ واضحٍ عن علاقة الموت بالخطيئة «أمّا شوكة الموت فهي الخطيئة» أي أنّ الموت دخل بالخطيئة. بكلمة أخرى، هذه الشوكة هي الخطيئة (ἡ ἁμαρτία). يرى Barclay أنّ الخطيئة تجلب موتًا بالمعنيّين الروحيّ والأخلاقيّ (رومية ٧: ١١؛ ٨: ١٠). ثمّ يضيف معتبرًا أنّ الخطيئة لا تجلب فقط الموت الروحيّ والأخلاقيّ إنّما الموت الجسديّ (رومية ٥: ١٢). الخطيئة تملك حتّى الموت (رومية ٥: ١٢). وتاليًا فإنّ عمل المسيح هدفه ألّا نكون عبيدًا للخطيئة في ما بعد، وتاليًا أن نكون عبيدًا للموت (رومية ٦: ٦) (Barclay 142). إذًا للخطيئة علاقة قويّة مع الموت، إذ إنّ موت الإنسان جسدًا وروحًا إنّما هو عائدٌ إلى الخطيئة وناتجٌ منها.
خاتمة:
بعد الإضاءة على هذه الجوانب التي للخطيئة ومحاولة إيضاح بعض التحديدات المتعلّقة بها، نرى أنّ فكر الخطيئة العامل في الجسد يجلب موتًا ودينونة. وتاليًا يجب إعطاء الأهمّيّة ليس للتحديدات النظريّة التي للخطيئة واستنتاج مفاهيم خاطئة تتعلّق بمفهوم الخلاص والتبرير لدى الرسول بولس، إنّما التشديد على عمل المسيح الخلاصيّ الذي وبالجسد ضرب سلطة الخطيئة والموت (رومية 2٨: ٢- ٤) ووهب التبرير ورسم الطريق للاستمرار والمحافظة على هذا التبرير، الذي يتلخّص بصلب الجسد مع الأهواء والشهوات (غلاطية ٥: ٢٤). وتاليًا المهمّ هو تقديم مفهوم الخطيئة على ضوء العمل الخلاصيّ ككلّ الذي تمّ بصليب ربّنا يسوع المسيح وموته وقيامته واهبًا لنا السلام مع اللَّه.