مجلة النور العدد الثاني – 2023
عندما نصغي إلى يسوع نتآلف سريعًا مع صوته. نصبح قادرين، إن أمكن القول، على أن نستشعر رنّة المخلّص أو أسلوبه الخاصّ، الأسلوب الذي يتّسم بالبساطة، والمفعم بالصفاء الهادئ. كلمات السيّد لا تشبه أبدًا ما يتصاعد من أصداء اللاوعي فينا ولا من إغراءات الشرّير. في كلّ كلمة من كلمات المخلّص نتلمّس مكانًا ثابتًا لا تأرجح فيه ويمكن الركون إليه والاستقرار، ونجد مقرًّا نهائيًّا يضع حدًّا للقلق والاضطراب والتشتّت الداخليّ.
«خرافي تسمع صوتي ...» (يوحنّا 10): بالإصغاء إلى يسوع والتآلف مع صوته نكتشف في المعلّم راعيًا ونصبح خرافه. تفتح هذه العلاقة بين الراعي والخراف مرحلة تختلف عن العلاقة بين المعلّم والتلاميذ. يطعم الراعي خرافه ويحضنها ويحميها ويحملها على كتفيه. في هذه العلاقة حنان خاصّ.
«أنا هو الراعي الصالح...»: في اللغة اليونانيّة أنا هو الراعي الحسن، أي الجميل والصالح في آن واحد. ليس صلاح الراعي داخليًّا فقط بل هو جمال يشعّ ويُرى. يشعّ ويجذب. وهكذا يتشارك جماله وحسنه مع من يراه. في الفنّ المسيحيّ القديم يبدو الراعي الصالح بوجه فتيّ فاتن. في هذه الصور شِعر يماثل الربيع لأنّ فتوّة المخلّص دائمة الجدّة كالربيع.
يدعو الراعي خرافه بأسمائها ويقودها... يتفرّغ يسوع للتعرّف الشخصيّ إلى كلّ خروف يرعاه. للعلاقة الشخصيّة أولويّة في الخدمة التي يؤدّيها الراعي الصالح. هو أيضًا باب الخراف. هنا أيضا هو باب لكلّ واحد منها بشكل خاصّ. «من دخل في هذا الباب»: إذًا علينا أن نمرّ عبر هذا الباب، أن نمرّ عبر يسوع المسيح. هو نفسه الباب الشاسع والباب الضيّق. للمرور به علينا أن نتّخذ حجمه. أن ننمو ونتمدّد، أن نتّضع ونحصر نفسنا على قياس المسيح.
أن نتّضع نعم. ولكن لماذا التمدّد؟ الباب شاسع ومرتفع لدرجة أنّ من لا يتمدّد، من لا يصعد، من لا يرفع ألحاظه إلى العلى لن يرى هذا الباب ولن يجده.
ماذا ينتفع من يمرّ ويعبر من هذا الباب؟ يحصد أوّلًا الأمن والأمان: «إن دخل بي أحد يخلص...». ثمّ الحرّيّة والاتّساع في رحاب عالم اللَّه: «يدخل و يخرج ...»، وأخيرًا الغذاء الضروريّ: «ويجد مرعى».
بعد أن أكّد يسوع أنّه الراعي الصالح قال مباشرة: «الراعي الصالح يبذل نفسه عن خرافه». لا يضيف عنصرًا جديدًا بل يوضح ما هو جوهريّ في كينونة الراعي الصالح. بذل النفس مُحتوى في تعريف الراعي الصالح. الرعاية وتقديم النفس كذبيحة واحد في كلام يسوع. المجّانيّة (حتّى الموت) عنصر أساس في جمال هذا الراعي وصلاحه. آلام السيّد تختم صورة الراعي الصالح سرّيًّا.
يذهب الراعي للبحث عن خرافه. أسلوب المخلّص في الاقتراب واضح في نصّ السامريّة: في ذهابه من اليهوديّة إلى الجليل، «كان لا بدّ له من أن يجتاز السامرة» (يوحنّا 4)، مع أنّه كان يستطيع أن يتّخذ طريقًا أخرى. ولكن كان لا بدّ ليسوع من أن يمرّ قرب سيخار ليلتقي السامريّة. هذه ال «لا بدّ» من ضرورات النعمة، من ضرورات انتباه يسوع ورعايته. هل حياتي منسوجة بهذه اللقاءات التي لا بدّ ليسوع من أن يسلكها ليعتني بي؟ يلتقي يسوع بالسامريّة والسامريّين على أرضهم ، في بيئتهم، في المكان الذي تشعر النفس فيه أنّه بيتها. يطلب المسيح من السامرية أن يشرب. هو القادر على أن يعطيها كلّ شيء يقف أمامها طالبًا مستعطيًا. يفتح هذا الموقف الباب لتطلب إليه السامريّة ماء الحياة.
أيضا من رعاية المسيح أنّه كان يحبّ مرثا وأختها مريم ولعازر أخاهما. لا يقول الإنجيل إنّ يسوع أحبّ عائلة بيت عنيا ككلّ. إنّما أحبّ كلّ واحد من الثلاثة حبًّا خاصًّا، بنكهة خاصّة لا تُستبدل. ليس هناك بالضرورة اختلاف بالكثافة بل باللون والفرادة.
وكما يجلس يسوع على بئر يعقوب «هكذا» (يوحنّا 4 : 6) تعبًا من سفر البحث، وهو عطشان ليلتقي السامريّة ويوقظ عطشها، يقعد في الأمكنة التي يعرف أنّني سأمرّ بها لينتظرني، مع تعب البحث والعطش ذاتهما في حنان رعايته لي.
إذهب إلى العمق:
Jesus: A Dialogue With the
Saviour. A Monk of the Eastern Church