مجلة النور العدد الثاني – 2023
هو يعقوب الملقّب بالصغير تمييزًا له عن يعقوب الكبير ابن زبدى. دُعي أخا الربّ وهو ليس الشقيق إذ إنّ الربّ يسوع لا أخوة له، ففي ذلك الزمان الأخ كان أحد أعضاء العائلة القريب. ذُكر اسمه أوّلًا في إنجيل متّى (13: 55)، عندما أخذ يسوع يعلّم في المجمع دُهش المستمعون من كلامه فقالوا: «من أين له هذه الحكمة وتلك المعجزات؟ أليس هو ابن النجّار؟ أليست أمّه تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسف وسمعان ويهوذا؟» من هم هؤلاء الإخوة؟ ربّما هم أولاد أخت مريم أو أولاد شقيق يوسف وهم في عرف اليهود أخوة. وهناك تفسير آخر وهو الأرجح في التراث وهو أنّهم أولاد يوسف البارّ خطيب مريم من زواج سابق قبل مريم. فيوسف كان ترمّل قبل ارتباطه بمريم العذراء. وعرف أيضًا باسم يعقوب البارّ نظرًا إلى قداسة سيرته وشدّة نسكه. كما عرف باسم يعقوب أسقف أورشليم لأنّه أوّل أسقف عليها.
في الرسالة إلى غلاطية (1: 18- 19)، يذكر بولس زيارته الأولى إلى أورشليم بعد إيمانه فيقول «ثمّ بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرّف إلى بطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يومًا. ولكنّني لم أرَ غيره من الرسل إلّا يعقوب أخا الربّ، وواضح من هذه الآية أنّ يعقوب أخا الربّ رسول نظير بطرس والآخرين...
يعقوب عبد اللَّه وعبد الربّ
يسوع المسيح:
في الحقيقة ليس واضحًا تمامًا ماذا حدث ليعقوب حتّى آمن ودعا نفسه «عبد اللَّه وعبد الربّ يسوع المسيح»، كما جاء في الرسالة التي تُنسب إليه وتحمل اسمه (١:١)، غير أنّ الرسول بولس يذكر في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس أنّ الربّ يسوع ظهر ليعقوب شخصيًّا بعد قيامته من بين الأموات (١كورنثوس١٥: ٧). ويبدو، من النصوص الكتابيّة، أنّ يعقوب كان أحد أبرز الوجوه في الكنيسة في أورشليم. فالرسول بولس يذكره في رسالته إلى أهل غلاطية (١٩:١؛ ٩:٢) باعتباره أحد الثلاثة المعتبرين أعمدة الكنيسة فيها. والاثنان الآخران هما صفا (بطرس) ويوحنّا.
ترأس كنيسة أورشليم وصار أسقفًا عليها واستمرّ بها إلى وقت استشهاده. ولا يعرف بالضبط متى صار أسقفًا على أورشليم. لكن هناك رأي يقول إنّ ذلك كان سنة 34م. وهذا التاريخ يتّفق تقريبًا مع شهادة جيروم التي ذكر فيها أنّه ظلّ راعيًا لكنيسة أورشليم نحو ثلاثين سنة وعمله كأسقف على أورشليم يوضح لنا حكمة الكنيسة الأولى في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب...
كان هذا الرسول يتمتّع بشخصيّة قويّة. يعرف بيعقوب البارّ ولا يأكل الزبد ولا يشرب الخمر ولا يعرف شعره الموس، وأنّه بقي عفيفًا إلى نهاية حياته، وكان يكتفي من الطعام بأقلّه، وأنّه كثيرًا ما كان يمضي لياليه في الصلاة حتّى أضحت ركبتاه كالحجر من كثرة السجود. وبسبب حياته ونسكه ومعرفته الواسعة بالكتب المقدّسة وأقوال الأنبياء نال تقديرًا كبيرًا من اليهود وآمن على يديه كثيرون منهم في مدّة أسقفيّته.
تمتّع بسلطان كبير بين اليهود المتنصّرين، وبمكانه كبيرة بين اليهود أنفسهم، ولذا وضع في أورشليم معقل اليهوديّة في العالم كلّه، وإليها يفد آلاف منهم، ليكون كارزًا لهم.. وبناء على تقليد قديم دوّنه لنا أبيفانيوس، كان يعقوب يحمل على جبهته صفيحة من الذهب نُقشت عليها عبارة (قدس الربّ) على مثال رئيس أحبار اليهود.
ترأس أوّل مجمع كنسيّ السنة 50 م. وهو مجمع أورشليم، الذي عـرض لمـوضـوع تهوّد الأمم الراغبين في الدخول إلى الإيمان (أعمال 15) وكـان رأيه هو الفصل. يبدو أنّه هو الذي كتب بنفسه قرار مجمع، إذ لاحظ العلماء تشابهًا بين أسلوب ذلك القرار وأسلوب الرسالة التي تحمل اسمه (رسالة يعقوب)، ما يدلّ على أنّ كاتبهما شخص واحد. والرسول بولس يذكره كأحد أعمدة كنيسة الختـان الثلاثة، الـذين أعـطـوه مـع برنابا يمين الشركة ليكرز للأمم، بل ويورد اسم يعقوب سابقًا لاسمي بطرس ويوحنّا ما يدلّ على مكانته (غلاطية 2: 9).
استشهاده
أثار إقبال اليهود على الإيمان المسيحيّ بسبب يعقوب حنق رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيّين عليه فقرّروا التخلّص منه. وذكر يوسيفوس - وأيّده في ذلك كلمنضيس الإسكندريّ – أنّ اليهود أوقفوه فوق جناح الهيكل ليشهد أمام الشعب ضدّ المسيح... فلمّا خيّب ظنهم وشهد أنّ يسوع هو المسيّا وهتف الشعب أوصنا لابن داود، صعدوا وطرحوه إلى أسفل، أمّا هو فجثا على ركبتيه يصلّي عنهم بينما أخذوا يرجمونه، وكان يطلب لهم المغفرة. وفيما هو يصلّي تقدّم قصّار ملابس وضربه بعصا على رأسه فأجهز عليه ومات في الحال وكان ذلك في سنة 62 وسنّه 63 بحسب رواية يوسيفوس وجيروم وفي سنة 69 بحسب رواية هيجيسبوس. والرأي الأوّل هو المرجح. يوسيفيوس المؤرّخ اليهوديّ الذي عاصر خراب أورشليم، لم يتردّد في الاعتراف بأنّ ما حلّ باليهود من نكبات ودمار أثناء حصار أورشليم، لم يكن سوى انتقام إلهيّ لدم يعقوب البارّ.
رسائله
ترك لنا هذا الرسول، الرسالة الجامعة التي تحمل اسمه والتي أبرز فيها أهمّيّة أعمال الإنسان الصالح ولزومها لخلاصه إلى جانب الإيمان، وهي مجموعة حكم وإرشادات تتناول السلوك المسيحيّ والحياة الرعائيّة، كالصبر في الشدائد والإيمان الفاعل بالمحبّة وضبط اللسان وأهمّيّة الصلاة والتحذير من خدمة اللَّه والمال سواء بسواء.
أمّا عن تاريخ كتابتها، فهناك رأي يقول إنّه كتبها في الأربعينيّات قبل مجمع أورشليم، ورأي آخر يقـول إنّه كـتبـها قبيـل استشـهاده بوقت قصير... تُنسب إليه أيضًا ليتورجيا «قدّاس القدّيس يعقوب أخـي الربّ»، التـي يظنّ الدارسون أنّها تعود إلى أواخر القرن الرابع أو مطلع القرن الخامس، وأنّها تُعتبر المصدر الأساس لقدّاس باسيليوس وقدّاس الذهبيّ الفم، إلّا أنّها سقطت من الاستعمال في نهاية القرن الثاني عشر. وتجدر الملاحظة أنّ هذه الخدمة تقام مرّة واحدة في السنة في كنيسة أورشليم نهار عيده.
قال عنه القدّيس إيرونيموس إنّه كرز بالإنجيل لأسـبـاط إسـرائيل الاثني عشر في الشتات. وفي تـقـليـد الـكـنيـسـة فـي أسـبـانيـا أنّ يعقوب بشَّر فيها.