العدد الثاني - سنة 2023

13 – خاطرة: أترك كلّ شيء واتبعني... / كارولين طورانيان - العدد 2 سنة 2023

مجلة النور العدد الثاني – 2023

 

كيف نترك كلّ شيء ونحن مُعلّقون ومتعلّقون بكثير من الأمور في حياتنا. متعلّقون بهمومنا وتساؤلاتنا وهموم عائلاتنا وهموم الوطن. كيف نترك كلّ شيء ولمن نترك كلّ شيء؟

عندما استطاع بطرس أن يمشي على الماء للحظات وهو شاخص صوب يسوع نسي كلّ شيء من حوله، كلّ خطر داهم. لذا أسمحوا لي بأن أُقارب هذه الآية بطريقة مختلفة وأقول «إنسَ كلّ شيء واتبعني». ألا تظنّون أنّها دعوة عشق؟ نحن لا نجيد ترك أيّ شيء، أوّلًا خطايانا وبخاصّة همومنا واهتماماتنا، وطالما نحن متكمّشون بها ومنغلقون على ذواتنا فنحن سنضيع ونخسر الكثير من الوقت. مع ذلك أعتقد أنّنا كلّنا نجيد النسيان، نعم النسيان. ومن لا يجيده؟ يسوع يدعونا إلى أسلوب حياة جديد، إلى فكر جديد وقلب جديد. عندما نظر بطرس حوله ورأى العاصفة وخطر الموت انهار وكاد يغرق. نسي وجود الربّ وتعلّق بمخاوفه وهواجسه وهمومه، وللحظة اعتقد أنّه يمكنه أن يعتمد على ذاته، فكاد يغرق لولا أنّه صرخ من عمق مأساته «يا ربّ نجّني». كم من مرّة نكاد ننهار أمام المصاعب والضيقات والهموم؟ نحتاج إلى أن نصرخ من عمق القلب يا ربّ نجّني ونمدّ يدنا للربّ. نعم هذه الصرخة يمكنها أن تفعل الكثير في لحظات. ليس بالسهل أن نتعلّق بهمومنا ونُفكر فيها وننزعج من ضيقاتنا. علينا بلحظة وبسرعة أن نلتفت صوب الربّ ونطلب إليه وحده المعونة الأولى والأخيرة وننسى همومنا ونتعلّق به وحده، يجب أن ننسى كلّ ما حولنا من مشاكل وهموم ونركّز على الهدف. ليس هناك وقت نُضيِّعه. الربّ مبتغانا. عندما نُحبّ ننسى كلّ شيء ولا نعود عقلانيّين، نريد أن نكون مع محبوبنا وحتّى لو كان هناك حرب في الخارج نُفضّل أن نبقى معه ونموت معه. هكذا هي العلاقة مع الربّ يسوع. عندما نُحافظ على الروح القدس لا داعي لأن نهتم لأيّ شيء آخر او نخاف على أيّ شيء آخر، هذا ما قاله الأب يوسف (رئيس دير القدّيس جاورجيوس دير الحرف) في حديث مُسجّل. أي اطلبوا أوّلًا ملكوت السماوات وكلّ شيء يُزاد لكم.

كيف يمكننا أن ننسى ونترك ونحن مشتّتون خائفون من ظلالنا في وسط هذا العالم الهائج؟ علينا أوّلًا أن نتذكّر خبراتنا السابقة مع يسوع، وثانيًا أن نطلب ونتضرع ونعد الربّ بأنّنا سنخدمه في كلّ أمور حياتنا ونترك الباقي له وبين يديه وننساه. بعدها نبدأ بالخدمة ولا ننظر إلى الوراء.

لن ننتظر أن تزول مشاكلنا وهمومنا وأفكارنا لكي يكون بمقدورنا خدمة يسوع، علينا أن نخدمه كلّ يوم في وسط هذا العالم، وهو يُدبّر أمورنا ولن ينسانا وبهذا ستخفّ وطأة الهموم علينا وعلى الآخرين معًا. الرسل كانوا اثني عشر واستطاعوا أن يغيروا العالم.

عندما نخدم اللَّه نستنير ونُنير، عندما نخدم أخوتنا نُعزّي ونتعزّى، نُفرح فنفرح، نزيد من رجاء الآخرين ويزداد رجاؤنا، ينمو الآخر وننمو معه، نخدم فكريًّا فينمو فكرنا وفكر الآخرين في الإنجيل والعلم، نخدم بالمال فتزداد بركاتنا، نخدم بأيّ شيء فيزيد ولن ينقص.

على ذهننا أن يكون مركّزًا على الربّ، لأنّه أعطانا ذاته على الصليب، والصليب هو قوّة اللَّه، نخدمه بالفكر والقلب والنفس والجسد فيصير هو الكلّ في الكلّ. ويكون بإمكاننا أن نغلب أيّ همّ به ومعه ومن أجله. فيأخذنا بحنانه ويفيض علينا وعبرنا على كلّ الناس والإخوة فنغيّر العالم من حولنا ولا ندعه يُغيرنا. 

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search