العدد الأوّل - سنة 2023

13 – خاطرة: أيّ مساواة بين الرجل والمرأة نريد؟ / كارولين طورانيان - العدد 1 سنة 2023

مجلة النور العدد الأول – 2023

 

 

 قبل الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة، لنتأمّل قول الشمّاس إسبيرو (جبّور) عن النساء: «على الكنيسة أن تهتمّ بتربية الصبايا والنساء وأن تعتمد عليهنّ، لنشوء مجتمع مسيحيّ، ناجح، وكنيسة ناجحة. الحبّ الحقيقيّ، مغروس في النساء أوّلًا، لأنّ المرأة أمّ، والأمّ كائن حنون لطيف، تستطيع، أن تجعل البيت، والكنيسة، فردوسًا أرضيًّا. الأمّ هي الرسول الأوّل...». أريد أوّلًا أن أقسم هذا المقطع إلى قسمين. الجزء الأوّل والذي يحدّث عن نفسه هو اهتمام الكنيسة بتربية الصبايا والنساء والاعتماد عليهنّ للنهوض بمجتمع مسيحيّ ناجح.. أؤمن بأنّ للنساء دورًا كبيرًا في هذا الأمر وأعتقد هذا ما يحصل في الواقع في  كنائس عدّة من مختلف الطوائف. لكن لا أعتقد أنّ التركيز الأحاديّ عليهنّ يكفي على الأمد القصير والطويل أو أنّه يكون مثمرًا كفاية. عدا هذا التركيز الأحاديّ على النساء فأنا لا أرى حضورًا فعّالًا وكافيًا لهنّ في الكنائس الأرثوذكسيّة. الحجّة التي يعتمد عليها الشمّاس إسبيرو (جبّور) هي أنّ الحبّ الحقيقيّ مغروس فيهنّ أوّلًا.. للوهلة الأولى يبدو هذا الكلام رائعًا وهو يغريني لكي أعتقد أنّ في المرأة حنانًا لا مثيل له عند الرجل. من ناحية أخرى أعتقد أنّنا في الشرق نتذرّع دائمًا بأمومة المرأة وحبّها الفائق وحنانها الذي لا مثيل له، لكي نلقي عليها كلّ حمل العناية بالأطفال ورعايتهم وتربيتهم عدا العمل خارج البيت وداخله. والرجل في كثير من الأحيان يترك أمر التربية والإهتمام بالأولاد للأمّ لأنّه اعتاد سماع قول إنّ المرأة عظيمة في أمومتها واهتمامها بالأولاد، فيبقى جانبًا لا يشارك مشاركة فعليّة كافية مع المرأة في الاهتمام بالأولاد وتربيتهم، لأنّ الاهتمام بكلّ أمورهم هو تربية أيضًا لأنّهم بذلك يرون المثل الذي سيكونونه في المستقبل، أمامهم. أعتقد وعندي قناعة راسخة بأنّنا علينا جميعًا أن نخرج من هذا الإطار الضيّق الذي يحصر المرأة في الأمومة والتربية التي خلقت المرأة وحدها من أجلهما برأينا، ومن الأفضل لنا كشرقيّين ألّا ندع تفكيرنا الشرقيّ الذي نحن متمسّكون به في كثير من الأحيان، يجعلنا نكرّر ذواتنا وننسخها من جيل إلى جيل. ليس خطأ أن نعتبر الحبّ الحقيقيّ مغروسًا أوّلًا في النساء، كما يبدو، ولكن لنتروّ قليلًا ونفكر. هل هذا صحيح؟ ليسأل الرجال، من كهنة وعلمانيّين أنفسهم هذا السؤال بعمق على ضوء حبّ الربّ للكنيسة ولهم، وعلى ضوء العلم والمنطق والخبرة الإنسانيّة والروحيّة؟ هل هذا صحيح؟ في الحقيقة لا أريد أن أجيب عن الرجل، ولكن يحقّ لي أن أكتب ما أراه فيه.

المثال من الإنجيل

لننتقل معًا إلى التأمّل بمشهديّة آلام الربّ ومن رافقه على الصليب. مريم العذراء كانت واقفة هي والنسوة عند صليب يسوع والرسل هربوا ما عدا يوحنّا الحبيب. يوحنّا الإنجيليّ وحده لا يستعمل كلمة «عن بعد» عندما يتحدّث عن النسوة وهو وحده يذكر مريم العذراء مع النسوة عند الصليب: «وهناك، عند صليب يسوع، وقفت أمّه، وأخت أمّه مريم زوجة كلوبّا، ومريم المجدليّة» (يوحنّا 19: 25)، انظر أيضًا (متّى55: 27)، (مرقس 40: 15)، (لوقا 49: 23). كأنّ يوحنّا الحبيب المعروف بإنجيله الذي يحدّثنا فيه عن حبّ الربّ للتلاميذ وحبّه للبشر، يريد أن يحدّثنا عن القربى والحبّ الذي بين النسوة ومريم العذراء والربّ.

في كتاب «سرّ الآلام» للمتروبوليت سلوان موسي، يقول الكاتب: «وبكلمات أخرى، يقوم يسوع بتصريح يتجاوز صراحة موضوع الرؤية المادّيّة، لأنّه يكشف سرّ رسالة أو مصيرًا... وهذا ما نجده في (يوحنّا 25:19- 27) «فرأى يسوع أمّه وإلى جانبها التلميذ الحبيب إليه. فقال لأمّه: «هذا ابنك...» إنّ هذا القول «الكشفيّ» على مشهد الوداع ومجموعة المؤمنين التي ذكرها يوحنّا عند قدم الصليب هي، منذ تلك الساعة، الكنيسة الأولى، وهذا ما يؤكّده التفسير الكنسيّ والأسراريّ لرمزي الدم والماء اللذين يخرجان من جانب المصلوب المطعون» (ص 235).

مجموعة المؤمنين الذين ذكرهم يوحنّا والذين كانوا عند الصليب هم النسوة ومريم العذراء ويوحنّا نفسه هم الذين حسب المتروبوليت سلوان الكنيسة الأولى... «ويوحنّا يتأمّل بهذه الكنيسة الخارجة من تضحية المسيح، والمؤلّفة إلى الأبد من مريم - الأمّ – ومن التلاميذ الذين يحبّهم يسوع» (سرّ الآلام، ص. 263).

لا أريد أن أنتقص من دور مريم العذراء هنا لا سمح اللَّه، ولكنّي أسلّط الضوء على أهمّيّة وجود النسوة أيضًا. إذا تأمّلنا  العبارة التالية: “الكنيسة الخارجة من تضحية المسيح” على ضوء إنجيل يوحنّا، نجد أنّ الربّ أسّس الكنيسة بحبّه والآمه على الصليب. بكلمات أخرى حضور النسوة في لحظات كهذه ليس عرضيًّا أو شكليًّا، بل هو حضور مليء بحبّهنّ ليسوع كأخ، وأب، وابن وحبيب، ألم يقل الربّ من يعمل مشيئتي هو أخي وأختي وأمّي؟ وهنّ كنّ قد تبعنه وخدمنه أثناء تجواله وبقين معه عند الصليب حتّى القيامة.

لماذا بقيت النسوة عند الصليب ولم يهربن خوفًا من اليهود، أو خوفًا من رؤية أخيهم الحبيب وابنهم وربّهم يغرق في دمه ويموت. هل هناك جواب آخر سوى الحبّ؟ لا لا أعتقد! هو غيّر كيانهنّ من الداخل، صار يحيا فيهنّ بالحبّ لذا صمدن أمام صليبه وموته وآلامه والدليل على ذلك هو بقاء يوحنّا المسمّى بالحبيب والمعروف بإنجيله العميق الذي يأخذ القارىء، رجلًا كان أو امرأة ليتّكىء مثله، على صدر يسوع ويحبّه بقوّة وعمق. حبّه للربّ أعطاه الجرأة ليبقى عند الصليب، وهو الحبّ عينه الذي يربط بين يسوع والنسوة والذي جعلهنّ يبقين عند الصليب.

لا أعتقد أنّ نسبة الحبّ وقوّته وحقيقته التي تربط النسوة بالربّ تختلف كثيرًا عن نسبة الحبّ وقوّته وحقيقته التي تربط بين يوحنّا الحبيب والربّ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النساء اللواتي يشبهن النسوة والرجال الذين يشبهون يوحنّا الحبيب. الاختلاف يكمن في التعبير، وطريقة التعبير والطباع، والشخصيّة. لا أسعى إلى محو الاختلاف بين الرجل والمرأة. ألم يقل بولس الرسول إنّ «لا رجل ولا امرأة في المسيح يسوع»؟ في الربّ! نعم في الربّ! وأين يمكننا أن نذهب ونعيش سوى في الربّ. على مثال مريم العذراء والنسوة ويوحنّا الحبيب.

 إذًا هذه هي الكنيسة التي أسّسها المسيح عند أقدام الصليب والتي لم يقم الربّ فيها فرْقًا بين النساء والرجال. والكنيسة تعلّمنا أنّ الحبّ، هو الهدف، حبّ الربّ والإخوة والناس أجمع، الحبّ الخالي من الأنانيّة، والحبّ النقيّ والطاهر والباذل نفسه على مثال الربّ. أيمكننا أن نظنّ أنّنا قادرون على دخول الملكوت بدونه عبر الصلوات والأصوام التي هي في الحقيقة وسائل وليست أهدافًا. نعتقد في مجتمعاتنا الذكوريّة في محيطنا وفي اللاوعي أنّ الرجل هو نموذج الإنسان الكامل، هو المثل. وما هو الرجل بدون الربّ وحبّه في الحقيقة؟؟

لن نعيش في سلام لا في الكنيسة ولا المجتمع ولا العالم، ما دمنا نرسّخ الاختلاف الكبير بين الرجال والنساء. الاختلاف البيولوجيّ موجود، والطبيعة البيولوجيّة المختلفة تؤثّر إلى حدّ كبير في سيكولوجيّة المرأة والرجل، ولكن حسب الإنجيل وكلام الرسول بولس حول علاقة النسوة بالربّ في الإنجيل وعلاقة يوحنّا الحبيب بالربّ، لا يوجد فرق كبير في نسبة وقوّة وحقيقة الحبّ بين النسوة اللواتي يمثّلن النساء المؤمنات والربّ ويوحنّا الحبيب الذي يمثّل الرجال المؤمنين والربّ. الاختلاف يبقى ولكن في طريقة التعبير والعطاء وترجمة هذا الحبّ.

في مقاربتي لهذا الموضوع ليس عندي أهداف أو نيّة بالمطالبة بكهنوت المرأة.

يعتبر يوحنّا الإنجيليّ مثالًا للمؤمن الكامل ولكلّ الرجال المؤمنين أيضًا، وهو المسمّى بالحبيب والذي اتّكأ على صدر المسيح. إنجيله انجيل الحبّ والقربى من الربّ بامتياز. ولذا ينبغي ألّا نكرّر ونقول رجالًا كنّا أم نساء، إنّ «الحبّ الحقيقيّ مغروس أوّلًا في المرأة». لأنّنا بذلك نترك، شئنا أم أبينا، الرجل جانبًا ولا ندعوه إلى تحمّل مسؤوليّة المشاركة الكاملة مع المرأة في تربية الأولاد والاهتمام بهم وبذل نفسه بالحبّ المترجم فعلًا وعملًا في البيت أيضًا. في الواقع، اعتادت المرأة تربية الأولاد بدون مشاركة كافية من الرجل في الكثير من الأحيان، ونحن اعتدنا أن نعلّي من شأن المرأة لتضحياتها الجمّة. واعتاد الرجل، عبر تكرارنا المستمرّ، على اعتبار هذه التضحيات خاصّة بالمرأة وحدها.. هي تتربّى على العناية بالآخرين ورعايتهم منذ صغرها لأنّها تريد أن تتشبّه بأمّها. وهو يتشبّه بأبيه الغائب في الكثير من الأحيان، الموجود من دون أن يكون حاضرًا ومشاركًا ومحاورًا فعليًّا، المحبّ والمضحّي والذي يضع مسافة بينه وبين زوجته وأولاده في الكثير من الأحيان..

ما المطلوب من الرجل؟

حين يشهد الأولاد، منذ السنين الأولى، تعاون الأب والأمّ في المنزل بحبّ من القلب كبير وصادق، سيدركون حقيقة أنّ لا فرق بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، أو في الكرامة والقيمة في العائلة والمجتمع والمؤسّسات كافّة والكنيسة. ويتعلّم الصبيان والرجال الرعاية والاهتمام والعناية بالآخرين وإعطاء الحبّ والحنان حيث يجب. لأنّ الربّ هو منبع الحبّ أصلًا. بذلك يصير عندنا ثقافة تواصل ومحبّة أوسع وأكبر وأعمق، تنتشر في كلّ نواحي المجتمع ومؤسّساته وقوانينه وسياسته.

علينا أن نطالب الرجل بالمشاركة الكافية مع المرأة في شؤون العائلة والتربية والرعاية بالأطفال. حتّى لو كانت المرأة تعمل في البيت فقط والرجل خارجه. مطلوب من الرجل أن يشارك المرأة أكثر، كلّ واحد حسب طاقته وظروفه، ولكن لتكن مشاركة حيّة من القلب بحيث نفكّر ماذا نريد أن ننقل إلى الجيل الجديد، أي صورة عن المرأة ودورها وقيمتها وعن علاقتنا بها نريد أن نورث للجيل الجديد.

في الكنيسة، الكهنة لهم سلطة ودور كبير، في طرح الأمور الحياتيّة المهمّة، لذا حبّذا لو كلّ واحد منهم يجتهد لكي يوجّه الرجال في الرعيّة، من حين إلى آخر، إلى مشاركة وتعاون أكبر مع نسائهم. نادرة هي الكتب الثقافيّة والعلميّة والكنسيّة التي تتحدّث عن الرجل. هل المرأة وحدها هي موضوع البحث ويمكننا أن نضعها تحت المجهر من دون الرجل، لأنّ الرجل هو المثال والنموذج للإنسان الكامل الذي لا يساءل؟ لذا رجائي هو أن نكتب ونسائل ونبحث ونتحدّث أكثر عن الرجل، ونطالبه بالمشاركة الفعليّة وبطريقتنا لكي نصل إلى توازن أكثر بين المرأة والرجل في كلّ شؤون الحياة والعائلة والأرض والوطن والكنيسة. قوّة الحبّ وحقيقته التي عند المرأة موجودة عند الرجل أيضًا، أو اعذروني إن قلت إنّها مدفونة في أعماقه، وهو ربّما يخاف منها أحيانًا لأنّها تقرّبه أكثر من الكائن الذي بنظره يختلف عنه كلّيًّا. أعرف رجالًا بكلّ ما للكلمة من معنى، يعيشون بيننا لديهم عبر اتّحادهم بالربّ كمّيّة وقوّة حبّ وتضحية عظيمة، وأعرف آخرين يشبهون الأوّلين إلى حدّ ما وربّما بالفطرة، ولكنّهم هم أنفسهم لا يظهرونه إلّا بطريقتهم وأسلوبهم. إذا تجرّأ الرجل على أن يعترف بهذا الأمر والتحدّث به وعيشه باستقامة وحقّ وتنميته أكثر فأكثر بعلاقته بالربّ وعائلته وزوجته وإخوته مع المحافظة على شخصيّته الخاصّة، سوف يكون بمقدورنا أن نعيش الملكوت والسلام وننشره حولنا بسهولة كبرى. أم أنّنا كيف نكون كلّنا، رجالًا ونساء، مدعوّين لكي نتشبّه بمريم العذراء ويوحنّا الحبيب والنسوة، إن لم نتشبّه بامتلائهم من الربّ، وحبّه الأعظم، واتّحادهم به وترجمة هذا الحبّ فعليًّا من أجل خلاص العالم.

«لأنّكم جميعًا أبناء اللَّه بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنّ كلّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهوديّ ولا يونانيّ. ليس عبد ولا حرّ. ليس ذكر وأنثى، لأنّكم جميعًا واحد في المسيح يسوع»، (غلاطية 3: 26- 28).

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search