أيًّا كان تاريخ كتابة سفر راعوث، يبقى الثابت أنّه دخل قانون الكتاب المقدّس الكنسيّ في وقت متأخّر نسبيًّا. يُرجّح أنّ «الترجمة السبعينيّة» (اليونانيّة) نقلته إلى موقعه بين سفري القضاة والملوك. هذه النقلة كانت منطقيّة. ذلك بأنّ سفر راعوث يبدأ بالقول: «حدث في أيّام حكم القضاة» (١: ١). كانت التوقّعات الأخلاقيّة في أثناء حقبة القضاة منخفضة جدًّا. لدرجة أنّ شخصيّتين، مثل يفتاح وشمشون اعتُبرتا، من «رجال الفضيلة».
موقع السفر هذا لم يكن ملائمًا فقط لتقديم قصّة راعوث في السياق التاريخيّ، بل أيضًا في «الدليل اللاهوتيّ» المناسب. اختتم سفر القضاة بالقول: «في تلك الأيّام لم يكن ملك في إسرائيل. كلّ واحدٍ عمل ما حسن في عينيه» (١٢: ٢٥)! وهذا يعني أنّ سفر راعوث يضع قصّته في سياق فوضى ما قبل المَلَكيّة في زمن القضاة. بهذه الإشارة في مطلع السفر، يحثّنا مؤلّف راعوث على التفكّر في مدى الانحراف في أثناء زمن القضاة، لكي يتمكّن من مقابلتها بـ«الاستقامة الروحيّة» للقصّة التي هو على وشك كتابتها.
لذلك، ينتهي سفر راعوث بالتنبّؤ بالتغيير المنتظر، عندما «عوبيد ولد يسّى، ويسّى ولد داود» (٤: ٢٢). تقدّم قصّة راعوث بصيص رجاء يشرق على بيئة من الظلام الأخلاقيّ. يتمّ فيه وضع البرَكة بدلًا من اللعنة، واللطف بدلًا من العنف، والاستقامة بدلًا من الانحراف.
هذا التباين بين الظلمة و«النور الجديد» في هذه القصص، يتعلّق بشكل بارز بموضوع الانحلال الجنسيّ. فبينما ينتهي سفر القضاة بقصص دنيئة مثال «سُرّيّة اللاويّ» التي تعرّضت للاغتصاب الجماعيّ حتّى الموت (١٩: ١- ٢٨) واختطاف عذارى «يابيش جلعاد» (٢١: ١٢)، يصوّر سفر راعوث بالمقابل، أفضل ما يمكن وصفه، بقصّة حبّ بوعز وراعوث الرومنسيّة.
تربط هذه «النبرة الجنسيّة» سفر راعوث، لا فقط بسفر القضاة، بل بالتكوين أيضًا. راعوث هي في الأخير موآبية. هي سليلة سفاح القربى بين لوط السكران وابنته الكبرى (تكوين ١٩: ٣٣- ٣٧). هذه التفاصيل وثيقة الصلة بقرار لوط السابق بالاستقرار في سدوم. هؤلاء اللوطيّون، مثال «مغتصبي جِبْعة» في آخر سفر القضاة (ص ١٩)، يتمّ تصويرهم كـ«مرتكبي جرائم جنسيّة» عنيفة. في كلّ من الروايتين يتمّ التعبير بوضوح عن الجنس بطرائق غير لائقة.
هذا أثّر في لوط تأثيرًا سيّئًا جدًّا. لولا شفاعة إبراهيم، لكان لوط هَلكَ مع هؤلاء الناس «لمّا أخرب اللَّه مدن الدائرة. ذكر اللَّه إبراهيم وأرسل لوطًا من وسط الانقلاب» (تكوين ١٩: ٢٩). بمعنى ما، راعوث هي إذًا، استجابة لصلاة إبراهيم.
بسبب تصميم راعوث على الانضمام إلى شعب إسرائيل، عبر حملها طفل بوعز في إطار الزواج، «عكست» راعوث مفاعيل خيار سلَفها القديم لوط وفكّت غربته عن أبناء إبراهيم. يتزوّج أحد «أبناء ابراهيم» بإحدى «بنات لوط»…! علاوة على ذلك، صارت راعوث، في حَبَلها، «قناة» غريبة يصل إبراهيم عبرها إلى داود، وبذلك تتحقّق نبوءة يعقوب لسبط يهوذا عن الملكيّة: «يسجد لك بنو أبيك» (٤٩: ٨).
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المجاعة في بداءة سفر راعوث تربط هذا الكتاب أيضًا بسفر التكوين. فبعد المجاعة في أرض الميعاد التي أجبرت إبراهيم على أن يهاجر إلى مصر، ثمّ عودته إلى رعاية قطعانه الوفيرة مع لوط ابن أخيه، اكتشفا، أنّ «الأرض لم تحتملهما أن يسكنا معًا إذ كانت أملاكهما كثيرةً فلم يقدرا على أن يسكنا معًا» (١٣: ٦)، فانفصل أحدهما عن الآخر. وحكَمَهما هذا الانفصال إلى زمن ظهور راعوث.
كذلك، تشكّل قصّة المجاعة في بداءة سفر راعوث نظرة الى الماضي، إلى الآباء، الى يعقوب صاحب البديهة الفطريّة، عندما واجه المجاعة، فأرسل أبناءه إلى وادي النيل، حيث كانت فرص أفضل لهم للعثور على الطعام. على النقيض من يعقوب، في مطلع سفر راعوث، ذهب أَليمالك ليتغرّب باتّجاه الشرق إلى موآب، حيث كانت الظروف الاقتصاديّة مماثلة لتلك الموجودة في أرض الميعاد! لمَ اتّخذ أليمالك هذه الخطوة غير المحتملة؟
الجواب اللاهوتيّ للسفر: الهدف هو اصطحاب راعوث وإحضارها إلى بيت لحم!
هكذا فقط يمكن أن ينظّم «نور ملكيّة داود» الفوضى الصريحة في سفر القضاة، ويضع الاستقامة بدلًا من الانحراف.