العدد الرابع - سنة 2022

06 - قضايا معاصرة - لا تسيئوا إلى أولئك الصغار:عن الألعاب والأولاد للراهب إيلاريون - الأب سيرافيم (داود) - العدد 4 سنة 2022

لندع جانبًا كلّ ما يُفسد بالمثال والتجسيد.

من المعروف قدر القوّة التي تمارسها الصور الفاسدة

على الروح مهما كان الشكل الذي تتّخذه

 أو التأثير الذي تفرضه.

 

تُشير الإحصاءات إلى أنّ 80% من الألعاب تُباع في فترة ما قبل عيد الميلاد، إذ تُنفق عليها مبالغ طائلة. فمثلًا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 1985، أنفق أحد أكبر مصنّعي الألعاب «ماتيلل» 40 مليون دولار على التسويق للألعاب فقط. بحلول العام 1985، قُدّر المبلغ الذي ينفقه الأهل على الألعاب الحربيّة سنويًّا بـ 842 دولارًا، وهذه تمثل حتّى الآن نوعًا واحدًا من بين أنواعٍ من الألعاب المختلفة المتاحة، رغم كونها النوع الأكثر شيوعًا والأرباح عادة تكون ضخمة أيضًا، وهذا يستدعي استخدام أساليب تسويق وإعلان أكثر تطوّرًا. فكيف ينبغي أن نستجيب لها؟ كيف لنا أن ننظر إلى مسألة الألعاب بشكلٍ عامّ كمسيحيّين أرثوذكسيّين؟

 من الواضح أنّه لا يمكن عزل مسألة الألعاب عن المسائل الأخرى. فمن جهة، يرتبط أسلوب لعب الطفل بتربيته الروحيّة المسيحيّة ارتباطًا وثيقًا. ومن جهةٍ أخرى، تستغلّ قوى التسويق النواحي المخفيّة والمظلمة في ذهن الطفل، أي الناحية التي نعتبرها نحن المسيحيّين مجال طبيعتنا الساقطة.

تبدأ مسؤولية الأهل في فترة الرضاعة. يتحدّث القدّيس الأسقف ثيوفان الحبيس عن البيئة التي يجب أن يستحدثها الأهل، إذا ما رغبوا في إرشاد أطفالهم إلى نَيل نعمة الروح القدس، فيقول: «عبر المعموديّة، توضع بذرة الحياة في المسيح في الرضيع وتوجد فيه». ويقول القدّيس ديادوكوس شارحًا قوّة المعموديّة، «إنّ الخطيئة تسكن في القلب قبل المعموديّة والنعمة تتصرّف من الخارج. لكن بعد نَيل المعموديّة، تستقرّ النعمة في القلب وتجذبنا الخطيئة من الخارج».

يتعيّن على الوالدَين والعرّابَين بعد المعموديّة توجيه الرضيع نحو وعيٍ تدرّجيّ لقوّة النعمة المُعطاة له، ثمّ نحو قبولٍ مُفرحٍ للالتزامات وطريقة الحياة التي يطلبونها منه. وعندما تستيقظ قوى الطفل واحدة تلو الأخرى، ينبغي لأهله والمسؤولين عن تربيته أن يُضاعفوا يقظتهم.

تدخل المصالح في هذه المرحلة تحديدًا سياق النزاع. فهي قد حلّلت بعمقٍ هشاشة الأطفال في هذه الفترة من حياتهم، وأسرعت في استغلال مواطن فشل الأهل الحائرين بسبب تفكّك المُثل المسيحيّة في مجتمعنا، والمرتبكين بوجه أحدث التوجّهات في «علم نفس الأطفال»، والذين يكونون هم أنفسهم نتاج طفولةٍ فوضويّة. أضف إلى ذلك اختراع التلفاز وظاهرة العائلة التي يشغل فيها الوالدان وظائف بدوامٍ كامل، فتكون النتيجة المتّفق عليها شبه عالميًّا لهذه الحالة هي ملء التلفاز للهوّة التي تركها الأهل فارغة. فعبر الهوّة وبواسطة التلفاز، تسرّبت المؤثّرات المؤذية لتربية الأطفال المسيحيّة، وبدأت المصالح تتلاعب بعقول الأطفال بهدف الاستغلال التجاريّ. وبنتيجة هذا الفراغ، يمضي الأطفال الذين ما يزالون في مرحلة الحضانة وقتًا أكثر في مشاهدة التلفاز مقارنةً بالوقت المخصّص للحصول على شهادةٍ جامعيّة. وبحلول وقت التخرّج من المدرسة الثانويّة، سيكون الطفل العاديّ قد أمضى ما يقارب الـ11000 ساعة في المدرسة و22000 ساعة أمام التلفاز! ويصبح النوم النشاط الوحيد الذي يمضي فيه الأطفال وقتًا أكثر من مشاهدة التلفاز.

الصلة القائمة بين الألعاب والتلفاز متينة للغاية. حتّى مؤخّرًا، لم تبثّ الشبكات الإذاعيّة الثلاث الأهم في الولايات المتّحدة الأميركيّة برامج رسوم متحرّكة تعدّها شركات الألعاب لأنّها عرفتها على حقيقتها، فهي إعلانات تجاريّة موسّعة مصمّمة لبيع الألعاب وليس للترفيه عن الأطفال. لا تكمن المشكلة في اللعبة ذاتها في غالبيّة الوقت، بل يكمن الخطر في الصور الغامضة والعنيفة أحيانًا المرتبطة بها، والتي تُنقل إلى الطفل بواسطة الرسوم المتحرّكة على التلفاز وفي الأفلام. يعي الطفل كيف عليه أن يلعب باللعبةِ لأنّه يعرف قدراتها وخصائصها كما رآها على التلفاز. فهو ما عاد بحاجةٍ إلى الاستعانة بمخيّلته لإحياء اللعبة إذ استلمت الرسوم المتحرّكة هذه المهمّة. سيتصوّر الطفل إذًا الحالة ذاتها التي شاهدها. وتاليًا، إذا كانت الحالات التي يُشاهدها مشحونة بالعنف أو الرمزيّة والممارسات الشيطانيّة، سيزداد توظيفه لهذه النواحي في ألعابه، ما سيضاعف وجود الغموض والعنف في حياته. من الناحية العمليّة، ستكبح هذه الصور الملقّنة له نموّ مخيّلة الطفل لأنّه، وفي ظروفٍ طبيعيّة، يُسقط مخيّلته على اللعبة. فعبر الألعاب المستوحاة من الرسوم المتحرّكة يعرف الطفل كلّ المعلومات اللازمة عن اللعبة، إذ جهّزته الرسوم المتحرّكة مسبقًا للعب بها بطريقةٍ معيّنة.

ويطرح السؤال: لماذا يرتكز عددٌ من الألعاب والرسوم المتحرّكة على الرموز الغامضة؟ للإجابة يتعيّن علينا الأخذ بالاعتبار الأشخاص الذين يبتكرونها اليوم. فهم جيلٌ جديدٌ يختلف كلّ الاختلافِ عن مبتكري الألعاب والرسوم المتحرّكة السابقين، إذ خرج العديد منهم ومن كتّاب سيناريو الرسوم المتحرّكة المرتبطة بالألعاب من جيل الستينيّات، حيث تورّط الكثير منهم في ثقافة المخدّرات، وما يزال البعض منهم متورّطًا حتّى الآن. قلّة منهم مسيحيّون متديّنون وأغلبيّتهم تربوا على ثقافة التلفاز. لذلك وبما أنّ فكرة الألعاب تُستوحى من مخيّلة الإنسان، وإذا أفسدَت أفكارهم بقيَم الملذّات الإنسانيّة، ستكون الألعاب التي يصمّمونها تحمل آثار هذه القيَم.

يقول القدّيس ثيوفان الحبيس في كتابه «الطريق إلى الخلاص»: «يجب أن يصبّ أولئك المسؤولون عن الطفل المسيحيّ انتباههم إلى الحؤول دون استحواذ الخطيئة عليه مرّةً أخرى (أي بعد المعموديّة) وسحقها وجعلها مجرّدة من القوّة بكلّ وسيلةٍ ممكنة من طريق إيقاظ توجّه الطفل نحو اللَّه وتعزيزه».

كيف لنا أن نقوم بذلك؟ إنّه أمر يجب متابعته منذ اللحظة التي تبدأ فيها قوى اليقظة عند الطفل في التركيز، وهذا ما يحصل في فترةٍ مبكرة جدًّا وفق جميع المؤشّرات. من الواضح أيضًا أنّ تأثيرًا كبيرًا لفعل الخير يُمارس على الأطفال عبر اصطحابهم كثيرًا إلى الكنيسة منذ سنّ مبكرة وجعلهم يقبّلون الصليب المقدّس والإنجيل والأيقونات. وفي المنزل كثيرًا ما يوضع الطفل تحت الأيقونات، وتُرسم على رأسه كثيرًا علامة الصليب، ويُرش بالماء المقدّس ويُبخَر، وتُرسم إشارة الصليب أيضًا على طعامه ومهده وكلّ ما يتعلّق به. إنّ بركة الكاهن، وإدخال أيقونات من الكنيسة، وخدمة التضرّع، وكلّ الأمور المتعلّقة بالكنيسة تدفئ حياة النعمة في الطفل وتغذّيها وتحميه من هجمات القوى غير المرئيّة والقوى المظلمة المستعدّة دائمًا لتصيب الروح النامية. كما يجب اعتبار روح الإيمان والتقوى لدى الأهل من أقوى الوسائل للحفاظ على حياة النعمة في الطفل وتنشئتها وتقويتها. لكن كلّ هذه الجهود لن تأتي بثمرها إذا طغى عليها شكّ الأهل وإهمالهم ومعصيتهم. إنّ التأثير الداخليّ للوالدين على الطفل مهمٌ بشكلٍ خاصّ. فعندما يكون الآباء «مشغولين جدًّا» لقضاء الوقت مع أطفالهم، سيتعلّم الأطفال عبر مصادر أخرى. إذا لم يتمكّن الآباء من التحكّم الصارم في مشاهدة أطفالهم للتلفاز، فليتمّ إذًا إبعاده عن كلّ أسرة مسيحيّة وليُمنع أيّ كتاب أو مجلّة تصوّر مشاهد غير لائقة أو عنيفة تجاوز عتبة المنزل. فلنحط الطفل بالرموز المقدّسة بكلّ أشكالها ولندع ذاكرته الأولى تكون الضوء الخفيف الذي يُنير الأيقونات في غرفته ورائحة البخور وصوت التراتيل والأناشيد المقدّسة. ولندع جانبًا كلّ ما يُفسد بالمثال والتصوير. ولنجعل الطفل يربى في بيئةٍ كُرّست للتقوى.

لكن بالطبع يجب أن ندع الأطفال يلعبون. كيف نخطّط لذلك في البيت المسيحيّ؟ حتّى هذا القرن، لم يكن الأطفال بحاجة إلى ألعابٍ معقّدة. اليوم، لا يتمتّع الأطفال بالحرّيّة في التجوّل، وحتّى لو فعلوا ذلك فقد ولّت تلك الأنشطة التي فتنت العين الطفوليّة منذ بدء التاريخ. ومع ذلك، إذا تُرك الأطفال بمفردهم مع موادّ بسيطة، فسوف يستكشفون ويوسّعون الإمكانات الخياليّة للعبةٍ بما يتجاوز أيّ شيء يمكن أن يحمله شخص بالغ. يقول الخبراء المعاصرون إنّ أفضل لعبة يمكن للطفل بين سنّ الاثنتين والعاشرة أن يحوذها هي صندوق من الورق مطليّ بمختلف الألوان، يمكن أن يتحوّل إلى منزلٍ أو سيارةٍ أو قاربٍ أو طائرةٍ أو حصنٍ أو قطارٍ حسب مزاج الطفل، صندوق من الورق يمكن دفعه، سحبه، حمله أو قيادته. يمكن أن تتحوّل العلبة إلى أيّ شيء! فهو يختلف تمامًا عن الألعاب النموذجيّة المعقّدة والمنتَجة بكميّاتٍ كبيرة، والتي يمكنها فعل شيء واحد فقط. يُصنّف الباحثون اللعب والألعاب في أربع فئاتٍ أساسيّة: الألعاب التي تُحفّز اللعب الخياليّ، الألعاب التي تُحفّز النموّ الذهنيّ، الألعاب التي تُحفّز النموّ البدنيّ، الألعاب التي تُستخدم للاكتشاف والتفحّص والاختبار. عند شراء أيّ لعبة، من الضروريّ التأكّد من وجود تنوّع جيّد في التشكيلة. شيء ما يمكن للطفل أن يوظّف فيه قدرًا كبيرًا من الطاقة العقليّة، مثل كتب وألغاز للتنمية الفكريّة، وربّما وحدات البناء والموادّ الفنّيّة لتطوير المهارات الأخرى. من المهمّ أن تهدف هذه الألعاب إلى التوازن والتنوّع عند شرائها.n

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search