العدد الثالث - سنة 2022

06 - خاطرة - صرخة بطريرك أنطاكية - الأب إيليّا (متري) - العدد 3 سنة 2022

   بارك صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر افتتاح المؤتمر الحركيّ العامّ الثاني والخمسين الذي انعقد في دير القدّيس جاورجيوس، الحميراء (شباط ٢٠٢٢). الحركة بيت غبطته. يعرف البيت في تفاصيله. يعرف أنّ كلّ ما يجري فيه، من أقوال أو أفعال، لا يطلب سوى مجد اللَّه وكنيسته. التربية هنا في الحركة هي إنشاء، أي هي دائمًا، في غير سياق، تعليم وتذكير في سبيل حياة شاهدة، فرديًّا وجماعيًّا. الناس، الإخوة النهضويّون من كبيرهم إلى صغيرهم، في لقاءاتهم طرًّا، توافقوا في ما قالوه أو تعارضوا، يخرجون من لقاءاتهم دائمًا أكثر حبًّا بعضهم لبعضهم ولما كلّفهم ربّهم أن يعملوه في مدًى لا يمرّ يوم عليه من دون أن تزداد فيه الحاجة إلى اللَّه وحبّه وسلامه.

    الذي حدث في حضور البطريرك أنّه بات الحدث. أخذ المتقدّمُ مكانه في الحضور وفي الكلام. غدت كلمة الافتتاح له في جلسةٍ أحبَّ غبطتُهُ أن يصفَها بأنّها عائليّة.

    هذه الكلمة نشرتها «مجلّة النور» (العدد الأوّل، ٢٠٢٢). البطريرك، إذا تكلّم في أمور كنسيّة داخليّة، رأيتَهُ أنت قريبًا ممّا تفكّر فيه أو بعيدًا عنه، يبقى هو قريبًا إليك، صديقًا في غير حال. عندي تجربة قديمة في محاورته طويلًا في شأن كنسيّ مرّةً في قاعة معهد اللاهوت في البلمند. في أمر العقيدة، عندنا إلزام. أمّا في غير أمر، فالمدى واسع لتعدّد الآراء، هذا التعدّد الذي كان المطران جورج (خضر)، أمدّ اللَّه في عمره، يقول عنه إنّه لا يحدث في وسط أناس هجروا حبّهم لتجديد الحياة! يبقى لكلّ كلام أسلوبه. هنا في كنيستنا، إن تكلّمنا وجهًا بوجه أو على ورق، لا نُصيب في شيء، في أيّ شيء، إن لم نحفظ أسلوب الكلمة إلهنا في المحبّة واحترام الآخرين الذين تجمعنا بهم شركة حياة أو لا يجمعنا بهم شيء.

    الذي أصغى إلى غبطته في المؤتمر أو في «المجلّة»، لا يفوته أنّ أقصى ما كان يأخذه أن نكون في الواقع، في الأقوال والأفعال، كنيسةً على حسب قلب اللَّه. أشار غبطته إلى الصعوبات التي نعانيها في لبنان وسورية، وإلى الهجرة، والتحدّيات الكنسيّة محلّيًّا وعالميًّا. استوقفه أن يكلّم الإخوة على النهضة. أيّ نهضة، كنسيّةً أو وطنيّة...، قال إنّها تتطلّب صلاةً وفهمًا لإرادة اللَّه الظاهرة في كلمته.  لكنّ الأمر، الذي بدا أنّه يتعبه، هو الفساد. قال بصراحة: «الفساد في الكنيسة». كان كلامه قاطعًا أنّه سيتعاطى مع أيِّ ملفِّ فسادٍ يصلُ إليه بكلّ جدّيّة، وسينظر فيه إلى النهاية بكلّ أمانة وحزم. هذا جعله يعرّج على ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعيّ. لم يخف اعتقاده بحرّيّة التعبير. ولكنّه دعا إلى توخّي الدقّة في نشر أيّ ما يثيرنا نشره، وأن نقبل الاختلاف بامتناعنا عن تخوين الآخرين الذين يخالفوننا في رأينا أو عن تكفيرهم.

   الباقي من الكلمة هو امتداد لما قاله من وجع وشيء من مداواته. نبذ غبطته التنظير الذي فيه تعالٍ على الآخرين. ثمّ انتقد ما سمّاه «الاستقلاليّات» والتحزّب في الكنيسة، قبل أن يثمّن التعاضد والتكاتف في الوطن وبلاد الانتشار، والثقة المنتبهة بين أهل الكنيسة جميعًا.

    هذه خطوط سريعة لما جاء في الكلمة. الكلمة، في شكلها ومضمونها، توحي بأنّ غبطته أراد أن يؤكّد عهد المصارحة مع الإخوة في الوطن والمهجر. قال، من دون أن يقول حرفيًّا، إنّ بيتي مفتوح لكم، لكلّ مَن يهمّه مجد اللَّه وكنيسته. أعتقد أنّنا في الكنيسة لا نخصّ الكنيسة إن لم نعطِ بعضُنا بعضًا وجوهنا، ونرعَ انطلاق الكلمة وفعلها في فضاء الحرّيّة. هذا شرط دائم للتجديد وللإثمار. لا ينكر غبطته أنّنا في واقع حياتنا الكنسيّة لسنا سماءً على الأرض. لا أعتقد أنّ أحدًا يجهل أنّ الحياة في الكنيسة لا توافق دعوتها إن لم نعتبر أنّها ورشة إصلاح دائمة. قال مفسّرون كبار في قراءة كتاب أعمال الرسل إنّ الرسول لوقا كاتبه لم يطلق على جماعة العنصرة كلمة «كنيسة» قبل الإصحاح الخامس الذي ذكر فيه خطيئة حنانيا وسفيرة. من الحقّ أن نعترف بأنّنا بشر. ولكن، لا نكمل أنّنا من الحقّ إن لم نسعَ إلى حياة الإصلاح بروح الوداعة، كما هي الوصيّة.

       ما الذي أردتُهُ في هذه السطور؟ أردتُ أن نأتي من هذه الصراحة إلى أن نكون، أكثر فأكثر، قادةً وعلمانيّين، كنيسةً منفتحةً قادرةً على أن تقول بعضها لبعض دائمًا ما يجب أن تقوله بعضها لبعض. هذا هو كمال الخير لنا، جماعةً وأفرادًا، من أجل شهادة تليق باللَّه، تمجّدَ اسمه. الكلام من بعيد لا ينفع دائمًا. الباب المغلَق لا يخصّ اللَّه. النور تحت المكيال هدرٌ للخير. الوجوه الثابتة في تعارضها جحيم! الاكتفاء بالنفس هجر لكنيسة المواهب التي لا أحد فيها يقدر على أن يقول لآخر: «لا حاجة بي إليك».

    أكتب هذه السطور لعلمي أنّ الإخوة، في الوطن والمهجر، لا يعوزهم مَن يقنعهم بأنّ الكنيسة، في امتدادها وتنوّعها، تحتاج إلى هذه المصارحة المفتوحة. هذه صرخةُ بطريرك أنطاكية أنّه في كنيستنا إلى المؤمنين في أيّ ما يظهرنا كلّنا أنّنا عائلة، كما قال، عائلة اللَّه الحيّ، من أجل دوام الإصلاح.

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search