العدد الثالث - سنة 2022

15 - ليتورجيا - الوجه الليتورجيّ لسفر الرؤيا - الشمّاس فادي (واكيم) - العدد 3 سنة 2022

إن أردنا أن نقول كلمة على سفر الرؤيا، إضافةً إلى أنّه سفر نبويّ، فهو سفر ليتورجيّ بامتياز، يتحدّث عن الكنيسة جمعاء، فيه نطلب إلى الربّ أن ينجّينا من الضيق والغضب والخطر والشدّة (رؤيا ٧: ١٤- ١٧). كما يجتمع السماويّون مع الأرضيّين فيرتقي الأرضيّون إلى السماويّين مسبّحين معًا وقائلين: قدّوس اللَّه قدّوس القويّ قدّوس الذي لا يموت ارحمنا، إضافةً إلى التسبيح الشاروبيميّ، وصولًا إلى رفع القلوب إلى فوق حتّى نصل إلى النور الحقيقيّ، بعد أن نكون قد أخذنا الحمل وتلمّظناه، حتّى نصل إلى عيش الملكوت وإلى ملء قامة المسيح.

يتحدّث سفر الرؤيا عن الكنائس السبع. بمعنى آخر، هو يتحدّث عن الكنيسة بكاملها أينما كانت ليذكّرها بما عليها من واجبات؛ فهو، تاليًا، يحثّنا على الاجتهاد والعمل الصالح لنرث الحياة الأبديّة «... من غلب فإنّي أوتيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط الفردوس» (رؤيا 7 :2). أيضًا ذكر صاحب السيف الخفيّ «المنّ الخفيّ» (رؤيا 17 :2) دلالةً على سرّ الشكر. فعندما كان يكلّم الشعب طلب منهم ألّا يعملوا للطعام الفاني بل لطعام الحياة الأبديّة، ويؤكّد أنّ اللَّه هو الذي يعطي الخبز الحقيقيّ «لأنّ خبز اللَّه هو النازل من السماء والواهب حياةً للعالم» (يوحنّا ٦: ٣٣)، أيضًا «أنا خبز الحياة» (يوحنّا 35:6).

الخلاص لا يأتي إلّا عبر كوكب الصبح الحقيقيّ(٢) الذي هو المخلّص من جميع الشرور. وقد أعطانا ذاته في الإفخارستيّا. فكما غلب المسيح الموت بقيامته كذلك أعطانا أن نغلب الشرّ بسحقنا الخطيئة ورفضنا الشيطان وكلّ أعماله، حتّى تكون لنا بركة الجلوس معه على العرش: «من يغلب سأعطيه أن يجلس معي على عرشي كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي على عرشه» (رؤيا ٢١: ٣).

هذا ما يتمّ في القدّاس الإلهيّ عند إعلان الكاهن في سياق الكلام الجوهريّ، «بتسبيح الظفر» حينها يطرق الكاهن النجم لتنبيهنا إلى أنّنا أصبحنا على العرش.

إذًا نحن عندما نقتبل الاشتراك في الأسرار المقدّسة، نأكل، بالفعل، من جسد المسيح ونشرب من دمه الكريم: «خذوا كلوا هذا هو جسدي... إشربوا منه كلّكم هذا هو دمي»؛ فالقرابين المقدّسة التي نتناولها هي الدواء الشافي وبها نصل إلى القداسة.

علينا، إذًا، أن نكون دائمًا على أتمّ الاستعداد لاقتبال السيّد والجلوس معه على العرش، وإلّا فنحن نأخذ دينونة «فمن أكل خبز الربّ أو شرب كأسه من دون استحقاقٍ فهو مجرمٌ إلى جسد الربّ ودمه» (1كورنثوس27: 12). بعد ذلك يختم الكاهن القدّاس الإلهيّ بـ: «نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم أجمعين» (رؤيا ٢٢: ٢١)، لننطلق، بعدها، إلى العالم مملوئين بالحرارة الإلهيّة والغذاء الروحيّ اللذين اقتبلناهما عبر الترابط الوثيق الذي تمّ، في السرّ الإفخارستيّ، بين الخالق (اللَّه) والمخلوق (البشر).

فما رأيناه في الليتورجيا ليس هو فقط الحدث الخلاصيّ التاريخيّ فحسب «بما أننا نتذكّر هذه الوصيّة وكلّ الأمور التي جرت من أجلنا، الصليب والقبر والقيامة ذات الثلاثة الأيّام، والصعود إلى السموات، والجلوس عن الميامن، والمجيء الثاني المجيد أيضًا»(٣)، إنّما هو أيضًا عيش البعد الأخرويّ الذي هو عمليّة استحضار للمائدة السماويّة في الملكوت وتذوّق للملكوت مع القدّيسين والآباء. يقول ألكسندر شميمن: «الليتورجيا هي تهيئة وتحقيق، لأنّها تحضّرنا للحياة الأبديّة وتوجّه حياتنا كي تتحقّق بالملك»(٤).

إذًا، القدّاس الإلهيّ هو مسكن اللَّه مع الناس؛ الخليقة مع الإنسان ترفع التمجيد للَّه؛ الكلّ يلتئم حوله، حول المذبح الذي أمام عرش اللَّه(٥)؛ والمناولة هي تذوّقٌ مسبق لملكوت اللَّه وشركة مع يسوع المسيح، وهي تقودنا إلى عيش الأخرويّات في الزمن الحاضر.

تعالوا جميعًا نهتف مع الروح والعروس «ماراناثا(٦)» التي ذكرها يسوع على لسان يوحنّا، في شهادته الأخيرة، في الكتاب المقدّس، الإصحاح الثاني والعشرين من سفر الرؤيا، حين قال: «أرسلت ملاكي ليشهد بجميع الأمور في الكنائس.» (رؤيا ٢٢: ١٦)، «فمن سمع فليقل تعال، ومن عطش فليأت، ومن شاء فليأخذ ماء الحياة مجّانًا» (رؤيا ٢٢: ١٧). فلنكن شهودًا حقيقيّين عاملين ما يرضي اللَّه، ولنكن من القائلين: «نعم، إنّي آتٍ سريعًا. آمين. تعال أيّها الربّ يسوع» (رؤيا ٢٢: ٢٠)، حتّى تنزل علينا نعمة ربّنا يسوع المسيح وتشعل قلوبنا وعقولنا، وتنير دروبنا حتّى نكون أبناءً للَّه حقًّا.

هذه هي البركة التي ننالها بعد تناولنا جسد السيّد لننطلق مدجّجين بأسلحة الربّ، أسلحة النور.              نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم أجمعين،  آمين(٧).

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search