العدد الأوّل - سنة 2022

02 - شؤون كنسيّة - هواجس وملاحظات - غبطة البطريرك يوحنّا العاشر (يازجي) - العدد 1 سنة 2022

هواجس وملاحظات

البطريرك يوحنّا العاشر

 

منذ أن اعتلى غبطة البطريرك يوحنّا العاشر سدّة الكرسيّ البطريركيّ، وهو يرعى، بمشاركته الشخصيّة، مؤتمرات الحركة العامّة ويباركها، الأمر الذي أسّسَ في مسيرة الحركة الكنسيّة التاريخيّة، حسب تعبير الأمين العامّ السابق الأخ رينه أنطون، سابقةً من خطوات داعمة استثنائيّة.

في هذا المؤتمر الثاني والخمسين، لم يشأ السيّد البطريرك أن تتخطّى رعايته الأشكال «البروتوكوليّة» وحسب، وإنّما أن تتلاءمَ، كذلك، مع ما يحوط بكنيستنا من ظروفٍ دقيقة وصعبة وتشنّجات كُبرى، ويرتجى من صون الأبعاد الوحدويّة الأنطاكيّة. فكانت هذه المصارحَة القلبيّة منه للحركيّين وكلّ الكنيسة، بشؤون كنيستنا الأنطاكيّة وقضاياها عساها تكون للجميع موضوع تأمّلٍ وتفكير، ودافعًا إلى «التعاضد والتكاتف والإصغاء والثقة» في ورشة النهوض بحياة الكنيسة إلى ما هو مرجوّ من بهاءٍ وشهادةٍ ووحدة.

                                     رينه أنطون

 

 

يا أحبّة، أرحّب بكم في دير القدّيس جاورجيوس الحميراء، وهو أحد المراكز الروحيّة الأساسيّة في كنيستنا الأنطاكيّة، والكلّ من دون استثناء لديه ذكريات جميلة فيه. أؤكّد لكم بدءًا أنّنا نفرح لفرحكم، وأنّ أجمل عملٍ نقوم به، ككنيسةٍ وكأشخاصٍ كرّسوا حياتهم للخدمة، هو أن نرسم البسمة على وجوه الجميع، وأن نمسح كلّ دمعةٍ عن كلّ وجه، كما نقول في صلاة الابتهال لوالدة الإله.

جلستنا اليوم هي جلسة عائلية، نصغي فيها بعضنا لبعض بكلّ محبّة وبساطة. وأودّ أن أبدأها بالإفشين التالي الذي نتلوه قبل قراءة الإنجيل في كلّ قدّاسٍ إلهيّ: “أيّها السيّد المحبّ البشر أشرقْ قلوبنا بنور معرفة لاهوتك الذي لا يضمحلّ، وافتحْ حدقتي ذهننا لفهم تعاليم إنجيلك. ضعْ فينا خشية وصاياك المغبوطة، حتّى إذا وطئنا كلّ الشهوات الجسديّة، نسلك سيرة روحيّة، مفكّرين وعاملين بكلّ ما يرضيك لأنّك أنت هو استنارة نفوسنا وأجسادنا أيّها المسيح الإله، وإليك نرفع المجد مع أبيك وروحك الكليّ قدسه الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين آمين».

نصلّي هذه الصلاة الجميلة اليوم، من أجلنا نحن المجتمعين ههنا في هذا المؤتمر، لكي نترك خلفنا كلّ منطق العالم، وأعيننا شاخصة نحو السيّد ومتأمّلين في وصاياه الإلهيّة لما فيه خير الكنيسة والعمل الحركيّ وخير شعبنا وكنيستنا الرسوليّة المقدّسة.

عرّج الأمين العامّ، الأخ رينه، في تقديمه على أمر مهمّ وهو الوضع العام الضاغط، محلّيًّا وإقليميًّا وعالميًّا. فالعالم كلّه يتخبّط. ونحن نصلّي أن يهب اللَّه أصحاب القرار السلام والهدوء، وخصوصًا في ظلّ الكلام الكثير عن الحروب والتصعيد. يضاف إلى كلّ ما تقدّم أنّنا نعاني وباء فتّاكًا خسرنا بسببه أحبّة كثيرين انتقلوا الى الحياة الأبديّة، علاوة على الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي تعصف بلبنان وسورية بشكل خاصّ. هذه الظروف القاسية والقاهرة تضعنا أمام التحدّي الأهم الذي نواجهه اليوم، الذي يكمن في هجرة الشباب. فعيون أبنائنا أصبحت شاخصةً الى الخارج. ووسط هذه الظروف، هناك أيضًا مشاكل وتحدّيات كنسيّة على الصعيد المحلّيّ في الأبرشيّات، وعلى الصعيد الأنطاكيّ والصعيد الأرثوذكسيّ-الأرثوذكسيّ، وأيضًا الصعيد المسيحيّ العامّ. لكنّنا نرجو أن يؤول كلّ ذلك، بنعمة الربّ، إلى خلاص الذين يحبّونه كما يقول القدّيس بولس الرسول. فنحن نبتدع الخير من الشرّ.

 لهذا، لست هنا اليوم لأحاضر أو أقدّم موضوعًا، بل إنّني أكلّمكم عفويًّا وارتجاليًّا. إنّني هنا لأتكلّم معكم وتكلّموني، بصراحةٍ مطلقة وعفويّة تامّة، ولتشعروا أنّ بطريرككم معكم، وهو كذلك. فأنتم تعلمون أنّني أدعى إلى مؤتمراتٍ عدّة يصعب عليّ تلبيتها، ولكنّي أردت أن أكون معكم في مؤتمركم اليوم. إذًا، وسط كلّ الأوضاع التي ذكرت، هناك بالأخير قضيّة كنيسة. ولكوني في مقدّمة المسؤولين عنها، أريد أن أكلّمكم بحقيقة الأمور، وبجرأةٍ وشفافية، من دون أن أسبّب عثرةً لأحد منكم.

بدءًا، أودّ أن أشير إلى أمرين أتأمّلهما بشكل دائم:

أوّلًا: تلك الطلبة التي نقولها للأسقف والبطريرك في كلّ قدّاس إلهيّ، والتي تقول: «أذكر يا ربّ أولًا أبانا» وتنتهي بـ«قاطعًا باستقامةٍ كلمة حقّك». حقّك، أي حقّ السيّد. وهذه الطلبة هي مسؤوليّة كبيرة بالنسبة إليّ وإلى كلّ أسقف، إذ لا يمكننا إلّا أن نقطع كلمة حقّه هو وليس حقّنا نحن. قد يستطيع إكليريكيّ أو علمانيّ أن يتجنّب الغوص في مشاكل الكنيسة أو اتّخاذ موقفٍ من بعض القضايا! لكنّني أعترف أمامكم بأّنني لا أستطيع كبطريرك أن أتّخذ موقفًا حياديًّا في قضايا كنيستنا. لذلك نحن نتعب ونواجه صعوباتٍ ويحكى علينا ويصلبوننا ونحن راضون بذلك «فليس عبدٌ أفضل من سيّده». وهذا كلّه بسبب أنّنا لا نرتضي أن نقول إلّا كلمة الحقّ، حقّه هو، وبكلّ استقامة. وقد تعاطينا، ونتعاطى حتّى الآن، مع كلّ القضايا والشجون الكنسيّة بهذه الروح.

ثانيًا: أستذكر دومًا أوّل كلمةٍ ألقيتها بعد انتخابي كبطريرك في البلمند: «لا أنسى، في الرسامة الأسقفيّة، أنّ الإنجيل وُضع مفتوحًا فوق رأسي. لذلك فإنّ كلّ قولٍ وفعل وكلّ قرارٍ يجب أن يكون مستوحًى من هذا الإنجيل»، وليس من عنديّاتنا وليس بمنطقٍ بشريّ. فالإنجيل سقفٌ لكلّ منّا.

انطلاقًا من هذا سأتكلّم ببعض الهواجس والملاحظات:

أ- النهضة:

النهضة أمرٌ أساس. وقد تعلّمنا في الحركة أنّ الكنيسة ليست طائفة، وأن ننجذب إلى المسيح يسوع وأن نقرأ كلمة اللَّه. ونحن نعرف كم واجه بعض الأخوة الحركيّين، وبخاصّة في البدء، من الصعوبات، لأنّهم أكّدوا على ضرورة انجذاب الإنسان إلى كلمة الربّ وقراءة الكتاب المقدّس. والسؤال هنا هو: كيف نصل الى نهضة الإنسان؟ لأنّ الساقط، من دون أن أتّهم أحدًا، لا يستطيع أن يصنع نهضةً لا في الكنيسة ولا في الوطن ولا بأيّ مجالٍ آخر. فلنتذكّر أنّ النهضة المرجوّة تأتي من لدنه، من فوق. وهو الذي يقوّينا ويعطينا أن ننهض فرديًّا وجماعيًّا وكنسيًّا. وهنا يأتي دور الصلاة والكتاب المقدّس في استجلاب قوّة اللَّه لتحقيق ما نبتغيه من قيام وعيشٍ لسرّ القيامة المجيد.

ب- الفساد:

كرّرت أكثر من مرّة في عظات عدّة أنّ الفساد لا يهبط من السماء. هناك فاسدون ينتجون فسادًا وصالحون ينتجون صلاحًا. الفساد في الكنيسة، وللأسف، موجود هنا أوهناك، غير مقبولٍ وغير مسموح. الفساد شرّ ولا نقبل به، وأيّ ملفّ يصل إلى أيدينا سوف نتعاطى معه بكلّ جدّيّة وأمانة، وسننظر به حتّى النهاية بكلّ أمانة وحزم. فلا يليق بعروس المسيح، الكنيسة، أن تتلطّخ بسوادنا نحن البشر. ونحن هنا نميّز بين الشخص والخطيئة. فمع الحزم والجزم الضروريّين لإصلاح ما يجب إصلاحه، نحن نحتضن الشخص ونعطيه فرصةً لكي يتوب ويصلح ذاته، ونرحّب به انطلاقًا من القول «أنّ اللَّه يفرح بكلّ خاطئ يتوب». أؤكّد لكم، من دون الدخول بالتفاصيل، رغم أنّني لا أمانع الغوص بها عند الضرورة، أنّنا تعاطينا في السنين التي خلت، وفي كلّ الحالات التي عكّرت صفو كنيستنا، بالاعتماد على هذين المنطلقين: المحبّة والاحتضان الأبويّ البالغ والصبر والرفق للشخص، كي يتّضع ويصلح ذاته من ناحية، بالإضافة إلى معالجة واجتثاث أيّ فسادٍ روحيّ أو مادّيّ من ناحية أخرى. وهذا ما نقوم به حتّى الآن. يؤلمنا أن يقع أخ لنا في زلّة، لذلك نقف بجانب من يسقط إلى أن يقوم من دون أن نتهاون في معالجة كلّ ما يتطلّب الإصلاح.

ج- الميديا والتواصل الاجتماعيّ

والتخوين:

أصبح هذا الموضوع إشكاليّةً كبيرة لأنّه أسقط كلّ حرمة. فلا أدب ولا أخلاق في بعضٍ من المنشورات والمقاربات. من يريد أن يتكلّم فليتكلّم وإنّما باحترام. ففي القضايا التي تخصّ الكنيسة وكرامات الناس، لا يمكننا بشكل اعتباطيّ أن نرمي الكلام بخصوصها جزافًا من دون أدنى معرفة بالمعطيات والمعلومات. يكتب البعض ويحلّل عن قضايا كنسيّة لا يملكون عنها أبسط المعطيات، وهذا يسبّب في بعض الأحيان تضليلًا بكلّ معنى الكلمة. نحن لا نقبل أن نتعامل مع هذه القضايا إلّا برقيّ وكبر، بمعنى أنّنا لن ننشدّ إلى وحل هذه الترّهات التي يحاولون في أحيانٍ كثيرة أن يجذبونا إليها، عن قصدٍ أو بغير قصد. إذًا يجب التعاطي مع القضايا السامية التي تخصّ حياة البشر بقدرٍ كافٍ من المسؤوليّة. لذلك أطلب منكم، كحركةٍ وأبناء الكنيسة، أن نكون أكثر رقيًّا. أرجو وأطلب وأسألكم ذلك لخير الكنيسة، أي لخيركم وخير الجميع.

أضف إلى ذلك أمرًا آخر، وهو حين يكتب شخصٌ ذو قيمةٍ اعتباريّة، في موقع مسؤوليّةٍ ما، (البطريرك أو الأمين العامّ مثلًا)، ويتذرّع بأنّه يدلي برأيه الشخصيّ الذي لا يعبّر عن المجمع المقدّس أو عن الحركة. هذا ليس تعليلًا صحيحًا، فالأمور لا تفصل بعضها عن بعض أبدًا. فأنا اليوم لست هاني يازجي، أنا البطريرك يوحنّا، وأيّ حرف أنطق به يحتسب على الكنيسة. وأنتم أيضًا، أيّ كلمة تنطقون بها تحتسب على الحركة. لا يمكنكم أن تفصلوا بين رأيكم وبين المنصب أو المؤسّسة أو المسؤوليّة التي تمثّلونها. أما أقسى ما يواجهنا على هذا الصعيد فهو تخوين وهرطقة الآخر الذي لا يتّفق معنا بالرأي. فمثلًا، في قضيّة المناولة التي طرحت خلال أزمة الكورونا، اتّهمنا البعض بالهرطقة وأدخلنا فورًا إلى الجحيم. علينا أن نميّز هنا بين أمرين: أن تقول أنّني لا أوافق على تصرّف معيّن، هذا عظيم. وأن تمتلك رأيًا معيّنًا ومخالفًا، فهذا أيضًا عظيم. لكن، هنالك فرق بين أن تبدي ملاحظةً وتنتقد بشكلٍ بنّاء (أو حتّى بشكلٍ هدّام) وأن تخوّن الشخص الآخر وتجعله كافرًا وخائنًا وغير محافظٍ على الكنيسة أو العقيدة، وأن تشتمه بكلام رخيص أو تصغّره. أحدّثكم بألمٍ ووجعٍ ومحبّة، وأرجو وأصلّي وأتمنّى أن نستيقظ كلّنا.

د - التنظير:

في ظلّ أوضاع بلادنا وما نعيشه من ظروف، ينشر بعض أبنائنا أحيانًا، بخاصّة المغتربين منهم، مقالاتٍ توحي وكأنّهم يعيشون في عالمٍ آخر لا يعانون فيه ما نعانيه. أرجو، وخصوصًا في الحركة، أن نبتعد عن هذا، لأنّه إذا لم تكونوا أنتم، أو بالحريّ نحن، بعيدين عن التنظير، وأعتذر عن هذا التعبير، فماذا نترك للآخرين؟ من أين سيأتي الخير إذًا؟ إنّ أبناءنا الأنطاكيّين، أينما وجدوا، بارزون بشهاداتهم وعلومهم، ونحن نفتخر بهم، ولكنّ التنظير «من فوق»، وبتعالٍ، مسيء جدًّا، كائنًا من كان مصدره، ابتداءً من السيّد البطريرك ووصولًا الى أيّ مؤمن في هذه الكنيسة. يجب إذًا أن نجسّد ما نقوله وأن نعيشه وإلّا تتحول المعلومة التي ندلي بها إلى كلامٍ يشعر معه الآخر أنّنا نتحدّث بتعالٍ واستصغارٍ له وليس من استنارةٍ إلهيّة.

هـ - المأسسة:

تحدث بعض الخلافات لأنّنا حوّلنا الكنيسة إلى مؤسّسةٍ أو هيئةٍ أو جمعيّةٍ للمساعدات والأنشطة والرحلات وغير ذلك. هذه ليست الكنيسة. إنّها، أي الكنيسة، تقوم بهذا الدور وتتعاطى بكلّ هذه الأمور، ولكن عليها أن تحافظ على هويّتها وتبقى عمود الحقّ والصليب الذي أقامه السيّد حقًّا للعالم من أجل خلاص الإنسان وفرحه. إنّنا، رغم ما نقوم به بهدف مساعدة شعبنا الطيّب، وسنبقى على هذا السعي للمساعدة وفعل الخدمة، يجب أن ننتبه كيلا تتحوّل الحركة، أو الكنيسة، إلى مؤسّسة أو جمعيّة أو هيئة خيريّة. حذار من أن تتبدّل مقاييسنا الكنسيّة لتصبح عند البعض، إكليروسًا وعلمانيّين وحركيّين، أنشطةً وأعمال بناء ونشاطات اجتماعيّة، على أهمّيّتها وضرورتها، وحسب. يفتر آنذاك بحثنا عن الإنجيل، والتعليم يصبح ثانويًّا، وهذا أمرٌ عواقبه خطيرة.

و- الاستقلاليّات:

ينمو ويتفشّى في الكنيسة أكثر فأكثر ما يسمّى «الاستقلاليّات». الكلّ مستقلّ عن الكلّ. الرعيّة لا تعنيها الرعيّة الأخرى، والأبرشيّة لا تهتمّ بالأبرشيّة المجاورة، والجمعيّة لا علاقة لها بالأخرى، وكم وكم من جمعيّات وهيئات وأبرشيّات تتكلّم كلّ منها «بياء النسبة»، أي فرقتي، جمعيّتي، رعيّتي، أبرشيّتي. فالرعيّة رعيّة الربّ يسوع، وقد سلّمتنا الكنيسة إيّاها كوديعةٍ لنعتني بها ونرعاها بأمانة وسوف نسأل عنها أمام الربّ. نحن مؤتمنون على وديعة الإيمان وخدّامٌ للرعيّة. وعوضًا من أن يكون هذا التنظيم الإداريّ الكنسيّ للتكامل والغنى والقوّة يصبح للتباعد بعضنا عن بعض، وأحيانًا للتصارع ولإثبات الوجود الفرديّ والتسلّط، من  دون أن نتطلّع إلى ما يخدم الكنيسة ووحدتها بالعموم. إنّ انعدام التعاون والتنسيق يزيد في التشرذم ويعطّل العمل البنّاء.

ز- التحزّب:

ينمو كثيرًا لدى شريحة واسعة من الإكليروس والعلمانيّين مفهوم التحزّبات «أنا لبولس وأنا لأبلّوس».  يجب أن نواجه هذا الوضع، وجميعنا هنا معنيّون بذلك. هذا ما يضطرّني إلى أن أقول كلامًا قد يعتبره البعض معثّرًا. أصبح لدينا سوء فهم لمعنى الأبوّة والبنوّة الروحيّة. كلّ مجموعة تعترف عند أبٍ روحيّ تكاد تصبح حالةً مستقلّة بذاتها. هذا الكلام ليس تقويمًا للآخرين، بل هو لي ولكم وللجميع.

بعد هذا كلّه، أريد أن أذكر ثلاث نقاط قد تكون منطلقًا لخطّة تعافٍ وخارطة طريق شخصيّة وجماعيّة.

١- التعاضد والتكاتف:

علينا أن نكون يدًا واحدةً في الكنيسة الأنطاكيّة في الوطن وفي بلاد الانتشار، في تعاضدٍ روحيّ ومادّيّ وبخاصّة في ظلّ ظروفنا الحاليّة. هذا ما يجسّد كوننا كنيسة واحدة. إنّ الأخوّة تتجلّى بإطلالة الواحد منّا على الآخر، أشخاصًا ورعايا وأبرشيّات وجمعيّات وهيئات وحركة.

٢- الإصغاء:

وهو ما نحتاج إليه في الحركة والمجمع والكنيسة بشكل عامّ والمجتمع. قلّةٌ هم الذين يصغون. نحن نتكلّم كثيرًا ولكنّ كلامنا ليس كلّه معاشًا. نتحدّث عن الشورى والمشورة ولا نستشير. مشكلتنا في الكنيسة والحركة أنّنا لا نتابع، أحيانًا، ما بدأه من سبقونا، ولا نسأل من هم أكبر منّا سنًّا وأكثر خبرةً، ولا نسمع بعضنا البعض. أنت يا من تطلب من الآخر أن يسمعك، ذكّرْ نفسك بأن تسمع أنت الآخر. أتجرّأ هنا وأقول لكم بوضوح إنّنا نقوم بالاستشارة في كلّ أعمالنا. هذا الإصغاء أطلبه منكم، بالمونة الأبويّة، كحركةٍ ومراكز. أحبّتي، بهذا الإصغاء وبالمشورة نحمي التسلسل الرسوليّ في كنيستنا المقدّسة.

 ٣- الثقة:

يبدو أنّ الثقة بعضنا ببعض معدومة، أحيانًا كثيرة، في الكنيسة. علينا أن نثق ببعضنا البعض. وهنا أعرّج بالمناسبة على قضايا التأديب والمساءلة وأقول: لا أستطيع كمسؤول، كي أقنعك، أن أفصح لك عن كلّ ما أعرفه في قضيّةٍ ما، سواء في الكنيسة أو في الحركة. وكيف لذلك أن يحصل وأنا كمسؤول أعلم ما أعلمه عبر سرّ الاعتراف أو بحكم المسؤوليّة. نحن نملك سلطانًا روحيًّا ومؤتمنون على حياة الناس وكراماتهم وخلاص نفوسهم، فلا يمكننا أن نفضح كلّ شيء لكي تقتنع أنت، أو أن نكشف تفاصيل أو تحقيق ما قد يلحق الأذى والسوء بكرامات الناس، ويضرّ بمصلحة الكنيسة أو المصلحة العامّة. روح المسؤوليّة تُبنى على الثقة. نحن نواجه أوضاعًا صعبةً تتطلّب منّا الثقة المتبادلة والتعاضد. هناك فخاخٌ كثيرةٌ منصوبةٌ لنا وإذا لم نتعاضد فسوف نهلك فرادى.

ختامًا أتمنّى لكم التوفيق في لقائكم هذا، طالبًا إلى الربّ أن يبارككم وعائلاتكم وأن يشدّدكم في خدمة الكنيسة لمجد الربّ يسوع.n

 

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search