العدد الأوّل - سنة 2022

10 - قدّيسون - رحلات بولس التبشيريّة - إيمّا غريّب خوري - العدد 1 سنة 2022

 الرحلة الأولى (أعمال الرسل 13- 14)

بدأ بولس الرسول رحلته التبشيريّة الأولى نحو العام 47 للميلاد مصطحبًا معه كلًّا من برنابا ويوحنّا مرقس. لكنّ هذا الأخير تركهما عائدًا بعد وصولهما إلى برجة في بمفيليا ثمّ إلى أورشليم. ثمّ عاد بولس وبرنابا إلى أنطاكية في العام 49 (أعمال الرسل 13-14) بعد أن بشّرا بكلمة اللَّه في برجة، ثمّ انحدرا إلى أطالية وأبحرا منها إلى أنطاكية التي كانا في البدء أبحرا منها وأخبرا الكنيسة عند وصولهما كيف فتح اللَّه باب الإيمان للوثنيّين والروح القدس أبدًا حاضر في هذا الرحلة (أعمال 13: 2).

أمّا الرحلة فابتدأت من أنطاكية حيث أبحرا نحو سلاميس وبافوس في جزيرة قبرص ثمّ إلى برجة في بمفيليا على الشاطئ المطلّ على البحر الأبيض المتوسّط، ومن هناك إلى أنطاكية في منطقة بيسيديا. وفي أنطاكية دخلا مجمع اليهود يوم السبت وطُلب منهما بعد تلاوة الشريعة والأنبياء أن يقولا ما عندهما، فقام بولس وألقى عظة استرجع فيها كلّ تاريخ الشعب إلى أن وصل إلى يسوع الناصريّ المخلّص الذي صُلب وقام من بين الأموات. وهكذا لخّص بولس كلّ تاريخ الشعب. كيف لا وهو الفرّيسيّ الضليع في الفقه والتوراة. أمّا يوم السبت التالي فاجتمعت المدينة كلّها لسماع كلمة اللَّه، ولمّا رأى اليهود هذا الجمع أخذهم الحسد فجعلوا يعارضون كلام بولس بالتجديف. وعندما رأى بولس أنّ اليهود يرفضون الاستماع إليه، توجّه هو وبرنابا إلى الوثنيّين الذين فرحوا ومجّدوا كلمة الربّ التي أخذت تنتشر في الناحية كلّها. بيد أنّ اليهود حرّضوا على اضطهاد بولس وبرنابا فطردوهما من المدينة. أمّا هما فنفضا عنهما غبار قدميهما وذهبا إلى إيقونية في وسط آسيا الصغرى، والتلاميذ كانوا ممتلئين من الفرح ومن الروح القدس.

بولس وبرنابا يبشّران

في إيقونية (أعمال 14)

كان بولس كلّما يصل إلى مدينة يتوجّه إلى مجمع اليهود ليبشّر ويعظ بالمسيحيّة، مشدّدًا على أنّ يسوع هو ماسيّا المنتظر ومستشهدًا بالعهد القديم. ما جعل جمعًا كثيرًا من اليهود واليونانيّين يؤمنون. فانقسم أهل المدينة، فمنهم من كان مع اليهود ومنهم من كان مع بولس وبرنابا. فلمّا أزمع الوثنيّون واليهود ورؤساؤهم على أن يشتموهما ويرجموهما شعرا بذلك فانصرفا إلى مدينتين من إيقونية هما لسترا ودربة وجوارهما وبشّرا هناك. وفي لسترا شفى بولس مقعدًا بعد أن شعر أنّ ذلك المقعد كان يحدّق إليه بإيمان. فلمّا رأت الجموع ذلك هتفت بلغتها أنّ برنابا هو الإله «زاويش» Zeus وبولس هو الإله هرمس. فلمّا بلغ الخبر الرسولين بولس وبرنابا صرخا «أيّها الناس نحن بشر ضعفاء مثلكم، نبشّركم لكي تهتدوا إلى اللَّه الحيّ الذي صنع السماء والأرض وكلّ شيء فيهما»، ثمّ عيّنا شيوخًا في كلّ كنيسة وتابعا رحلتهما.

عودة بولس وبرنابا إلى أنطاكية (سوريا)

(أعمال الرسل 14: 24-28)

بعدئذٍ اجتازا بيسيديا وبمفيليا وبشّرا في برجة على البحر المتوسّط وأبحرا منها إلى أنطاكية التي كانا قد أبحرا منها قبلًا فمكثا مدّة مع التلاميذ وعيّنا شيوخًا في كلّ كنيسة.

وفي أثناء وجودهما في تلك المدينة نزل أناس من اليهوديّة وأخذوا يقنعون الإخوة بضرورة الاختتان لنيل الخلاص. فحصل خلاف وجدال بينهم من جهة وبين بولس وبرنابا من جهة أخرى واحتدم الجدال. أخيرًا حلّ بطرس المشكلة قائلًا إن لا ضرورة للوثنيّين أن يختتنوا قبل انتسابهم إلى المسيحيّة. فسكت الرسل والشيوخ ووافقوا (مجمع أورشليم) وأخذوا يسمعون إلى بولس وبرنابا يرويان لهم ما أجرى اللَّه على يديهما من آيات وعجائب بين الوثنيّين. ثمّ مكثا في أنطاكية يعلّمان ويبشّران بكلمة الربّ (أعمال 15: 1- 3). وبعد فترة أصبح بولس مستعدًّا للرحلة الثانية.

الرحلة الثانية (أعمال 15: 36 إلى 18: 22)

حصل خلاف بين بولس وبرنابا بسبب يوحنّا مرقس الذي فارقهما عندما وصلا إلى بمفيليا. فاصطحب برنابا يوحنّا مرقس وذهب إلى قبرص. أمّا بولس فاختار سيلا تلميذًا وجيهًا من بين الإخوة، وطاف معه في سوريا وكيليكيا لتثبيت الكنائس التي تأسّست، ثمّ قدما إلى دربة وبعدها إلى لسترا في منطقة بيسيديا. وحصل لقاء مهمّ جدًّا بين بولس وتلميذ اسمه تيموثاوس من التلاميذ المميّزين. تيموثاوس هذا كانت أمّه يهوديّة مؤمنة ووالده يونانيّ الأصل. وكان الإخوة يشهدون له شهادة حسنة. فرغب بولس في أن يصطحبه في الجولة الثانية واقترح أن يختنه بسبب وجود اليهود في تلك الأماكن.

أصبح تيموثاوس تلميذ بولس المفضّل (فيليبّي 2: 22) شارحًا سبب ميله إلى هذا الإنسان وقائلًا «ليس لي غيره يشعر بمثل شعوري ويهتمّ بأمركم اهتمامًا صادقًا... عمل معي للبشارة عمل الابن مع أبيه». وكانت الكنائس حينذاك على صلة وثيقة مع كنيسة أورشليم.

ثمّ طاف بولس مع تيموثاوس في فريجيا وبلاد غلاطية فاجتازا «ميسية» وانحدرا إلى «طرواس»، ودائمًا يظهر عمل الروح القدس في حياة الكنيسة الأولى. وذات ليلة بدت لبولس رؤيا فإذا برجل مكدونيّ قائم أمامه يتوسّل إليه ويقول «أعبر إلى مكدونيا وأغثنا». مكدونيا هي الآن جمهوريّة أوروبّيّة تقع في الجنوب الشرقيّ من قارّة أوروبّا ضمن شبه جزيرة البلقان وعاصمتها «سكوبي». بعد هذه الرؤيا يقول لوقا كاتب أعمال الرسل «طلبنا الرحيل إلى مكدونيا موقنين أنّ اللَّه دعانا إلى تبشير أهلها» (أعمال 16: 20). فأبحروا من طرواس وتوجّهوا من هناك إلى مدينة فيليبّي وهي أوّل مدينة من مقاطعة مكدونيا وهي على اسم فيليب والد الإسكندر المكدونيّ. وهناك كانت امرأة تدعى ليدية بائعة أرجوان ومتعبّدة للَّه، سمعت أقوال بولس وآمنت فاعتمدت هي وأهل بيتها وطلبت إلى بولس والذين معه أن يدخلوا بيتها ويمكثوا عندها فقبلوا الدعوة لفترة.

وبينما كانوا ذاهبين إلى الصلاة في اليوم التالي صادفوا جارية بها روح عرافة (أعمال ١٦: ١٦) تكسب كثيرًا من عرافتها، فأخذت تتبع بولس والذين معه صارخة «هؤلاء هم عبيد اللَّه العليّ ينادون بطريق الخلاص». فضجر منها بولس وانتهر الروح وأمره باسم يسوع بأن يخرج منها، فخرج للحال. فلمّا رأى موالو المرأة أنّه قد خرج رجاء مكسبهم أمسكوا بولس وسيلا وقادوهما إلى الحكّام واشتكوا عليهما قائلين إنّهما يبلبلان المدينة. فمزّق الولاة ثيابهما وأمروا بأن يُضربا بالعصيّ ثمّ ألقوهما في السجن الداخليّ وضُبطت رجلاهما بالمقطرة.

ونحو نصف الليل بينما كان بولس وسيلا يصلّيان ويسبّحان اللَّه حدث بغتة زلزال عظيم حتّى تزعزعت أساسات السجن وانفتحت الأبواب كلّها. ولمّا استيقظ حافظ السجن ورأى أنّ المسجونين لم يهربا دعاهما إلى بيته وغسل جراحهما واعتمد في الحال هو وأهل بيته. ولمّا صار النهار أمر الولاة بأن يُطلق سراح بولس وسيلا لأنّهم سمعوا أنّهما رومانيّان. فخرجا من السجن وذهبا إلى بيت ليدية. أمّا الإخوة فللوقت جاؤوا ببولس إلى أثينا عاصمة اليونان، فأخذ يعظ هناك، فآمن البعض والبعض الآخر انسحبوا غير مؤمنين.

ذهب بولس وسيلا بعدئذٍ إلى تسالونيكي وهناك بشّر بولس فامتعض اليهود منه ومن تلاميذه متحجّجين أنّ هؤلاء يقولون بأنّ هناك ملكًا آخر غير قيصر واسمه يسوع. وبعد إثارة المشاكل تمكّن بولس وسيلا من الالتحاق بالأخوة الذين أرسلوهما إلى مرفأ اليونان «بيرية» وبعد خطبة في «الأريوباغوس» انتقل بولس ورفاقه إلى كورنثوس.

إنشاء كنيسة كورنثوس (أعمال 18)

كورنثوس مستعمرة رومانيّة أنشأها يوليوس قيصر وكانت عاصمة إقليم أخائية. وكانت مركزًا تجاريًّا مهمًّا له مرفأ في كلّ جهة من جانبي البرزخ الكورنثيّ. وكان سكّانها من أجناس مختلفة إلى جانب عنصر أساس لاتينيّ الأصل. وتميّزوا بسمعتهم السيّئة بسبب عبادتهم الإلهة أفروديت. ومع ذلك سيكون تأصّل المسيحيّة فيها في البيئات الشعبيّة (1 كورنثوس 1: 26) أسهل ممّا كان في اثينا. وكان في كورنثوس يهوديّ بنطيّ الأصل اسمه أكيلا أتى هو وامرأته برسكيلا من إيطاليا لأنّ الأمبراطور كلوديوس أمر جميع اليهود بالجلاء عن روما. فلمّا وصل سيلا وتيموثاوس من مكدونيا كان بولس يعمل عند أكيلا وبرسكيلا لكونهما مثله يعملان في صناعة الخيم. حاول بولس أن يشهد لليهود بأنّ يسوع هو المسيح لكنّهم كانوا يقاومونه في المجامع حيث كان يعظ. فقرّر أن يمضي بعد ذلك اليوم إلى الوثنيّين. فانتقل إلى بيت رجل اسمه تيطس يقع بيته بقرب المجمع فآمن بالربّ رئيس المجمع قرسيس وأهل بيته جميعًا (أعمال ١٨: ٨). وكان عدد كبير من الكورنثيّين يسمعون كلام بولس فيؤمنون ويعتمدون.

ذات ليلة قال الربّ لبولس: «لا تخف بل تكلّم ولن يعتدي عليك أحد وينالك بسوء فإنّ لي شعبًا كثيرًا في هذه المدينة». فأقام بولس سنة وستّة أشهر يعلّم عندهم كلمة اللَّه. إلّا أنّ اليهود شكوا بولس وساقوه إلى المحكمة، لكنّ رئيس المحكمة «غاليون» طردهم قائلًا «لا أريد أن أكون قاضيًا في هذه الأمور». فقبضوا على رئيس المجمع وجعلوا يضربونه ولم يتدخّل غاليون بل لم يبالِ بالأمر. مكث بولس بضعة أيّام في كورنثوس ثمّ ودّع الإخوة وأبحر إلى سوريا ومعه أكيلا وبرسكيلا.

الرحلة الثالثة

قدم إلى أفسس رجل يهوديّ اسمه أبلّس، فصيح اللسان متبحّر بالكتب، فأخذ يعلّم في المجمع بجرأة. سمعه أكيلا وبرسكيلا فأتيا به إلى بيتهما وعرضا له طريقة الربّ على وجه أدقّ. وعزم على الذهاب إلى أخائية فأيّده الأخوة ورحّبوا به فساعدهم مساعدة كبيرة وردّ على اليهود مبيّنًا أنّ يسوع هو المسيح كما جاء في الكتب.

إنشاء كنيسة أفسس (أعمال 19)

وصل بولس إلى مدينة أفسس فاعتمد عدد من أهلها باسم الربّ يسوع ووضع بولس يديه عليهم فحلّ عليهم الروح القدس وأخذوا يتكلّمون بلغات، وكان عدد الرجال نحو اثني عشر رجلًا. بقي بولس مدّة سنتين في أفسس يبشّر اليونانيّين واليهود بكلمة الربّ. وكان اللَّه يجري على يدي بولس معجزات «حتّى صار الناس يأخذون ما مسّ جسده من مناديل فيضعونها على المرضى فتزول الأمراض عنهم وتذهب الأرواح الخبيثة».

يقول لوقا في كتاب أعمال الرسل «أمّا نحن فأبحرنا من فيليبّي بعد أيّام الفطير (أي عيد الفصح اليهوديّ) وبلغنا إلى طرواس بعد خمسة أيّام ومكثنا فيها سبـعة أيّام، واجتمعنا يوم الأحد لكسر الخبز فأخذ  بولس يخاطب الجمع وبما أنّه كان سيغادر في الغد أطال الكلام. وكان في العلّيّة فتى جالس على طرف النافذة، فأخذه نعاس شديد وبولس يطيل الكلام فاستغرق في النوم وسقط من الطبقة الثالثة إلى أسفل ميتًا. فنزل بولس وحنا عليه وضمّه إلى صدره وقـال «لا تجزعوا فإنّ روحه فيه «وبالفعل أتوا به حيًّا».

ومن طرواس إلى أفسس استدعى شيوخ الكنيسة وودّعهم بخطاب مؤثّر (أعمال 20)، «وفاضت دموعهم أجمعين فألقوا بأنفسهم على عنق بولس وقبّلوه طويلًا»، بعد أن قال لهم «السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ». وأضاف «فقد عملت للربّ بكلّ تواضع، أذرف الدموع وأعاني المحن، على أنّ الروح القدس يؤكّد لي في كلّ مدينة أنّ السلاسل والشدائد تنتظرني ولكنّي لا أبالي بحياتي ولا أرى لها قيمة عندي، فحسبي أن أتمّ شوطي وأتمّ الخدمة التي تلقّيتها من الربّ يسوع... فتنبّهوا لأنفسكم ولجميع القطيع الذي جعلكم الروح القدس حرّاسًا له لتسهروا على كنيسة اللَّه التي اكتسبها بدمه... ما رغبت يومًا في فضّة ولا ذهب ولا ثوب عند أحد وأنتم تعلمون أنّ يديّ هاتين سدّتا حاجتي وحاجات رفاقي...».

بولس في أورشليم (أعمال 21)

رأى بعض اليهود الآسيويّين بولس في الهيكل فصاحوا «النجدة يا بني إسرائيل! هذا الرجل هو الذي يعلّم الناس جميعًا في كلّ مكان تعليمًا ينال به من شعبنا وشريعتنا... لا بل أدخل بعض اليونانيّين إلى الهيكل ودنّس هذا المكان المقدّس». فهاجت المدينة بأجمعها وقبضوا على بولس وجرّوه إلى خارج الهيكل. وبينما كانوا يحاولون قتله بلغ قائد الكتيبة أنّ أورشليم هائجة فلمّا رأوه كفّوا عن ضرب بولس فأمر بأن يقاد إلى قلعة أنطونيا بينما الشعب الذي كان يتبعه يصيح «أعدمه». ولمّا وصلوا به إلى القلعة طلب من قـائـد الألف باليونـانيّة أن يـاذن له بمخاطـبة الشعب فأذن له. فوقف بولس على السلّم وأشار بيده إلى الشعب فساد السكوت، وأخذ يخطب فيهم بالعبريّة (أو بالحريّ بالآراميّة) (أعمال 22). وهكذا انتهت رحلة بولس الثالثة إلى أورشليم واستقرّ فيها لفترة.

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search