الروحُ في صحراء، في نشافٍ وجفاف، تبحث عن تعزية، في المدن والأرياف. ولا تجد حلًّا. المعيشةُ صعبةٌ، والروحُ ترى نفسَها أمام انعطاف. المسألةُ جدّيَّةٌ، فلا تتناولْـها باستخفاف. تشعر بأنّ الروح في حالة جمود.
فما من شكّ في أنّ نفوسنا تتأثّر في ظروف المعيشة. فمِن أينَ نجدُ للسيّارة الوقود، وللتسوّق النقود، ومن أين نأتي، في ظلّ هكذا أحوال، للأعصاب بالنسمة والبرود؟
نقطن في بلدٍ الخرابُ فيه مقصود، واليأسُ منشود، والحلمُ أضحى الرقود، والعدم بدلًا من الوجود، والعدل مفقود، وكأنّ الحلَّ فيه مرفوض، والهلاك وحده مفروض. نعيش عبيدًا في بلدنا وكأنّنا مسبيّون، منفيّون، مربوطون، مقيّدون بسلاسلَ وقيود. في بلدنا الأفق مسدود، فمياهُنا جافّةٌ، وأنهارنُا سائبة بلا سدود.
ماذا حلَّ بكِ يا أرضَ الجدود؟ بلد الأرْز والعنقود أضحى أبناؤه للهجرة يبذلون كلَّ المجهود، ويغادرونَ بوفودٍ وحشود، يُغلِقون البابَ خلفَهم، وكلٌّ يُقْسِم بألّا يعود.
فإلى مَن نشكو؟ إلى مَن نستأنف؟ وإلى مَن تُنشد مزاميرك يا داود؟
القاضي يُهدَّد، وجنى العمر يُبدَّد، ولا مسؤوليّة تُحدَّد، ولا واجبات تُسدَّد، وعمر المجلس يُمدَّد، والحكومات بالشكل تتغيّر ولكنّها بالواقع إيّاها تُجدَّد، والشعارات الفارغة تُردّد، وعمل الخير والإصلاح به يُندَّد، وعقوبة المجرم مخفَّفة بدلًا من أن تُشدَّد. لو كنّا في الغابة لاحتجّينا عند الأسُود، ولرسمنا للظلم حدًّا محدود.
فإلى مَن نشكو؟ إلى مَن نستأنف؟ يبقى لنا واحدٌ على الخشبة ممدود. بريءٌ من كلِّ ذنب، معَ أنّه مصلوب، بلا أيّ خطيئة، ومع ذلك هو من المجتمع مطرود. ليس بمغلوب، ولكنّه غالبٌ وقوّته بالخفى، بشكلٍ سرّي محجوب. ينقضُ العالم رأسًا على عَقِب، لا ينبهر بالمظهر، بل يفحص الأناس في القلوب، ويُنْزِلُ الشامخَ المتكبِّرَ مِن عرشه الباطل بشكل ٍمقلوب. فهو الراعي كما عرفه الملك داود، وعزف له بالكنّارة والعود، ودوّن له أنشودًا تلو الأنشود ، وهو وحده إلى المراعيَ الخضراءِ يقود، لا إلى اليباس ولا إلى الجرود، فلا يُعْوِزُنا أيُّ معهود، وهو يغلب بالمحبّة، ويطرد شرّ الجحود، وهو رجاؤنا ويستحقّ المجد والسجود، هو إيّاه الربّ يسوع المعبود، ومراحمه لنا وعود، وجمع القدّيسين له شهود، وهو يسمع تضرّعاتنا مساءً وصباحًا، وفي وقت الغروب.