في وسط العاصفة في الليل وحدي مُشرّدة في بحرٍ هائج مُخيف، أجذّف وانا أعرف أنّ ما باليد حيلة، ولكنّني فقط أجذّف كيلا أستسلم، وكيلا أُعطي نفسي طعامًا جاهزًا ليأسي فأُنهيها أنا. أعرف أنّ لا أمل لي في النجاة، فكلّ شيء حولي مخيف ومرعب العاصفة تزمجر، والأمواج تتلاطم والمطر الغزير ينهمر وكأنّ السماء تفرّغ كلّ حمولتها، والوحدة والبُعد عن الشاطىء وأنا على وشك أن أغرق وقاربي صغير، صغير. طال الوقت وأنا على هذه الحال في قاربي تتلاعب بي الرياح العاتية. في خضمّ هذ النوّ، نسيت نفسي، تبعثرت أفكاري وتشتّت، من أكون ولماذا أنا هنا، وما الذي جاء بي إلى هذا المكان؟ وتضاربت الأسئلة في رأسي ولكن ليس الوقت وقت أسئلة. يجب أن أنجو الآن، الآن قبل أن ينبلج ضوء الصباح.
في زاوية من زوايا قاربي ينام يسوع. صرخت إليه، يا ربّ ألا تبالي أنّي أغرق في وسط هذه العاصفة الهوجاء؟ فقال لي يا قليلة الإيمان، أين إيمانكِ، فصرخ في وجه العاصفة فهدأت واختفت، وحلّ هدوء عظيم لم أشعر بمثله من قبل وصرنا إلى الشاطىء وطَلَعَ الضوء، ووجدنا الإخوة يتجمّعون على الشاطىء مطمئنّين، يتلذّذون بأكل السمك وهم لا يعلمون ما حدث لي وأنّني كنت وحدي في عرض البحر أواجه خطر الغرق.
التحقت بالربّ والإخوة وبدا كلّ شيء هادئًا، ولكن في قلبي كانت قد نزلت الصاعقة وأدركت السرّ الذي منذ الدهور. بينما أنا منجذبة إلى الربّ أنظر اليه عن بُعد، أراقبه وأسأل نفسي مئة سؤال وسؤال وأُملّي عيوني منه، من هو بالفعل؟ أعرف أنّه إله عظيم. وهو الربّ وله السلطان. وأنا؟ أنا الصغيرة أأنتمي إليه؟ مرهوب الربّ وعظيم جدًّا وقدرته عجيبة، وهو عظيم في حبّه. كيف يمكنني أن أنتمي إليه؟.
وبينما أنا شاردة الذهن أُفكّر سمعت صوته يقول لنا: «لملموا أنفسكم لننطلق من هنا. لدينا عمل كثير جدًّا».
وصل صوته إلى قلبي وحرّكني من داخلي وعرفت، عرفت من أكون ومن أُريد أن أكون. هذا السؤال الذي كان يقلقني منذ زمن طويل، بات واضحًا اليوم. يمكن أن يُعطيني فكري مئة جواب وجواب ولكنّها كلّها ظلال. وما عدت أعرف فقط ماذا عليّ أن أفعل، ولكن أعرف أيضًا لماذا كلّ هذا العمل على عاتقي أنا الصغيرة بين الإخوة. ولماذا الربّ متطّلب إلى هذه الدرجة.
لملمنا أنفسنا ومشينا وكنّا نتحدث في الطريق حول ما ننوي عمله معًا من أجل الخير، من أجل الناس ومن أجل الربّ وكنيسته. أراد الربّ أن نهتمّ بهؤلاء الصغار الذين وحّد نفسه بهم، ولهذا نحن وُجدنا، فلنتمّم وصيّة الربّ بمحبّة.