العدد الرابع - سنة 2021

10 - تحقيق - كنسية سيّدة الزلزلة العجائبيّة زحلة البقاع - لولو صيبعة - العدد 4 سنة 2021

موقع الكنيسة

تستقطب كنيسة سيّدة الزلزلة العجائبيّة، في زحلة، المؤمنين من المدينة ومن المناطق كافّة بخاصّة بعد عمليّة الترميم التي خضعت لها.

تقع في الجهة الجنوبيّة الشرقيّة في أقدم حيّ من أحياء المدينة البقاعيّة. وعلى بعد مئة وخمسين مترًا لجهة الجنوب الشرقيّ حيث شيّدت سرايا زحلة القديمة العام 1888 على عهد المتصرّف واصّا باشا، وفي هذه السرايا اليوم مركز البلديّة.

متى بنيت كنيسة سيّدة الزلزلة

لا تاريخ محدّد لبناء الكنيسة، وهي الأقدم في المدينة. وعلى الأرجح أنّها بنيت في النصف الثاني من القرن السادس عشر. يقول عنها المؤرّخ عيسى إسكندر المعلوف إنّها أوّل كنيسة شيّدت في زحلة وبقي هذا القول محفورًا في تقليد أهل المدينة. ويروي المؤرّخ أيضًا أنّ بعض العائلات الأرثوذكسيّة سكنت زحلة في القرن السادس عشر، ومنها عائلة الحاج شاهين التي أتت مع السلطان سليم الفاتح فأقطعها أرض عرْجموش في منطقة حوش الأمراء العقاريّة، وكان ذلك في العام 1517. وانتقلت العائلة إلى زحلة على أثر خلاف بينها وبين السيّاد في برّ إلياس وباشروا ببناء كنيستهم لإقامة شعائرهم الدينيّة وعرفت في ما بعد باسم كنيسة سيّدة الزلزلة العجائبيّة. والمعروف أنّ المسيحيّين كان يصعب عليهم أن يبنوا كنيسة في عهد العثمانيّين لكنّ آل النصرانيّ، الذين صاروا آل الحاج شاهين، كانوا يحملون براءة من السلطان سليم الأوّل تقديرًا لهم ولخدماتهم في السلطنة العثمانيّة لذلك استطاعوا الاستحصال من العثمانيّين على إذن لبناء كنيسة سيّدة الزلزلة.

سبب التسمية

في العام 1759 ضرب زلزال قويّ المنطقة، فغرقت مدينة بيروت وتضرّرت مدينة بعلبك التي كان معبدها قائمًا بأعمدته كاملة مع الهيكل. أمّا زحلة في تلك الحقبة فكانت بلدة صغيرة وكنيسة السيّدة أعلى بناء فيها. وعند الزلزال تشقّقت الأرض خلف الكنيسة وزحلت التربة باتّجاهها، ولكنّها بعجيبة توقّفت عندما اصطدمت بجدران الكنيسة وطمرت جزءًا من حائطها الغربيّ. ولهذا سلمت البيوت كلّها، وأيقن أهل زحلة أنّ السيّدة العذراء حمتهم، فخرجوا من بيوتهم متضرّعين إلى والدة الإله، فرفعوا لها التكريم والإجلال، وأطلقوا على الكنيسة اسم «سيّدة الزلزلة العجائبيّة».

علامات الزلزال في الكنيسة

وُسّعت الكنيسة في العام 2003، وخلال أعمال إزالة الأتربة، تبيّن أنّ الحجارة التي تحت أرضيّة الكنيسة مصقولة وهي مشابهة للحجارة التي فوقها، ما يدلّ على أنّ هذه الناحية لم تبنَ لكي تُطمر، بل جرى ذلك على أثر الزلزال.

وهناك أيضًا أحدى القناطر التي تفكّك عقدها بعض الشيء. كما هناك عمود زحل أساسه نحو سبعة سنتمترات في الناحية الشماليّة من الكنيسة. وتفسّخت الأرضيّة عند الحائط الشرقيّ، ناحية الهيكل، وانشقّت الحجارة المرصوفة وتباعد بعضها عن البعض الآخر نحو خمسة سنتمترات.

من الأحداث التي مرّت على الكنيسة:

- ثورة 1860

في ثورة 1860 التي حصدت الكثير من أرواح المسيحيّين، تعرّضت مدينة زحلة لهجوم عنيف، إذ أحاط بها الجنود واقتحموها بالحيلة وأحرقوها. لجأ عدد من أهل زحلة إلى كنيسة سيّدة الزلزلة مؤمنين بأنّها ستدفع عنهم شرّ البليّة. وعندما وصلت فرقة من المهاجمين إلى باحة الكنيسة ليقتلوا من فيها ونهبها، ذرّت العذراء الغبار في عيونهم محدثة زوبعة رمليّة لفّت الكنيسة فاضطرّ العسكر إلى التراجع، وهكذا سلمت الكنيسة من الحريق والسرقة، ونجا كلّ من احتمى فيها. نشير إلى أنّ هذه الحادثة رواها حفيد أحد المهاجمين الذي زار الكنيسة في سبعينات القرن الماضي. وفي هذا السياق لم يظهر أيّ أثر للحريق خلال عمليّة الترميم التي أجريت العام 2003.

- دخول الأتراك إلى زحلة في العام 1914

بعد ثورة 1860 تدخّل الفرنجة وأُعطي المسيحيّون في زحلة قسطًا من الحرّيّة في ممارسة شعائرهم الدينيّة. فكانت زحلة هي الوحيدة التي سُمح لها بقرع أجراسها خلال الحقبة العثمانيّة. كما صدرت فيها جريدة «زحلة الفتاة» التي كانت تكتب مقالات ضدّ العثمانيّين.

 الحرب العالميّة الأولى

في العام 1914 اشتدّ طغيان العثمانيّين على اللبنانيّين، فعمد الجنود الموجودون في زحلة إلى مداهمة الكنائس وإسقاط الأجراس لمنع المسيحيّين من أداء فروض الصلاة. وعندما وصلت فرقة إلى سيّدة الزلزلة صعد عسكريّان القبّة محاولين إنزال الجرس إلاّ أنّهما وقعا إلى أسفل من دون أن يعرف أحد كيف.

كما يذكر المؤرّخ عيسى إسكندر المعلوف أنّ كلّ الأجراس أُنزلت في زحلة العام 1914 إلاّ جرس سيّدة الزلزلة لكنّه لا يذكر السبب.

أيقونة الرقاد العجائبيّة

ميخائيل مهنّا القدسيّ هو من رسم هذه الأيقونة في العام 1881. في مطلع العقد السابع من القرن العشرين احترق جزء من هذه الأيقونة بسبب الشموع التي تضاء مقابلها. فأعطاها القائمون على الكنيسة إلى شخص لترميمها. لكنّ هذا أمعن في تخريبها إذ قطع القسم العلويّ المحروق وأحد الجوانب. وهكذا ما عاد ظاهرًا سوى جسد العذراء المسجّى وقسم من الرسل والجزء السفليّ من السيّد. تنسب إلى هذه الأيقونة عجائب كثيرة.

أيقونة العذراء الدامعة

هي من أقدم الأيقونات في الكنيسة من حيث نمط الرسم والزخرفة المتّبع في تنفيذها. كانت مغطّاة بالسواد بسبب الدخان المتصاعد من الشموع المضاءة ولم يكن يظهر منها سوى وجه العذراء. خضعت في العام 2005 للترميم فبرز رسم المسيح وهي تحمله على ذراعها، وكذلك رسوم القدّيسين الذين يحيطون بها.

تجديد الكنيسة

خضعت الكنيسة للترميم أوّل مرّة في العام 1740 ثمّ في العام 1759 على أثر الزلزال. في مطلع القرن العشرين أضاف أبناء الرعيّة الشرفتين المطلّتين على صحن الكنيسة من الجهتين الشماليّة والجنوبيّة. في العام 1910 فُتحت نافذتان شمالًا وجنوبًا وارتفع أيقونسطاس جديد من الرخام الذي حفرت عليه رسوم نباتيّة، كما أعيد تبليط الكنيسة. وبعد ذلك بنيت مدرسة السيّدة في الجهة الجنوبيّة من الكنيسة، بعد أن أخذت رخصتها من الدولة العثمانيّة العام 1914 وجُدّدت في خمسينات القرن العشرين، وهي ما تزال تعمل حتّى اليوم. وفي العام 1936 جدّد مدخل الكنيسة الغربيّ وزيّن برخام جميل، كما استحدثت غرفة صغيرة على يمين المدخل عُرفت بالكابيلّا ووضعت فيها أيقونة رقاد والدة الإله العجائبيّة. 

في السنة 1915 استبدل بسقف إسمنتيّ السقف الترابيّ ورصف فوقه القرميد الأحمر. وفي سبعينات القرن العشرين أعيد بناء الجرسيّة.وفي العام 1993 بدأ بناء مسكن للكاهن وقاعات للمناسبات.

في العام 2003 ببركة صاحب السيادة المتروبوليت اسبيريدون خوري وهمّة وحيويّة كاهن ومجلس الرعية وُسّع صحن الكنيسة من الجهة الغربيّة وكانت عمليّة الترميم طالت الكنيسة كلّها وقام بها المهندس المعماريّ نبيل عازار من بيروت. فوسّعت الكنيسة من الجهة الغربيّة واستحدثت ساحة خلفها. وتضمّنت الزيادة شرفة جديدة تتّصل بالشرفتين القديمتين ويمكن ولوجها من داخل الكنيسة. وهكذا باتت الكنيسة تتّسع لأربع مئة شخص، مع ساحة كبيرة لركن السيّارات.

أيقونات مميّزة

- أيقونة القدّيس جاورجيوس بريشة جرجس ابن عبد المسيح المصوّر الحمصيّ من العام 1865.

- الأيقونات الملكيّة رسمها جرجس أيضًا في العام ذاته.

- صفّ الرسل وأيقونات أخرى بيد ميخائيل مهنّا القدسيّ العام 1882.

- جداريّة الهيكل رسمها الفنّان الرومانيّ كوستيل ميكو في العام 2000.

-   فسيفساء والدة الإله أنجزها ميلاد صليبي في العام 2005.

- أيقونة رقاد والدة الإله رسمها جورج فيليب المرّ العام 2007.

 من الكهنة الذين خدموا الكنيسة:

- الأب داود الحجّار.

- الأب إبراهيم القاري.

- الأب مخايل إبراهيم الخوري (1960-1970).

- الأب إسبيريدون العدس (1970-1999).

- وحاليًّا الأب جورج سليم المعلوف ابتداء من العام 1998.

 الجمعيّات العاملة في الرعيّة:

- مجلس الرعيّة: تشكّل أوّل مجلس العام 1979 على زمن الأب إسبيريدون العدس رحمه اللَّه، ونشط الأعضاء في تجميل الكنيسة وزيادة مداخيلها، واهتمّ بضرورة استمرار المدرسة التابعة للكنيسة، لكونها عاملًا أساسيًّا في نهضة الرعيّة وأبنائها. وفي هذا الإطار تمّ ما يلي:

شراء قطعة أرض مساحتها سبعة آلاف متر مربّع في ضهور زحلة لإنشاء البناء وتبرّع بثمنها السيّد وديع العبسي.

وضعت خرائط أوّليّة ما تزال قيد الدرس.

الأمل كبير في إنجاز هذا المشروع بهمّة أبناء زحلة والمؤمنين.

- مكتب النشاطات الروحيّة: تأسّس هذا المكتب في العام 1998 عندما تسلّم الأب جورج المعلوف الرعيّة، والتزم قسم كبير من الشباب واهتمّوا بالطفولة والترتيل والنشاطات الروحيّة في الرعيّة.

- الجمعيّة النسائيّة الخيريّة: تأسّست هذه الجمعيّة السنة 2001 في عيد الأمّهات. ساعدت هذه الجمعيّة الكاهن في الأعمال الخيريّة والمساعدات الإنسانيّة.

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search