هو أبو صلاح إبراهيم منذر كمال من بني المعلوف، الأسرة الغسّانيّة المناهز عددها في البلاد عشرة آلاف. علّامة ولغويّ وشاعر وصحافيّ وسياسيّ مناضل.
نزح آله نحو العام 1520 من حوران إلى بلاد بعلبك فجبّة بشرّي وعمّروا دوما في جبال البترون، ونزحوا منها على عهد الأمير منصور العسّاف العام 1550، وبنوا المحيدثة في المتن، وكانوا عمدة الحزب اليمنيّ، ثمّ اعتدلوا بين الحزبين وكان لهم شأن في سياسة لبنان. وقد نصّب الأمير أحمد معن كمالًا بن منذر الجدّ الخامس لإبراهيم شيخًا ولّاه شؤون ذويه.
ولد إبراهيم في المحيدثّة في 7 حزيران العام 1875 وبدأ يتعلّم في مدرستها الصغيرة ثمّ دخل المدرسة اللبنانيّة في قرنة شهوان واستمرّ فيها أربعة أعوام يدرس أصول اللغتين العربيّة والفرنسيّة ومبادئ الإنكليزيّة، ثمّ درس الرياضيّات والحقوق على العلماء ظاهر خيراللَّه وسليم باز وجرجس صفا، وطالع كثيرًا في كتب الأدب.
باشر التعليم أوّلًا في مدرسة دير النبيّ إلياس في شويّا، ثمّ في مدرسة الشوير الوطنيّة، ومن تلاميذه فيها المطران روفائيل نمر والكاتب داود مجاعص. علّم النحو والبيان في مدارس بيروت الثلاثة الأقمار وزهرة الإحسان والبطريركيّة والأدبيّة والفرير وأوجيه العلمانيّة، ومن تلميذاته في زهرة الإحسان الكاتبتان سلمى صائغ وماري ينّي، ومنهم في الثلاثة الأقمار الصحافيّان جبران التويني الجدّ وسليم غنطوس. كما تولّى إدارة المدرستين الوطنيّة والأدبيّة.
أنشأ في العام 1910 مدرسة البستان في المحيدثة وكانت داخليّة وخارجيّة فدامت خمسة أعوام، ومن تلاميذها الدكتور أديب مظهر، والأستاذ أديب غرزوزي والشاعر نعمان نصر والكاتبان مخائيل عقل ونصراللَّه طليع. لم تدم طويلًا إذ أقفلت بسبب الحرب العالميّة الأولى.
دُعي لإدارة مدرسة الروم في حلب العام 1930، ولاختلاف ملّيّ فيها آثر الانسحاب منها، وعاد إلى بيروت وأخذ يشتغل في المحاماة.
انتخبه أهل بلده شيخ صلح العام 1908 فخدمهم سنوات عدّة. وعيّنته حكومة لبنان رئيسًا لكتبة المدّعي العامّ الاستئنافيّ على عهد المتصرّف يوسف باشا فرنكو العام 1909، وتعيّن عضوًا في محكمة كسروان في ربيع العام 1915، ثمّ عضوًا في محكمة المتن في خريف تلك السنة، ودام قاضيًا خمسة أعوام. دعته حكومة الشام لتولّيه منصبًا في المعارف على عهد الملك فيصل فاعتذر.
وفي الحادي والعشرين من شهر أيّار العام 1922 نادى به الشعب في لواء الجبل ممثّلًا لهم في مجلس النوّاب فاستغرب الناس فوزه وعدّوه فاتحة انتخابات حرّة ما جرى مثلها بعد في لبنان. لم ينتم إلى حزب ولا ناصرته حكومة ولم يسعَ كغيره من سائر المرشّحين وإنّما نجح بسبب اسمه وماضيه. وتجدّد انتخابه نائبًا في 12 تمّوز العام 1925، وهو في المجلس من الحزب الوطنيّ الحرّ يدافع عن مصالح البلاد بجرأة وإخلاص.
كتب الشيخ إبراهيم كثيرًا في جرائد المنار والحرّيّة والبرق والمعرض والإصلاح والمنبر والأحرار، وفي مجلّات النور والحقيقة والمعارف والفجر والخدر ومينرفا والمرأة والحياة، وغيرها من صحف لبنان وسورية. كَاتَب الدليل ومرآة الغرب في نيويورك، والحديقة والبريد في البرازيل، ويقظة العرب والحاوي في الأرجنتين، والوطن في التشيلي. كما كتب في مجلّات بيت لحم في فلسطين، والرابطة الأدبيّة في الشام والعرفان في صيدا وسواها.
له ديوان شعر كبير غير مطبوع، وخمس روايات هي: الأعرابي، الأمير بشير الشهابيّ، الحرب في طرابلس الغرب، أسير القصر وعلي بن أبي طالب.
خدم الجمعيّات الخيريّة والأدبيّة عضوًا عاملًا ومنها جمعيّات الفقير والمدرسة والإصلاح والاتّفاق الوطنيّ في المحيدثة وبكفيّا وشمس البرّ ومقاومة السلّ وعصبة الأدب في بيروت، وترأس جمعيّة الـرابـطـة الأرثـوذكسـيّة ولـجانًا عدّة. ناضل ضدّ الدولة العثمانية وسلطات المتصرفيّة والانتداب الفرنسيّ. وكانت له مواقف وطنيّة سياسيّة واجتماعيّة وأدبّية، من أهمها: المطالبة بإلغاء الطائفيّة، وتحرير المرأة، والدفاع عن الدستور، والتجنيد الإجباريّ، ومناصرة الآداب واللّغُة العربيّةَ، والعلوم، والفنون الجميلة.
كافأه اللبنانيّون جزاء خدماته الأدبيّة والوطنيّة باحتفالات تكريميّة أهديت إليه فيها هدايا نفيسة من أدباء الوطن والمهجر.
انتخبه المجمع العلميّ العربيّ في الشام عضوًا مراسلًا في 2 تشرين الأوّل العام 1926.
تزوّج الشيخ إبراهيم بالسيّدة حفيظة ابنة شاهين الشايب من بلدته وأنجب منها ثمانية أولاد هم ليلى وماري وصلاح وبديع وسلوى ومهيبة وحافظ ونهاد.
عُرف من طباعه الدعة والتساهل وسرعة الخاطر والصراحة والجرأة. وهو محبّ محبوب صافي السريرة، سهل الأسلوب وله ولع بالموسيقى ويحسن العزف على العود.
قال فيه أمين نخلة:
«كان الشيخ إبراهيم المنذر، إذا تلقّف كُرةَ البحث في العربيّة، بَيْنَ فرائدَ وَجُمل، بحرًا لا ساحل! فهو قد أحاط بشاذّ وَمَقِيس، وَوقف على غرائبَ ونوادر، وغاص على دقائق واستقصى أطرافًا، وَجَمعَ أشتاتًا ما شاء اللَّه له».
وكانت له ذاكرة حافظة وبداهة حاضرة. فإذا عرضت له مسألة من مسائل اللغة، كان الشاهد اللّغُويّ حاضرًا لساعته، وكان يتذوّق الموسيقى ويميل إلى الفنّ. فرقّىَ السياسة وجعلها في مستوى الأدب والفنّ. وكان همّه تهذيب الناشئة اللبنانيّة ومدّها بالعلم الواسع والأدب العالي والأخلاق الرفيعة. أقيم له مهرجان تكريم في العام 1948 لمناسبة مرور خمسين عامًا على اشتغاله بالأدب، وقد حيّاه كبار الشعراء مثل الأخطل الصغير، ورئيف خوري وغيرهما بقصائد في هذه المناسبة. وقُدّم له وسام المعارف المذهب، كما كُرّم في الوطن والمهجر.
له أكثر من مئة قصيدة بالشعر العربيّ الفصيح، وله ديوانان، «ديوان المنذر» وديوان «شعر»، تُعدّ قصيدة قلب الأمّ أحد أشهر قصائده، والتي ما زال يتردّد صداها إلى اليوم، حيث يقول فيها:
توفّي المنذر عن خمسة وسبعين عامًا، بتاريخ 25 أغسطس 1950 في مستشفى القدّيس جاورجيوس في بيروت إثر عمليّة جراحيّة. ثمّ في ما بعد أقيمت له حفلة تأبينيّة تكريمًا له. وفي العشرين من شهر مارس من العام 1972 رُفعت صورته في قاعة دار الكتب الوطنيّة إلى جنب أعلام لبنانيّين مبدعين راحلين.
وفي العام 2009، ولمناسبة إعلان بيروت عاصمة عالَميّة للكتاب أُقيم للمنذر احتفال في تكريم ذكراه، في قصر الأونيسكو في بيروت تكلّم فيه كبار شعراء لبنان وأدبائه أمثال منيف موسى وأسعد السكاف وجورج شكّور وأمين زيدان وجوزف مفرّج وغالب غانم.