مقدّمة
أدّى التطوّر السريع في التقنيّات الطبّيّة الحيويّة التي اخترقت حياة الإنسان المعاصر منذ ولادته حتّى موته، واستحالة الاستجابة للتحدّيات الأخلاقيّة الناشئة على مستوى أخلاقيّات الطبّ التقليديّ، إلى بروز قلقٍ كبير في المجتمع. فمحاولات البشر في وضع أنفسهم بمكانة اللَّه عبر تغيير خليقته و«تحسينها» بحسب رغبتهم، قد تحمّل البشريّة أعباءً ومعاناة جديدة. تفوّق تطوّر التقنيّات الطبّيّة الحيويّة إلى حدٍّ بعيد على التوعية حول النتائج الروحيّة - الأخلاقيّة والاجتماعيّة في استخدام هذه التقنيّات بشكل غير مضبوط، ما ينتج منه مخاوف رعويّة لدى الكنيسة. والكنيسة، في صوغ موقفها تجاه مشاكل أخلاقيّات علم الأحياء التي تناقش على صعيدٍ واسعٍ اليوم، لا سيّما تلك التي لها تأثير مباشر على الإنسان، تنطلق من أفكارٍ حياتيّة تستند إلى مبدأ الرؤيا الإلهيّة. فالحياة هي هبة من اللَّه، وحرّيّة الإنسان الثابتة وكرامته المصانة مثل اللَّه هما «الغرض لأجل جعالة دعوة اللَّه العليا في المسيح يسوع». (فيليبّي 3:14) وأن يكون الإنسان كاملًا كالأب السماويّ (متّى 5 :48) ومؤلّهًا مثله، أي أن يصبح شريكًا في الطبيعة الإلهيّة (2 بطرس 1:4).
الإجهاض المتعمّد
منذ العصور القديمة اعتبرت الكنيسة الإجهاض المتعمّد خطيئة عظيمة وجريمة بحسب القانون الكنسيّ. تُبنى هذه القاعدة على القناعة بأنّ حياة الإنسان هبة من اللَّه، لذلك يعدّ أيّ مساس بحياة أيّ إنسان منذ ولادته جريمةً كبرى.
تصف المزامير نموّ الجنين في رحم والدته على أنّه خليقة اللَّه: «لأنّك أنت اقتنيت كليتيّ. نسجتني في بطن أمّي. لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء، ورقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي». (مزمور 139: 13، 15- 16). كما يشهد أيّوب بالمثل خلال حديثه مع اللَّه قائلًا: «يداك كوّنتاني وصنعتاني كلّي جميعًا، أفتبتلعني؟... ألم تصبّني كاللّبن، وخثّرتني كالجبن؟... كسوتني جلدًا ولحمًا، فنسجتني بعظامٍ وعصبٍ... منحتني حياةً ورحمةً، وحفظت عنايتك روحي... فلماذا أخرجتني من الرحم؟» (أيّوب ٨: ١٠- ١٢ و١٨). وهكذا قال اللَّه لإرمياء النبيّ: «قبلما صوّرتك في البطن، عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم، قدّستك». نجد أيضًا هذه الوصيّة بين الوصايا التي تركها اللَّه ودوّنت في تعاليم الرسل الاثني عشر التي تعدّ من أقدم المخطوطات المسيحيّة: «لا تجهض، لا تقتل ولدًا بعد ميلاده». كتب «أثيناغورس»، علّامة من القرن الثاني الميلاديّ: «المرأة التي تقدم على الإجهاض هي مجرمة وستحاسب أمام اللَّه». أمّا «ترتليان»، علّامة من القرن الثالث ميلاديّ، فذكر: «من سيصبح إنسانًا صار إنسانًا بالفعل». وبحسب القانونين الثاني والثامن من كتاب قوانين الكنيسة الأرثوذكسيّة للقدّيس باسيليوس الكبير المعتمدين من القانون 91 الصادر عن المجمع المسكونيّ السادس: «إنّ تلك التي تقتل جنينًا عمدًا ستحاسب كما يحاسب المجرم... أولئك الذين يوصون بعقاقير للإجهاض والذين يستخدمون السمّ لقتل الجنين سيحاسبون كما يحاسب المجرم». في الوقت عينه، يوضح القدّيس باسيليوس أنّ: «لا نولي اهتمامًا للمفارقة الدقيقة بين ما إذا كان الجنين قد تكوّن بالكامل أم لا». ووصف القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم الذين يقدمون على الإجهاض بأنّهم أسوأ من القتلة والمجرمين.
الإجهاض المبرّر
تعتبر الكنيسة الإجهاض المبرّر والمنتشر على نطاقٍ واسع داخل المجتمع المعاصر كتهديدٍ لمستقبل الإنسانيّة، ودليلًا دامغًا على التدهور الأخلاقيّ. والمفارقة الكبرى هي الإيمان بتعاليم آباء الكنيسة والكتاب المقدّس القائلة بأنّ حياة الإنسان مقدّسة وثمينة منذ ولادته وبالمقابل الاعتراف بحقّ المرأة في «حرّيّة تقرير» مصير الجنين. إضافة إلى ذلك، يشكّل الإجهاض تهديدًا جسيمًا لصحّة الأمّ الجسديّة والنفسيّة. ولطالما اعتبرت الكنيسة أنّ من واجبها حماية الأشخاص الأكثر ضعفًا وبخاصّة الأجنّة. فالكنيسة الأرثوذكسيّة لن تبارك الإجهاض في أيّ ظرف كان. وفي حين لا تنبذ الكنيسة المرأة التي تجهض، فهي تدعوها إلى التوبة وتخطّي النتائج المدمّرة لهذه الخطيئة عبر الصلاة والتكفير عن ذنوبها، فضلًا عن المشاركة في الأسرار المقدّسة المخلّصة. تتطلّب مسألة الاستجابة للإجهاض الذي تلجأ إليه النساء أحيانًا بسبب الفقر المدقع والعجز، أن تتّخذ الكنيسة والمجتمع التدابير الفعّالة لحماية الأمومة واستحداث ظروف ملائمة لتبنّي الأطفال الذين تعجز أمّهاتهم عن تربيتهم لسببٍ معيّن.
وينبغي للوالد أن يتحمّل مسؤوليّة قتل الجنين أيضًا إذا وافق على الإجهاض. وإن كانت المرأة لجأت إلى الإجهاض من دون موافقة زوجها، قد يكون ذلك دافعًا معقولًا للطلاق. ويعتبر الطبيب الذي أجرى عمليّة الإجهاض شريكًا في الخطيئة أيضًا. ودعت الكنيسة الدولة مرارًا إلى الاعتراف بحقّ الأطبّاء في رفض إجراء عمليّة إجهاضٍ بدافع الوعي الضميريّ. وإنّه لمن غير الطبيعيّ إلقاء المسؤوليّة القانونيّة على الطبيب لوفاة الأمّ، وأن تكون هذه المسؤوليّة أهمّ من مسؤوليّة الطبيب قانونيًّا لدى قتل الجنين. فالطبيب مسؤول بالكامل عن التشخيص الذي قد يدفع بالمرأة إلى إنهاء حملها، لذلك يجب أن يكون مؤمنًا وأن يطابق بين البيانات الطبّيّة وقناعاته المسيحيّة.
وسائل منع الحمل
أمّا موضوع حبوب منع الحمل فهو من بين المواضيع التي تحتاج إلى تقويم دينيّ وأخلاقيّ، إذ لدى بعض الحبوب مفعول إجهاضيّ يوقف بشكلٍ اصطناعيّ حياة الجنين في أولى مراحل حياته. لذلك، ينبغي أن تطبّق الأحكام ذاتها على استخدام الحبوب وعلى الإجهاض. لكن، لا يمكننا مساواة الوسائل الأخرى التي لا تنهي الحمل عند خلق الجنين في الرحم بالإجهاض. عندما ينوي الزوجان المسيحيّان استخدام حبوب منع الحمل غير المجهضة، يتحتّم عليهما تذكّر أنّ التناسل البشريّ هو من أحد الأهداف الرئيسة للرابطة الزوجيّة المقدّسة. وتاليًا إنّ رفض الإنجاب بدافعٍ من الأنانيّة يقلّل من شأن الزواج ويعتبر خطيئة.
في الوقت عينه، الأزواج مسؤولون أمام اللَّه في الاتّفاق المتبادل على الإنجاب. فالامتناع عن الجماع الجنسيّ لبرهةٍ من الوقت هي وسيلة لكي يكون الأزواج مسؤولين عن الإنجاب. كما عليهم أن يتذكّروا أقوال القدّيس بولس: «لا يسلب أحدكم الآخر، إلاّ أن يكون على موافقةٍ، إلى حينٍ، لكي تتفرّغوا للصوم والصلاة، ثمّ تجتمعوا أيضًا معًا كيلا يجرّبكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم». (1 كورنثوس 7: 5). من البدهيّ أن تتّخذ تلك القرارات بالتراضي بين الزوجين وبمشورة أبيهما الروحيّ. وعلى هذا الأخير أن يأخذ في الاعتبار وبحذرٍ أبويّ وضع الزوجين المعيشيّ وعمرهما وصحّتهما ومستوى النضج الروحيّ لديهما، فضلًا عن عوامل أخرى. ويجب أن يميّز بين الأزواج الذين أعطيت لهم القدرة على تحمّل هذه المسؤوليّة، وأولئك الذين لن يقدروا على تحمّلها (متّى 19: 11)، وألّا ينسى مدى وحدة العلاقة بين الزوجين وقوّتها.
أوعز مجمع الكنيسة الروسيّة الأرثوذكسيّة، في قرار الثامن والعشرين من كانون الأوّل العام 2008، رجال الدين الذين يعملون كآباء روحيّين أنّه «من غير المقبول إرغام أزواج الرعيّة على الامتناع عن العلاقات الزوجيّة خلال زواجهم». كمّا ذكّر الكهنة بالحاجة «إلى إظهار الحرمة والتأنّي عند مناقشة المسائل المتعلّقة ببعض أوجه الحياة الزوجيّة لدى الأزواج».
حالات العقم
تسهّل بعض وسائل الطبّ الحيويّ الجديدة في عددٍ من الحالات تخطّي العقم. وفي الوقت عينه، يشكّل التدخّل التكنولوجيّ المتنامي في عمليّة الإنجاب خطرًا على النزاهة الروحيّة والصحّة الجسديّة للفرد. وهو أيضًا خطر محدق على العلاقات بين الأشخاص التي بنيت على أساسها المجتمعات. تطوّر التكنولوجيّات المذكورة أعلاه عزّز إيديولوجيّة الحقوق الإنجابيّة التي تنتشر اليوم على المستويين الدوليّ والمحلّيّ. يفترض هذا النظام الإيديولوجيّ أنّ تحقيق الذات الجنسيّ والاجتماعيّ للفرد له الأولويّة على مستقبل أيّ طفلٍ وعلى الصحّة النفسيّة والجسديّة للمجتمع واستدامته الأخلاقيّة. فالعادة السائدة حاليًّا هي اعتبار حياة الإنسان سلعة نختارها حسب حاجتنا ويمكننا التخلّص منها كما نتخلّص من سائر السلع المادّيّة الأخرى.
خلال الصلوات التي تتلى في الأعراس، تعبّر الكنيسة الأرثوذكسيّة عن أملها في ألّا يكون إنجاب الأطفال الهدف الوحيد للزواج، حتّى ولو كان الأطفال ثمرة الزواج الشرعيّ. بالإضافة إلى «إنجاب ثمرة من الرحم»، تدعم الكنيسة وجود نعمة الحبّ المديد والعفّة والتناغم بين الروح والجسد. لذلك، لا يمكن للكنيسة أن تعتبر الوسائل الإنجابيّة التي تتنافى مع الإنجاب الطبيعيّ على أنّها مبرّرة أخلاقيًّا. وإذا كان أحد الزوجين عقيمًا ولم تكن الوسائل العلاجيّة والجراحيّة مجدية، عليهما أن يقبلا فكرة عدم الإنجاب. ويطرح الأب الروحيّ، في تلك الحالة، فكرة التبنّي مع موافقة الزوجين. قد يكون التلقيح الاصطناعيّ عبر استخدام خلايا الزوج التناسليّة من بين الوسائل الطبّيّة المقبولة، بما أنّها عمليّة لا تنتهك نزاهة العلاقة الزوجيّة، ولا تتباين أساسًا مع عمليّة الإنجاب الطبيعيّ، فضلًا عن حصولها ضمن إطار العلاقات الزوجيّة.
مع ذلك، ينتهك التلاعب الحاصل في التبرّع بالخلايا التناسليّة نزاهة الفرد وفرادة العلاقة الزوجيّة، إذ يسمح لطرفٍ ثالثٍ بالتدخّل في العلاقة. كما أنّ هذه الممارسة تشجّع على الأبوّة أو الأمومة غير المسؤولة التي تحرّر المتبرّع المجهول من أيّ التزامٍ تجاه «الطفل المخلوق». يقلّل استخدام خلايا المانحين التناسليّة من شأن العلاقة العائليّة ويزعزع أسسها، لأنّه يفترض أن يكون للطفل والدان بالتبنّي ووالدان بيولوجيّان. كتعريفٍ، تقتصر «الأمومة البديلة» على حمل بويضة ملقّحة داخل رحم امرأةٍ (غير الأمّ)، ثمّ يعطى الجنين إلى والدته بعد الولادة باعتبارها «الزبونة»، وهي وسيلة غير طبيعيّة وغير مقبولة أخلاقيًّا، حتّى عندما تتمّ على أساسٍ غير تجاريّ (يدفع للمرأة مال مقابل حمل البويضة). تنتهك العمليّة حميميّة المشاعر بين الأمّ وجنينها التي تتبلور خلال فترة الحمل، وتؤذي المرأة الحامل التي تسحق لديها مشاعر الأمومة، وتؤثّر أيضًا في الطفل الذي قد يمرّ بأزمة هويّة. تندّد الكنيسة الأرثوذكسيّة بكلّ عمليّة تخصيب تحصل خارج الجسم وتعتمد على إنتاج الأجنّة الإضافيّة عمدًا وحفظها أو تدميرها، وتستند تاليًا إلى كرامة الإنسان حتّى لو كان جنينًا في رفضها الإجهاض.
إنّ تلقيح النساء العازبات عبر استخدام الخلايا التناسليّة للمتبرّعين، أو ممارسة الرجال العازبين «لحقوقهم الإنجابيّة» بواسطة الميول الجنسيّة غير الاعتياديّة، يحرم الأطفال من حقّهم في الحصول على أبٍ وأمّ. وأصبح اللجوء إلى وسائل الإنجاب الخارجة عن سياق العائلة المباركة من اللَّه، شكلاً من أشكال تحدّي اللَّه بحجّة حماية الاستقلاليّة الفرديّة والحرّيّة الشخصيّة المفهومة بطريقةٍ خاطئة. n
هنا ينتهي الجزء الأوّل يا إيلي
الجزء الثاني
الأمراض الوراثيّة
تشمل الأمراض الوراثيّة عددًا كبيرًا من الأمراض البشريّة. وتطوّر وسائل التشخيص والعلاج الجينيّة الطبّيّة يمكن أن يساهم في الوقاية من الأمراض والتخفيف من معاناة الكثير من الأشخاص. لكن يبقى من الضروريّ التذكّر أنّ الخلل الجينيّ ينتج أحيانًا من تجاهل مبادئ الأخلاق وعيش حياة فاسدة ما يؤدّي إلى معاناة الأجيال القادمة. يمكننا تخطّي التلاشي الآثم للطبيعة البشريّة بالجهد الروحيّ، لكن إذا طغت الخطيئة على حياة الأجيال المتتالية وازدادت قوّة تصبح كلمات الكتاب المقدّس عندئذٍ صحيحة: “عاقبة الجيل الأثيم هائلة”. (الحكمة 3:19) و«طوبى للرجل المتّقي الربّ، المسرور جدًّا بوصاياه نسله يكون قويًّا في الأرض. جيل المستقيمين يبارك”. (مزمور 122:1-2 ) تاليًا أتت الأبحاث الجينيّة لتؤكّد الأحكام الروحيّة التي كشفتها كلمة الله للبشر منذ زمنٍ بعيد.
بينما تلفت الكنيسة نظر الأشخاص إلى الأسباب الأخلاقيّة للأمراض من جهة، فهي ترحّب بجهود الأطبّاء في معالجة الأمراض الوراثيّة من جهةٍ أخرى. يجب ألّا يكون هدف التدخّل الجينيّ “تحسين” النسل البشريّ اصطناعيًّا أو التدخّل في خلق الله، لذلك يمكن اللجوء إلى الهندسة الجينيّة فقط برضى المريض أو أحد الممثّلين الشرعيّين عنه، ووفق التشخيص الطبّيّ فقط. ويعتبر العلاج الجينيّ للخلايا التناسليّة خطيرًا للغاية لأنّه ينطوي على تغيير المجين (أي مجموعة الخصائص الوراثيّة) ضمن مصفّ الأجيال ما يؤدّي إلى حدوث نتائج غير متوقّعة تأتي على شكل تحوّلاتٍ جديدة وتزعزع التوازن بين المجتمع الإنسانيّ والبيئة.
أحدث التقدّم الحاصل في فكّ الرموز الجينيّة في وضع شروطٍ مسبقة حقيقيّة لإجراء فحصٍ جينيّ شاملٍ، بهدف اكتشاف معلوماتٍ عن الطبيعة الفريدة لكلّ إنسان، وإمكانيّة إصابته بمرضٍ معيّن. وقد يساعد الفحص الجينيّ عبر المعلومات التي يتوصّل إليها على تقليص إمكانيّة تطوير الأمراض التي قد يصاب بها الإنسان. رغم ذلك، لا نستطيع تجاهل خطر استخدام المعلومات الجينيّة لمختلف أشكال التمييز. كما أنّ حيازة معلوماتٍ جينيّة عن إمكانيّة إصابة أحد الأشخاص بمرضٍ مزمنٍ قد يتحوّل إلى عبءٍ على كاهل صاحب المعلومات. إذًا يصبح اللجوء إلى الفحص الجينيّ وحيازة المعلومات الجينيّة معقولًا فقط عندما تحترم حرّيّة الفرد.
وتبقى أساليب التشخيص قبل الولادة غامضة أيضًا لأنّها قد تكشف عن بعض الأمراض الوراثيّة في مراحل مبكرة من النموّ داخل الرحم. قد يشكّل بعض هذه الأساليب خطرًا على حياة الجنين وسلامته وإذا كشف عن مرضٍ غير قابل للعلاج لدى الجنين، قد يدفع ذلك الأهل إلى إنهاء الحمل وممارسة الضغط عليهم ليقدموا على هذه الخطوة. يمكن اعتبار التشخيص قبل الولادة مبررًّا أخلاقيًّا إن كان يهدف إلى علاج مرضٍ شخصّ في المراحل المبكرة من الحمل، ولتهيئة الأهل لتقديم أفضل رعاية ممكنة للطفل المريض. لكلّ إنسان الحقّ في الحياة والحبّ والرعاية مهما كان المرض الذي يعانيه. فالله نفسه هو “إله البائسين”. ويعلّمنا الرسول بولس أن “تعضدون الضعفاء” (أعمال 20:35). ويشبّه الرسول بولس الجسد بالكنيسة ويقول: “بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضروريّة”. “وأمّا الجميلة فينا فليس لها احتياج”. (1كورنثوس 12:22،24). لذا يبقى من غير المقبول استخدام أساليب التشخيص قبل الولادة بهدف اختيار الجنس الأفضل للجنين المستقبلي.
إنّ طريقة استنساخ الحيوانات (أي إنتاج نسخاتٍ جينية منها) التي اخترعها العلماء تطرح أسئلة عدّة حول مدى مقبوليتها ونتائجها المحتملة في حال نفّذت على البشر. قد يدمّر استنساخ البشر المجتمعات وهو أصلاً فكرة عارضها عدد من الأفراد. يفتح الاستنساخ فرصًا أكبر من تلك التي تفتحها تكنولوجيات الإنجاب التي تتلاعب بالمكوّن الجيني للشخصية وتقلل من شأنها. لا يحقّ للإنسان أن يلعب دور خالق البشر أو أن يختار نماذجهم الجينية فيحدّد بالتالي خصائصهم الشخصية بتصرّفه. ويعتبر مبدأ الاستنساخ تحدّيًا للطبيعة البشرية ولصورة الله التي خلقت على مثالها أي تحدّيًا لحرّية الفرد وفرادته ككلّ. وعلى الرغم من هذا الرفض، قد يرحّب أتباع الأيديولوجية التوتاليترية بفكرة “نسخ” الأشخاص بمعايير محدّدة.
قد يفسد استنساخ البشر الأسس الطبيعية للإنجاب وصلة الدم ومبدأ الأمومة والأبوّة، إذ قد تصبح الطفلة أختًا لوالدتها أو قد يصبح الطفل أخًا لوالده أو حتّى إبنًا أو إبنةً للجدّ. ولا تقلّ النتائج النفسيّة للاستنساخ خطورةً عمّا ذكرناه، لأنّ الإنسان الذي ولد جرّاء هذه العملية لن يشعر بأنّه شخص مستقلّ بل مجرّد “نسخة” عن شخصٍ حيّ أو عاش قبله. ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنّ تجارب الاستنساخ البشري ستنتج حتمًا “نواتج ثانوية” وحيواتٍ غير كاملة أو قد تؤدّي حتّى إلى عدم استدامة الذرّية. وفي الوقت عينه، أثبت استنساخ الخلايا العضوية المعزولة والأنسجة أنّه فعّال في علم الأحياء والطبّ في الكثير من الحالات ولا يعدّ تعدّيًا على كرامة الفرد.
يسهّل علم زرع الأعضاء الحديث (وهو النظريّة لزرع الأعضاء والأنسجة وسبل تطبيقها) توفير المساعدة الفعّالة لعددٍ من المرضى الذين يواجهون الموت المحتّم أو يعانون من إعاقةٍ حادّة. وفي وقتٍ تطوّر فيه هذا الفرع من الطبّ وزادت الحاجة إلى الأعضاء الأساسية، نتجت منه مشاكل أخلاقية وأصبح يشكّل تهديدًا محتملاً على المجتمع. وبالمقابل، أحدثت الدعاية غير الأخلاقية للتبرّع بالأعضاء و«تسليع” زرعها، إلى بروز الأفكار النمطية للاتّجار بالأعضاء ما يهدّد حياة البشر وصحّتهم. ترى الكنيسة أنّه لا يجوز اعتبار أعضاء الجسد كسلعٍ تباع وتشترى. ويجب أن يحصل زرع الأعضاء الآتية من شخصٍ حيّ فقط عن طريق التضحية الطوعية بالنفس لصالح حياةٍ أخرى. في هذه الحالة، يصبح القبول باستئصال الأعضاء (استخراج العضو من جسد المتبرّع) تجسيدًا للحبّ والتعاطف. ومع ذلك، ينبغي إعلام المتبرّع المحتمل بآثار استئصال الأعضاء على صحّته، لأنّ الاستئصال الذي يعرّض حياة المتبرّع للخطر يبقى مرفوضًا أخلاقيًّا. الممارسة الأكثر شيوعًا في مجال زرع الأعضاء هي أخذ الأعضاء من شخصٍ توفّي للتوّ، لأنّها تقصي احتمال موت المتبرّع أثناء عمليّة استئصال أعضائه. لا يجوز الإسراع في إنهاء حياة شخصٍ ما عبر حرمانه من الأساليب العلاجيّة بهدف إطالة عمر شخصٍ آخر.
تعترف الكنيسة بإيمانها بقيامة الموتى بالجسد مستندةً بذلك إلى تعاليم الكتاب المقدّس (إشعياء 26:19، رومية8:11، 1كورنثوس15:42؛ 15:44؛ 15:52). وتتلو الكنيسة خلال مراسم الدفن المسيحيّة الصلوات التي تنفع جسد الميت. ومع ذلك، ينظر إلى التبرّع بالأعضاء والأنسجة بعد الوفاة كتعبيرٍ عن المحبّة ويظهر الوجه الآخر للموت. لكن لا يمكننا أن نعتبر التبرّع أو النيّة بالتبرّع كواجبٍ مفروض علينا، وتاليًا تصبح موافقة المتبرّع المسبقة شرطًا أساسيًّا ليتمّ استئصال أعضائه قانونيًا وبطريقةٍ مقبولة أخلاقيًّا. وفي حال لم يكن الأطباء على علمٍ بنيّة الفقيد بمنح أعضائه أم لا، عليهم أن يسألوا أحد أقربائه إذا لزم الأمر. أمّا التذرّع بالقبول التخمينيّ بوهب الأعضاء وهو مبدأ منصوص عليه في تشريعات بعض البلدان، تعدّه الكنيسة انتهاكًا صارخًا لحرّيّة الإنسان.
عبر عمليّة زرع الأعضاء، يحاول المتلقّي أن يدمج الأعضاء والأنسجة الجديدة التي يتلقّاها في كيانه الروحيّ والجسديّ. لذلك، لا يمكننا تقديم أيّ تبرير أخلاقيّ لعمليّة زرع أعضاء تهدّد هويّة المتلقّي وتؤثّر في فرادة شخصيّته كإنسانٍ تحت أيّ ظرفٍ كان. ينبغي أن نبقى متيقّظين لهذا الشرط عندما تستخدم أعضاء الحيوانات وأنسجتها في عمليّة الزرع.
الجزء الثالث
وترفض الكنيسة قطعًا استخدام وسائل علاج الأجنّة حيث يتمّ إجهاض الجنين خلال مختلف مراحل نموّه في محاولةٍ لعلاج بعض الأمراض و«تجديد” عضو ما. وفي تنديدها للإجهاض باعتباره خطيئة رئيسة، لا تبرّر الكنيسة هذه العملية بأي حجّةٍ حتّى ولو بإمكان أي شخصٍ الإستفادة من إنهاء حياةٍ أخرى. فالمساهمة الحتميّة بانتشار الإجهاض على نطاقٍ واسعٍ والترويج له يجعل منه مثال الخلود الصارخ ويصبح جريمة (حتّى ولو أثبتت نجاعته الفرضيّة علميًّا).
- فرضت عمليّة استئصال الأعضاء البشريّة الملائمة للزرع ولتطوير العناية المركّزة وللعلاج، مشكلة التحقّق من ساعة الوفاة. كان المعيار المعتمد سابقًا هو توقّف التنفّس والدورة الدمويّة نهائيًّا. لكن وبفضل تطوّر تكنولوجيّات العناية المركّزة أضحى من الممكن دعم هذه الوظائف الأساسيّة اصطناعيًّا لوقتٍ طويل. وتاليًا، تحوّل الموت إلى مرحلةٍ ترتبط بقرار الطبيب ما يولي الطبّ الحديث مسؤوليّةً هائلة. يعتبر الكتاب المقدّس الموت على أنّه انفصال الروح عن الجسد (مزمور146:4، لوقا12:20). لذلك، لا نتحدّث عن استمراريّة الحياة إلّا إذا كان الجسم حيًّا بكامله. لا يمكننا أن نسلّم بأنّ إطالة الحياة بوسائل اصطناعيّة أمرًا الزاميًّا أو خطوةً يحبّذها الطاقم الطبّي، مع العلم أنّ هذه الخطوة تبقي بعضًا من الأعضاء حيّة. قد تطيل أيّ محاولة لتأجيل موت المريض من عذابه وتحرمه من الحقّ في “موتٍ لائقٍ ومسالمٍ”، وهذا ما نتضرّع به أمام الله في الليتورجيا الأرثوذكسيّة. عندما تصبح خدمة وحدة العناية المركّزة غير مجدية، ينصح بنقل المريض إلى العناية الملطّفة (منها التنويم وتقديم الرعاية التمريضيّة والاجتماعيّة والنفسيّة) وتوفير العناية الرعويّة. تهدف هذه التدابير إلى ضمان إنهاء الحياة بالرحمة والمحبّة.
ينطوي المفهوم الأرثوذكسيّ للموت اللائق على التحضير لفناء الحياة، ما يعتبر مرحلةً بالغة الأهمّيّة على الصعيد الروحيّ في حياة البشر. قد يختبر المريض المحاط بالعناية المسيحيّة في آخر أيّام حياته على الأرض، تغييرًا مباركًا يعود مصدره إلى تفكير المريض برحلته الأرضيّة بطريقةٍ مغايرة والتوبة عن ترقّب الأبديّة. تتحوّل فرصة اهتمام الأقارب والأطبّاء بالمريض عندئذٍ، إلى فرصةٍ لخدمة الربّ نفسه. ويقول المخلّص: “الحقّ أقول لكم: بما أنّكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم”. (متّى 25: 40). غالبًا ما تحرم محاولة إخفاء حالة المرض الحرجة عن المريض الذي يخوض الموت بحجّة عدم إحباطه، من فرصة تحضّره للموت وإيجاد العزاء عبر المشاركة في أسرار الكنيسة. قد يفقد المريض ثقته أيضًا بالأقارب والأطبّاء.
ليس من الممكن دائمًا تخفيف آلام الاحتضار بالأدوية المخدّرة. ولأنّ الكنيسة تعي هذه الحقيقة، فهي تتضرّع لله بالصلاة: “خلّص عبدك من هذه الشدّة التي لا تطاق ومن المرض الشديد المستحوذ عليه وأرحه حيث أرواح الصدّيقين لأنّك أنت هو راحة نفوسنا وأجسادنا”. (من كتاب خدم الكاهن: إفشين للنفس إذا تعذّر خروجها). “الربّ يميت ويحيي. يهبط إلى الهاوية ويصعد”. (1 صموئيل 2:6). “الذي بيده نفس كلّ حيٍّ وروح كلّ البشر”. (أيّوب 12:10). لذلك، لا تتقبّل الكنيسة من الناحية الأخلاقيّة تشريع المحاولة الرائجة باللجوء إلى الموت الرحيم، وهو ما يعرف بتدمير حياة المريض الميؤوس منه عمدًا (وبإرادة المريض الشخصيّة). فهي تبقى أمينة لكلام الله: “لا تقتل” (خروج20:13). ويدفع الاكتئاب المريض أحيانًا بطلب تعجيل موته ما يعرقل تشخيصه الذاتيّ الصحيح لحالته. قد يؤدّي تشريع الموت الرحيم إلى التقليل من شأن كرامة مهنة الطبيب المحترف وفسادها لأنّ الطبيب يعمل لإبقاء المريض حيًّا وليس العكس. من السهل جدًّا أن يتحوّل “الحقّ في الموت” إلى تهديدٍ لحياة المريض الذي لا يمتلك النفاذ إلى العلاج بسبب النقص في التمويل.
وعليه، يعدّ الموت الرحيم شكلًا من أشكال القتل والانتحار، وذلك إذا كان المريض قد شارك في عمليّة القتل أم لا. وإن كان شريكًا في العمليّة سيكون من الخطأة لأنّه عمد إلى الانتحار ولأنّ الموت الرحيم يعتبر خطيئةً كبيرةً بحسب قانون الكنيسة. فيحرم مرتكب الانتحار المتعمّد الذي أقدم على هذا الفعل “بسبب استيائه البشريّ أو بسبب لحظة خوفٍ” من الجنازة المسيحيّة أو ذكرانيّة الموتى (تيموثاوس الإسكندريّ، القانون 14). إن كان الانتحار قد ارتكب من دون وعي الضحيّة، أي إذا كانت تعاني مرضًا نفسيًّا ، تؤذن الكنيسة بالصلاة للضحية بعد إجراء تحقيقٍ بالقضيّة من قبل المطران الحاكم. في الوقت عينه، يتحتّم علينا أن نتذكّر أنّ محيط ضحيّة الانتحار يلام في بعض الأحيان لأنّه عجز عن توفير الشفقة والرحمة الفاعلتين للضحيّة. تدعونا الكنيسة والقدّيس بولس الرسول إلى: “احملوا بعضكم أثقال بعضٍ، وهكذا تمّموا ناموس المسيح”. (غلاطية 6: 2).
- يندّد الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة بالعلاقات المثليّة على نحوٍ صريحٍ ذلك بأنّها تشوّه بشكلٍ شنيعٍ الطبيعة البشريّة التي خلقها الله.
«وإذا اضطجع رجل مع ذكرٍ اضطجاع امرأةٍ، فقد فعلا كلاهما رجسًا. إنّهما يقتلان. دمهما عليهما”. (لاويّين 20: 13). يحكى في الإنجيل عن عقابٍ قاسٍ أنزله الله على أهل سدوم بسبب خطيئة سدوم (تكوين 19:1-19). وعندما تحدّث بولس الرسول عن أخلاق الوثنيّين ذكر أنّ العلاقات المثليّة هي من بين “الأعمال الأكثر دناءةً” و«فجورًا” التي تدنّس الجسد: “إنّ إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعيّ بالذي على خلاف الطبيعة، وكذلك الذكور أيضًا تاركين استعمال الأنثى الطبيعيّ، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعضٍ، فاعلين الفحشاء ذكورًا بذكورٍ، ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحقّ”. (رومية 1:26-27). كما كـتب بولس الرسول إلى أهل كورنثوس: “أما لستم تعلمون أنّ الظّالمين لا يرثون ملكوت الله؟ لا تضلّوا: لا زناة ولا عبدة أوثانٍ ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكورٍ، ولا سارقون ولا طمّاعون ولا سكّيرون ولا شتّامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله” (1كورنثوس 6:9-10). كذلك، تشجب تعاليم آباء الكنيسة صراحةً وقطعًا كلّ مظاهر المثليّة الجنسيّة. وتعرب أعمال القدّيس باسيليوس الكبير والقدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ والقدّيس غريغوريوس النيصصيّ والقدّيس أغسطينوس المبارك ومزمور القدّيس يوحنّا الصائم عن تعاليم الكنيسة التي لا يمسّ بها والقائلة بأنّ العلاقات المثليّة هي آثمة ويجب أن تدان. فالأشخاص المنخرطون بها يحرمون من الحقّ بأن يكونوا أعضاءً في الكهنة (بحسب ما ورد في المزمور السابع لغريغوريوس الكبير والمزمور الرابع لغريغوريوس النيصصيّ والمزمور الثلاثين ليوحنّا الصائم). صرّح القدّيس مكسيموس اليونانيّ عندما كان يخطب في الأشخاص الذين صبغوا أنفسهم بخطيئة سدوم قائلًا: “أنظروا إلى أنفسكم أيّها الملعونون، فما هذه اللذّة الملعونة التي انغمستم فيها! حاولوا أن تتخلّوا عن هذه اللذّة البذيئة والقذرة سريعًا. أبغضوها واعترضوا بشدّةٍ بوجه الذين يدافعون عن براءتها. طهّروا أنفسكم من هذه البليّة بالتوبة والدموع السخيّة والصلاة النقيّة والإحسان قدر استطاعتكم. أبغضوا هذا الانحراف من صميم قلبكم كيلا تصبحوا أبناء الهلاك والموت الأبديّ”.
يميل النقاش اليوم في المجتمعات المعاصرة إلى الاعتراف بالمثليّة الجنسيّة على أنّها إحدى “التوجّهات الجنسيّة” والتي ينبغي أن تحظى بالاحترام والظهور العلنيّ المتساوي كالظواهر الأخرى، وهي ليست انحرافًا جنسيًّا. فضلًا عن ذلك، يسلّم هذا النقاش بأنّ الدافع المثليّ يسبّبه الميل الخلقيّ لدى الفرد. لكنّ الكنيسة تنطلق من مبدأ أنّ العلاقة الزوجيّة التي ألّفها الله تجمع بين رجلٍ وإمرأةٍ ولا تقارن بالانحرافات الجنسيّة، إذ إنّ الكنيسة مقتنعة بأنّ المثليّة الجنسيّة هي تشويه آثم للطبيعة البشريّة، ومن الممكن التغلّب عليها بالجهاد الروحيّ ليصل الفرد إلى الشفاء والنموّ الشخصيّ. تشفى الشهوات المثليّة بالأسرار المقدّسة والصلاة والصوم والتوبة وقراءة الكتاب المقدّس وكتابات آباء الكنيسة، فضلًا عن تمضية الوقت برفقة المسيحيّين الذين يتطوّعون لتقديم الدعم الروحيّ اللازم.
بينما تتعاطى الكنيسة بروحٍ من المسؤوليّة الرعويّة مع الأشخاص ذوي الميول المثليّة من ناحية، فهي تعترض بحزمٍ على كلّ المحاولات التي تهدف إلى إبراز هذا الميل الآثم على أنّه “معيار” أو مدعاة للفخر والاقتداء من ناحيةٍ أخرى. ولهذا السبب تندّد الكنيسة بالدعاية للمثليّة الجنسيّة. تقتنع الكنيسة بأنّ كلّ شخصٍ يبشّر بالحياة المثليّة يمنع من العمل التعليميّ أو غيره من الأعمال مع الأطفال والشباب، كما يحرم من استلام أيّ منصب رفيع المستوى في الجيش والإصلاحيّات. لكن مع ذلك، لا تسلب الكنيسة من أيّ أحدٍ الحقّ الأساس في الحياة واحترام الكرامة الشخصيّة والمشاركة في الشؤون العامّة.
يتّخذ السلوك البشريّ الجنسيّ المنحرف في بعض الأحيان شكل شعورٍ موجعٍ يختلج الفرد بأنّه ينتمي إلى الجنس الآخر ما يدفع به إلى تحويل جنسه (أو ما يعرف بالتحوّل الجنسيّ). قد تنجم عن رغبة الفرد برفض الجنس المعطى له/لها من قبل الخالق، آثار مدمّرة على التطوّرات المستقبليّة. أدّى “تغيير الجنس” عبر الهرمونات أو العمليّات الجراحيّة إلى تضخيم المشاكل النفسيّة وليس إلى حلّها في بعض الأحيان، ما يسبّب أزمة داخليّة عميقة. لا يمكن للكنيسة أن تقبل بهذا “التمرّدٍ على الخالق” والاعتراف بمصداقيّة التحوّل الجنسيّ الاصطناعيّ. إن تمّ “تغيير جنس” أحد الأفراد قبل معموديّتهم (سواء أكانوا من الذكور أو الإناث)، يقبلون في سرّ المعمودية كسائر الخطأة لكنّ الكنيسة تعمّدهم على أساس جنسهم الأصليّ. بالمقابل، لا يمكن لهؤلاء الأفراد أن يتدرّجوا في الكنيسة أو أن يتكلّلوا فيها.
من المهمّ التمييز بين التحوّل الجنسيّ وبين الخطأ الطبّيّ في تحديد جنس المولود بسبب التحوّل المرضيّ في خصائص الجنين الجنسيّة، حيث لا تعتبر العمليّة الجراحيّة التي تنفّذ في هذه الحالة لتصحيح المرض تغييرًا لجنس المولود.