العدد الثالث - سنة 2021

02 - صفحات أنطاكيّة - المطران جراسيموس (مسرّة) والكاثوليك القدماء في بريطانيا - الأب متري (جرداق)

معروف أنّ الطائفة أو المذهب المسيحيّ السائد في بريطانيا هو المعتقد «الأنكليكانيّ»، أي أنّه خليط من العقائد والممارسات الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة الدينيّة. هذا المذهب مسؤول عنه أسقف يدعى «أسقف كانتربري»، الذي بدوره يخضع للتاج الملكيّ البريطانيّ. بمعنى آخر، الملك أو الملكة هما رأس الكنيسة «الأنكليكانيّة»، ويخضعان للسلطة الملكيّة وينتميان إليها بكلّ شيء.

خلال العقد الأوّل ومطلع العقد الثاني من القرن العشرين، تحرّك الحسّ الدينيّ لدى بعض الانكليز الذين أخذوا تسمية «الكاثوليك القدماء»، وكان هؤلاء لا يخضعون لرئاسة «الفاتيكان» ولا لرئاسة «أسقف كانتربري»، وكانوا يتطلّعون إلى من ينتمون إليه دينيًّا ويتّحدون به، كائنًا من كان.

لم تكن أحوال أعضاء هذه الجماعة على ما يرام. هم يريدون أن يكونوا مستقلّين مكانيًّا ويحافظوا على العقيدة الكاثوليكيّة، والفاتيكان لا يقبل بهذا الأمر، والأنكليكان لا يقبلون بهم لأنّهم لا يقبلون الاتّحاد بهم وأن يبقوا في الوقت عينه على معتقدهم الكاثوليكيّ، ونتيجة ذلك أصبحوا بين قوّتين، قوّة دينيّة محلّيّة لا تقبلهم على حالهم، وقوّة خارجيّة لا تسمح لهم بالاستقلال الذاتيّ وأن يكونوا على عاتقها معًا. هذا الموقف خلق لهم اضطرابات دينيّة واجتماعيّة وخلافات مع كلتا الكرسيّين الروحيّين.

كان يترأس هذه المجموعة من الكاثوليك القدماء شخص يدعى «أرنولد هاريس ماثيو Arnold Harris Mathew» ولقبه «رئيس أساقفة الكاثوليك القدامى». كان قد التقى بالمطران جراسيموس (مسرّة) في أحد المؤتمرات وفاتحه بالانضمام هو وكلّ المجموعة التي تتبعه إلى المعتقد الأرثوذكسيّ، وبخاصّة الكرسيّ الأنطاكيّ. كما كان مستعدًّا لأن يضع كامل ممتلكات هذه المجموعة بتصرّف البطريركيّة شرط أن ينضوي تحت جناحها.

رحّب المطران جراسيموس (مسرّة) بالفكرة، لكنّه أجاب «بأنّ الأمر لا يتعلّق به شخصيًّا، إنّما بالرئاسة الروحيّة الأنطاكيّة، أي غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع (حدّاد)، والبطريرك بدوره سيطرح الموضوع على المجمع المقدّس في جلسة رسميّة، ولا يمكن الاستجابة لطلبهم على وجه السرعة كما يعتقد هو، لأنّ هناك ترتيبات إداريّة ودراسات جدّيّة ومعمّقة لهذا الأمر، لكنّ السيّد ماثيو كان على عجلة من أمره، «لغاية في نفس يعقوب».

      سوف أنقل في هذه المقالة ما ورد في مذكّرات المطران جراسيموس (مسرّة) التي تعود إلى الأعوام 1910 – 1912.

المراسلة

كانت المراسلات بين المطران جراسيموس والسيّد «أرنولد» تجري باللغة الفرنسيّة، وكان المطران جراسيموس ينقلها إلى العربيّة للتسجيل، وينقلها بدوره إلى غبطة البطريرك باللغة العربيّة. سأكتفي بنقل رسالة واحدة بنصّيها (الفرنسيّ والعربيّ)، لجدّيّة العمل التأريخيّ.

Le 5 Aout 1911

(Monseigneur

Arnold Harris Mathew

Archevèque de l’église dite Ancienne Catholique en Angletère , Earl de Landaff

Monseigeur collègue et Frère en Jésus Christ

Les bras ouverts dans l’amour du Seigneur, je vous reçois parmis nous et j’accepte votre serment de fidélité à sa Béatitude de Patriarche Orthodox et son saint Synod d’Antioche car jamais eux qui ont notre foi et qui demandent de s’unir à nous.

Priant Dieu de vous bénir vous et tous ceux qui nous viennent avec vous , nous vous Monseigneur

bénissons au nom de sa Béatitude le Patriarche et le Saint Synod d’Antioche .

Votre Collègue et Frère en Jésus Christ

Prince Archevèque et Métropolite Orthodoxe de Beyrouth)

 

 

 

كتب المطران جراسيموس تعريب هذه الرسالة في السجل ذاته وسأوردها كما كتبت للأمانة؛

(إلى السيّد أرنولد هاريس ماثيو

رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة القديمة

كونت لنداف

سيادة الزميل والأخّ في الربّ

بساعدين مفتوحتين في حبّ الربّ، أقبلكم بيننا وأقبل يمين الأمانة الذي حلفتموه لغبطة البطريرك والمجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ المقدّس، لأنّ جميع الذين يؤمنون إيماننا ويطلبون الانضمام إلينا لا يمنعون أصلًا عن الاتّحاد معنا. هذا ونطلب إلى اللَّه تعالى أن يبارككم أنتم وجميع الذين يأتون معكم، ونحن أيضًا باسم غبطة البطريرك والمجمع الأنطاكيّ المقدّس نبارككم.

الداعي زميلكم وأخوكم بالمسيح جيراسيموس

تحريرًا في نادي «منور هاوس في بريدونس نورتن».

لم تشر المراسلات بين المطران جراسيموس والسيّد «أرنولد» إلى أيّ وعد بالانضمام، أو تحديد موعد لهذا الأمر، بل أظهر له كلّ تفهّم ومحبّة، لكنّ الموضوع بحاجة إلى موافقة المجمع المقدّس الأنطاكيّ، رغم تدخّل سيّدة ألمانيّة «أميرة» لدى المطران لقبولهم وعرضها إغراءات مادّيّة كثيرة، فكان لها الجواب ذاته.

بعد أشهر عدّة، تلقّى المطران جراسيموس كتابًا من السيّد «أرنولد» يعاتبه فيه على التأخير بالردّ، فأحال المطران الكتاب إلى غبطة البطريرك الذي طرحه في المجمع لدرسه وللعرض فقط.

إزاء تكرار المراسلات من إنكلترا بخصوص الردّ، لم يوافق البطريرك غريغوريوس على طلب السيّد «أرنولد» ، بل اشترط عليه أن يخضع الجميع للقاءات تُشرح فيها العقيدة الأرثوذكسيّة، مع احترامهم لعقيدتهم الدينيّة. كما أنّ السيّد «أرنولد» رفض الخضوع لهذا الشرط لسبب بسيط وهو «أنّه رئيس أساقفة كاثوليكيّ» ولا يختلف إيمانه الكاثوليكيّ عن العقيدة الأرثوذكسيّة بأيّ شيء . عندها تقرّر قطع التواصل معهم. إنّ الإصرار الذي أظهره السيّد «أرنولد» بإعلان الانضمام إلى الكرسيّ الأنطاكيّ الأرثوذكسيّ، أثار الريبة في النفوس وبخاصّة لدى البطريرك ، لأنّه كان تصرّفًا غير مقبول ويثير الشكّ.

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search