العدد الثاني - سنة 2021

09 - صفحات أنطاكيّة - صمود كنيسة اللاذقيّة - شفيق حيدر - العدد 2 سنة 2021

صمود كنيسة اللاذقيّة

شفيق حيدر

 

المتروبوليت جبرائيل (دميان)

في السنة الأولى من عهد البطريرك ثيوذوسيوس السادس توفّي المثلّث الرحمة المطران تريفن  (غريّب)، متروبوليت أبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها. وبعدها اجتمعت هيئة الترشيح في الأبرشيّة المترمّلة لترشيح الخلف وانتخابه.

وعمليّة انتخاب الخلف، بموجب القانون الأساس الأنطاكيّ الساري آنذاك، كانت تتمّ على الشكل التالي: تجتمع الهيئة الترشيحيّة المؤلّفة من المجلس الملّيّ في الأبرشيّة الشاغرة، يزاد عليها اللجنة التنفيذيّة في المجلس الملّيّ العامّ. وهذه تتألّف من ثلاثة مطارنة، برئاسة أحدهم، وأعضاء من المجلس الملّيّ العامّ. التأمت هيئة الترشيح نهار الجمعة في 4 آذار 1960 ورشّحت الآباء: الأرشمندريت جبرائيل دميان (1891-1966) والأرشمندريت إيليّا صليبا (1924-2017) والأرشمندريت إغناطيوس هزيم (1920-2012). وفي 10 آذار 1960 انعقد المجمع المقدّس وانتخب، بأكثريّة ساحقة، واحدًا من المرشّحين الثلاثة هو الأرشمندريت جبرائيل دميان مطرانًا لأبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها. وتمّت شرطونيّته مطرانًا في الكاتدرائيّة المريميّة في دمشق يوم الأحد في 20 آذار 1960.

نلاحظ ممّا تقدّم أنّ أبرشيّة اللاذقيّة كانت تنعم بمجلس ملّيّ منتخَب حسب منطوق القانون الأنطاكيّ، فمارس الصلاحيّات المعطاة له إثر شغور الأبرشيّة. وكان هذا المجلس يتجدّد، حسب القانون، بواسطة الانتخاب. فيوم الجمعة في 27 تشرين الأوّل 1961 انتخبت الأبرشيّة مجلسَا ملّيًّا جديدًا «بدقّة زائدة وروح رياضيّة، وكان الإقبال على الاقتراع كثيرًا». تمّ ذلك برعاية المتروبوليت جبرائيل دميان ورئاسته. وإثر الانتخاب اختار المجلس المنتخَب ممثّليه الثلاثة في المجلس الملّيّ العامّ، وهم السادة جبرائيل سعادة وإميل نصري وألفريد كومين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المجلس الملّيّ في أبرشيّة اللاذقيّة، وفي عهد المثلّث الرحمة المطران جبرائيل (دميان)، اتّصف بالشرعيّة القانونيّة من حيث قيامُه بمهمّاته وصلاحيّاته وانتخابُه وتمثيلُه في المجلس الملّيّ العامّ. هذا ما تؤكّده العودة إلى سجلّاته في دار المطرانيّة، إذ يتبيّن أنّه بعد انتخابه شعبيًّا في بدء عهد المطران جبرائيل بتاريخ 27/10/1961، وكان يعدّ ثمانية عشر عضوًا، عقد اجتماعة الأوّل بتاريخ 6/11/61. أمّا موضوع تجديد انتخابه بعد انقضاء السنوات الأربع - وهي المدّة القانونيّة للمجلس-  فبدأ البحث فيه في الجلسة التي انعقدت بتاريخ 8/9/1965 وكان مطران الأبرشيّة في بيروت يستشفي. وفي جلسة انعقدت بتاريخ 30/9/65 قرّر المجلس تأجيل البتّ بالانتخابات «إلى حين عودة صحّة سيادته إليه وتمكّنه من الإشراف على الانتخابات والتمهيد لها وإزالة الفرقة من بين الصفوف».

وفاة المتروبوليت دميان

وصمت المجلس الملّيّ عن موضوع إجراء انتخابات جديدة في جلساته اللاحقة حتّى 17/1/66، والسبب مرضُ المطران وانتقاله بين بيروت وطرابلس للتداوي والاستشفاء، الأمر الذي حال دون حضوره. وبتاريخ 14/3/66 دعا المطران دميان إلى انعقاد المجلس. فانعقدت الجلسة بدون مشاركة المطران فلم يتطرّق الحضور إلى موضوع الانتخابات. وبعد ذلك عقد المجلس جلستين بدون مشاركة المطران أيضًا. وقرئت في الجلسة الأخيرة، تاريخ 28 نيسان 1966، رسالة غبطة البطريرك ثيوذوسيوس السادس تنعي المطران دميان يوم السبت في 26/4/66، وتُعلم بتعيين الأرشمندريت يوحـنّا منـصـور معتمدًا بطريركيًّا ليُعنى بأمور الأبرشيّة الشاغرة، وكان الأرشمندريت يوحنّا رئيسًا لدير رقاد السّيدة في بكفتين من أعمال الكورة – لبنان(١).

وبموجب القانون البطريركيّ الأساس دعا غبطة البطريرك المجلس الملّيّ اللاذقيّ واللجنة التنفيذيّة المنبثقة عن المجلس الملّيّ العامّ إلى الاجتماع كهيئة ترشيحيّة في مطرانيّة اللاذقيّة في 10/5/66 عملًا بأحكام المادّة 46 من القانون البطريركيّ. التأمت اللجنة، برئاسة المتروبوليت إغناطيوس حريكة ومشاركة عضو اللجنة التنفيذيّة للمجلس الملّيّ العامّ الأستاذ أديب الفرزلي، ورشّحت سيادة الأسقف إغناطيوس هزيم والأرشمندريت جورج خضر والأرشمندريت كوستا باباستفانو (1924-2016)(٢)  بأكثريّة تشبه الإجماع (16/17). 

وقبل ذلك توفّي المطران فوتيوس خوري (1874-1966) متروبوليت بغداد في 10 كانون الثاني 1966. وغادرنا أيضًا المطران أنطونيوس بشير (1896-1966) متروبوليت نيويورك وسائر أميركا الشماليّة في 17 شباط 1966. ونعلم أنّ لأبرشيّة أميركا الشماليّة نظامًا أساسيًّا خاصًّا وافق عليه المجمع الأنطاكيّ المقدّس. وبموجب هذا النظام تعقد الأبرشيّة مؤتمرًا كلّ سنة لرعاياها كافّة، ومن أعمال هذا المؤتمر السنويّ انتخاب أعضاء مجلس أمناء الأبرشيّة.

رأينا كيف أنّ أبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها عرفت وضعًا قانونيًّا، وكذلك أبرشيّة نيويورك وسائر أميركا الشماليّة. من هنا قامت الهيئتان الترشيحيّتان في الأبرشيّيتن بواجبهما، بعد شغورهما، وقامتا بعمليّتي الترشيح والاستمزاج من أجل ملء الشواغر. ولكن رغم ذلك قامت أزمة حادّة حول اللاذقيّة سأحاول إيجازها. وفي حلّها تمّ ملء الشغور أيضًا في أميركا. وبقيت أبرشيّة بغداد، التي لم تعرف مجلسًا ملّيًّا منتخَبًا، من دون انتخاب مطران لها، ولم تحلّ قضيّتها إلّا لاحقًا مع أبرشيتيّ حمص وحماة، إثر قرار المجمع المقدّس المنعقد برئاسة البطريرك ثيوذوسيوس السادس في دير النبيّ إلياس شويّا البطريركيّ بتاريخ 7/10/1969.

أزمة التّفرّد والخروج على المجمعيّة

رفعت الهيئة الترشيحيّة في أبرشيّة اللاذقيّة نتيجة الترشيح الذي قامت به بتاريخ 10 أيّار 1966 إلى صاحب الغبطة الذي دعا المجمع المقدّس، حسب القانون، إلى جلسة انتخابيّة رسميّة تُعقَد في 24 أيّار في الدار البطريركيّة. لم يفتتح غبطة البطريرك هذه الجلسة في التاريخ المحدّد لأنّ عددًا من المطارنة رغبوا في تخطّي الترشيح الشرعيّ الذي قامت به الهيئة الترشيحيّة القانونيّة، واقترحوا، خلافًا للمادّة 47 من القانون الأساس البطريركيّ التي تحصر انتخاب المطران في أحد المرشّحين الثلاثة، انتخاب الأرشمندريت أنطونيوس شدراوي (1932-2017) مطرانًا على اللاذقيّة. ولـمّا لم يُقبَل هذا الاقتراح أرادوا تسميته مطرانًا على بغداد والكويت، لكن لم يتمّ الاتّفاق على شخص الأب شدراوي. فلم تُفتَتَح جلسة المجمع المقدّس وصرف غبطة البطريرك السادة المطارنة إلى إشعار آخر، ووعد جمهور المؤمنين الغفير الذين حضروا من اللاذقيّة بأنّ المجمع المقدّس سيُدعى إلى الانعقاد في وقت قريب جدًّا.

هنا اشتعل لهيب أزمةٍ في صفوف الكنيسة الأنطاكيّة لأنّ أربعة من المطارنة وهم نيفن سابا (زحلة وبعلبك)، ألكسندروس جحا (حمص)، أبيفانيوس زايد (عكّار) وباسيليوس سماحة (بصرى وحوران وجبل العرب) تركوا مقرّ الكرسيّ الرسوليّ وقصدوا بيت المطران باسيليوس في دمشق، خارج حدود أبرشيّته، وانتحلوا لأنفسهم صفة المجمع المقدّس وادّعوا «انتخاب» مطارنةٍ: الأرشمندريت شدراوي على أبرشيّة اللاذقيّة، والأسقف سرجيوس سمنة على بغداد والكويت والأرشمندريت إغناطيوس هزيم على نيويورك وسائر أميركا الشماليّة. وهكذا أعرض المطارنة الخارجون على المجمعيّة عن المرشّحين الواردة أسماؤهم للمجمع المقدّس من هيئة الترشيح في اللاذقيّة، والاستمزاج الذي أجراه المعتمد البطريركيّ في أبرشيّة نيويورك وأميركا الشماليّة المطران إلياس قربان (1926-2009). وتمادى المنشقّون وأبرقوا إلى صاحب الغبطة يبلّغونه نتيجة انتخابهم المزعوم ويدعونه ليترأس الذبيحة الإلهيّة يوم اثنين العنصرة في 30 أيّار، في دمشق، وفيها تتمّ سيامة منتخَبِهم الأرشمندريت شدراوي مطرانًا.

التّصدّي للأزمة

إزاء هذا الخروج على الشرعيّة وتفرّد جماعة منشقّة ابتدأ صاحب الغبطة باتّخاذ تدابير ردعيّة وأبرق ناقلًا الحقائق إلى السلطات السوريّة الرسميّة، ودعا الأرشمندريت شدراوي في 28 أيّار 1966 إلى التزام جانب الطاعة. ودعا أيضًا المجلس الملّيّ العامّ إلى جلسة في الدار البطريركيّة تداركًا للأسوأ. عطّل المطارنة الأربعة الخارجون انعقاد هذه الجلسة إذ لم تتوفّر قانونيّتها لـمّا تغيّب المطارنة الخارجون على المجمع السادة نيفن وألكسندروس وأبيفانيوس وباسيليوس. فلم تحز الجلسة النصاب الإكليريكيّ لعدم وجود مطارنة أميركا اللاتينيّة واعتذار السيّدين إيليّا (بيروت) وإيليّا (جبل لبنان) بداعي المرض، وهذا يكفي لانتفاء الصفة القانونيّة عن الجلسة،كما في حال عدم توفّر النصاب العلمانيّ. إلّا أنّ المجتمعين، وإن لم يتّخذوا أيّ قرار، أوصوا وتمنّوا «أن يعتبر غبطة البطريرك المجمع المقدّس منعقدًا وكفيلًا بحلّ المشاكل الطارئة في الأبرشيّات الشاغرة حسب القانون، وأن يكلّف غبطته لجنة مختلطة لمؤازرته والمجمع المقدّس في حلّ هذه القضايا». فالأبرشيّات، بموجب هذه التوصية ما زالت شاغرة وثمّة دعوة إلى البطريرك والمجمع المقدّس إلى التمسّك بالقانون الذي طعنه بعض المطارنة في الصميم.

ومن أجل الأمانة القانونيّة في التصدّي للأزمة الحاصلة، طلب المجمع المقدّس دراسة قانونيّة حول ما قام به المطارنة الأربعة الخارجون على المجمعيّة والقانـون، من ثلاثة أسـاتـذة لاهـوتيّين كبـار في جامعة أثينا وهم: أميلكاس أليفيزاتوس عضو الأكاديميّة، وجورج راموس أستاذ في كلّيّة الحقوق، وقسـطنطين موراتيذيس أستاذ في الحقّ الكنسيّ. أبدى الأساتذة الاستشاريّون رأيهم الصريح برسالة مؤرّخة في 24/6/1966. وجاءت خلاصة ردّهم كما يلي: 

1- إنّ انتخاب المطارنة الثلاثة الذي أجراه بعض أعضاء المجمع المقدّس في 25 أيّار 1966 خرق سافر للقوانين المقدّسة والأنظمة المتعلّقة بإدارة بطريركيّة أنطاكية وهو لاغ ويجب اعتباره وكأنّه لم يكن (انظر القانون 6 للمجمع المسكونيّ الأوّل والقوانين 16 و13 و22 لمجمع أنطاكية).

٢- إنّ رؤساء الكهنة الأربعة الأعضاء في المجمع والمخالفين للقانون كما ذكرنا بهذه الطريقة، يقعون تحت طائلة المسؤوليّات الجسيمة ويجب اعتبارهم تحت المحاكمة. وبناء عليه فلا يسمح لهم بالاشتراك في أعمال المجمع المقدّس لبطريركيّة أنطاكية حتّى صدور الحكم في التهم الموجّهة إليهم.

٣- إنّ سيامة المنتخَب بهذه الطريقة اللاشرعيّة الأرشمندريت أنطونيوس (شدراوي) رئيس كهنة هي لاغية، ويجب وفقًا للقوانين المقدّسة تجريده لأنّه مع علمه بانتخابه غير القانونيّ واللاشرعيّ قبِلَ أن يُشرطَن رئيس كهنة (انظر القانون 6 للمجمع المسكونيّ الأوّل).

صمود اللاذقيّين 

تأزّم الوضع وجمّدت الأزمة إلى حين ولم تجر سيامة الأب شدراوي يوم اثنين العنصرة في الكاتدرائيّة المريميّة بدمشق. ولكنّ المطارنة الأربعة استمرّوا في مخالفة القانون ورسموا الأب شدراوي في كنيسة حمص يوم الأحد في 5 حزيران 1966 مطرانًا على اللاذقيّة، وحاولوا إدخاله إلى الأبرشيّة بمؤازرة السلطات الأمنيّة. إلّا أنّ كنيسة اللاذقيّة تمسّكت بترشيحها وبالقانون والشرعيّة، ورفضت استقبال مغتصب كرسيّ مطرانيّتها. فلم تمكّنه حشود المؤمنين من دخول المدينة فقفل عائدًا إلى دمشق.

تجمّع مؤمنو اللاذقيّة في دار المطرانيّة، وانتشروا في أرجائها، وأغلقوا أبوابها، ولم يتركوا مدخلًا لها إلّا من الخلف مرورًا بالشوارع القديمة الضيّقة المحيطة بها. وذهبْتُ في تلك الفترة لتفقّد الأخوة المجاهدين هناك، بقيادة المعتمد البطريركيّ الأرشمندريت يوحنّا منصور. قادني إليهم بعض الأخوة أعضاء المجلس الملّيّ اللاذقيّ إذ مُنِعَ دخول أيٍّ كان. وجدتهم قائمين فيها يملؤون المقاعد والأرض ويرصدون المداخل والطرقات، ويشتركون في الصلوات يرفعونها ليعضدهم الربّ الإله في صمودهم ويقدّسهم ويثبّتهم، مدافعين عن القانون والشرعيّة الكنسيّين، ومحافظين على سلامة دار المطرانيّة حتّى لا يدخل إليها ويقيم فيها إلّا مطرانها الشرعيّ من بين المرشّحين الذين اختارهم ممثّلوهم الشرعيّون بشبه إجماع.

انفراج الأزمة:

المتروبوليت إغناطيوس هزيم

ولـمّا آلت الأمور إلى ما آلت إليه أحاط صاحب الغبطة مطارنة الكرسيّ الأنطاكيّ علمًا بما جرى، وبيّن بطلان السيامة التي تجاهل فيها المطارنة الأربعة القانون الكنسيّ الأنطاكيّ. وأحال الأب شدراوي على المجلس التأديبيّ الإكليريكيّ بدمشق، ومنعه من ممارسة أيّة خدمة دينيّة ومن مغادرة أبرشيّة جبل لبنان حيث كان يعمل. فهبّ الناس يشجبون تفرّد المطارنة. هنا تدخّل المطران بولس الخوري (1896-1995)، متروبوليت صور وصيدا ومرجعيون وقام ببعض المساعي لتدارك الوضع يعاونه الأستاذ فؤاد شباط. فنتج من ذلك تجميد الأزمة إلى انعقاد المجمع المقدّس الذي دعا إليه البطريرك ثيوذوسيوس السادس يوم الجمعة في 10 حزيران. وتمّ تأجيل هذه الجلسة إلى أجل غير محدّد بسبب مرض المطرانين إغناطيوس حريكة وإيليّا الصليبيّ. وفي 5 آب 1966 انعقد المجمع الأنطاكيّ ونزل الآباء إلى الكنيسة وشرعوا بملء الشواغر في اللاذقيّة وأميركا وتوصّلوا إلى النتائج التالية:

١- انتخاب الأرشمندريت فيليبّس صليبا متروبوليتًا على أبرشيّة نيويورك وتوابعها، وقد ورد اسمه في طليعة لائحة الإكليريكيّين الذين سمّاهم مندوبو رعايا الأبرشيّة الشاغرة، لمّا استمزجهم المطران إلياس قربان الذي عيّنه البطريرك ثيوذوسيوس السادس معتمدًا بطريركيًّا، بعد انتقال المطران أنطونيوس بشير.

٢- انتخاب الأسقف إغناطيوس هزيم متروبوليتًا على أبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها من بين المرشّحين الثلاثة الذين سمّتهم الهيئة الترشيحيّة.

٣- انتخاب الأرشمندريت غفرائيل الصليبيّ أسقفًا معاونًا لمطران أبرشيّة بيروت(٣).

وفي 17 آب 1966 عقد المجمع المقدّس جلسة قانونيّة رئسها البطريرك وحضرها، فيمن حضر، المطران ميخائيل شاهين (توليدو أوهايو) الذي سبق وأعلن حياده حيال ما يجري من تجاوزات وما يُتّخذ من تدابير على صعيد المجمع. وبناء على طلب الآباء المجتمعين شرح المطران ميخائيل في هذه الجلسة معنى «حياده». وبيّن في معرض شرحه أنّه لم يشترك في كلّ ما أرسله المنشقّون إلى المجمع أو الصحف، ولم يفوّض أحدًا التوقيع. وأظهر أنّ حياده لا يعني انعزاله وانسحابه من نشاطات المجمع المقدّس وأعماله. وشرح أنّ حياده فقط هو بالنسبة إلى «قضيّة الشدراوي».

وتابع المجمع المقدّس في 19 آب جلساته في دير النبيّ إلياس شويّا برئاسة البطريرك وحضور تسعة مطارنة ومنهم مطران توليدو أوهايو. بحث الآباء في هذه الجلسة تعديل القوانين والوكالة البطريركيّة وأبرشيّة تشيلي. ومن أجل ذلك تمّ تشكيل لجنة من السّادة إغناطيوس (حماة)، إلياس (حلب)، ملاتيوس (الأرجنتين) وإغناطيوس (اللاذقيّة) الذي التحق بالمجمع المقدّس إثر انتخابه، لدرس هذه القضايا وتقديم تقرير عنها. وبعد إرجاء المجمع إلى جلسة في 30 آب في دير النبيّ إلياس شويّا تمّت فيها دراسة هذه القضايا. وفي 1 أيلول 1966 اجتمع المجمع المقدّس برئاسة البطريرك  ومشاركة المطارنة إغناطيوس حريكة (حماة) وإيليّا الصليبي (بيروت) وإيليّا كرم (جبل لبنان) وإلياس معوّض (حلب) وملاتيوس صويتي (الأرجنتين) وإغناطيوس الفرزلي (البرازيل) وإلياس قربان (طرابلس والكورة) وإغناطيوس هزيم (اللاذقيّة) وفيليبّس صليبا (أميركا الشماليّة). وبعد البحث انتخب الأرشمندريت إيليّا صليبا أسقفًا وكيلًا بطريركيًّا، والأرشمندريت أثناسيوس سكاف أسقفًا معاونًا لمتروبوليت الأرجنتين في تشيلي.

وفي 6 أيلول عاود المجمع المقدّس اجتماعاته وحيث إنّ الأب شدراوي قدّم «خضوعه» للمجمع ووضع نفسه بتصرّفه. و«حبًّا بالسلام وحرصًا على وحدة الكنيسة اعتبرَت سيامتُه أسقفًا قائمة وعُيِّن معتمدًا بطريركيًّا على المكسيك وأميركا الوسطى». وكذلك انتخب المجمع الأرشمندريت إلياس نجم أسقفًا معاونًا لمطران جبل لبنان.      

الشعب حافظ الإيمان

بعد استعراض ما رافق انتخاب مطران اللاذقيّة، الذي خلف المتروبوليت جبرائيل دميان، من تفلّت وأزمات وسلوكيّات وتفرّد وشقاقات واتّهامات وتصدٍّ ومحاولات لرأب الصدع وإعادة الوحدة الكنسيّة، تملّكني العجب والدهش. وفهمتُ أنّ كنيسة المسيح «أبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متّى16: 18). قد تعرف صفعات وهنّات وفتنًا واضطرابات إلّا أنّ «اللَّه في وسطها فلن تتزعزع» (مزمور45: 5). سيزول الغضن ويختفي الزغل ويغيب الزيغان ولا يبقى متوهّجًا إلّا وجه ربّك. هذه ليست العبرة الوحيدة التي نأخذها من أزمة اللاذقيّة. فقدرة الشعب المؤمن ظهرت أيضًا بأجلى بيان. فالشعب هو حامي الإيمان، والمدافع عن القانون والشرعيّة فيما عاث مطارنة وإكليريكيّون خرابًا في وسط الكنيسة المقدّسة، وزرعوا الشقاق، وأثاروا الخلافات والانقسامات الحادّة.

نتعلّم من ذلك كلّه أنّ الشعب المؤمن هو المحافظ على استقامة الإيمان والشرعيّة المجمعيّة والقوانين الملّيّة. وكلّ إهمال لدور المؤمنين وإعراض عن مواهبهم هو خيانة للأرثوذكسيّة الأصيلـة وإغفـال للدروس التي نستمدّها من التاريخ.

ما جرى في تلـك الحقبة مـن تاريخ أنطاكية شهادة حيّة على أنّ المؤمنين هم حماة الإيمان بقدر ما يقوى في قلوبهم، علمانيّين أم إكليريكيّين، فلا فضل لإكليريكيّ على علمانيّ، الكلّ سواسية في كنيسة المسيح لأنّ القدّوس يدعوهم كلّهم إلى القداسة.

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search