العدد الأوّل - سنة 2021

03 - صفحات أنطاكيّة - المتروبوليت جراسيموس (مسرّة) - الأب متري (جرداق) - العدد 1 سنة 2021

هو جرجي ابن إسبيريدون مسرّة، والدته حنّة، من مدينة اللاذقيّة.

ولد في الثامن عشر من شهر أيّار السنة 1859، في مدينة اللاذقيّة السوريّة الساحليّة، وسمّي على اسم القدّيس جاورجيوس شفيع المدينة.

بعد ثلاث سنين، أدخله أبوه أحد الكتاتيب حيث تعلم العربيّة البسيطة، انتقل بعدها إلى المدرسة الأرثوذكسيّة في اللاذقيّة التي أنشأها المتروبوليت ملاتيوس (1863 – 1898)، حيث درس فيها العربيّة بفروعها ومبادىء اليونانيّة والتركيّة.

ترك بيت أبيه في آب من السنة 1873 ليلتحق بقلّاية المتروبوليت ملاتيوس، حيث ألبسه يوم عيد الميلاد من السنة عينها، الإسكيم الرهبانيّ، وسمّي (جراسيموس).

اجتهد جراسيموس في الخدمة والعلم، حيث لفت انتباه معلّمه إليه، فأرسله في 31 تمّوز 1875 إلى مدرسة اللاهوت في خالكي، تركيا، تحت مناظرة ومراقبة السيّد ديمتري شحادة، أحد وجهاء الملّة الأرثوذكسيّة العربيّة في إسطنبول.

استدعى المتروبوليت ملاتيوس الطالب جراسيموس إلى اللاذقيّة في صيف 1879، حيث سامه شمّاسًا إنجيليًّا في 6 آب (عيد التجلّي) من السنة ذاتها.

عاد جراسيموس إلى خالكي لإتمام دراسته العليا في اللاهوت وتخرّج منها السنة 1882. حيث قدّم رسالة باللغة اليونانيّة ونال عليها تقديرًا عاليًا، ثمّ نقلها إلى العربيّة وقدّمها هديّة إلى معلّمه المتروبوليت ملاتيوس. ذاع صيت جراسيموس بين رجال الدين الكبار، فطلبه البطريرك إيروثاوس (1850 – 1885)، وعهد إليه إدارة القسم اليونانيّ في البطريركيّة، وكان ذلك في 5 آب 1884، ويكون الشمّاس جراسيموس أوّل عربيّ يتسلّم هذا القسم أيّام البطاركة اليونان (1724 – 1899)، وتولّى تدريس الدينيّات واليونانيّة والموسيقى البيزنطيّة في المدارس الآسيّة في دمشق. عند وفاة البطريرك إيروثاوس السنة 1885، عمل الشمّاس جراسيموس بكلّ جهد كي يحصل انقلاب في الكرسيّ البطريركيّ الأنطاكيّ، كي يتولّى هذا المركز بطريرك عربيّ اللغة، لكنّ الظروف السياسيّة لم تكن مؤاتية، فلم يفلح وجلس بطريرك يونانيّ آخر في سدّة البطريركيّة واسمه جراسيموس أيضًا.

خلال هذه الفترة خاض غمار المناظرات الكلاميّة مع الجهات اليونانيّة المنادية بعدم أهليّة الإكليروس العربيّ لتبوّء السدّة البطريركيّة الأنطاكيّة. كما أنّه دخل في جدل عميق مع الآباء اليسوعيّين والمرسلين البروتستانت، كان هذا على صفحات جريدة (الهديّة) الشهريّة البيروتيّة، ودام ذلك من مطلع السنة 1886 إلى أواخر السنة 1888.  

في الحادي والعشرين من تشرين الثاني (عيد دخول والدة الإله إلى الهيكل) السنة 1888، سامه البطريرك جراسيموس كاهنًا وأرشمندريتيًّا في الكاتدرائيّة المريميّة في دمشق.

أرسله البطريرك جراسيموس إلى الإسكندريّة موفدًا من قبله لرعاية الجالية الأنطاكيّة السوريّة الأرثوذكسيّة هناك. وفي السنة 1889، وبناء على إلحاح أهل حلب في طلبه راعيًا لهم، انتخبه المجمع المقدّس، لكنّه رفض هذا الانتخاب لأسباب صحّيّة وفضّل البقاء في الإسكندريّة.

عندما توفّي راعي أبرشيّة بيروت ولبنان المثلّث الرحمة المتروبوليت غفرائيل (شاتيلا) السنة 1902، انتخب المجمع المقدّس الأرشمندريت جراسيموس (مسرّة) مطرانًا على بيروت في 29 آذار 1902، وفي 16 أيّار 1902 سيم مطرانًا عليها، وفصل المجمع مدينة بيروت عن متصرّفية جبل لبنان (أبرشيًّا)، وانتخب الأرشمندريت بولس (أبو عضل) مطرانًا على الأبرشيّة التي أعطيت اسم (أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما)، وضمّ بلدة سوق الغرب إلى أبرشيّة بيروت كي تكون مصيفًا للمطران.

كانت حياته مليئة بالصراعات السياسيّة مع السلطات العثمانيّة، التي كانت تضطهد المسيحيّين عبر تصرّفات المسؤولين فيها. لكنّ المتربوليت جراسيموس، عزّز صلاته بالوجهاء والسياسيّين المسلمين البيروتيّين، فقطع الطريق على أيّة فتنة كانت ستحصل. وعندما اندلعت الحرب العالميّة الأولى السنة 1914، وألغي نظام متصرفيّة جبل لبنان، وعيّنت السلطنة متصرّفًا مباشرًا من قبلها، كان المطران جراسيموس في واجهة المدافعين عن أبناء بيروت والجبل، ضدّ طغيان العثمانيّين، وبخاصّة في مسألة (لمّ العسكر). 

أمام هذا الواقع المرير الذي كانت تعيشه بيروت، من ظلم وتعدٍّ على الناس، اصطدم المتروبوليت جراسيموس بمتصرّف بيروت ووقف بوجهه متحدّيًا جبرؤوته، ونسجت حول موقفه المدافع الأقاويل المضخّمة والدسائس العثمانيّة وأصبح أمام أمرين: إمّا أن يُرسل إلى الأناضول أو يستعفي من رئاسة الكهنوت في بيروت، فما كان منه إلّا أن تشاور مع المثلّث الرحمة البطريرك غرغوريوس الرابع وقدّم رسالة إلى متصرّف بيروت العثمانيّ، يطلب فيها السماح له بالتوقّف عن تصريف أعماله وأن يترك إلى دير سيّدة البلمند، لكونه ديرًا بطريركيًّا. وترك المتروبوليت مسرّة بيروت إلى دير البلمند في 13 شباط 1916، وعاد إليها في 21 أيلول 1918.

السنة 1922، سافر إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة عبر فرنسا، لحضور المؤتمر العامّ للكنائس الأنكليكانيّة في بورتلاند، ممثّلًا الكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس.

في الثامن من شهر شباط 1936، توفّاه اللَّه بعد حياة مليئة بالخدمة الرعويّة، والتأليف الدينيّ، والدفاع عن العقيدة الأرثوذكسيّة، ودفن في مدفن الإكليروس في كنيسة سيّدة البشارة، حيّ الدحداح.

مؤلّفاته:

أصدر كتابه الشهير «الأنوار في الأسرار» السنة 1887.

العام 1890، أصدر كتب خدمة القدّاس الإلهيّ الثلاثة: رؤساء الكهنة، والكهنة، والشمامسة.

أصدر الجزء الأوّل من كتابه «تاريخ الإنشقاق» السنة 1891. وفي السنة 1894، أصدر الجزء الثاني. وأصدر الجزء الثالث السنة 1899، بعد زيارته للفاتيكان ومقابلته قداسة البابا لاون الثالث عشر.

وخلال إقامته في دير البلمند، كتب «النفحة البلمنديّة في العقائد الأرثوذكسيّة و«فلسفة العقائد الأرثوذكسيّة»، وهذان المخطوطان لم يُطبعا بعد.

من أشهر أعماله :

1- بناء كنيسة سيّدة البشارة في مكانها الحاليّ، بعد أن هدمت في البلدة القديمة قرب كنيسة القدّيس جاورجيوس.

2- أشرف على العديد من أعمال التوسيع والتطوير لمستشفى القدّيس جاورجيوس الذي أنشأه المتروبوليت السلف غفرائيل (شاتيلا).

3- عزّز التعليم في بيروت، وأنشأ العديد من المدارس لتعليم كلّ الطلّاب من أهالي بيروت وغيرها.

4- عمل دائمًا على تعزيز العلاقات بين المسلمين والمسيحيّين البيروتيّين، وكان يهتمّ كسلفه بكلّ أبناء بيروت والجبل على حدّ سواء.

5- دافع عن كلّ المظلومين من أبناء بيروت، الذين تعرّضوا للتنكيل أثناء عمليّات معاينة العسكر العثمانيّ، ما أدّى إلى صدامات متعدّدة مع المسؤولين العثمانيّين.

6- جعل من بيروت الأرثوذكسيّة، محطّ أنظار الوطنيّين والأجانب، وكان من مؤيّدي الملك فيصل بعد الحرب العالميّة الأولى.

7- كتب ما يزيد على 75 ألف رسالة، والآلاف من التقارير الماليّة خلال جلوسه في سدّة رئاسة الكهنوت لأبرشيّة بيروت، ما أعطى صورة واضحة عن الأوضاع العامّة في بيروت خلال تلك الحقبة.

8- بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، عمل على جمع شمل الأهالي الذين تشرّدوا خلال الحرب، وكانت المطرانيّة مركز الارتباط والاتّصال بين الأهالي الذين طلبوا مساعدته.

9- ضحّى بالكثير من مقتنياته الشخصيّة في سبيل إطعام الفقراء والجائعين خلال الحرب العالميّة الأولى.

10- أقام علاقات سياسيّة مهمّة مع المندوب الفرنسيّ، بعد سقوط السلطنة العثمانيّة، وكان أوّل من استعمل سيّارة المفوّض العامّ الفرنسيّ، في مهمّة إلى شمال لبنان.

11- كان محطّ أنظار مسلمي بيروت، ابتداء من السنة 1908 حتّى وفاته، وكان على صلة حميمة مع مفتييها الذين تعاقبوا على كرسيّ الإفتاء في بيروت، وأهمّ الشخصيّات المدنيّة التي تعاون معها كان عمر الداعوق، البيروتيّ.            

12-       إنشاء السوق المعروفة بسوق مار جرجس.

13-       تحسين كاتدرائيّة القديس جاورجيوس وتوسيعها وتزيينها.

14-       إنشاء حوانيت تابعة لمقام سيّدة النوريّة.

15-       إنشاء حوض ماء كبير فوق الدير تجرّ مياهه من نبع (عين الجورة) وحثّ أهالي سوق الغرب لطلب جرّ مياه (عين الحصى) من حمّانا ودفع مبلغًا وافرًا من المال على سبيل المساهمة.

Loading...
 

 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search