العدد الأوّل - سنة 2021

09 - تحقيق - في الذكرى التاسعة والسبعين - لولو صيبعة - العدد 1 سنة 2021

في عيد الحركة التاسع والسبعين وجّه الأمين العامّ رينه أنطون رسالة إلى الأخوة أعضاء حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة جاء فيها: «سلامٌ لكم بربّنا يسوع المسيح. إذ تقترب الذكرى التاسعة والسبعون لانطلاقة حركتنا، أشارككم بعض كلماتٍ راجيًا بها أوّلًا أن تنعموا، وكلّ أحبّائكم، بحماية الربّ فتسلموا من شرّ هذا الوباء وتحفظوا في الصحّة وتبقوا في سلامٍ واطمئنان دائمين.

وأذكر بهذه المناسبة جميع إخوتنا الراقدين، والذين خطف الوباء وجوههم من عيوننا في هذه السنة الأخيرة، سائلًا من حنان مسيحنا الرحمة لنفوسهم. كما تحضرني دعوة الرسول بولس لأن «نذكر مرشدينا الذين كلّمونا بكلمة اللَّه» فانحني لهم ضارعًا، أحياءً وراقدين.

أيّها الأخوة،

خير ما نحيي عيدنا به اليوم، حيث أصعب الأزمنة، هو أن نستذكر الأساس الذي دعانا إليه اللَّه عبر حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، ليشتدّ رجاؤنا به ونزداد ثباتًا بدعوته وتجدّدًا دائمًا بها. والأساس هذا، كما تعرفون وتشهدون، هو إنجيل ربّنا وحسب.

ولأنّ الإنجيل هو الحبّ المرصوف كلماتٍ من جنب السيّد، فأن نكون منه، ولأجله، هو العيد. أن نتميّز بتلك الكلمات مطبوعةً فينا وملحوظةً في يوميّات حياتنا هو العيد. أن تمتدّ بنا خدمةً لكنيسته والتزامًا بحياتها وصوتًا لإرادته فيها، هو العيد. أنّ نبلسم بها، في مجتمعاتنا، جروح إخوة يسوع الصغار، فنصيّرها قوتًا للجائعين، وكساءً للعراة، ودواءً للمرضى، وفرحًا للمحزونين، وأوّلًا ودائمًا، عدالةً للمظلومين، وسط ما نشهده من قساوة القلوب وتنامي الظلم حولنا، هو العيد.

العيد يا أحبّة لا يحدّده تاريخٌ، وإنّما فرح اللَّه بنا. والسبيل إلى فرح اللَّه، المرفوع عشقًا بالبشر على الصليب، هو «الأعمال» الشاهدة لفدائه.

فعلى هذا الرجاء، رجاء أن نبقى دائمًا في عيد، أدعو أن يقوّيكم مسيحنا، وأدعكم بعهدة محبّته المتلطّفة بنا، والسلام».

عرضت الامانة العامّة مجموعة وثائقيّات ضمن سلسلة «تاريخ من نور» تناولت: العمل المسكونيّ، التكريس، الإحياء الليتورجيّ، لوغو الحركة وشعارها، الثقافة والنشر، الأطر الإداريّة، الأناشيد الحركيّة، والمبادئ والطرس. كما يجري العمل على إصدار 8 أخرى تتناول العمل الرعائيّ، العمل الاجتماعيّ، العمل الشهاديّ، التربية والتعليم، الإرشاد والفرق الحركيّة، المدّ الحركيّ، البيوت الحركيّة والوثائق الحركيّة.

وكان سيادة المتروبوليت سلوان، راعي أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما جبل لبنان، قد حيّا أعضاء الحركة برسالة جاء فيها:

«الأحبّاء بالربّ في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة

سلام بالربّ يسوع، الذي به نحيا ونتحرّك ونوجد

ما أحلى أن تصير حياتنا وخدمتنا وشهادتنا مماثلة لتلك التي للمسيح يسوع في محبّته للآب وإفراغ ذاته من أجلنا، حتّى الموت، وتواريه خلف عمل الروح القدس، لكي يبرزنا معه ورثة وشركاء وإخوة أحبّاء.

ما أجمل هذه الكنيسة التي تتحوّل عروسًا بهيّة للقاء هذا الختن الحبيب. إنّها مسيرتنا في هذا الصوم، ومصيرنا في هذه الحياة إنْ آمنّا واجتهدنا.

ما أكرم الربّ الذي أنعم علينا بشهود ساعدونا على تبيان وجهه، والقدوم إلى معرفته، ورفع الصلاة إليه وتسبيحه، وخدمته من كلّ القلب والذهن والكيان.

ما أبهى لباس العرس الذي نلبسه نحن غير المستحقّين، الذي ألبسنا إيّاه عرّابونا بعرق الجبين وتعب اليدَين وصلاة القلب والمعيّة الصالحة النزيهة والصادقة، فصرنا حاملين نعمته وبشراه إلى سوانا.

ما أنبل ذاك الذي يرى مسيح الربّ أمامه فيتخشّع ويعطيه يمين الخدمة، ويشجّعه في الملمّات والصعاب والعثرات، بحضوره وبطريقة غير منظورة.

ما أقوى التواضع وانسحاق القلب مِن عارف لنفسه وعارف للربّ، تائب إليه وراجيًا أن يتوب اللَّه إليه.

ما أعظم هذه المناجاة التي تصرخ من جحيم هذا العالم إلى علياء السماء، بوقار وتصميم وإيمان، حتّى يبارك الربّ شعبه وميراثه.

ما أفضل من مصالحة وتسليم ووداعة وطاعة بها يواجه مخلوقٌ خالقَه، وخادمٌ سيّدَه، وابنٌ أباه، ومؤمنٌ الآبَ السماويّ.

في العيد التاسع والسبعين، أشكر اللَّه على البركة التي يعطينا إيّاه الربّ بوجود مَن له الفضل، مع سواه، في هذا العيد؛

بوجهٍ أفاض بسخاء قلب ورجاحة عقل من مكنوناته على كلّ إنسان، من دون محاباة للوجوه؛

بيدٍ باركت وقدّست ووجّهت خطى كثيرين في حقل الربّ وحقول المعرفة والخدمة والبشارة؛

برجلَين ساعيتَين في حمل إنجيل السلام والمصالحة والتوبة إلى اللَّه إلى غير إنسان وإنسان، إلى جيل الأجيال؛

بعينَين بارقتَين حكمة وذكاء واندهاشًا، داعيتَين إلى الفهم والاستيعاب والمعرفة؛

بأذنَين سامعتَين لشجون وشجون، ولكن أيضًا لهمسات استحالت كلمات مضيئة منيرة لحياتنا؛

بفمٍ نطق حكمة وشجّع وأنذر ووبّخ؛

بقلبٍ مستقيم غير ملتوٍ، محبٍّ للَّه وللحقّ وللمعرفة وللإنسان، مفضالٍ بغير وجه.

أفرح بكم وأفرح معكم، فوجوهُكم عزيزة وخدمتُكم من كلّ القلب كريمة، وديعة أحملها في آنية خزفيّة، لا منّة لي فيها ولا فضل لي بها على أحد، على قول القائل: فما تزرعه إيّاه تحصد.

فالشكر للَّه أوّلًا وأبدًا، ولكنيسته التي وضعتنا في الخدمة، وللوجوه الكثيرة التي وضعها الربّ في طريقنا، وللوجوه الكثيرة التي يضعنا الربّ في طريقها، كيما «تكون لهم الحياة، وليكون لهم أفضل». ألا بارك الربّ حياتكم وخدمتكم وأنار وجوهكم من نوره الذي لا يعروه مساء».

جولة في هذا التقرير على بعض المراكز التي احتفلت بالذكرى.

مركز اللاذقيّة

استهلّ مركز اللاذقيّة الاحتفال بالعيد التاسع والسبعين بالقدّاس الإلهيّ، يوم الأحد الواقع فيه 21 آذار في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس. وفي الأحد التالي أي في الثامن والعشرين، أقيمت أمسيّة تراتيل وأناشيد في الكاتدرائيّة، تخلّلتها كلمة لسيادة لمتروبوليت أثناسيوس (فهد)، قال فيها: «كلّما وجدت في أجواء الحركة قلبي يفرح وينتعش هذا الشعور الذي يعطينا إيّاه ربّنا. اليوم عيد القدّيس غريغوريوس بالاماس الذي تكلّم على حياة الكنيسة الحقيقيّة وأكّد على العقيدة التي تسلَمناها من الربّ. الكنيسة عبر الآباء القدّيسين تقول «طوبى لمن الشمس تشرق في داخله»، كم هو محظوظ الشخص الذي تنوّر الشمس حياته ومنها يستفيض. الحركيّ يعيش، نعمة اللَّه التي حصلنا عليها بالمعموديّة في داخلنا ونستفيض من الشمس الذي هو المسيح الذي يشرق في قلب كلّ شخص مؤمن. نحن نستقي من البئر الموجود في داخلنا. الأرثوذكسيّة أن نستنير بنور الربّ وأن ننهل من مائه الموجود في داخل كلّ منّا. الأرثوذكسيّة أن نستنير به ونحيا به. لا شيء يحجب شمس المسيح الموجودة في داخلنا. الأرثوذكسيّة ليست طائفة ولا مجموعة أشخاص ولا تعليمًا معيّنًا. في نشيد الحركة نقول «أرثوذكسيّتي حياتي» أي إنجيلي.

الربّ يعزّي قلوبنا وقلوب كلّ العالم، من أهمّ أعمال الأرثوذكسيّة المسؤوليّة التي حمّلنا إيّاها الربّ، النور لا يخبو والماء الطيّب لا أحد يستطيع حجب النبع ومنعه من التدفّق، الفرح الذي يعيشه الحركيّون واجب إيصاله إلى من يريد. نصلّي إلى الربّ أن يعزّي جميع العاملين في حقله منذ أن تأسّست الحركة، وجميع من يتعب ومازال يعمل في حقل الربّ. اللاذقيّة لها نكهة حركيّة خاصّة رغم أنّ أوّل اجتماع تأسيسيّ للحركة كان في بيروت، وجدت الحركة في جوّ اللاذقيّة الانتشار والشعبيّة. مهما تعرّضنا لظروف وأيّام صعبة عندما ننظر إلى السيّد المسيح ونقتدي به نحفظ الحركة، الحركة هي الكنيسة».

وفي الرابع من نيسان كانت محاضرة رعائيّة مع الأرشمندريت موسى (الخصي)  «حول الرجاء في زمن الضيق».

كندا

نتيجةً للجهود التي تُبذل، على صعيد الأمانة العامّة، والهادفة إلى تفعيل التواصل والعلاقة مع الإخوة الحركيّين في بلاد الاغتراب، وبعد اجتماعات عقدتها الهيئة المسؤولة برئاسة الأخ إيدي الزاخم، انعقد للمرّة الأولى لقاء استثنائيّ افتراضيّ لمناسبة عيد الحركة التاسع والسبعين أعدَّ له الأخ زاهر سمعان، وجمعَ نحو ستّين شخصًا من الإخوة الحركيّين المقيمين في كندا.

وشارك الأمين العامّ الأخ رينه أنطون ورئيس مركز دمشق الأخ فادي العش، ورئيسة مركز طرابلس الأخت ندى حدّاد ورئيس مركز عكّار الأخ حنّا حنّا، وبعض الإخوة أعضاء الأمانة العامّة والهيئة المسؤولة. وتميّز اللقاء بشهادات رائعة حول تأثير الحركة في حياتنا الشخصيّة قدّمها كلّ من الإخوة: نزيه نجّار (مركز بيروت)، نهاد مليحة، وائل سمعان وريما قرى إلياس (مركز حلب)، أنطوان داود وجورج أبي عضل (مركز دمشق)، كريستيان فيتالي وجورج قناب عايدة (مركز اللاذقيّة)، ميشال سركيس، أنّا ماريّا الزاخم، وماري عون (مركز طرابلس). افتتح اللقاء بصلاة تلاها الأب جورج عبد، تلتها كلمة ترحيبيّة من الأخ زاهر سمعان. بعدها كانت كلمة للأمين العامّ شدّد فيها على الفرح الكبير بهذا اللقاء وما يعكسه من صورة وحدويّة أشدّ ما تحتاج إليها كنيستنا اليوم. وأكّد الأخ رينيه أنّ الحركة لا تبغي من تحرّكها تجاه المغتربين غير التواصل مع الإخوة، وافتقادهم والحفاظ على رباط الأخوّة الذي يجمَعنا في يسوع المسيح، والتشديد على أنّ بذور قضيّة المسيح التي غرستها فينا ما تزال متأصّلة وجامعةً ودافعةً لنا إلى الحضور الرعائيّ، ومحصّنةً لنا وسطَ هذا الحضور أينما كنّا. وأشار إلى أنّ التزام الحياة في المسيح الذي تدعونا إليه الحركة لا يصحّ ولا يستقيم خارج التزام حياة الكنيسة والحضور في صميم الحياة الرعائيّة. بعده كانت كلمة للأخ إيدي الزاخم شكر فيها اللَّه على هذا اللقاء راجيًا أن تُكشَف لنا المزيد من الخطوات على هذا الصعيد. أمّا الأخ زاهر سمعان فدعا في كلمته إلى الثبات في التزام الربّ أمام تحدّيات عصرنا، خصوصًا في بلاد الاغتراب، مشيرًا إلى ضرورة الانخراط في حياة كنيسة أميركا الشماليّة وهمومها وشؤونها.

واستمع الإخوة المشاركون إلى نشيدي «غرّدوا مثل الطيور» و«يا شبابًا أرثوذكسيًّا»، وأجاب الأمين العامّ عن بعض أسئلة الإخوة في كندا، واختتم اللقاء بترنيمة «إنّي أنا عبدك»، بصوت الأخ جوزف تامر.

مركز دمشق

«أن تكون مسيحيًّا يعني أنّك تحبّ حقيقةً» (المطران جورج (خضر))

احتفالًا بالعيد التاسع والسبعين لتأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة أقيم القدّاس الاحتفاليّ في كنيسة الصليب المقدّس ببركة وحضور السادة المطارنة موسى (الخوري) والوكيل البطريركي الأسقف أفرام (معلولي)، عاونهما عدد من الكهنة بمشاركة الإخوة في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة في دمشق ولفيف من المؤمنين.

خلال القدّاس الإلهيّ توجّه الأسقف أفرام (معلولي) بكلمة محبّة عايد فيها الإخوة الأعضاء مؤكّدًا أنّ الالتزام في الكنيسة ومحبّة العمل والعطاء يجب أن يتحلّى بهم الإنسان المسيحيّ تجاه مسيحيّته مثل عمليّة التنفس التي لا يستطيع الإنسان من دونها أن يتنفّس، كذلك لا يستطيع المسيحيّ إلّا أن يكون مسيحيًّا حقيقةً.

وفي نهاية القدّاس الإلهيّ التقى سيادته الأخوة حيث تبادلوا التهنئة ناقلًا إليهم معايدة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر داعيًا لهم بالنعمة والخدمة والمحبّة للنموِ والسموّ ليتناسق البنيان في الكنيسة.

مركز حلب

في مركز حلب استمرّت الاحتفالات بالعيد التاسع والسبعين ثلاثة أيّام، تخللّتها أمسيّة بعنوان «افرحوا... في كلّ حين» على مسرح كنيسة النبيّ إلياس، حلب قدّمتها كورال الكلمة. كما أقيمت صلاة الغروب وتقديس الخبزات الخمس.

وكان الإخوة قد شاركوا في القدّاس الإلهيّ في كنيسة النبيّ إلياس. وبعد ذلك كان لقاء افتتح بكلمة رئيس مركز حلب الأخ سلام زخور الذي قال: «في الحركة نحن لا نستذكر حدث التأسيس وإنّما نعيشه وننطلق عبره بحماسة وغيرة لخدمة كنيستنا، فكلّ واحد فينا هو مؤسّس وكلّ أخ سيخرج من هذه القاعة ويقول أنا الحركة «كما قال المطران جورج (خضر) المؤسّس».

في حركتنا جميعنا أوصياء كلّنا مسؤولون، مسؤوليّتنا استلمناها ونحن في جرن المعموديّة.

كنيستنا مسؤوليّتنا كما هي مسؤوليّة المؤمنين جميعًا، وكلّ ما يحصل فيها يعنينا، نفرح لكلّ انجاز يتمّ وندعم مؤسّساتنا الكنسيّة كافةً بكلّ ما أوتينا من قدرة وقوّة، أمّا أعمالنا ونشاطاتنا إن لم تصبّ في خدمة كنيستنا فهي هباء منثور.

العيد هو أنتم، العيد ليس بفعاليّاته ونشاطاته، العيد بوجودكم، العيد بنشاطكم وحماستكم، العيد بمحبّتكم لبعضكم البعض، وتحديدًا في هذا الزمن الرديء والصعب. لقد مرَّت على حركتنا أيّام أصعب وتجاوزناها بصبرنا ومحبّتنا وتكاتفنا.

نعم نحن بشر نخطئ ونصيب، ونعترف بأنّنا أخطأنا سابقًا، ولا شكّ في أنّنا سنخطئ في المستقبل، لكنّ رجاءنا في رحمة ربّنا عندما نرمي أنفسنا عند قدميه معترفين بأخطائنا. اليوم وبنعمة ربّنا ورعاية وبركة سيّدنا غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، وبحماسة وقبول من الأرشمندريت موسى الخصي، بدأنا مسيرة جديدة في أبرشيّتنا نأمل أن تستمرّ وتتطوّر لما فيه خير كنيستنا.

نحن نتطلّع إلى لقاء الآباء الكهنة والأخوات الراهبات والمؤسّسات والجمعيّات كافةً، نحن يا أحبّة أصغر أبرشيّة في كنيستنا الأنطاكيّة وبتكاتفنا نستطيع أن نحقّق الكثير. وضعتم عنوانًا لعيدنا التاسع والسبعين أن نحيا الحبّ ونتشدّد بالرجاء. فلنحيا الحبّ ولنتشدّد بالرجاء». ثمّ كانت كلمة للأمين العامّ الأخ رينه أنطون وممّا قاله: «نحتفل بعيد الحركة لنعلن ثباتنا في طريق الربّ وسعينا إليه وتمسّكنا بكلمته».

أمّا الأرشمندريت موسى الخصي فقال: «في هذا العيد، نتأمّل كلمات استخدمها بولس الرسول في تعليمه مبشّرًا أهل أثينا، أهل العقل والفلسفة، قائلًا: «لأنّنا به نحيا ونتحرّك ونوجد» نتأمّل أوّلًا معناها الجوهريّ في حياة الإنسان وشركته مع اللَّه، وثانيًا في طريقة استخدام بولس الرسول لها  لتظهر شركة الإنسان مع أخيه الإنسان.

 أوّلًا: معنى هذه الآية أساس في حياة الإنسان على صعيد شخصيّ، إذ يربطها بعلّتها وغايتها الأساسيّة وهو اللَّه. «به نحيا» تعني أنّ الإنسان مخلوق على صورة اللَّه، ومدعوّ إلى حياة تشبه حياة اللَّه، أي حياة إلهيّة. عندها فقط يأخذ الإنسان كامل إنسانيّته على الصعيدين المادّيّ والروحيّ، عندما يربط حياته باللَّه، وخلاف ذلك يكون كائنًا مادّيًّا كباقي الخلائق والحيوانات. فالإنسان يكون حيًّا بالحقيقة ليس عندما يتنفّس الهواء بل عندما يتنفس الروح القدس. الحياة  الحقيقيّة للإنسان هي الحياة بالروح القدس.  

«به نتحرّك» تشير إلى إكمال الحياة وتجاوب الحياة البشريّة مع الروح الإلهيّ، وهذه الحياة بالروح هي حركة مستمرّة. فالحياة هي وجود حاضر ومتحرّك، وإلّا فقدت الحياة معناها. «نتحرّك» تعني نفتح عين النفس لترى النور فتسير في النور وتتوجّه إلى مصدر النور.

« به نوجد» تعني نصل إلى وجودنا الحقيقيّ وهدف حياتنا وحركتنا، وهو وجودنا في وحدة مع اللَّه، وجودنا الملتهب نارًا ونورًا، في المحبّة والنور، والذي ننمو فيه من خبرة إلى خبرة، أو «من مجد إلى مجد» كما يقول بولس الرسول.

 كلمة «نحيا» هي طريقة وجود الإنسان في العالم، كلمة «نتحرّك» هي طريقة سعي الإنسان نحو وجود أسمى، كلمة «نوجد» هي وجود الإنسان في اللَّه. من هذا المنطلق نفهم رسالة الحركة ودعوتها، وهي أن تحرّك وجود الإنسان على صعيده الشخصيّ من العالم نحو اللَّه.

ثانيًا، استخدم بولس الرسول كلمات الشعراء اليونانيّين ليبشّر أهل أثينا، ولم يرذل  إرثهم وحضارتهم  وتاريخهم، بل حاورهم وأعطاهم حرّيّة قبول بشارة يسوع المسيح، أي جعلها وسيلةً لبشارة يسوع المسيح، بمعنى آخر عمّدها وقدّسها. ومن هنا نرى دور الحركة البشاريّ، فهي كخادمة للكنيسة والمجتمع تحاور كلّ إنسان، لا تتجنّبه أو تحاربه، فكلّ إنسان ثمين لأنّه صورة اللَّه المفتداة على الصليب، من هناك تنطلق شهادة الحركة  وهناك تستقرّ، على صليب الحبّ الإلهيّ للبشر الذي جلب لنا القيامة والحياة الأبديّة. حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة حركة مستمرّة نحو اللَّه ونحو الإنسان بغاية واحدة أن تجمع وجود الإنسان بوجود اللَّه فيحيا. تسعة وسبعون عامًا مرّت على انطلاقة الحركة في كنيستنا الأنطاكيّة، خمسة وستّون عامًا مرّت على انطلاقتها في حلب، عمر ما يزال  صغيرًا لرسالة كبيرة وشهادة عظيمة. رجاؤنا الكبير في أن تستمرّ دائمًا لمجد اللَّه وخدمة الأخوة، رجاؤنا أن تكبر شعلة الحبّ والنور التي فيها تجاه اللَّه والناس، فيروا أعمالكم  الصالحة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات».

مركز الجبل

يوم السبت الواقع فيه 20 آذار 2021، شارك راعي الأبرشيّة في العيد الـ 79 لحركة الشبيبة الأرثوذكسية في مركز الجبل الذي جرى بشكل افتراضيّ وكانت له مساهمة حول «الحركة والوجوه» أبرز فيه وجه سلفه صاحب السيادة المتروبوليت جاورجيوس، أبرز المؤسّسين وأكثرهم تعميرًا وتأثيرًا وعطاء حتّى اليوم

كما أوضح الركيزة الأساسيّة التي ينطوي عليها شعار العيد، ألا وهو الوجه الذي به «نواجه» اللَّه ونواجه به «القريب».

وعبّر كيف أنّ الخطيئة تلبسنا أقنعة نتستّر بها، بقصد أو عن غير قصد، وأنّ التوبة هي التي تنقّينا من أقنعتنا وتجعلنا نتنقّى بالحبّ.

واستشهد في هذا المجال بكلمة تأبين سلفه في جناز المرحوم الدكتور كوستي بندلي، حيث أبرز الوجه الذي كان له، وجهًا بكلّ ما للكلمة من معنى، وضمّنها المحبّة ليسوع وعبر يسوع لكلّ قريب».

بعد أن شكر الأخ إيلي كبّي، رئيس مركز جبل لبنان، لسيادة المطرانين سلوان (موسي) وأنطونيوس (الصوري) مشاركتهما في العيد التاسع والسبعين، قال: «شكرًا للربّ على روحه الذي عمل في مجموعة من شباب الكنيسة الذين لم يبحثوا عن الراحة والرفاهية والألقاب والتمجيد، بل أدركوا أنّ اهتمام الروح هو حياة وسلام. فصار هاجسهم أن  «تكون لهم الحياة، وليكون لهم أفضل» (يوحنّا 10: 10).

يعجز الكلام عن شكر اللَّه على أبناء الكنيسة الذين تطوّعوا لمدّة عشر وعشرين وثلاثين وأربعين سنة في خدمة مجّانيّة، وآمنوا بأنّ كنيستهم تطلبهم للخدمة، فلم يفكّروا في أمّ أو أب أو زوجة أو أولاد ينتظرونهم فصرفوا وقتهم في تحضير اجتماع هنا وهناك. لم ينسوا أنّهم «آنية خزفيّة» وأدركوا أنّ هذا الإله المجنون بحبّه لنا يعمل بواسطتهم ليصل إلى قلوب كثيرة فلم يكترثوا لتوبيخ ولم ينتظروا مديحًا أو شكرًا.

في هذا الزمن الرهيب بكمّيّة الوجع الذي يحمله نفتقد وننتظر الوجوه المعزّية والتي تقف بجانبنا وتعمل وتشهد للمسيح. الوقت ليس وقت كلام بل وقت أفعال ومبادرات. ماذا نقول للمريض الذي لا يستطيع دفع فاتورة المستشفى؟ ماذا نقول لمن يعجز عن دفع كلفة تعليم أولاده؟ ماذا نقول لمن أحبط ودخل اليأس قلبه لعجزه عن شراء ما يطلبه أولاده؟ فهل تشفي الكلمات الجروح؟ نحن في وضع يشبه السبي إلى بابل. كادت الهياكل أن تسكّر، سقطت القصور وسقط الحكّام في خذلانهم للربّ ولشريعته فأهمل اليتيم وظلمت الأرملة فهجر الربّ الهيكل وركب مركبة وارتحل للقيا المسبيّين، فسكن وجوهنا ليصل إلى من انكسر وهزم وخذل فهل لسان حالنا: أليس أنت الذي رسمت علينا نور وجهك يا ربّ؟ مطلوب منّا أن نكون على مستوى المسؤوليّة، ألّا ننتظر تقديرًا وافتقادًا ورعاية، بل أن نقدّمها في كلّ وقت. أن نتوب ونتغيّر ونتجدّد. أن نرمي وراءنا كلّ مرارة وحزن ولا نعاتب ولا نطالب، بل أن نعطي ونعطي دائمًا لأنّ في العطاء حياتنا وخلاصنا، لأنّ الربّ ينتظر وجوهنا ليطلّ بواسطتها. الزمن زمن عمل ورجاء وأيضًا زمن دينونة فلنحتفل بالعيد كمن رجاؤه لا يخيب وليس من أمر أرضيّ يقدر على أن يكسره».

وتحدّث سيادة المتروبوليت أنطونيوس الصوري فقال: «حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة مثل ما عرفتها هي حركة نار ونور: نار العشق للمعلّم الربّ يسوع المسيح الذي به «به نحيا ونتحرّك ونوجد»، ونور المعرفة  وبخبرة العيش مع اللَّه في عشرة الكلمة الإلهيّة و«أكل» هذه الكلمة والتزامها، التزام الكنيسة، عبر الليتورجيا، عبر الصلوات، وتعاليمها وتعاليم الآباء والقدّيسين والشهود وخدمة الربّ بإخوته الصغار وبكلّ إنسان.

المسيحيّون الأوائل شهادتهم كانت حياتهم. كان يكفيهم أن يقولوا للإنسان «تعال وانظر»، كانوا بشرًا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات، وجماعة لها قلب واحد ونفس واحدة، وما من أحد يقول إنّ أمواله له بل كلّ شيء مشترك في ما بينهم.

الزمن الحاضر يتطلّب منّا «حركة روحيّة» مُشبَعة من روح الوحدة والشركة. الشهادة المطلوبة اليوم هي حلّ قيود الشرّ، فكّ عُقد النير، إطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كلّ نير (أشعياء 58)، أن تكسُر للجائع خبزك، أن تُدخِل المساكين التائهين إلى بيتِك، إذا رأيت عريانًا أن تكسوَهُ وألّا تتغاضى عن لحمِك.

الإنسانيّة اليوم مكبّلة بِقيود شرّ الفساد الأخلاقيّ والفردانيّة والأنانيّة وعبوديّة الجسد، وهي مربوطة بعُقَد نير التبعيّات لزعماء هذا الدهر، وهي مسحوقة باليأس والإحباط بسبب المفاهيم الكاذبة للحرّيّة والسعادة والنجاح. المسيحيّون ما عادوا أحرارًا، صاروا مُستَعبدين لحضارة وثقافة إنسانيّة انطلقت أساسًا من روح الإنجيل، ولكنّها انحرفت عنه لتصير أكبر عدوّ للإنجيل وللمسيح باسم الإنسانيّة.

حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة نشأت كنبراس، كنور، للشهادة الحقّانيّة للإنسانيّة بحسب يسوع المسيح. الإنسانيّة المدعوّة إلى التألّه والإشعاع  بنور الحقّ غير المخلوق، بسرّ انسكاب وتنزّل الحنان الإلهيّ على الإنسانيّة بواسطة الكنيسة المقدّسة، في خدمة المهمّش والمسكين والبائس والحزين والفقير والجاهل والمُرّ النَفس والفاقد الثقة بالحياة وبالإنسان.

حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة هي حركة رجاء، رجاء البشريّة القائمة من الظلمة وظِلال الموت إلى نور الحياة الجديدة بالروح القدس في المسيح الغالب الموت. الحركة تيّار القياميّين، الذي يغسُل العتاقة البشريّة بماء الكلِمة الإلهيّة، حتّى تولد البشريّة من جَديد بمعموديّة الروح القدس في سرّ المحبّة التي لا تقيّد بتقاليد بشريّة بل تُحرِّر صاحبها بحقّ المسيح يسوع، الذي جاء لخلاص العالم كلّه.     

 حركة الكنيسة هذه لا مثيل لها في كلّ العالم لأنّها وليدة عشق السيّد في سرّ الأخ وشركة الروح القدس في جسد المسيح، الكنيسة، التي لطالما أرادتها الحركة متجلّية ببهاء وجهِ الربّ ونافِضَة عنها غبار الزمن وملتَمِعة بنور الحقّ وشاهدة للذي أحبّنا أوّلًا.

دعائي للربّ أن يمدّ بخدمتكم إلى يوم مجيئه الثاني المجيد، ببركة مُلهٍم أنطاكية ومعلّم الأزمِنة الحديثة، أبينا سيادة المتروبوليت جورج، سيّدنا جورج، عمود الحقّ في هيكل الربّ وملهٍب نَهضة أنطاكية، وبرعاية واحتضان الأخ الحبيب سيّدنا سلوان، ملاك الأبرشيّة، ورعايته الأبويّة، هو الذي لا يَكِلّ ولا يَمِلّ، هو إنسان كتلة حبّ متحرّكة دائمًا، يبحث دائمًا عن خدمة كلّ إنسان وعن الشهادة لحقّ المسيح بكنيسته والعالم».

مركز طرابلس

على مدى أربعة أيّام احتقل مركز طرابلس بالعيد فكانت كلمات وذكرى. فقال الأمين العامّ رينه أنطون:

«كلّما جرّبتنا المحن والمخاطر، وتفاقم انعكاس خطايانا البشريّة فـي حياتنا وأصعدتها، كـان الـلجوء إلـى مكامن الرجاء الكبير بـاللَّه والفرح بالخلاص به هو المسار الآمن.

فالحركة مكمن لهذا الرجاء ومـشغل للفرح، لأنّ من نصبوا ركائزها فينا، وأسّسوا للمسيح في قلوبنا، فاض رجاؤهم به وسـط صعوبات فاقت صعوبات حياتنا، اليوم، ومحن فاقت ما نعيشه من محن. فشخصوا إلى الربّ متخلّين، ليس عن شأن إنسانيّ في الأرض وهمّ، بل عن مغريات دنياهم وأهواء نفوسهم، وصاروا هياكل تتغذّى من تعزيات السماء في الإنجيل، لا يتعبها جهاد، ولا ترهبها توبة، ولا تغريها فضّة، ولا تأخذها أمجاد، ولا تسحرها مواقع. وحده المسيح، بجنبه المطعون وروعة تخلّيه معلّقًا على الصليب، كان الشوق، لديها، والفرح والرجاء والغاية والقدوة وشخوصها القياميّ، ليختزل هـذا المشهد، في رؤيتها، كلّ النعم وأثمن العطايا.

لذلك، إنْ عيّدنا اليوم فإنّما لغاية واحدة، لكي نلجأ وسط ظلمة زمننا إلـى أن يفعل إيمان المؤسّسين فينا، فنهزم عتمة اليوم بالنور. «فالإيمان هـو الثقة بما يرجى» يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيّين. وحركة الشبيبة الأرثوذكـسيّة هي الثقة بغلبة كلّ ظلمة، وهي الـشغف بتخلّي يـسوع. هذا على الرجاء.

لا يسـتوي سـعينا إلـى شـغف كبارنا بالربّ من دون أن نـسعى لنحبّ كلّ من لأجله كان فـداء الربّ، وبخاصّة اليوم، من دون أن نحبّ العالم في مصاعبه ومآسيه. ولا يستوي حبّنا للعالم من دون أن نشركه في ما وهبنا اللَّه من خيار خلاص، فنشدّه إليه عبر أن نمدّ فيه جسد إلهنا «علامةً لملكوته وصورةً له». فيكون علامةً لعدل لا يعرفه، وحقّ يجهله، وحكم بكتاب يختلف عمّا به يحكم من كتب.

هـذا الحبّ العاكس لمحبّة اللَّه يحتاج إليه عالمنا اليوم فاعلاً فيه لأنّه منهك من تحكّم الشرّ بالمتسلّطين عليه، مأزوم بعنفهم وظلمهم وجشعهم، ومثقل بضعفاء يسحقون ويعبث بإنسانيّتهم وحقوقهم. الشهادة الأفعل لإنجيل يسوع، اليوم، هي في أن تتظهّر بنا هذه المحبّة فننزع عنا، نحن جماعة المؤمنين، رتابة ترجماتنا الحياتيّة لها، ومراوحة الخطاب، وعتاقة الإطلالات والاهتمامات ليلمس العالم، عبرنا، ما هـو أجدّ وأفعل. ليلمس أنّه بنكهات الإنجيل يكمن خلاصه من محنه. أنّه بها، إن عبقت فـيه، يذوق العيش في مملكة يـتصدّرها المتخلّون، ويموت حاكمها عن أبناء شـعبه ليحيا الـشعب من دون موت. فكلّ أزمات العالم، الصحّيّة منها والـسياسـيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، ومنها تلك التي نعيشها في بلادنا، والتي أثمرت مــا أثمرته من موت وإفقار ودمار وإفساد ونهب حقوق، منبعها الأوّل أنّه يفتقد إلى حكّام يولدون من رحم الحقّ، يحبّون شعوبهم، ويعشقونها حتّى المصلوبيّة. ومنبعها الآخر أنّه يفتقد «صوتًا للفقراء، حرّاسـًا لكرامتهم» و«أنبياءً» يذكّرون الحكّام بمكامن العدل ويوم الدينونة، وإرادة اللَّه منهم، وهو ما نحن، الكنسيّين، مدعوّون إليه اليوم.

ما سعينا إليه عبر تاريخنا من أن «نقول حبّ الربّ» لمن حولنا، وبخاصّة في السنة هـذه الأخيرة، وما تجلّى من تعب وغيرة رسوليّين لدى الشباب، ولدى مراكز وفروع ومؤسّـسات وهيئات كنيستنا لمداواة جروح إنـسانيّة في هذه المحطّة من مآسـينا أو تلك، كلّها وجه طيّب من وجوه هذه الشهادة وأسـاس لها، وحروف نافرة من «فعل المحبّة» المنشود. لكنّها لا تختزل الـشهادة ولا الفعل. فجدّيّة المحبّة الإلهيّة، وجذريّة الإنجيل، أرحب وأعمق، ولا يكمل تجلّيهما فينا بغير أن نلتزم «الـنبوءة» الصارخة بقواعد حكم الملكوت فـي الأرض. هـذا ليس حلمًا وليس لغوًا. فلنا فيه، عبر التراث المكتوب لقادة لنا وسيرهم فـي نطاق هذه الشهادة، تعليم راسخ ومثل كثيرة، كما عبر العديد من أوراق وكتابات حركيّة أخرى. هذا شأننا ككنيسة في العالم، شأن السادة الأسـاقـفة والكهنة والشمامسة، وشأننا كأبناء، وشأن الرهبان، أيضًا، عبر صلاتهم من أجل العالم. هذا شأن كلّ «الأبناء». المهمّ أن نبقى، ونحن في خضمّ شهادتنا، أبناء. أن نذكر أنّنا، فقط، للَّه «أنّنا مرآة إلانجيل».

وجاء في كلمة سيادة المتروبوليت أفرام (كرياكوس): «المطلوب اليوم محبّة اللَّه ومحبّة الإخوة قبل كلّ شيء، بحسب الوصيّة «أحبب اللَّه من كلّ قلبك وقريبك كنفسك». هذا ينبغي أن نفعله على صعيد الفرد وعلى صعيد الجماعة، إن كان في البيت، في العائلة أم في المجتمع، إن كان في الكنيسة أم في السياسة، إن كان مع الأصدقاء أو مع الأعداء. طالما يقول الربّ في عظته على الجبل: «أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم أحسنوا للذين يسيئون إليكم... إن كنتم تحبّون الذين يحبّونكم فما الفضل لكم، فإنّ الخطأة أيضًا يحبّون الذين يحبّونهم. «فلا نقطع الصّلة مع الذين يختلفون معنا في الرأي، ولا ننبُذْهم ولا نُحاربْهم، واقعين في آفة القوميّة والفئويّة وغيرها. تعلمون أنّه هكذا كانت سياستنا على صعيد الكنيسة الأنطاكيّة وعلاقتها مع الكنائس الأرثوذكسيّة وغير الأرثوذكسيّة وحتّى غير المسيحيّة. هذا كلّه اقتداءً بالمسيح يسوع الذي فدى بنفسه «ومات ليجمع أبناء اللَّه المتفرّقين إلى واحد». أقول كلّ هذا لكي أصل إلى ما نحتاج إليه اليوم في الكنيسة وفي العالم وهو كلمة المصالحة وخدمة المصالحة.

هي كلمة الخلاص، كلمة النعمة، كلمة الحياة. يقول الرسول بولس إلى أهل كورنثوس: «إن كان أحدٌ في المسيح فهو خليقة جديدة... الكلّ من اللَّه الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة، أي إنّ اللَّه كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسبٍ لهم خطاياهم... واضعًا فينا كلمة المصالحة».

الشيء الثاني الذي أودّ أن أذكره في هذه المناسبة الكريمة والذي نحن بحاجةٍ ماسّةٍ إليه اليوم في الكنيسة وفي العالم، ألا وهو قضيّة التكريس، التفرّغ إلى الخدمة الكهنوتيّة في الهيكل والرعاية والبشارة.

هذا ليس مقتصرًا على الكهنوت الملوكيّ الذي طالما نشدّد عليه أيضًا. أعني، مرّةً أخرى، نحن بحاجةٍ إلى شبابٍ ذكورٍ ، وإناث تركوا كلّ شيء وتبعوا المسيح على غرار الرسل، مكرّسين ذواتهم للخدمة، خدمة الهيكل، الخدمة الرعائيّة، الأبوّة الروحيّة، وأيضًا للبشارة».

أمّا رئيسة مركز طرابلس (بالوكالة) الأخت ندى الحدّاد فقالت:

«منذ تسعة وسبعين عامًا، حرّكت «المحبّة الأولى» هذا التيّار النهضويّ، فشاء المؤسّسون أن يصبح كلّ أرثوذكسيّ كلمةً إلهيّةً باقترابه من الكلمة، حتّى تصبح الكنيسة «عروسًا لا دنس فيها ولا وسخ ولا شيء مثل ذلك». فتحرّك الشباب الحركيّون والشابّات الحركيّات، باستمرار، على مدى ثمانية عقود تقريبًا للشهادة ليسوع المسيح، فسعوا إلى التحلّي بفضائل الناصريّ وكرّسوا أنفسهم لخدمة اللَّه عبر الجهد الشخصيّ ودراسة الكلمة الإلهيّة وتجسيدها في حياتهم وسعيهم إلى عيش حياة روحيّة مترافقة بالتوبة والصلاة والتواضع.

وها نحن اليوم، لم ندع أيًّا من الأزمات التي نعاني أن تحول دون اجتماعاتنا وتآزرنا، فقلنا مع بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية «من ذا الذي يفصلنا عن حبّك؟ أسيف أم شدّة أم ضيق أم إضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟»... فحبّنا للكلمة، وإيماننا بالحقيقة التي نحملها ووحدتنا دعتنا جميعًا، حركيّين وحركيّات في مركز طرابلس، إلى أن نتكاتف ونتكافل لتسير العجلة في مسارها الموافق لقلب اللَّه. فعمل كلّ واحد منّا بحسب موهبته التي أغدقها اللَّه عليه مؤلّفين جسدًا واحدًا بأعضاء مختلفة الوظائف لكنّها متّحدة بالرأس الذي هو المسيح.

وفي هذه المناسبة المباركة، أودّ أن أذكر برجاء في الربّ كلّ الأخوة الذين انتقلوا عنّا وهم: الأخ الأستاذ إلياس قطرميز، والأخ جورج أروادي، والأخ قيصر بندلي، والأخ رشاد يعقوب، والأخت مريم مالك. وأسأل ربّنا يسوع المسيح الغالب والناهض من بين الأموات أن يسكنهم جميعًا مع كلّ الراقدين الأحبّاء في مساكن الصدّيقين. وما لا شكّ فيه أنّ حياة هؤلاء الإخوة جميعًا ترجمت عمليًّا التصاقهم بالربّ محبّةً في ما بيننا»

وفي لقاء افتراضيّ مع سيادة الأسقف غريغوريوس خوري أسقف الإمارات العربيّة المتّحدة، قامت به الأخت ليز صافتلي دميرجيان قال سيادته: «فلنعد إلى الحرارة الأولى، إلى الشجاعة الأولى التي لا تهاب التعب، التي تفرح بالخدمة وتعشق التضحية، التي ترمي نفسها في حضن خالقها بثقة الابن قائلة: «عليك توكّلت فلا أخزى إلى الأبد» .

أشتاق إلى رؤية الشباب يعملون كخليّة نحل لا تتعب في الكنيسة بهمّة ونشاط، بمحبّة وإيمان.

الحركة قويّة بمقدار ما تلتصق في الكنسية، بقدر ما تغتذي وتشرب من معين ليتورجيّتها التي تُلصق أعضاءها بالمسيح وتوحّدهم به.

أتمنّى أن تعود الحركة مصدر دعوات رهبانيّة تملأ وتنمي تلك الرئة (الرهبنة) التي بدونها تتنفّس الكنيسة بصعوبة. وليس فقط مصدرًا للدعوات الرهبانيّة ولكن أيضًا للتكريس بكلّ أنواعه. وهذا ما عهدنا الحركة عليه منذ انطلاقها! فقد أعطت للكنيسة الكثير من الشباب والشابّات الذين يقود بعضهم اليوم الكنيسة على مستوى الإكليروس وعلى المستوى الرهبانيّ أيضًا».

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search