2020

14. خاطرة - من هو اللاهوتيّ؟ - تعريب طوني عبده – العدد السادس سنة 2020

من هو اللاهوتيّ؟

للأرشمندريت إميليانوس الذي من سيمونوبترا

تعريب طوني عبده

 

 هل تعلم من كان أوّل اللاهوتيّين؟

أعتقد أنّ كلّ المعمّدين المسيحيّين، بطريقةٍ ما، هم لاهوتيّون. أوّلًا يجب تعريف المصطلحات، «اللاهوت» و«اللاهوتيّ» كما هو معروف عند الشعب. «اللاهوت» يعني «الكلام على اللَّه». من هذه الرؤية، اللاهوت يحدّد بأعمالٍ مثل الوعظ والكتابة والمقالات التي تتحدّث حول اللَّه والمواضيع المختصّة به. أيّ انسانٍ مرتبط بمثل هذه الأعمال هو لاهوتيّ.

لكن، إن أردنا فهم المعنى بالكلّيّة، تجب علينا العودة إلى بدء تاريخ اللاهوت ورؤية من كان أوّل اللاهوتيّين. أوّل من تكلّم على مواضيع تتعلّق باللَّه، هو اللَّه نفسه. في قصّة الخلق، حيث قال بوجود النور والسماء واليابسة (تكوين، ١، ٣، ٦، ٩) ولم تكن هذه في إطار الأقوال فقط إنّما بالأعمال. تشاور مع نفسه وقال بعدها «لنصنعنّ الإنسان على صورتنا ومثالنا»، وتعني هذه العبارة أنّ الإنسان أيقونة اللَّه بوجوده. في خلق الإنسان، كشف اللَّه نفسه عبر أعماله. وكان هذا العمل بخلق الأشياء المنظورة وغير المنظورة، فمن تكلّم أوّلًا على اللَّه، هو اللَّه نفسه بعمله كفاعلٍ في الخلق والخليقة.

بعد هذا، اللاهوتيّ الثاني، من منظارٍ روحيٍّ وليس زمنيّ، هو الأقنوم الثاني في الثالوث، ابن اللَّه الآب. اللَّه تجسّد ليصير إنسانًا، الإله المتجسّد القادر على الكلام وجهًا بوجهٍ مع الإنسان الذي خلقه. وحوار اللَّه مع الخليقة يعكس حوار الآب مع الابن.

بعد اللَّه الآب، لدينا اللَّه الابن، نسبةً إلى أشعياء النبيّ، «السيّد الربّ فتح لي أذنًا وأنا لم أعاند. إلى الوراء لم أرتدّ». (أشعياء 50: 5). هذه العلاقة بين الآب والابن مثاليّة، متّحدة، وقد ورد في إنجيل يوحنّا «من رآني فقد رأى الآب». ظهرت العلاقة عبر كلّ الأعمال، بالتجسّد، التعليم، الحياة، العجائب وغيره. في البدء، كشف اللَّه عن نفسه بخلق الإنسان، الآن الابن يكشف اللَّه بتجسّده. «كلّ شيءٍ قد دفع إليّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له» (متّى 11: 27) من دون المسيح يستحيل أن نفهم اللَّه. اللَّه إذًا كشف عن نفسه بالابن بواسطة سرّ التجسّد.

وبحسب القدّيس مكسيموس المعترف «بظهور المسيح بالجسد للبشريّة، عرّفهم إلى الآب المجهول»، «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا» كما جاء في الإنجيل بحسب يوحنّا، ولم يغادر «حضن الآب»، لذلك هو الوسيط الوحيد بين اللَّه والبشر كما جاء في رسالة بولس الأولى إلى تيموثيوس. فعبر التجسّد، يعلّمنا اللَّه اللاهوت. واللاهوت ليس بالكلام أو القول فقط، اللاهوت هو في العيش، الفعل والخبرة. وكلّ شيء قاله المسيح وعمله هو «لاهوت».

زار ثلاثة طلاّبٍ من كلّيّة اللاهوت في تسالونيكي جبل آثوس، وقصدوا ناسكًا هناك، فسألهم هذا الأخير بعد استقباله إيّاهم: من أنتم؟ أجابوه: لاهوتيّون. فسألهم بدهشةٍ: أعرف أنّ في الكنيسة ثلاثة لاهوتيّين، أأصبحوا الآن ستّة؟ اللاهوتيّون جماعة تريد أن تعطي لتجسّد المسيح ابن اللَّه في العالم حقّه وقيمته، أي أن تقيم له نسلاً في عالمٍ ينسى اللَّه حينًا ويتناساه حينًا آخر. اللاهوتيّ ليس مدرّس ديانةٍ وإن درسها.

خلاصة القول «إذا اختلينا إلى اللَّه في هدأة الدعاء يتساوى عندنا اللاهوتيّ المحترف والمؤمن البسيط. ونشترك معًا في الطعام السماويّ الواحد. وننمو في إطار العبادة الواحدة. ولا فرق بين أن نجتهد في الكلام ومن شهد بالصمت كلّنا بهذا المعنى لاهوتيّون لكوننا أحرارًا من عبوديّة الفلسفة وأيّ شيءٍ طارق علينا من دنيانا. الكنيسة مصلّية خادمة. هذا هو جوهرها» (المطران جورج خضر).n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search