…«لا أنا بل نعمة الله»…!!! كورنثوس ١: ١.
حسن جبران البازي
يسير الإنسان في هذه الحياة بمرّها وحلوها ضمن منطلقات قد تكون عُسرًا أو يُسرًا بطلعاتها وانزلاقاتها ودائمًا بمسيرة دائمة نحو الملكوت الآتي. ولكن يبقى السؤال المحوريّ الأبرز هنا: عندما يكون المرء بحالة سلام ووئام ولنقل بشيء من القوّة والشدّة والعافية، هل عليه أن يعتدّ بذلك لقوّة له أو فيه إلى حدّ الكبرياء وإلغاء الآخر القريب له، كحال آدم والخطيئة الجدّيّة أو قايين مع قتله لأخيه هابيل؟
وما هو الأمر الصحيح الحقيقيّ الذي يجب علينا كلّنا كبشر أن نعرفه في كينونة حياتنا ومفاصلها حتّى عمق الأعماق؟
للإجابة عن كلّ تلك التساؤلات، لا بدّ من دراسة الإنجيل المقدّس ببعده كحياة تعاش دائمًا وما طيّ طيّه من حقائق تكوّن الترياق لسموم الإنسان الآتية من الشيطان لقتله.
ويستحضرنا في هذا السياق ما جاء في رسالة القدّيس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس حيث أوضح مردفًا وقائلًا: «أجل، إنّي لأصغر الرسل، بل لست أهلًا لأن أدعى رسولًا، بما أنّي اضطهدت كنيسة اللَّه»... (كورنثوس 1: 9). إنّما بنعمة اللَّه قد صرت ما أنا عليه، ونعمته التي أوتيتها لم تكن باطلة؛ لا، بل تعبت أكثر منهم جميعًا؛ ولكن، لا أنا بل نعمة اللَّه التي معي»... (كورنثوس 1: 10- 11).
ومن هذه الكلمات الإنجيليّة المقدّسة يتّضح لنا أنّ ما من قوّة أو صحّة أو قدرة لدى مطلق شخص، فليس عن ملكيّة له أو اعتداد أو استحقاق لذلك، بل تكون نعمة اللَّه التي تعمل به وفيه؛ ويأتي السؤال المباشر بعد هذا الشرح: ما هو الهدف من هذه النعمة يا ترى؟ يأتي الآباء القدّيسون والتقليد الشريف وكلمة اللَّه لتقول لنا إن كان لدينا من قوّة أو قدرة ما فهي أوّلًا من لدن اللَّه القدير على كلّ شيء، لأنّ كلّ موهبة كاملة وكلّ عطيّة صالحة، هي من العلاء منحدرة من العلو من لدن أبي الأنوار، ولنقل بأنّها نعمة اللَّه الساكنة فينا والمنسكبة علينا، يأتي السؤال أيضًا ليقول: ما الغائيّة منها؟ وما هو الهدف؟ يقول لنا الربّ بأنّ النعمة هي بآنية خزفيّة تُعطى لتعطي، أي تُعطى للإنسان وذلك كأمانة بيده عليه أن يسخّرها في خدمة الضعيف والمتروك والمهمّش والمظلوم والمستضعف وما إلى ذلك من أمور. إنّها بالضبط أمانة لدينا ونحن مؤتمنون عليها نفعّلها لخدمة الأخ القريب المتروك والمرذول بكلّ تواضع واتّضاع وتوبة وانسحاق. والمقصود هنا بالقريب ليس القرابة الجسديّة أو قرابة الدم بل كلّ أخ لنا في الإنسانيّة، لأنّنا إخوة على ما دعانا اللَّه وتبنّانا بيسوع المسيح مخلّصنا.
في أهل الخير، يا محبّي الحياة، لنعش الحياة عبر ينبوع الحياة الذي لا ينضب، ولنكن إخوة لبعضنا البعض عن حقّ، ولنعرف أنّنا إن أعطينا نعمة عوض نعمة فذلك ليس للتكبّر والتشاوف والكبرياء بل للخدمة، خدمة الضعيف بكلّ اتّضاع أنّى كان وأين وُجد، بتوبة وانسحاق لأنّنا أشقى الخلق وما من أحد على الأرض بدون خطيئة إلّا هو الذي هو. آمين.n