حيث المحبّة تزداد تدفّقاً
رينه أنطون
الشوق لدى أبناء الإنجيل إلى الفقراء تدفئ قلوبهم وتبيد تعبهم، وتشفي غليلهم إلى وجه الربّ حيث ينعمون به في هؤلاء. غير أنّ هذا الشوق ليس هو وحده ما تحكّم في إصرار المطران بولس على زيارة الأرملة الفقيرة ليلًا بعد يومٍ من الجولات والتعب. وإنّما ما عناه، كذلك، ممّا وجبَ أن يعني كلّ ابنٍ وراعٍ، وهو ألّا يطمر إنجيل الربّ في كلّ ما يختصّ بحياة الكنيسة في الأرض وما يمتدّ منها.
فالإنجيل لا حضور له إنْ غاب الفقراء في ضمير الكنيسة، وغابت، معهم، بركة فِلسِهم عن كلّ سعيٍ وحضورٍ لها، وبناءٍ لخدمة تخصّها في العالم. ففي هذا الفِلس يزداد التخلّي، الذي مِن تخلّي ربّ الكنيسة، تألّقًا، وعبره تزداد المحبّة، التي من فدائه، تدفّقًا، فيتجلّى الله في البناء حضورًا.
إلى هذا، رفض الأسقف أن يعرض عن طلب بركة الأرملة، لأنّه أسقف على صورة سيّده، تاجه من شوك، لا شأن يعنيه غير ما يعني إلهه، ولا مقاييس لنجاحٍ في العالم تلفته غير تلك التي وضعتها رفقة سيّده للصيّادين وشغفه بالفقر، ولا مكانة يسعى إليها غير تلك التي في عيون الربّ، سيّد الخلق.
يخطئ من يعتقد أنّ هذا المطران، بولس بندلي، تنكّر يومًا لكون المال حاجةً لتسلك الكنيسة في خدمتها للعالم، وتتمّم محبّتها له وشهادتها فيه وفق قواعد الضرورات. هو من لم يوفّر سعيًا وترحالًا متعِبًا إلى مالٍ يوهَب محبّةً وحسب، غير مشروطٍ ببدل. لكنّ فرادة الراعي، القدّيس، أنّه آمن. آمن حتّى استحال بفِلسِ من فقير أكبر ثروات كنيسته، وبواهبه أغنى أغنيائها. بالفلس عمّد الحجر، الأساس، حتّى صار صخرًا عليه علت أبنية لا تحصى من المحبّة، ومنه ملأ الجيب حتّى عاد لا يفرغ ممّا يعيده، أضعافًا وأضعافًا، إلى سيّده في المتألّمين ليبلسم جروحه فيهم.
الأرملة لم تعطِي لتأخذ. هي لبّت الله ما سأله عبر تلميذه بولس وحسب. والتلميذ لم يسألها ليأخذ، بل ليبني لها بالربّ خلاصًا، وليكشف لنا، بها، طريقًا.
فلس الأرملة أضعاف
جورج رزق
معلوم أنّ المطران بولس، عندما بدأ بمشروع بناء المدرسة الوطنيّة الأرثوذكسيّة، قام بجولات اغترابيّة لجمع التبرّعات، وحصل على تبرّعات من متموّلين، ولكنّه أيضًا جمع التبرّعات من المؤمنين في الرعايا. وفي إحدى الجولات، في أمسيّة عاصفة، وكان الوقت قد تأخّر، استثنى مرافقوه بيت أرملة فقيرة، فبيتها على طرف القرية، وهم يعلمون بحال فقرها، فما كانوا يطلبون منها شيئًا. أمّا هو فأصرّ على زيارتها، للاطمئنان والتفقّد. فما كان من الأرملة، وهي العارفة بواقع الحال، إلّا أن دخلت فَرِحةً إلى مخدعها، وعادت حاملة قطعة نقديّة، من فئة مائتين وخمسين ليرة لبنانيّة، ودسّتها في يد المطران، وقالت هذا تبرّع منّي للكنيسة.
ويقول شاهد، وشهادته حقّ: «إنّ المطران بولس خصّص للأرملة المذكورة، منذ ذلك الحين، مبلغ مائتين وخمسين ألف ليرة، كان يوصله إليها شهريًّا بوسائله الخاصّة».n