2020

6. قدّيسون - إيليّا النبيّ - إيمّا غريّب خوري – العدد السادس سنة 2020

إيليّا النبيّ

إيمّا غريّب خوري

 

وردت سيرة النبيّ أيليّا في العهد القديم، وبالتحديد في سفر الملوك الأوّل 17-20، ودُعي إيليّا التشبيّ، نسبة إلى قرية تشبة التي تقع على تلّة جلعاد، غرب الأردن، وهي منطقة خصبة تكثر فيها الخضار والأشجار. اسم النبيّ «إلياهو» أي يهوه هو إلهي. دُعي أيضًا الغيور لفرط حرصه على الشريعة وعبادته اللَّه الحيّ، بالمقابلة مع بعل وأوثانه التي لها «أفواه ولا تتكلّم، لها عيون ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع... ولذلك كان يردّد «حيّ الربّ الإله الذي أنا واقف أمامه». أمّا في اليونانيّة فاسمه إيلياس.

في أيّام إيليّا كان على رأس ممكلة الشمال ملك اسمه آحاب (876 - 853)، وعلى رأس مملكة الجنوب ملك «آسا». زاد آحاب في إسخاط الربّ إذ تزوّج بإيزابيل ابنة «أتبعل» ملك الصيدونيّين. وراح يعبد البعل ويسجد له وأقام له مذبحًا في بيت البعل الذي بناه في السامرة. وهذا الأمر أزعج النبيّ وأثار غيظه وأعلن «أنّه لا يكون في هذه السنين ندى ومطر إلّا بأمري»، فحصل جفاف عظيم. اختصر سفر يشوع بن سيراخ (48: 1- 7) سيرة النبيّ هكذا: «وقام إيليّا النبيّ كالنار وتوقّد كلامه كالمشعل... بكلام الربّ أغلق السماء وأنزل نارًا ثلاث مرّات. ما أعظم مجدك يا إيليّا بعجائبك. ومن له فخر كفخرك أنت الذي أقمت ميتًا من الموت ومن مثوى الأموات بكلام العليّ... وخُطفت في عاصفة من نار في مركبة خيل ناريّة» هربًا من غضب إيزابيل.

أمره الربّ بأن يتوجّه شرقًا عند نهر كريت لكي يشرب منه، كما أمر طيور الغربان بأن تأتيه بخبز ولحم صباحًا ومساءً. وبعد أن جفّ النهر من قلّة المطر، أمره الربّ بأن يذهب إلى صرفت التي لصيدون (الصرفند حاليًّا)، لأنّه أمر امرأة أرملة بأن تستضيفه. أطاع إيليّا وسافر إلى حيث طلب منه الربّ. فوجد الأرملة عند باب المدينة، وطلب منها ماء وكسرة خبز. فأجابت أن ليس عندها سوى ملء راحة دقيق وقليل من الزيت. فباركها إيليّا وقال لها «جرّة الدقيق لن تفرغ وقارورة الزيت لن تنقص إلى يوم يرسل الربّ مطرًا على وجه الأرض».

وهكذا حصل مع هذه المرأة فأكلت هي والنبيّ وأهل بيتها أيّامًا. وجرّة الدقيق لم تفرغ وقارورة الزيت لم تنقص حسب كلام الربّ لإيليّا.

إحياء ابن الأرملة

بعد هذه الأحداث، مكث إيليّا عند صاحبة البيت مدّة، وفي ذلك الوقت مرض ابن الأرملة وتوفّي، فنسبت الأمّ موت ابنها إلى زيارة إيليّا. فقال لها أعطني ابنك فأخذه وأصعده إلى العلّيّة التي هو نازل بها، فتضرّع إلى الربّ صارخًا: «أيّها الأب إلهي أإلى الأرملة التي أنا نازل عندها تميت ابنها؟». وانبسط على الولد ثلاث مرّات وصرخ «أيّها الربّ إلهي، لتعد روح الولد إلى جوفه؟». فسمع الربّ لصوت إيليّا وعادت روح الولد إلى جوفه وعاد إلى الحياة. فأنزل الولد من العلّيّة وسلّمه إلى أمّه وقال لها: «أنظري ابنك حيّ». فقالت المرأة: «الآن علمت أنّك رجل اللَّه وكلام الربّ في فمك حقّ». مكث إيليّا ثلاث سنوات في صرفت وفي الواقع لم يفتر حقد آحاب على النبيّ، لاسيّما بتحريض من إيزابيل. ورغم ذلك قرّر إيليّا أن يلتقي آحاب ويثبت له أنّه في الحقيقة مرسل من اللَّه، فدعا كلّ الشعب وأنبياء البعل والذين يأكلون على مائدة إيزابيل، إلى مباراة على جبل الكرمل.

ذبيحة الكرمل

 دعا آحاب جميع الشعب وجميع الأنبياء إلى جبل الكرمل فتقدّم إيليّا وقال للشعب: «ليؤت لنا بثورين فيختاروا لهم ثورًا ثمّ يقطّعوه ويجعلوه على الحطب ولا يضعوا نارًا. وأنا أيضًا أعدّ الثور الآخر وأجعله على الحطب بدون نار. ثمّ تدعون باسم آلهتكم وأنا أدعو الربّ والإله الذي يجيب بنار فهو اللَّه الحقيقيّ». فحصل كما أمر إيليّا. دعا الأنبياء من الصبح إلى الظهر بعل وكانوا يرقصون حول المذبح وكان إيليّا يسخر منهم قائلًا: «أصرخوا بصوت أعلى لعلّ البعل نائم فيستيقظ». ولكن من دون جدوى.

أمّا إيليّا فقال للشعب اقتربوا منّي، وأخذ اثني عشر حجرًا على عدد أسباط بني يعقوب، وجعل قناة حول المذبح ملأها ماء والماء يطفئ النار، لئلّا يحسب الشعب أنّ في العمليّة غشًّا؟ ثمّ قال: «أيّها الربّ إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ليُعلم اليوم أنّك إله وأنّي أنا أعبدك وبأمرك فعلت كلّ هذه الأمور، أجبني يا ربّ». فهبطت نار الربّ وأكلت المحرقة والحجارة والتراب حتّى لحست الماء في القناة. فلمّا رأى ذلك كلّ الشعب سقطوا على وجوههم وقالوا: «الربّ هو الإله». فقال لهم إيليّا بعد أن انتصر في المعركة «أقبصوا على أنبياء بعل ولا يفلت منهم أحد». فأنزلهم إلى نهر قيشون وذبحهم هناك.

تحيّرت عند قراءة هذه العبارة وتساءلت هل هذا النبيّ سفّاح ومجرم لكي يذبح هؤلاء الأنبياء؟ وجاءني الجواب من اللاهوتيّ والاختصاصيّ بالكتاب المقدّس الأب أندريه سكريما، الذي استفاض في الشرح واستنتج قائلًا: «لا تنسي أنّ النبيّ إيليّا عاش في القرن التاسع قبل الميلاد، ومعركته هي حرب بين فريقين، أي حرب بين الربّ وبعل، ومصير خدّام البعل هو مصير من يخسر الحرب في تلك الأيّام».

بعد انتصار إيليّا انتهى الجفاف وتلبّدت السماء بالغيوم وهبّت الريح وهطل مطر عظيم.

إيليّا في حوريب

وأخبر آحاب إيزابيل بما حدث وكيف قتل إيليّا الأنبياء بالسيف. فغضبت وهدّدت النبيّ فخاف ومضى لإنقاذ نفسه. وتقدّم في البرّيّة مسيرة يوم ثمّ قعد والتمس الموت لنفسه. فإذا بملاك قد لمسه وقال: «قم وكُل» فنظر فإذا برغيف خبز أمامه وجرّة ماء فأكل وشرب ثمّ عاد واضّجع. فعاوده الملاك ثانية ولمسه قائلًا: «قم وكُل فالطريق بعيدة أمامك». فقام وأكل وشرب وسار بقوّة ذلك الطعام أربعين يومًا وأربعين ليلة، حتّى وصل إلى جبل حوريب المكان الذي تجلّى فيه الربّ لموسى. ونلاحظ أنّه عندما تجلّى يسوع على الجبل حضر معه موسى وإيليّا.

لقاء اللَّه في حوريب

وفي جبل حوريب دخل إيليّا المغارة حيث اختبأ موسى قديمًا في أثناء تجلّي الربّ (خروج 17: 1-9)، وبات في المغارة فإذا بكلام الربّ يقول له: «ما بالك ههنا يا إيليّا؟ فقال إيليّا: «إنّي غرت غيرة للربّ إله القوّات وقد طلبوا نفسي ليأخذوها». فقال الربّ لإيليّا: «أخرج وقف على الجبل أمام الربّ»، فإذا الربّ عابر، فحدثت:

- ريح عظيمة وشديدة تصدع الجبال وتحطّم الصخور ولم يكن الربّ في الريح.

- وبعد الريح زلزال ولم يكن الربّ في الزلزال.

- وبعد الزلزال نار ولم يكن الربّ في النار.

- وبعد النار صوت نسيم لطيف. فلمّا سمع إيليّا ستر وجهه بردائه وخرج ووقف في مدخل المغارة، فسمع صوت الربّ قائلًا: «ما بالك هنا يا إيليّا؟ فأجاب: «لأنّ الشعب قد تركوا عهدك وقتلوا أنبياءك بالسيف وبقيت أنا وحدي وقد طلبوا نفسي ليأخذوها».

أيقونة النبيّ إيليّا

كثيرة هي الأيقونات التي تمثّل النبيّ إيليّا في وضعيّات مختلفة، ومن أجمل هذه الأيقونات واحدة موجودة في كنيسة القدّيس نيقولاوس في طرابلس البلدة. على الأرجح هي من رسم المحترف الذي أسّسه المعلّم ميخائيل بوليخرونيس في لبنان، حيث أمضى وقتًا طويلًا بين لبنان وسورية (1809-1921)، أو هو الذي رمّمها فقط وزادها بهاء ونورانيّة.

إطارها، كما في الرسم ما بعد البيزنطيّ في الشرق، مؤلّف من غصينات مزخرفة ملتفّة حول بعضها البعض. القاعدة ذهبيّة، أمّا الألوان فتتماوج بين الأزرق الغامق للسماء على الزاوية العليا اليمنى وقميص النبيّ تحت مشلحه المذهّب. هو جالس في عربة ناريّة قاعدتها نحاسيّة مزخرفة ودولاب ضخم يحمل تويجيّات حول زهرة الوسط. وجه النبيّ صافٍ ومتنبّه. يحوط به إطار خمريّ اللون يحمل أربعة أحصنة مجنّحة يقود أرسانها ملاك منطلق من ربع طوق أزرق غامق. الأحصنة متوثّبة وكأنّها على عجلة من أمرها لكي تصل إلى هدفها. يحمل النبيّ بيده رداء يرميه إلى النبيّ أليشع تلميذه الذي سينقل النبوءة من بعده. مياه النهر في وسط الأيقونة زرقاء اللون، ومن المحتمل أنّه نهر كريت الذي شرب منه النبيّ قبل أن ينضب.

في أعلى الأيقونة من الجهة اليمنى النار تسقط على الذبيحة المشار إليها برأس ثور أنّها ذبيحة الكرمل. النبيّ راكع يتضرّع والنار متأجّجة فوق رؤوس أنبياء بعل.

في الزاوية السفلى اليمنى النبيّ مع الأرملة وابنها الذي أقامه من الموت. بالقرب منها إيليّا مستلّ سيفه ليتخلّص من أنبياء بعل. ولكن، عندما كان إيليّا في الكهف، علّمه الربّ أن يرفض العنف فظهر له في نسمة خفيفة بعد الزلزال والعاصفة.

من جهة شمال النهر، نرى في الأعلى الغراب يأتيه باللحم والخبز، وإيليّا يحمل كأسًا مذهّبًا ويبارك أليشع. وفي الأسفل الملاك يعطيه طعامًا لكي يتابع مسيرته. أمام ذبيحة الكرمل الشعب ينصت إلى كلام إيليّا. وعن يسار النهر إيليّا يبارك أليشع بعد أن ترك أبقاره وراءه.  n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search