2017

3. المتروبوليت إيليّا (صليبا) (حماة) أمام الديّان - شفيق حيدر – العدد الرابع سنة 2017

 

 

 

المتروبوليت إيليا (صليبا) حماة

 

أمام الديّان

 

 

 

من الكورة اللبنانيّة إلى حماة السوريّة

في تاريخ أنطاكية الحديث، تبقى أبرشيّة حماة جسرًا يمتّن وحدة كنيسة أنطاكية وسائر المشرق. ولمّا انتخب المجمع المقدّس الأسقف إيليّا (صليبا) راعيًا على أبرشيّة حماة وتوابعها، منذ ثلاثة وثلاثين عامًا، انتخبه خلفًا للمطران أثناسيوس (سكاف) ابن عيتا الفخّار اللبنانيّة، وقبله المطران إغناطيوس (حريكي) ابن بترومين اللبنانيّة أيضًا. الكرسيّ الأنطاكيّ كنيسة واحدة، وأبناؤها يعجنهم الروح واحدًا أيضًا. لا تمييز في ما بينهم ولا تفريق، لا في السرّ ولا في العلن. ربّما ترغب دوائر السياسة واللاعبون في الأمم تمزيقَ الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة ورصفَ أبنائها بحسب جنسيّاتهم. هذا شأن الساسة، ولكنّ شأننا نحن الذين دعينا مسيحيّين أوّلاً في أنطاكية (أعمال الرسل11: 26) أن نتصدّى للتفتيت، ونتشبّث بالوحدة. إنّ كلّ شقاق هو من الشيطان.

وثمّة محاولة سابقة عرفناها إثر انتقال المطران بولس (بندلي) (عكّار).  والمحاولة سعت إلى تقسيم الأبرشيّة بين سورية ولبنان. باءت المحاولة بالفشل بقوّة الروح القدس. وبقيت عكّار أبرشيّة واحدة موحَّدة، وللَّه الشكر.

وما نسمعه اليوم لغة غريبة عن تراثنا، تساير التخريب والتفتيت. نسمع هذا إكليريكيّ لبنانيّ، وهذا سوريّ وهذا مكسيكيّ... إلى أين سنصل، والبوصلة معطّلة، والأفق ملبّد، والفرديّة مالكة مستحكمة، والقوانين الضابطة حبر على ورق وهي معطّلة مهجورة؟

المطران إيليّا (صليبا) الأنطاكيّ

المطران الراحل من مواليد كفرصارون السنة 1924. ساعد على تربيته،  وقد تيتّم وهو ابن سنتين، خالُه الطبيب الدكتور ملحم أسود، الأديب المعروف شارح ديوان الشاعر العبّاسيّ أبي تمّام: »بدر التمام قي شرح ديوان أبي تمّام«.

مشوار تحصيله العلميّ بدأ في إكليريكيّة دير سيّدة البلمند، ثمّ إلى دير النبيّ إلياس شويّا البطريركيّ، ومنه إلى البطريركيّة في دمشق. ولمـّا حصل على الشهادة الثانويّة هناك درس الحقوق في جامعة دمشق. ومن ثمّ حصّل علومه اللاهوتيّة في معهد خالكي (بطريركيّة القسطنطينيّة).

وعمل في الإدارة والتعليم والقضاء الروحيّ في البطريركيّة، مع البطاركة ألكسندروس (طحّان) وثيوذوسيوس (أبو رجيلي) وإلياس (معوّض) وإغناطيوس (هزيم). كما عاون، لفترة، المطران فيليب (صليبا) في أبرشيّة نيويورك وسائر أميركا الشماليّة. درّس في معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللاهوتيّ في جامعة البلمند، وفي معهد القدّيس فلاديمير في نيويورك. انتخبه المجمع المقدّس السنة 1966 أسقفًا والسنة 1984 مطرانًا على حماة.

شهادة

عرفته أرشمندريتًا في البطريركيّة بدمشق، معاونًا للبطريرك ثيوذوسيوس (أبو رجيلي)، ومرافقًا إيّاه أثناء مرضه في مستشفى القدّيس جاورجيوس في بيروت. عملنا معًا، وكنّا في مستهلّ الشباب، لاختيار أسقف حسب قلب اللَّه لأبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما، بعد انتقال مطرانها بطريركًا إلى دمشق. عرفته أسقفًا وكيلاً بطريركيًّا ولاهوتيًّا وقانونيًّا، كنّا نرجع إليه واثقين بإخلاصه لأحكام العقل والقانون ونصوصه وروحه.

وفي السنة 1971، يوم أوكل إليّ المطران إلياس (قربان) أمر إدارة مدرسة مار إلياس، خبرته رجل القرار المدافع عن الحقّ والتقيّد بالأصول والقوانين. ولي معه جولات تعلّمت منها الكثير.

ومطرانًا لأبرشيّة حماة رعى بالحبّ أبناءه. والحبّ عنده يترجم ثقته بالأبناء وقد حملهم على الانفتاح، ولم يخف عليهم من أيّ جديد، ولم يؤمّم عندهم الفكر ويحبس الأنفاس.

يغادر دنيانا مطران حماة الضليع من القانون والحقّ الكنسيّين وفي قلبه غصّتان:

الغصّة الأولى على حماة وجوارها يضربها النار والحديد، ويلقى فيها الأطفال والنساء والأبرياء الموت والعراء والجوع والتهجير.

والغصّة الثانية على الكرسيّ الأنطاكيّ حيث لا قوانين تطبّق ولا أصول مرسومة تراعى. اشتُرِعَت القوانين منذ عقود وأُهمِلَتْ. أُقِرّت ونُقِّحَت ومن ثَمَّ هُمِّشَت وتُرِكَت في الأدراج.

تحمل سيّدي إلى الديّان اليوم الودَّ الصادق والإخلاص الأكيد والصداقة الصحيحة. أُودِّعك على رجاء أن تتبدّد الغصّتان فيعود الهناء والسلام والطمأنينة إلى حماة وسورية كلّها. وتخضع الأبرشيّات الأنطاكيّة كلّها لأحكام قانون وضعه آباؤها ونسوه، وفاتهم أنّ القانون يقوّي الوحدة ويزرع السلام ويعلّم الجماعة ويحمل على التواضع. l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search