تأمّلات في الرجوع إلى المحبّة الأولى-٣
ريمون رزق
الوثائق الحركيّة
لا بدّ أيضًا من مراجعة الوثائق الحركيّة التالية التي أصدرتها المؤتمرات الحركيّة أو نُشرت في مجلّة النور للتمعّن في ما ألهمه الروح في المسيرة الحركيّة لتقصّي ما أسقطته منها خطايانا، وإعادة تفعيل ما يستحقّ إحياؤه أو تعديله لأخذ الأوضاع الراهنة بالاعتبار.
- شرح مبادئ الحركة (جورج خضر، 1950): في أنطاكية تتجدّد - شهادات ونصوص، منشورات النور، 1992، ص. 59-77.
- الحركة والطائفة (الأخ يوحنّا - جورج خضر، 1953): المرجع عينه، ص. 116-124.
- برنامجنا هو المسيح (الأخ يوحنّا - جورج (خضر)، 1953): المرجع عينه، ص. 125-131.
- الرؤية الحركيّة (الأب جورج (خضر)، 1959): المرجع عينه، ص. 144-149.
- الالتزام (كوستي بندلي، 1960): المرجع عينه، ص. 153-166.
- الحركة والنهضة الأرثوذكسيّة (الأب جورج (خضر)، 1963): المرجع عينه، ص. 181-190.
- لاهوت الحركة (الأب جورج (خضر)، 1961): المرجع عينه، ص. 204-216.
- الحركة في حياتها الداخليّة (كوستي بندلي، 1962): المرجع عينه، ص 217-238.
- في التزام شؤون الأرض (أعدّ النصّ شفيق حيدر وصدر عن المؤتمر الحركيّ الثاني عشر، 1970): المرجع عينه، ص. 294-297.
- العمل الرعائيّ (المؤتمر الحركيّ الثاني عشر، 1970): المرجع عينه، ص. 298-304.
- الإعلام (المؤتمر الحركيّ الثالث عشر، 1972): المرجع عينه، ص. 305-316.
- سياسة العمل المسكونيّ (المؤتمر الحركيّ الثالث عشر، 1972): المرجع عينه، ص. 317-324.
- المدّ الحركيّ (المؤتمر الحركيّ الثالث عشر، 1972): المرجع عينه، ص. 325-328.
- الشباب الأرثوذكسيّ اليوم (تقرير مرفوع إلى المجمع المقدّس، جورج نحّاس، 1981): المرجع عينه، ص. ٣٧٠-٣٨١.
- من أهمّ أهداف حياتنا المسيحيّة أن نعيش في حضرة اللَّه الدائمة (المؤتمر الحركيّ الرابع عشر، ريمون رزق، 1974): المرجع عينه، ص. 403-414.
- الكهنوت والرعاية (شفيق حيدر، صدر عن المؤتمر الحركيّ الثامن عشر، 1985،): المرجع عينه، ص. 456-475.
- هويّة الحركة في الانفتاح (شفيق حيدر، صدر عن المؤتمر الحركيّ السادس والعشرين، 1994): مجلّة النور، السنة الخمسون، العددان الخامس والسادس، ص. 211-218.
- خطّة عمل للكنيسة الأنطاكيّة (جورج نحّاس، 1996): مجلّة النور، السنة الثانية والخمسون، العدد التوثيقي، ص. 107- 119).
- تحدّيات القرن الآتي (ريمون رزق، 1996): مجلّة النور، السنة الثانية والخمسون، العدد التوثيقيّ، ص. 25-56.
- نحو وحدة المسيحيّين (ألبير لحّام، 2001): مجلّة النور، السنة السابعة والخمسون، العدد الخامس (الملحق)، ص. 16-21.
- الالتزام الاجتماعيّ في رؤيتنا الإيمانيّة (رينه أنطون، 2002): مجلّة النور، السنة الثامنة والخمسون، العدد الأوّل، ص. 23-26.
- الحركة وتحدّيات الحاضر (أسعد قطّان 2002): مجلّة النور، السنة الثامنة والخمسون، العدد التاسع، ص. 498-501.
- الأرثوذكسيّة والتعدّديّة الدينيّة (ألبير لحام، 2002): مجلّة النور، السنة الثامنة والخمسون، العدد الثامن، ص. 400-407 والسنة التاسعة والخمسون، العدد الأوّل، ص. 13-18.
- رسالة إلى المجمع الأنطاكيّ المقدّس (الأمانة العامّة 2004): مجلّة النور، السنة الستّون، العدد الثامن، ص. 400-410.
- العضو الحركيّ عضو في الكنيسة أوّلاً (الأب إلياس (مرقس)، 2006): مجلّة النور، السنة الثانية والستّون، العدد الثاني، ص. 67-69.
لا بـدّ مـن أنّه يوجد عدد آخر من النصوص التي صدرت بعد ذلك والتي تستحقّ الإدراج ضمن هذه اللائـحـة، لـكـن لـم يـتسـنّ لـي رصدها، وأرجو أن يقوم أحـد بهـذا الـعمــل كيـلا يسقط من هذا التأمّل ما ألهمه الـروح لشبــاب (وكــهـول) مــرحلــة العشر سنوات الأخيرة.
سيكون من المفيد جدًّا بعد إكمال هذه اللائحة أن يُلخّص مضمون هذه الوثائق والنصوص، ويُبوّب لتبيان من جهة استمراريّة الفكر الحركيّ ومن جهة أخرى إطلالات الروح الجديدة.
محطّات للتفكير
في حاضر الحركة ومستقبلها
بعد 75 سنة من الانطلاقة الأولى لا بدّ من الإتيان بأفكار ومشاريع جديدة تحيي الإيجابيّ من القديم وتؤسّّس لانطلاقة متجدّدة. لا يجوز أن نكتفي بالتعلّق بالماضي »المزعوم مجيدًا« ونلجأ إلى تكرار صيغ وأساليب نعتبرها »مقدّسة« لمجرّد قدمها. علينا مساءلة أنفسنا وصيغنا وأساليبنا، والاتّكال على روح الربّ الفاعل فينا، إن أردناه أن يفعل وسلّمناه القيادة، ليجعلنا نبتكر أساليب وصيغًا جديدة كفيلة بتلبية الرسالة التي دُعينا إليها في أوضاع عالميّة تتغيّر باستمرار.
لا بدّ إذًا من »فتك الحجب« في الحركة التي تمنع الناس من أن يشاهدوا وجه يسوع المجيد والدامي في آن. شكّلت الانطلاقة الحركيّة الأولى ثورة حقيقيّة على المستوى الشخصيّ والطائفيّ والكنسيّ في أرض أنطاكية. لكنّ كلّ الثورات تتمأسّس بعد حين، وتخمد حدّتها مع الوقت، والذين ساءلوا أوضاع الغير عادوا لا يسائلون أوضاعهم. من طبيعة كلّ تجمّع بشريّ أن يفقد من تأجّج رؤيته الأصليّة، وتجسّد هذه الرؤية في أساليب وأطر تنظيميّة وُضعت مبدئيًّا للحفاظ عليها، لكنّها إن لم تُسائل باستمرار، تنتهي إلى دفنها، رغم ترداد معالمها.
سأسعى، في ما يلي، إلى مساءلة أوضاعنا على مستويات الحركة والكنيسة الأنطاكيّة والشهادة في العالم.
مستوى الرؤية الحركيّة
- هويّتنا على أرض الواقع: هل من ابتعاد عن المحبّة الأولى؟
ماذا يُقال فينا؟
كيف ينظر معظم الناس إلى الحركة؟ حبّذا لو كان بالإمكان استطلاع رأي الأرثوذكسيّين فيها. كثيرون لا يعرفون شيئًا عنها ولا يعرفون حتّى اسمها. تنحصر معرفة آخرين في كونها جمعيّة أرثوذكسيّة موجودة في بعض الأبرشيّات بدون معرفة مهامّها ونشاطاتها. ويدرك الممارسون من أبناء الكنيسة، بخاصّة في الأبرشيّات حيث تنشط الحركة في الرعايا، أنّها ليست جمعيّة كسائر الجمعيّات، وأنّها تقوم بعمل تعليميّ. أمّا غالبيّتهم فيعتبرونها جمعيّة »تعلّم الأولاد« والشباب وتقوم ببعض النشاطات الثقافيّة والاجتماعيّة. قلّة من هؤلاء، غالبًا الذين يقرأون مجلّة النور، أو هم على قربى من بعض الحركيّين، يفقهون أنّها تصبو إلى أكثر من ذلك. وكذلك تختلف الآراء حول نوعيّة علاقة الحركة بالبنى الكنسيّة. فالبعض يشعرون أنّها »فوقيّة« تعتبر أنّها تملك الحقيقة دون سواها، ويعتبرها آخرون كنيسة ضمن الكنيسة، تسعى إلى وصول أعضائها إلى الأسقفيّة »لتسيطر« على الإدارة الكنسيّة. والبعض الآخر يعتبرها متحالفة مع هذه الإدارة والإكليروس »للسيطرة« على العباد. يحبّها البعض (أو يكرهونها) لارتباطها ببعض الأشخاص الذين يحبّون أو يكرهون. قلّة عزيزة من الشعب الأرثوذكسيّ يعرف مراد الحركة الحقيقيّ، علمًا أنّ قسطًا منهم يعتبر أنّها حادت عن القصد الأساس وما بقيت تحمل راية الإصلاح والنهضة كما فعلت طويلاً، وأنّ هذه الراية انتزعها منها الأساقفة أو الكهنة أو الأديار التي ساهمت في إيجادهم.
كيف يعي الحركيّون الحركة؟
ربّما كانت الأجوبة أصعب لو استطلعنا رأي الحركيّين في الحركة. ولا من بدّ أن نفعل ذلك، إن أردنا فحص الضمير.
لا بدّ من أنّ كثيرين في كلّ المراكز يعون الحركة على حقيقتها، ويسعون إلى أن يعيشوا الحياة في المسيح بتواضع والتزام. لن أتكلّم هنا على هؤلاء مكتفيًا بالابتهال إلى اللَّه كي يحفظهم وينمّيهم، لينقلوا الشعلة التي تعهّدوا أن يحملوها إلى الأجيال الآتية.
تساؤل حول منظمّات الطفولة
أكثريّة أعضاء الحركة منشغلة في العمل في منظّمات الطفولة، ولا تعرف إطارًا للحركة خارجها. مراكز حركيّة بكاملها تعتبر الحركة مكتبًا للتعليم الدينيّ أو مدارس الأحد، كما لا تزال تُدعى أحيانًا في سورية. يوجد فيها فرق تضمّ الشباب لكنّها غالبًا دراسيّة تقويّة بعيدة كلّ البعد عن منطلقات الحركة الأولى في الإصلاح الشخصيّ والجماعيّ. إذا كان همّنا الأوّل التعليم، لا بدّ لنا من أن نلاحظ أنّ مصادر التعليم في أنطاكية تعدّدت وأنّ الأوضاع تغيّرت جذريًّا جزئيًّا بفضل الحركة عمّا كانت عليه في الماضي، إذ يوجد الآن كهنة ورهبان ورعون مثقّفون وكتب كثيرة وضعت معظمها الحركة، يمكن أن يتّجه الناس إليهم بدون العودة إلى الحركة، التي كانت طوال قسم كبير من مسيرتها المصدر شبه الوحيد للمعرفة الأرثوذكسيّة في ديارنا. مع ذلك يتعلّق معظم الحركيّين، ربّما لا شعوريًّا، بصفتهم التعليميّة، ويعتبرون تعدّيًا عليهم (ومزاحمة) كلّ تعليم يقوم به سواهم.
تساؤل حول الفرق الحركيّة
من المفترض أن يكون جميع الحركيّين منتمين إلى فرق هي الركيزة والأهمّ للوجود الحركيّ. يعتبر جورج معلولي بحقّ أنّ الفرقة الحركيّة هي »الاختراع« الحركيّ الأبرز و»الأمين لحياة الكنيسة الأولى ولطبيعة البشر«. يُفترض للفرق أن تكون مطارح للتلمذة على معرفة الربّ يسوع واكتساب فكره والتخلّق بأخلاقه، واختبار تربية مسيحيّة حقّ متمحورة حول الالتصاق بالربّ والمحبّة الفاعلة والأخوّة الحقيقيّة في جماعة صغيرة تدعو أعضاءها إلى التأهّب لخدمة الجماعة الأوسع.
مَن يقرأ التقارير المرفوعة إلى المؤتمرات الحركيّة في السنوات الأخيرة يلاحظ تكرار الشكوى من ضعف الإرشاد وتفاقم الطابع المدرسيّ الدراسيّ على نهج عدد من الفرق الحركيّة، وتراجع دور الفرقة كمختبر لاكتشاف الربّ، والحياة فيه والمحبّة الأخويّة والتعاضد الفعليّ مع كلّ »أخوة« يسوع. إن لم يُعط للعضو الحركيّ أن يختبر حلاوة الحياة في المسيح مع أترابه في الفرقة، وإن لم يتناوله معهم أثناء الخدم الإلهيّة، وإن لم يتفحّص معهم كلمات الإنجيل بشغف سعيًا وراء تطبيقه معهم على أرض الواقع، هذا العضو، رغم نشاطه والحماس الذي يتّسم به، يتّخذ صفة العضويّة الحركيّة زورًا! و»المرشد« الذي لا يعطي من دمه من أجل أعضاء فرقته، ولا يدرك أنّه مسؤول عن مصيرهم، ليـس إلاّ، ولا بـدّ لـه مـن أن يتمـثّل بالمسيح في حياته ليتمكّن من نقله إليهم، هذا »المرشد« لا يستحقّ أن »يتلمذ« أحدًا!
أعرف أنّ كلّ الفرق في الحركة لا تسلك على هذا النهج. وعلينا أن نشكر اللَّه على التي لا تزال »تخرّج« أخوة حقيقيّين ليسوع ولبعضهم البعض، تنجرح قلوبهم أمام الصعوبات التي تمرّ بها الكنيسة والمآسي التي تعمّ العالم، يمارسون الجهاد الشخصيّ ليكونوا بأقوالهم وأفعالهم شهودًا لمحبّة المسيح للجميع.
تساؤلات ملحّة أخرى
مع ذلك ومع الاعتراف باستمراريّة إطلالات الروح في عددٍ من شبابنا وأفعالنا، يعى بعضنا أنّنا ننزلق أحيانًا بعيدًا عن محبّتنا الأولى المتمثّلة بما ذكرنا في تأمّلاتنا السابقة من أقوال إنجيليّة وأقوال المؤسّّسين. ما سوف نقوله هنا من تساؤلات حول الأوضاع الحركيّة ينطبق غالبّا على كلّ المؤسّّسات الكنسيّة، حبّذا لو كان لديها الشجاعة والشفافيّة لطرحها بوعي وصراحة بغية معالجتها.
- ما عدا مبادرات يتيمة هنا وهناك، لا يثق قادة الحركة بما فيه الكفاية بدور الشباب ويقومون بعامّة بـ»قصّ جوانحهم«، ناسين أنّ مؤسّّسي الحركة كانوا في الثامنة عشرة من عمرهم، وأنّ رؤساء مراكز وأمناء عامّين كثيرين مارسوا مهامّهم قبل بلوغ الثلاثين، وناسين بخاصّة أنّ ثمّة موهـبة للشبـاب فـي »تحـريـك« الأمـور لأنّهم »أقوياء« وعلينا مساعدتهم على أن تقيم »كلمة اللَّه فيهم ويغلبوا الشرّير«. نحن اليوم بحاجة ماسّّة إلى الشباب في قيادة الحركة. نحن بحاجة إلى حماسهم واندفاعهم وتساؤلاتهم وانتقـاداتـهـم للأوضاع الموروثة التي تتآكلها »غبار« خطـايانـا. لا يحـبّ الشبـاب الرتـابـة، بـل يتفاعل مع كلّ رؤية جريئة وهدف صعبٍ ويسعى إلى »نقل الجبال«. وإذ اشتعـل قلبـه، يُشعـل بدوره قلوب أترابه. يريد الشباب اقتحام العالم ليس إلاّ، وجعله أكثر عدالة وسلامًا ومسؤوليّة.
- مع أنّ الحركة تدعو جميع أعضائها إلى التكريس الكلّيّ للربّ في العالم وعبر الكهنوت أو الرهبنة، (وقد تكرّس فعلاً العديد من أعضائها)، نتج من عدم اضطلاع الشباب بالمسؤوليّات وضعف الهمّ الكنسيّ لديهم تقهقر عدد الذين يلتزمون في الخدمة الكهنوتيّة أو الرهبانيّة. يساعد على ذلك تفشّي جوّ الـ»نحن« والـ»هم« الشائع في بعض الأوساط. وربّما خبرة التعامل الصعبة والأليمة مع عدد من الحركيّين القدامى الذين سلكوا درب الأسقفيّة والكهنوت. وأيضًا الثرثرة المتزايدة في بعض الأوساط حول »عاهات« بعض أعضاء السلك الكهنوتيّ الأخلاقيّة والطريقة غير اللائقة التي يُعامَل بها الكهنة من قبل رؤسائهم. لكن كلّ هذه الأسباب ليست سوى اعتبارات أهل هذا العالم، وتنسى دعوة يسوع إلى الشابّ الغنيّ (وكلّ شاب غنيّ بإمكاناته) أن يترك كلّ شيء ويتبعه. كيف لنا أن نجعل شبابنا يسمعون أكثر هذا النداء؟!
- لا بدّ من ملاحظة تمأسّس الحركة وطغيان الروح الإداريّة أحيانًا على العلاقات بين الأفراد والفروع. يعتبر كثيرون من القائمين على الحركة أنّ عليهم أن يصونوا »الماكنة« الحركيّة، كما تسلّموها. من هنا صرامة التنظيم وكلّ تنظيم حميد إن لم يتعدّ صفته أنّه مجرّد آلة لتسهيل العمل ومزيد من الضوابط على التعبير العفويّ الحرّ. ألا نعي أنّ المغالاة في المأسسة تأخذ الروح القدس رهينة وتعبّر عن خوفنا من هبوبه »خارج (ما نعتبره) الطريق السويّ«؟! تكون كلّ حركة نبويّة بقدر ما تفسح المجال لروح اللَّه بأن يهبّ بحرّيّة في وسطها.
- ازدياد الخوف من كلّ جديد أو مجهول، والإسراع في تكفير مَن يسلك طرقًا جديدة، ما يشير بوضوح إلى تقهقر الاتّكال على الربّ والثقة بفاعليّة روحه فينا. لا يجابَه الجهل والنزعة إلى التكفير، المتزايدة في أوساطنا الكنسيّة، بنزعة مماثـلة إلى تكفير المكفّرين، بل بالمـحبّة وطـول الأناة اللذين هما السلاحان الوحيدان المتاحان لنا، شئنا أو أبينا.
- تقهقر همّ البشارة. الويل لنا إن اقتصر همّنا البشاريّ على مَن يأتي إلى الحركة أو يؤمّ الرعيّة! ننسى أنّ الحركة انوجدت لتدعو »سائر أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة« إلى النهضة. نعرف أنّ مَن يؤمّ كنائسنا لا يتعدّى العشرة في المائة من شعبنا. فهل تساءلنا أين هي البقيّة؟ أندرك أنّ قسطًا غير ضئيل من هذا الشعب يُمارس في كنائس أخرى ويضطلع فيها بمسؤوليّات. قيل لي إنّ ذلك صحيح بخاصّة بالنسبة إلى الشباب. أندرك أنّ معظم شبابنا الملتحقين بالمدارس غير الأرثوذكسيّة ينمون بدون معرفة أيّ شيء عن تراثهم؟ هل سعينا إلى الاتّصال بهم وإقناعهم بأنّ أمّهم بحاجة إليهم؟ يضمّ القسط الأكبر من غير الممارسين في الكنيسة الأرثوذكسيّة الذين ابتعدوا عن الحظيرة لاختلاف بالرأي أو ضعف في الرعاية أو مواقف عقائديّة وإيمانيّة أخرى. هؤلاء هم مسيحيّون بالاسم، هذا إن لم يكونوا قد تخلّوا أيضًا عن هذا الاسم في الأعماق. معظمهم متعلّق بالطائفـة الأرثوذكسيّة ومتعصّب لها ولا تزال تربطه بالكنيسة تقاليد ومشاعر وربّما وجاهات. وعدد منهم يتكاثر عاد لا تهـمّه لا الطائفـة ولا الكنيسـة ولا شـؤونهما. يمكـن أن يكون يسوع قد طرق باب قلب بعضهم ودخلها في سرّه. لكن لا أحد من »أخوته« يطرق هذا الباب. لم يدخل هؤلاء جميعًا في مظلّة معظم الأبرشيّات الرعائيّة. هي أيضًا تهتمّ بمَن يطرق بابها، وتعتبر أنّ مَن لا يأتي هو المسؤول عن غيّه. منَ سيبني جسورًا مع هؤلاء. ألهمنا اللَّه في بداءة الانطلاقة الحركيّة إلى تعليم الأولاد والشباب لأنّه لم يوجَد أنذاك أحد يعلّمهـم. أمّا اليـوم، فيدعونا بنظري إلى إيصال البشارة السارّة إلى كلّ هذه الفئات التي كادت تقطع كلّ صلة مع كنيسة اللَّه.
تساؤلات
في ما كنت أكتب هذه الملاحظات غمرتني تساؤلات أليمة ومصيريّة تحاكي أوضاعي الخاصّة والجماعة الكنسيّة التي أسعى أن أنتمي إليها، شئت أن أدوّنها هنا، علّها تساعد الغير على مراجعة أوضاعه. أمّا هذه التساؤلات، فهي التالية:
- هل أنا تلميذ حقيقيّ ليسوع، وهل لي علاقة شخصيّة معه وأسعى إلى التخلّق بأخلاقه، وهمّي الأبرز ألاّ يستحي هو بي؟
- هل الجماعة التي أنتمي إليها جماعة إنجيليّة بفكرها وتصـرّفاتـها ومناقبيّتها وخدمتها وعلاقاتها، وهل هي جماعة تائبين يصفح أعضاؤها لبعضهم البعض وللآخرين، لأنّهـم يعرفون أنّ الربّ يتوب إليهم إذا تابوا إليه وإلى أخوته؟
- هل يمتنع أعضاء هذه الجماعة (الحركة والرعيّة) عن دينونة الآخرين؟ هل يعتبرون بالحقيقة كلّ الناس أخوة لهم؟ هل هم مستعدّون ليكون »كلّ شيء (بينهم) مشتركًا« (أعمال 2: 44)، كما فعل المسيحيّون الأوائل؟
- أيعتقدون أنّ »الخبز الذي أحتفظ به يخصّ الجائع« (باسيليوس الكبير)، وهل هم مستعدّون لأن يغسلوا رجليه، كما فعل السيّد؟
- هل يحملون حقًّا همّ الكنيسة، ويتمزّقون للعاهات التي تعتري رجالها وبناها؟ وهل يعتبرون أنّهم مشاركون في مسؤوليّة إيجادها؟
- هل يشاركون الرسول في القول: الويل لي إن لم أبشّر، وهل هم حقًّا شهود ليسوع في مجتمعهم وفي العالم؟
- يشبه وضع عالم اليوم إلى حدّ كبير الذي ساد أيّام المسيحيّين الأوائل، فهل نحن قادرون على مواجهته على شاكلتهم؟ بالثورة على أنفسنا وعاداتنا لنستعيد محبّتنا الأولى، ونعود فنشهد لاسم يسوع دون سواه.l