المجمع الأرثوذكسيّ الكبير-٦
الكنيسة الأرثوذكسيّة وقضيّة المسيحيّين
جورج غندور
قام المؤتمر التمهيديّ الثالث في العام 1986 بإصدار وثيقتين تتناولان البندين المذكورين، ترسمان الإطار اللاهوتيّ العامّ الذي يرعى الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسيّة والكنائس المسيحيّة الأخرى، وتوضحان دور الكنيسة الأرثوذكسيّة في الحركة المسكونية(١).
قامت اللجنة التحضيريّة الخاصّة التي انعقدت ما بين شباط 2014 ونيسان 2015 بمراجعة هاتين الوثيقتين ودمجهما في الوثيقة التالية، التي سيكون على المؤتمر التمهيديّ الخامس المنعقد في تشرين الأوّل 2015 إقرارها وإضافة الجزء المتعلّق بموقف الكنائس من الحوارات القائمة إليها. أمّا الوثيقة المذكورة، فتنصّ:
علاقة الكنيسة الأرثوذكسيّة
بالعالم المسيحي(٢)
إنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة، لكونها الكنيسة الواحدة، المقدّسة، الجامعة والرسوليّة، تعتقد بحزم، في وجدانها الكنسيّ العميق، بأنّها تحتلّ مكانة مركزيّة في سبيل التحفيز على وحدة المسيحيّين في عالم اليوم.
أرست الكنيسة الأرثوذكسيّة وحدة الكنيسة على واقع أنّ منْ أسَّّسها هو سيّدنا يسوع المسيح، كذلك على الاتّحاد في الثالوث القدّوس وفي الأسرار. تعبّر هذه الوحدة عن نفسها عبر التسلسـل الرسولـيّ والتقليـد الآبائيّ، وقد تمّ ضمنه العيش فيها إلى يومنا هذا. رسالة الكنيسة الأرثوذكسيّة وواجبها نقل كلّ الحقيقة، المتضمّنة في الكتاب المقدّس وفي التقليد المسيحيّ المقدّس، والذي يعطي الكنيسة طابعها العالميّ.
قامت المجامع المسكونيّة بالتعبير عن مسؤوليّة الكنيسة الأرثوذكسيّة، كذلك الأمر عن رسالتها المسكونيّة، في ما يخصّ وحدة الكنيسة. أكّدت هذه المجامع بشكل خاصّ على الرابط الذي لا تنفصم عراه والذي يربط بين الإيمان الحقيقيّ ووحدة المناولة الأسراريّة.
كانت الكنيسة الأرثوذكسيّة، التي تصلّي باستمرار »من أجل وحدة الجميع«، ترعى دومًا الحوار مع هؤلاء الذين ذهبوا، بعيدًا وقريبًا، حتّى إنّها قادت البحث المعاصر عن طرائق ووسائل، في سبيل إعادة وحدة المؤمنين بالمسيح، وشاركت في الحركة المسكونيّة منذ ولادتها وساهمت في صياغتها وفي ديمومة تنميتها مستقبلاً. إضافة إلى ذلك، بفضل الفكر المسكونيّ والـمُحِبّ للإنسانيّة الذي يميّزها، وحسب الأمر الإلهيّ »الذي يريد أنّ جميع الناس يخلُصون وإلى معرفة الحقّ يُقبِلون« (1تيموثاوس 2: 4)، كانت الكنيسة الأرثوذكسيّة تُناضل دومًا من أجل إعادة الوحدة المسيحيّة. هكذا إذًا، لا تسير المشاركة الأرثوذكسيّة في الحركة المسكونيّة مطلقًا ضدّ طبيعة الكنيسة الأرثوذكسيّة وتاريخها، ولكنّها تشكّل التعبير الناتج من الإيمان والتقليد الرسوليّ ضمن شروط تاريخيّة جديدة.
تعتمد حوارات الكنيسة الأرثوذكسيّة اللاهوتيّة الحاليّة الثنائيّة الجانب، وكذلك الأمر مشاركتها في الحركة المسكونيّة، على العقيدة الوجدانيّة ذاتها للأرثوذكسيّة وعلى فكرها المسكونيّ بهدف البحث عن الوحدة الضائعة للمسيحيّين، على قاعدة إيمان الكنيسة القديمة في المجامع السبعة المسكونيّة وتقليدها.
تعترف الكنيسة الأرثوذكسيّة بالوجود التاريخيّ للكنائس والطوائف المسيحيّة الأخرى التي ليست في وضعٍ متناغمٍ وحدويّ معها، ولكنّها تعتقد أيضًا أنّ علاقاتها التي تقيمها مع هذه المذكورة أخيرًا يجب تأسيسها على إيضاح كلّ المسألة الإكليزيولوجيّة، وبشكل أكثر خصوصيّة، على إيضاح التعليم العامّ الذي تُبشّر به هذه الكنائس والطوائف في ما يتعلّق بالأسرار والنعمة والكهنوت وتسلسل الرسوليّ، وذلك بأسرع وقت ممكن وبأعظم موضوعيّة ممكنة. هكذا، ولأسباب لاهوتيّة ورعائيّة على السواء، يُفترَض بالكنيسة الأرثوذكسيّة، بالشكل الأنسب، المشاركة في كلّ حوار لاهوتيّ مع مختلف الكنائس والطوائف المسيحيّة، وبشكل أعمّ، المساهمة في الحركة المسكونيّة المعاصرة، ضمن القناعة بأنّها تجلب من خلال الحوار، إلى كلّ الذين هم خارجها، شهادةً ديناميّة على ملئها وعلى أنّ الحقيقة هي في المسيح وعلى كنوزها الروحيّة، وذلك بهدف تمهيد الطريق المؤدّية إلى الوحدة.
ضمن هذا الفكر، تُشارك كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة اليوم بفعاليّة في الحوارات اللاهوتيّة الرسميّة، وتُشارك غالبيّتها في مختلف الهيئات المسيحيّة المشتركة، الثنائيّة والمتعدّدة الأطراف، وتساهم في مختلف الهيئات المسكونيّة الوطنيّة والإقليميّة والدوليّة؛ وهذا رغم الأزمة العميقة التي عرفتها الحركة المسكونيّة. مصدر هذا النشاط المسكونيّ متعدّد الأبعاد هو في الشعور بالمسؤوليّة وفي القناعة بأنّ التعايش والتفاهم المتبادَل والتعاون والجهود المشتركة نحو الوحدة المسيحيّة هي أمور أساسيّة، لئلا نجعل عائقًا لإنجيل المسيح (1كورنثوس 9: 12).
وفي ما هي تحاور المسيحيّين الآخرين، من البدهيّ ألاّ تتجاهل الكنيسة الأرثوذكسيّة الصعوبات المرتبطة بمثل هذا العمل، بل تتفهّم العقبات التي تعرقل طريق العودة نحو التقليد المشترك للكنيسة القديمة الواحدة، وهي تأمل أن يقوم الروح القدس، الذي يشكّل مؤسّّسة الكنيسة بأكملها، (استشيرات صلوات الغروب في العنصرة) بسدّ الحاجات (طِلبة الرسامة). بهذا المعنى، وخلال الحوارات اللاهوتيّة تلك، كذلك الأمر في إطار مشاركتها في الحركة المسكونيّة، لا تعتمد الكنيسة الأرثوذكسيّة فقط على القوى الإنسانيّة التي يتمتّع بها مَنْ يقومون بهذه الحوارات، ولكنّها تعتمد أيضًا على حماية الروح القدس وعلى نعمة الربّ الذي صلّى ليكون الجميع واحدًا (يوحنا 17: 21).
الحوارات الثنائيّة اللاهوتيّة الحاليّة، التي أعلنتها المؤتمرات الأرثوذكسيّة العامّة، هي تعبير عن القرارات التي اتّخذتها، بالإجماع، كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، التي من واجبها الأسمى المشاركة بفعاليّة وباستمرار في إتمامها؛ وهذا بهدف عدم وضع عقبات أمام شهادة الإجماع للأرثوذكسيّة في سبيل مجد اللَّه الثالوثيّ. تجري الحوارات بمبادرة من البطريركيّة المسكونيّة، على شكل لجان معيّنة من الكنائس الأرثوذكسيّة. وفي حال لم تقرّر الكنيسة تعيين موفدين عنها -لحضور أحد الحوارات أو لجمعيّة عامّة محدّدة- فإنْ لم يتمّ اتّخاذ هذا القرار على الصعيد الأرثوذكسيّ العامّ، فالحوار يستمرّ. مهما كانت الحال، قبل افتتاح الحوار أو الجمعيّة العامّة الـمُشار إليها، فإنّ على غياب إحدى الكنائس الخضوع للنقاش داخل اللجنة الأرثوذكسيّة المعنيّة بالحوار؛ هذا من أجل التعبير عن تضامن الكنيسة الأرثوذكسيّة ووحدتها.
لا يُفترض أن تشكّل الخلافات، التي تبرز خلال المناقشات اللاهوتيّة داخل اللجان اللاهوتيّة المشتركة، سببًا لاستدعاء الموفدين بشكل أحاديّ، أو حتّى لتعليق مشاركة كنيسة أرثوذكسيّة محلّيّة في الحوار بشكل نهائيّ. من حيث المبدأ، يجب تفادي انسحاب أيّ كنيسة من الحوار، وذلك ببذل كلّ الجهود الضروريّة على المستوى الأرثوذكسيّ المشترك لإعادة التمثيل الكامل للكنائس ضمن اللجنة اللاهوتيّة الأرثوذكسيّة المعنيّة بهذا الحوار.
تهدف المنهجيّة الـمُتَّبَعة في انعقاد الحوارات اللاهوتيّة إلى إيجاد حلّ للخلافات اللاهوتيّة الموروثة من الماضي أو للخلافات التي قُيِّض لها الظهور مؤخّرًا، وإلى البحث عن عناصر مشتركة للإيمان المسيحيّ. وتفترض إعلام الجسم الكنسيّ بتطوّر الحوارات المختلفة. وفي حال تعذّر تجاوز خلاف لاهوتيّ معيّن، يستمرّ الحوار اللاهوتيّ بعد تسجيل الخلاف حول المسألة اللاهوتيّة المحدّدة المختلف عليها. يتمّ إعلام كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة بهذا الخلاف، وذلك في سبيل اتّخاذ الإجراءات المناسبة في ما بعد.
من البدهيّ أن يَنشُد جميعُ المشاركين في الحوارات اللاهوتيّة الهدفَ ذاته: ألا وهو إعادة الوحدة، نهائيًّا، ضمن الإيمان الحقيقيّ والمحبّة. ولكن يبقى، مع ذلك، تنظيم الخلافات اللاهوتيّة والإكليزيولوجيّة الموجودة بشكل تراتبيّ وفقًا للصعوبات التي تعترض طريق تحقيق هذا الهدف المحدّد على المستوى الأرثوذكسيّ العامّ. يشار إلى أنّ خصوصيّة المشاكل المرتبطة بالحوارات الثنائيّة المختلفة تتطلّب تمييزًا في المنهجيّة التي يجب اتّباعها بشأن كلّ منها، ولكن، ليس ثمّة تمييزٌ في ما يتعلق بالهدف، لأنّه يبقى هو ذاته بالنسبة إلى جميع الحوارات.
رغم هذا، لا بدّ من تنسيق الجهود بين مختلف اللجان اللاهوتيّة الأرثوذكسيّة المشتركة عندما تقتضي الضرورة، لأنّ وحدة الوجود الإلهيّ غير المنفصمة الموجودة ضمن الكنيسة الأرثوذكسيّة غير المنقسمة يجب أن تظهر وتستعلن في إطار هذه الحوارات.
يتزامن الاعلان الرسميّ عن الانتهاء من أيّ حوار لاهوتيّ مع إنجاز مهمّة اللجنة اللاهوتيّة المشتركة المعيّنة لهذه الغاية؛ حينها، يعرض رئيس اللجنة اللاهوتيّة الأرثوذكسيّة المعنيّة بالحوار تقريرًا على البطريرك المسكونيّ الذي يقوم، بدوره، بالإعلان عن اختتام الحوار بالتوافق أيضًا مع رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة. لا يمكن اعتبار أيّ حوار منجَزًا قبل إعلان نهايته بمثل هذا القرار الأرثوذكسيّ العامّ.
في حال تمّ إنجاز الحوار اللاهوتيّ بنجاح، يجب أن يرتكز القرار الأرثوذكسيّ بإعادة الشركة الكنسيّة على إجماع كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة.
مجلس الكنائس العالميّ هو أحد الهيئات الأساسيّة للحركة المسكونيّة المعاصرة. كانت بعض الكنائس الأرثوذكسيّة من بين الأعضاء المؤسّّسين لهذا المجلس؛ وفي ما بعد، أضحت كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة أعضاء فيه. ولكون مجلس الكنائس المسكونيّ هيئةً مسيحيّة مشتركة، ورغم أنّه لا يضمّ كلّ الكنائس والطوائف المسيحيّة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الهيئات المسيحيّة والهيئات الإقليميّة، فهو يقوم، مثل مؤتمر الكنائس الأوروبيّة ومجلس كنائس الشرق الأوسط، برسالة أساسيّة في تحفيز وحدة العالم المسيحيّ. لقد انسحبت كنيستا جورجيا وبلغاريا الأرثوذكسيّتان من مجلس الكنائس العالميّ، الأولى في العام 1997، والثانية في العام 1998، إذ كان لهما رأي مختلف بالنسبة إلى عمل مجلس الكنائس العالميّ، وانطلاقًا من هذه الواقعة، فهما لا تشاركان في النشاطات المسيحيّة المشتركة التي يقودها مجلس الكنائس العالميّ وهيئات أخرى مسيحيّة مشتركة.
وفقًا لما تمّ إعلانه كما تمّ الإعلان على المستوى الأرثوذكسيّ العامّ (المؤتمر الأرثوذكسيّ العامّ الرابع، 1968)، تشارك الكنيسة الأرثوذكسيّة، المتمثِّلة بالكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة الأعضاء في مجلس الكنائس العالميّ، بشكل كامل ومتساوٍ في هيئة مجلس الكنائس العالميّ، وتساهم بكلّ الوسائل الموجودة بتصرّفها في الشهادة على الحقيقة وفي تحفيز وحدة الكنيسة. استقبلت الكنيسة الأرثوذكسيّة بشكل ملائم قرار مجلس الكنائس العالميّ في العام 1998 بتشكيل اللجنة المخصّصة لمشاركة الكنيسة الأرثوذكسيّة في المجلس بما يتناسب مع السلطة التي تمّ تفويضها للمؤتمر الأرثوذكسيّ المشترك في تسالونيكي في العام 1998. أدّت المعايير التي حدّدتها اللجنة المتخصّصة، والتي كان الأرثوذكسيّون قد اقترحوها وقبِلها مجلس الكنائس العالميّ، إلى تشكيل لجنة دائمة للتعاون والتوافق، وتمّت المصادقة عليها، وتمّ دمجها في النصوص الناظمة وفي النظام الداخليّ للمجلس.
الكنيسة الأرثوذكسيّة، المخلِصة لإكليزيولوجيّتها ولهويّة بنيتها الداخليّة ولتعليم الكنيسة القديمة، وهي تشارك في الوقت ذاته في مجلس الكنائس العالميّ، لا تقبل مطلقًا فكرة المساواة بين الطوائف، ولا يمكنها استيعاب وحدة الكنيسة كتسوية بين الطوائف. بهذا الفكر، لا يمكن للوحدة المنشودة في مجلس الكنائس العالميّ أن تكون مجرّد ناتجٍ من الاتّفاقات اللاهوتيّة بل عن وحدة إيمان الكنيسة الأرثوذكسيّة كما تُعاش ويُحافَظ عليها في سرّ الكنيسة.
تعترف الكنائس الأرثوذكسيّة الأعضاء في مجلس الكنائس العالميّ بالمادّة-الأساس لدستوره التي بموجبها يمكن للكنائس التي تعترف بالربّ يسوع المسيح بصفته اللَّه والمخلّص حسب الكتاب المقدّس، والتي تؤمن بالثالوث، الآب والابن والروح القدس، أن تكون عضوًا فيه. إنّها مقتنعة بعمق بأن الـمُسَلَّمات الإكليزيولوجيّة المتضمّنة في إعلان تورنتو (1950)، الـمُعَنوَن »الكنيسة، الكنائس ومجلس الكنائس العالميّ«، ذات أهمّيّة أساسيّة للمشاركة الأرثوذكسيّة في المجلس المذكور. وعليه فليس مجلس الكنائس العالميّ مطلقًا كنيسة فوق الكنائس، وهو لن يكون كذلك في أيّ حال من الأحوال. ليس الهدف المنشود من مجلس الكنائس العالميّ هو التفاوض بشأن اتّحاد الكنائس، الأمر الذي لا يمكن أن تقوم به إلاّ الكنائس نفسها، وبمبادرة خاصّة منها؛ يتعلّق الأمر بالأحرى بخلق تواصل حيّ بين الكنائس وتحفيز دراسة المشاكل التي تَمسّ الوحدة المسيحيّة ومناقشتها (إعلان تورنتو، 2).
إنّ تعدّد منظور الحوارات اللاهوتيّة التي تقوم بها الكنيسة الأرثوذكسيّة مع الكنائس والطوائف المسيحيّة الأخرى هو أمر محدَّد على قاعدة المعايير العقائديّة للتقليد الكنسيّ المتشكِّل بالفعل (القانون الكنسيّ 7 للمجمع الثاني، و95 للمجمع المسكونيّ الملحق بالمجمعين الخامس والسادس).
تأمل الكنيسة الأرثوذكسيّة تعزيز عمل لجنة »إيمان ونظام«، وتُتابع بأهمّيّة بالغة ما جلبته هذه اللجنة من إضافة لاهوتيّة تحقّقتْ إلى هذا اليوم. وهي تقوِّم إيجابيًّا النصوص اللاهوتيّة التي نشرتها هذه اللجنة، والمساهمة الـمُعتَبَرة التي قدَّمها اللاهوتيّون الأرثوذكسيّون، وهذا ما يمثّل مرحلة مهمّة في الحركة المسكونيّة باتّجاه تقارب الكنائس. مع ذلك، تحتفظ الكنيسة الأرثوذكسيّة ببعض التحفّظات في ما يتعلّق بالنقاط الرئيسيّة المرتبطة بالإيمان وبالنظام الكنسيّ.
تدين الكنيسة الأرثوذكسيّة أيّ محاولة لتقسيم وحدة الكنيسة، التي تحاولها شخصيّات أو مجموعات من الناس، بحجّة الدفاع المفترَض عن الأرثوذكسيّة الخالصة. ووفقًا لما تشهد له كلّ حياة الكنيسة الأرثوذكسيّة، لا يمكن الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسيّ الخالص أو حمايته إلاّ عبر النظام المجمعيّ الذي يشكّل الحاكم المسؤول والنهائيّ في ما يخصّ الإيمان، وذلك ضمن الكنيسة ومنذ القِدَم.
تعي الكنيسة الأرثوذكسيّة تمامًا واقع أنّ الحركة المسكونيّة تأخذ أشكالاً جديدة كي تلبّي متطلّبات الأوضاع الجديدة وكي تواجه التحدّيات الجديدة في العالم الحاليّ. على هذه الطريق، من الضروريّ أن تُقدِّم الكنيسة الأرثوذكسيّة إضافتها الخلاّقة وشهادتها على قاعدة التقليد الرسوليّ وإيمانها. نحن نصلّي من أجل أن تعمل كلّ الكنائس المسيحيّة بعضها مع بعضٍ بشكل مشترك بهدف أن يكون اليوم الذي يُحقِّق فيه الربّ أمل الكنائس قريبًا: »وتكون رعيّة واحدة وراعيًا واحدًا« (يوحنّا 10: 16).
يتّضح ممّا تقدّم، أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة قد خطت مجمعيًّا، خطوات متقدّمة في مجال الحوار المسكونيّ الذي اعتبرته من أهمّ بنود المجمع الأرثوذكسيّ الكبير. يبقى أنّه سيكون على المجمع الكبير أن يقول الكلمة الأخيرة بشأن مستقبل الحوار ودور الكنيسة الأرثوذكسيّة بالعمل من أجل تحقيق وصيّة السيّد »ليكونوا واحدًا«.l