وصل السؤال التالي إلى بريد القرّاء:
لماذا يقام جنّاز الراقدين في الثالث والتاسع والأربعين والسنة؟
الأب يونس يونس
تؤمن الكنيسة الأرثوذكسيّة بالوجود الشخصيّ بعد الموت، لأنّ اللَّه »ليس هو إله أموات بل إله أحياء لأنّ الجميع عنده أحياء« (لوقا ٢٠: ٣٨)، لذلك تشير بصلواتها إلى الموت على أنّه رقاد. تؤمن أيضًا بأنّ الموت لا يفصل الراقدين عن جسد المسيح لأنّ ارتباطهم بالرأس، أي المسيح، يبقى قائمًا، على حسب قول الرسول بولس: »فإنّي متيقّن أنّه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوّات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علوّ ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر على أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربّنا« (رومية ٨: ٣٨- ٣٩).
يبقى إذًا رباط المحبّة قائمًا لا يغلبه الموت، ونحن نصلّي للآخر الذي نحبّه، ونحن وإيّاه أعضاء، منظورين وغير منظورين، في جسد المسيح الواحد. أفضل تعبير عن هذه الوحدة، التي لا يلغيها الموت، هو ما يحصل في القدّاس الإلهيّ، عندما يضع الكاهن الحمل (القربانة التي سيتناول منها المؤمنون) في وسط الصينيّة يحيط به، عن اليمين واليسار، والدة الإله وطغمات القدّيسين، ومن تحته الأحياء والأموات. يتجلّى رباط المحبّة أيضًا عندما يقدّم الأحياء مساعدات مادّيّة من أجل الأموات (أنظر تثنية ٢٦: ١٤)، أو يصومون أيضًا من أجلهم (1صموئيل ٣١: ١٣) والربّ »لا يترك المعروف مع الأحياء والموتى« (راعوث ٢: ٢٠).
»الصلاة من أجل الراقدين هي تعبير جوهريّ عن الكنيسة كمحبّة. إنّنا نطلب إلى اللَّه أن يذكر الذين نذكرهم لأنّنا نحبّهم. وإذ نصلّي من أجلهم، فنحن نلقاهم في المسيح الذي هو محبّة، والذي بما أنّه محبّة يغلب الموت الذي هو ذروة الانفصال واللامحبّة« (الأب ألكسندر (شميمن)، »الصوم الكبير«، ص 15). كما أنّ إقامة الصلوات من أجل الراقدين تمثّل فرصة لإخراج المحزونين من مصابهم ولتعزيتهم برجاء القيامة. وتاليًا إعادة دمجهم في الحياة الليتورجيّة التي تجمعهم بأحبّائهم الذين غابوا.
أمّا عن سبب اختيار أيّام الثالث والتاسع والأربعين والسنة، بعد رقاد أحدهم للصلاة من أجل راحة نفسه، ففي ذلك يقول سنكسار سبت الأموات: »إنّنا نعمل للميت ثالثًا لأنّ في اليوم الثالث يستحيل منظر وجهه، ثمّ تاسعًا لأنّ في اليوم التاسع تتمزّق الجبلة كلّها في القبر ويبقى القلب وحده سالمًا. ثمّ أربعين إذ حينئذٍ يفنى والقلب ذاته«.
تريد الكنيسة أن تواكب، بالصلاة، عمليّة تحلّل أجساد الراقدين، أي عمليّة خروج الإنسان كلّيًّا من العالم المادّيّ المنظور. وقد اختارت لذلك أيّامًا رمزيّة تشير إلى بدء التحلّل بشكل واضح وخروج رائحة نتنة (الثالث)، تشوّه الجسد بالكامل وتغيّر اللون وبدء انفصال الجلد (التاسع)، تمزّق الأعضاء الداخليّة وتميّعها (الأربعين)، وبعد ذلك تأتي الذكرى السنويّة.l