2015

14. الأخبار – العدد الرابع سنة 2015

دمشق - سورية

قمّة بطاركة مسيحيّي الشرق

في الثامن من حزيران العام 2015، وبدعوة من غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، اجتمع في الكاتدرائيّة المريميّة في دمشق أصحاب الغبطة مار بشارة بطرس (الراعي)، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم، غريغوريوس الثالث (لحام) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك، مار إغناطيوس يوسف الثالث (يونان) بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكيّ. شارك في الاجتماع سعادة السفير البابويّ في سورية رئيس الأساقفة ماريو (زناري) ورؤساء الطوائف المسيحيّة في دمشق.

وصدر عن هذا اللقاء الروحيّ نداء المريميّة، الذي تلاه سيادة الأسقف أفرام (معلولي)، أسقف سلوقية وأمين سرّ المجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ:

»إلى أولادنا المحبوبين بالربّ في كنائس أنطاكية،

 »لتكن لكم النعمة والسلام من اللَّه أبينا والربّ يسوع المسيح الذي بذل نفسه من أجل خطايانا لكي ينقذنا من العالم الحاضر الشرّير، وفقًا لمشيئة إلهنا وأبينا له المجد إلى أبد الآبدين آمين«. (غلاطية ١: ٣- ٥). نشكر اللَّه أوّلاً الذي سمح بأن نلتقي، نحن البطاركة المؤتمنين على رعاية الشعب المسيحيّ المنتشر في المدى الأنطاكيّ، في دمشق، هذه المدينة المباركة التي احتضنت بولس رسول الأمم. ومن هذه البطريركيّة العامرة التي لطالما دافعت عن القضايا الإنسانيّة المحقّة على مرّ الزمان، نرفع الصوت ونصلّي للَّه على الدوام لأجلكم لأنّكم، في هذا الزمن المظلم، »تعيشون عيشة تليق بالإنجيل«، ولا تخجلون بالشهادة لربّنا يسوع المسيح الذي »سحق الموت وأنار الحياة« وتتحمّلون المشقّات متّكلين »على قدرة اللَّه« ومتسلّحين »بروح القوّة والمحبّة والبصيرة«. ولا حاجة أيّها الأحبّة إلى أن نوصيكم بأن تذكرونا نحن رعاتكم في صلواتكم، من أجل أن يشدّدنا اللَّه »لنقطع باستقامة كلمة حقّه« ونمجّد اسمه القدّوس في أعمالنا، فيما نقود سفينة الكنيسة في هذه الظروف التاريخيّة المصيرية.

 وإذ نخاطبكم بهذه الكلمات، نودّ أن نقول لكم: فرحنا الكبير بلقائنا الأخويّ يتجدّد، وبالتشاور في ما بيننا يتعمّق، وبالتعاون يزداد، من أجل الشهادة المسيحيّة الأنطاكيّة الواحدة في هذا المدى الذي فيه »دعي التلاميذ مسيحيّين أوّلاً« (أعمال الرسل 11: 16)، وحيث أرادنا اللَّه أن نكون له شهودًا. ولذلك، ندعوكم، وضمن ولائكم الكامل لكنائسكم وعقائدها وتعاليمها، أن تتعاضدوا في ما بينكم وتخدموا الفقراء بتفانٍ، وأن تتعرّفوا إلى فكر كنائسنا الغنيّ، وأن تكتشفوا القداسة المشعّة فيها، وأن تتعمّقوا في معرفة التراث الأنطاكيّ بمختلف روافده، وأن تصلّوا »من أجل وحدة المسيحيّين«، وأن تعملوا لتحقيق هذه الوحدة المرجوّة التي أوصانا بها السيّد، عساها تتحقّق في عالمنا انطلاقًا من أنطاكية. 

وندعوكم أيضًا إلى أن تحملوا أوطانكم في فكركم وصلواتكم، وأن تطلبوا بإلحاح أن يعمّ السلام في ربوعها، وأن ينعم أبناؤها جميعًا بالفرح الحقيقيّ، وأن يعيشوا معًا بكرامة »أبناء اللَّه«. لا تنسوا أن تعملوا جاهدين من أجل وحدة بلدانكم ورقيّها وقيام الدولة المدنيّة فيها. حافظوا على التعدّديّة بكلّ ما فيها من غنًى ولا تخسروا تمايزكم وفرادتكم. تعمّقوا في الإيمان واشهدوا »للرجاء الذي فيكم« في كلّ ميادين حياتكم. لا تجعلوا إيمانكم أبدًا سببًا للفرقة أو حاجزًا يحجب بهاء الآخر وعظمته.

 كما ندعوكم أيّها الأحبّاء إلى أن تواظبوا على أطيب العلاقات مع إخوتنا المسلمين، شركائنا في الوطن والمصير، الذين نعيش معهم في هذه الأرض والذين نتقاسم وإيّاهم في هذه الأيّام ويلات العنف والإرهاب الناتجة من الفكر التكفيريّ وعبثيّة الحروب التي تؤجّجها مصالح الكبار مستخدمة تفسيرًا مغلوطًا للدين. فشركاؤنا هؤلاء يشعرون بوجعكم ويتألمّون لآلامكم. وهم يعملون مع مرجعيّاتهم الدينيّة والفقهيّة، لاستئصال جذور الفكر التكفيريّ الذي حصد ولا يزال يحصد في كلّ مرحلة عشرات الألوف من البشر. ونحن معهم، وبإخلاص الشريك الوفيّ، نرفع الصوت ونعلن أنّه حان الوقت لمواجهة الفكر التكفيريّ وتجفيف منابعه عبر تربية دينيّة تعمّم ثقافة الانفتاح والسلام وحرّيّة المعتقد. فمن الملحّ بمكان بلورة فكر نقديّ يقود إلى إلغاء مقولة »دار الحرب« و»الذمّيّة« وإلى إقرار المواطنة.

إنّه لزمن رديء حقًّا يستبيح فيه الإرهابيّون كلّ شيء باسم اللَّه، خدمة لأهوائهم ولمصالحهم ومصالح كبار هذا العالم. وفي وقت يسود فيه الخوف والعنف والسبي والخطف والقتل والدمار والتهجير، ويُجبر الإنسان على تغيير دينه من مجرمين لم يعرفوا اللَّه ولا رحمته، ولم يفهموا أنّه قد ارتضى بحكمته أن يقيم عباده على التعدّد. فإنّ قاتليكم لا يدركون أنّهم بقتلكم يحكمون على أنفسهم بالشقاء الأبديّ وعلى أوطانهم بالتخلّف. وفي قلب هذه الأزمة الضاغطة، لا تنسوا وعد السيّد بأن »لا تخف أيّها القطيع الصغير لأنّ أباكم قد سرّ بأن يعطيكم الملكوت« (لوقا ١٢: ٣٢). نعم يا أحبّة، في هذه الأيّام الصعبة، حيث تعمّ »رجسة الخراب« وحيث »يساق الناس كالغنم إلى الذبح«، تشدّدوا ولا تيأسوا. تقوّوا وتشدّدوا بالنعمة التي تكمّل كلّ نقص. التزموا »جهاد النفس« القائم على التطهّر والغفران والمحبّة. تخلّقوا بأخلاق الإنجيل. اتّكلوا على ربّكم الذي غلب الشرّ والموت فهو لن »يصرف وجهه عنكم«. هو رفيقكم على دروب التشرّد والنزوح والهجرة. هو سندكم في الفقر والجوع والفاقة. هو تعزيتكم عندما تظلم الأيّام وتنعدم المروءة وتساوركم الشكوك في عناية اللَّه بكم. هو سلامكم في المحنة، هو النور الذي يقودكم في ظلمات هذا العالم. وهو قيامتكم من كلّ يأس وموت. وهو انتصاركم على الشرّير وأدواته وحيله.

 وفي أزمنة المحنة هذه، التفّوا حول الكنيسة التي هي امتداد المسيح الربّ في العالم. واكبوا كنائسكم، فإنّنا بروح مسؤوليّتنا الرعويّة، ملتزمون بمضاعفة جهودنا، بالتضامن مع ذوي الإرادة الطيّبة، من أجل اتّخاذ المزيد من المبادرات اللازمة للمحافظة على وجودنا جميعًا على أرضنا، ولمواجهة حاجاتكم العائليّة والمعيشيّة وضمانة مستقبل شبيبتنا، وهي القوى الحيّة والواعدة في أوطاننا. وإنّنا نعرب عن شكرنا وتقديرنا لجميع المتطوّعين الذين يتفانون في خدمة المحبّة في مؤسّّساتنا. التفّوا حول الكنيسة واستشفعوا شهداءها الذين سقطوا دفاعًا عن الإيمان، وتمثّلوا بمعترفيها الذين عانوا بأجسادهم لتثبيت هذا الإيمان. صلّوا من أجل المضطهدين والمخطوفين من رعاتكم وإخوتكم ولاسيّما من أجل مطراني حلب بولس (يازجي) ويوحنّا (إبراهيم)، والكهنة المخطوفين، وكان آخرهم الأب جاك (مراد). تعاضدوا واحملوا بعضكم أثقال بعض. افرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين. اعتنوا بالفقراء في محنتهم فهؤلاء أحبّة المسيح. آسوا الأرامل واليتامى. تقاسموا قوتكم مع الجياع. خفّفوا عن النازحين والمهجّرين. واكبوا كنائسكم في تنظيمها العمل الإغاثيّ والخدمة الاجتماعيّة. ابذلوا بكرم وضحّوا بأوقاتكم في سبيل »إخوة يسوع الصغار«.

ولأبنائنا في سورية بعد أن وقع شعبها البريء والمسالم في قبضة إرهاب تستخدمه قوى هذا العالم لتفتيته، وطمس حضارته وإخضاع إنسانه وطرده من أرضه، نؤكّد تشبّثنا بوحدة هذا البلد وبحقّ أبنائه بالعيش بأمن وحرّيّة وكرامة. ونطالب العالم بالعمل الجدّيّ على إيجاد حلّ سياسيّ للحرب العبثيّة التي تعصف بسورية، حلٍّ يضمن إحلال السلام وعودة المخطوفين والمهجّرين والنازحين وحقّ الشعب السوريّ بتقرير مصيره بحرّيّة تامّة، وبعيدًا عن كلّ تدخّل خارجيّ. 

وللعراق، الذي يعاني من ويلات حروب متتالية، اقتلعت شعوبًا بأكملها من أرض أجدادها، كما حصل العام الماضي في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، (حروبٍ) عَرَفت فظائع ذكّرت العالم بهمجيّة القرون الغابرة، وهي تستمرّ في تدمير حضارات ضاربة في القدم خدمة لمشاريع عنصريّة وطائفيّة غريبة عن حضارة أبناء البلاد. 

أمّا لبنان، البلد الرسالة، فندعو إلى الإخلاص له وحده، والتكرّس لخدمته وخدمة مصالح شعبه والعمل على انتخاب رئيس للجمهوريّة يعيد إلى المؤسّّسات الدستوريّة انتظامها ويعمل على بناء وطن يفرح به أبناؤه. 

وللأحبّة في فلسطين، يؤكّد الآباء أنّهم سيظلون محور اهتمامهم ولن يخبو صوتهم أبدًا في الدفاع عنهم وعن قضيّتهم المحقّة مهما حاول العالم تجاهلها وإضعافها عبر تزكية حروب ونزاعات جانبيّة، الهدف منها أن يعيش مغتصبو الأرض الفلسطينيّة بسلام وطمأنينة. 

 أمّا للمجتمع الدوليّ، فنطالبه بتحمّل مسؤوليّاته في إيقاف الحروب على أرضنا، وإيجاد حلول سلميّة وسياسيّة للنزاعات القائمة والعمل الجدّيّ على إعادة النازحين والمهجّرين إلى بيوتهم وممتلكاتهم وحماية حقوقهم كمواطنين.

ونقول له إنّنا أصيلون في هذه الأرض، ومتأصّلون في ترابها الذي سقي بعرق جبين آبائنا وأجدادنا. ونؤكّد أكثر من أيّ يوم مضى أنّنا باقون فيها لنبنيها مع شركائنا في المواطنة. فنحن مؤتمنون على هذه الأرض التي سالت دماؤنا دفاعًا عنها، وتقدّست بدماء شهدائنا. ونحن ندعو كلّ من يدّعي الاهتمام بمصيرنا إلى أن يساعدنا على البقاء والتأصّل في أرضنا، من أجل حراثتها وتنميتها والاستفادة من خيراتها، لا أن يسهّل نهب تراثنا وخيراتنا وتدمير حضارتنا واستعباد إنساننا أو إرغامه على الهجرة. ونطلق الصرخة ونطالب أيضًا بإيقاف الحرب على أرضنا ودعم أسس الاستقرار في كلّ أنحاء المنطقة.

 أيّها الأحبّة، في هذا الوقت الذي يُقتل فيه الإنسان باسم اللَّه نحن مطالبون أكثر من أيّ وقتٍ مضى بأن نتيقّن أنّ »المحبّة أقوى من الموت«. فالقتل باسم اللَّه هو طعن في صميم اللَّه. إخلاصنا لمسيحنا القائل »طوبى لفاعلي السلام فإنّهم أبناء اللَّه يدعون« يحتّم أن نكون رسل سلام في هذا الشرق. دورنا أن نواجه كلّ فكر أو إيديولوجية تقدّس العنف والقتل والانتقام. إيماننا باللَّه لا يمكن أن نترجمه إلاّ محبّة وسلامًا للبشر ودفاعًا عن أرضنا وكنائسنا ضمن حرّيّة أبناء اللَّه التي من أبسط قواعدها احترام التعدّديّة والاختلاف. 

ومن هذه الكاتدرائيّة المريميّة، نضرع إلى والدة الإله، أمّنا جميعًا، والشفيعة الحارّة لدى المخلّص، أن تنقذنا وأوطاننا من الشدائد المحيطة بنا، وأن تشدّدنا لكي نكون على صورتها أشخاصًا يشهدون للمسيح في ليل هذا العالم. ألا بارككم اللَّه وقوّاكم لتبقوا شهودًا له في هذه الديار. دعوتكم أن تظلّوا »ملحَ الأرض« »والخميرةَ الصغيرة التي تخمّر العجين«. لا تستهينوا بهذه الدعوة من أجل خلاص العالم. ثقوا بأنّه بكم سيبقى إنجيل المسيح فاعلاً في كنيسة أنطاكية.

 

غبطة البطريرك يوحنّا العاشر: كفى دمارًا فنحن باقون

انعقدت في الكاتدرائيّة المريميّة بدمشق قمّة روحيّة ضمّت بطاركة الشرق الأنطاكيّين، وذلك في الثامن من حزيران 2015. وقد ألقى غبطة البطريرك يوحنّا العاشر كلمة الافتتاح التي قال فيها:

»­­لعلّ الكلمة تعجز عن التعبير في كثير من المواقف فتختبئ وراء المشهد، وما أحلاه مشهدًا وشاهدًا لقاء الإخوة معًا. وما أصدقها رسالة لشعبنا وللمشرق والعالم أجمع أن يجتمع بطاركة أنطاكية في هذا الظرف في سورية وفي دمشق تحديدًا. أردناه لقاء في دمشق لنطلق من هنا نداء المريميّة. لنطلق في الوقت عينه نداء سلام ورسالة مصارحة ووقفة تاريخ أمام ما يجري وما يتسارع من أحداث. أهلاً وسهلاً بكم أصحاب الغبطة والقداسة وأهلاً بالإخوة ممثّلي الطوائف المسيحيّة. أهلاً بالجميع في دار مريم العذراء في دمشق، في المريميّة. أهلاً بكم إخوة أعزّاء في رحاب أنطاكية الشاهدة للمسيح شهادة واحدة. نطلّ اليوم بمعيّة الإنسان المحارب بلقمة عيشه، والذي يدفع من حياته فواتير الإرهاب والتكفير والخطف الأعمى والحصار الخانق وفقدان الأحبّة وتدمير أوابد العيش المشترك. نطلّ لنقول كفى دمارًا ووأدًا للبشريّة وللحضارة البشريّة في موطنها. نطلّ لنقول إنّ قدس أقداسنا هو الإنسان. وقلب المسيح وقلب المسيحيّة هو قلب الإنسان الذي تكتنفه ظلمة هذا العالم ومحنه والذي ومن عتمة ظلمته يلمس ربّ النور.

أخاطب من هنا ضمير العالم وكواليس ومنابر الأمم المتّحدة وسائر المنظّمات الدوليّة والحكومات وأقول يكفينا هزًّا لسيادة الأوطان في مشرقنا. أخاطب البشريّة بكرامة كنيسة أنطاكية المجروحة لخطف مطرانيها، مطراني حلب يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي)، وتهجير مسيحيّيها في أكثر من بقعة وتحميلهم الجزية. أخاطبها بأوابد التاريخ المشرقيّة، وأوابد التاريخ هذه ليست أوابد آثار فحسب بل هي أوابد وحاضر قيم. أخاطبها بأرواح شهداء سورية الموجوعة باستهداف جيشها وناسها وأوابدها وبحرقة لبنان واللبنانيّين الذين ينتظرون عسكرهم المخطوف ورئاستهم المعلّقة وبالعراق المستنزف ومصر وليبيا واليمن الذين يئنّون تحت نار الاضطرابات. أخاطبها بجراح فلسطين التي لم تندمل منذ أكثر من ستّين عامًا. أخاطبها لا بداعي الخوف ممّا يحدث بل بداعي الوجل أمام هذه اللاكتراثيّة تجاه إنسان هذا المشرق من أيّ صنف كان. المسيحيّة وغيرها من أصوات الاعتدال، ومن الأقلّيّات والأكثريّات، تدفع ضريبة غالية من التهجير والإرهاب والتكفير. لكن ورغم ذلك، نحن واضعون نصب عينينا، أنّنا أقوياء بالحقّ وبنور الربّ وبقوّة الإرادة الحقّ بالرسوخ بالأرض والدفاع عنها مهما عتا وجه الزمن. وقوّة الإرادة هذه هي التي أوصلت لنا إيمان أجدادنا وأمانتهم منذ ألفي عام.

نحن كمسيحيّين أنطاكيّين حملنا الشهادة للمسيح في حياتنا وحملناها محبّة لكلّ الناس. نحن مدعوّون إلى أن نكون دومًا، كما كنّا ونبقى، خميرًا راسخًا متأصّلاً في هذا الشرق. وخميرنا خمير محبّة ولقيا مع الجار والأخ المسلم. خميرنا خمير أوطان يذوب فيها الدين كعامل فرقة ويسمو فيها لُبنة محبّة ومدماك تلاق على اختلاف الملل والمذاهب. خميرنا أيضًا هو خمير الوحدة المسيحيّة التي ابتدأنا مشوارها من يوم سمعنا مقولة الربّ: »ليكونوا واحدًا كما نحن واحد« (يوحنّا 17: 11) وما اجتماعنا الحاضر إلاّ دليل على عملنا الدؤوب من أجلها. نحن نؤمن بأنّ الوحدة المسيحيّة هي خيار وجود، وخصوصًا لنا نحن مسيحيّي الشرق الأوسط. نصلّي ونعمل على أن تجد هذه الوحدة كمالها. وهذا اللقاء ما هو إلاّ لبنة في مسيرة بدأت وستستمرّ. وخميرة مسيرة الوحدة هذه هي المحبّة المسيحيّة التي قال مار بولس عنها : »لن تسقط أبدًا« (1كورنثوس 13: 8). 

ولأبنائنا في هذا الشرق، أسمح لنفسي باسمكم جميعًا، بأن أبعث سلام قيامة وسلام رجاء. نحن لا نهاب وجه تاريخ. وإذا ما كتبت لنا الأقدار أن نكون أمام سؤال مصيريّ: أنبقى أم نرحل؟ فإنّ جوابنا: إنّنا باقون والشدّة إلى زوال عاجلاً أم آجلاً. نقول هذا رغم تفهّمنا كلّ ما دفع ويدفع كثيرًا من أبنائنا للهجرة. نقوله رغم قساوة الأيّام الحاضرة وبؤسها. نقول ونكرّر أنّ الوطن هويّة والأرض بالنسبة إلينا هي هويّة. فكيف بها إذا كانت أرض المسيح وأرض تلاميذه! نحن نقدّر الضيق الحاصل هنا وفي كلّ مكان. هذي الأرض صبغت قبل ألفي عام أتباع يسوع بلقب »مسيحيّين«، وهي إلى اليوم تصبغ المسيحيّة بألق المشرق وألق صدق الشهادة ليسوع المسيح. فلنقرأ التاريخ جيّدًا ولنتعلّم أنّ أمانة الإيمان التي تشرّبها الرسل من فم الربّ وأورثوها لأجدادنا لم تأتنا على أكفّ الراحات. وأنّ الشدّة الحاصلة هنا وفي أيّ مكان هي الكفيلة بأن تظهر معدن الناس. ونحن أناس لقّبنا مسيحيّين في هذي الأرض. ومن كان معدنه المسيح فهو المغيّر وجه التاريخ رغم كلّ قساوته. 

صلاتنا من هذا المكان المقدّس، من هذه الدار البطريركيّة، من الكنيسة المريميّة في دمشق، من جارة الأمويّ أن يكلّل اللَّه لقاءنا بنوره ويرسل السلام لهذا المشرق ولعالمه ولكنيسته، آمين«.

 

المملكة العربيّة السعودية

كنيسة الجبيل

تعتبر كنيسة »الجبيل«، هي بقايا الكنيسة الوحيدة الموجودة على أراضي المملكة العربيّة السعوديّة. هذه أنقاض كنيسة، يرجّح البعض أن تكون تابعة للجماعة النسطوريّة القديمة، وتعود إلى القرن الرابع الميلاديّ، لتكون أقدم من أيّ كنيسة معروفة.

اكتشفت العام 1980 في صحراء محافظة »الجبيل« شرق المملكة، وشمال مدينة الدمّام، عندما كانت مجموعة من السعوديّين يحفرون في الرمال لإخراج سيّارة عالقة، حيث اصطدموا خلال الحفر بما يشبه الجدران المنقوشة، تبيّن في ما بعد أنّها أعمدة الكنيسة.

ورفضت المملكة العربيّة السعوديّة إصدار أيّ تصريح لزيارة الموقع بسبب أعمال التنقيب هناك، واعتبرت هذه الأنقاض محميّة لدى وزارة الآثار السعوديّة.

ويشار إلى أنّ المبنى أطلق عليه في ما بعد »كنيسة الجبيل«، الذي ما زالت أجزاء كبيرة منه مدفونة في الرمال، بينما سمحت وزارة الأثار السعوديّة العام 1986 بنشر مجموعة من الصور تظهر بعض أنقاض الكنيسة.

 

السلفادور - أميركا الجنوبيّة

الأسقف الشهيد أوسكار (روميرو) طوباويًّا

خمس وعشرون سنة مرّت على اغتيال رئيس الأساقفة أوسكار (روميرو) (1917-1980)، الذي دافع عن المزارعين المحرومين من الأراضي في جمهوريّة السلفادور، في جنوب أميركا. وهو الذي قضى في 24 آذار 1980، على يد مجموعة كومندوس من اليمين المتطرّف تدعى »كتائب الموت«، وهي تابعة للسلطات وموكلة بمهامّ تصفية معارضي النظام، وذلك خلال احتفاله بالذبيحة الإلهيّة في كنيسة صغيرة تابعة لمستشفى.

وفي القدّاس الإلهيّ الذي أقيم في العاصمة السلفادوريّة سان سلفادور، أعلن المطران الشهيد طوباويًّا، تعيّد له الكنيسة الكاثوليكيّة يوم 24 آذار من كلّ عام. ترأس الخدمة الكاردينال أنجلوا (أماتو)، رئيس مجمع دعاوى القدّيسين في الفاتيكان، ممثّلاً قداسة البابا فرانسيس، وممّا قاله الكاردينال في عظته: »إنّ الأسقف الشهيد كان في الواقع كاهنًا جيّدًا، وأسقفًا حكيمًا، وفوق ذلك فقد كان رجلاً فاضلاً«، معتبرًا أنّ دافعه تجاه حبّ الفقراء »لم يكن إيديولوجيّة سياسيّة معيّنة بل الروح الإنجيليّة الخالصة«. 

شارك في القدّاس الإلهيّ أكثر من مئتين وخمسين ألف شخص تجمّعوا في ساحة »مخلّص العالم« في العاصمة، حيث وضعت شاشات كبيرة في الشوارع المؤدّية إلى مكان الاحتفال.

وكان قداسة البابا فرانسيس قد بعث رسالة إلى رئيس أساقفة سان سلفادور لمناسبة التطويب، قال فيها إنّ »المطران أوسكار (روميرو) عرف كيف يبني السلام بواسطة قوّة المحبّة، وقدّم شهادة لإيمانه عبر التضحية بحياته«، وهو بذلك »مصدر فرح كبير لأهالي البلد الأميركيّ اللاتينيّ وجميع المؤمنين الذين يحتذون بمثل أفضل«.

وأضاف »إنّ الرب شاء أن يهب كنيسة إيل سلفادور أسقفًا غيورًا، أحبّ اللَّه وخدم الأخوة فصار صورة للمسيح الراعي الصالح. وفي أزمنة التعايش الصعب عرف المطران (روميرو) كيف يقود القطيع ويدافع عنه ويحميه، وظلّ أمينًا للإنجيل وفي علاقة شركة مع الكنيسة كلّها. وقد تميّزت خدمته باهتمام خاصّ بأتعس الفقراء والمهمّشين. ولدى موته نال نعمة أن يتمثّل بمن وهب حياته من أجل الخراف«.

وختم قداسة البابا فرانسيس رسالته بالقول »صوت الطوباويّ الجديد ما يزال يتردّد اليوم على مسامعنا، ليذكّرنا بأنّ الكنيسة هي عائلة اللَّه«، ولفت إلى أنّ الكنيسة في السلفادور وفي أميركا اللاتينيّة والعالم مدعوّة اليوم إلى أن تكون غنيّة بالمراحم وأن تصبح خميرة مصالحة في المجتمع. مؤكّدًا أنّه »يرفع الصلاة كيما تتفتّح براعم الاستشهاد وكي تتثبّت خطوات أبناء هذه الأمّة وبناتها«.

يتمتّع الطوباويّ الجديد بشعبيّة واسعة في أميركا اللاتينيّة، ويلقّب »صوت الذين لا صوت لهم«، بسبب تفانيه في الدفاع عن المعدمين والفقراء، كما كان يدين بشدّة انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش والمعارضون اليساريّون في بدء الحرب الأهليّة في السلفادور (1980-1992) التي راح ضحيّتها أكثر من سبعين ألف شخص.

وكان قداسة البابا فرنسيس قد وافق على اعتبار المطران (روميرو) »شهيدًا بسبب إيمانه« في شباط الماضي.

 

طهران - إيران

العيد السبعون لكاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس

في 22 أيّار 2015، عيد نقل رفات القدّيس نيقولاوس من ميرا إلى باري في إيطاليا، احتفلت الرعيّة الأرثوذكسيّة الروسيّة في طهران بالعيد السبعين لكاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس. وببركة غبطة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وكلّ روسيا، ترأس الخدمة الإلهيّة سيادة المطران ألكسندر مطران باكو وأذربيجان، وعاونه الأرشمندريت ألكسندر راعي الكنيسة وكهنة من أبرشيّة باكو.

وأقيمت صلاة الجنّاز لراحة نفس الذين شيّدوا هذه الكنيسة وهم الأرشمندريت فيتالي والأرشمندريت فلاديمير والمهندس نيقولاي ماركوف.

شارك في القدّاس الإلهيّ القائم بالأعمال الروسيّ في إيران أ. يودنتزوف وسفير بلاروسيا ف. ريباك.

وفي الختام طاف الجميع بالصليب حول الكنيسة وأقاموا صلاة الشكر.

في العام 1921 أقفل السفراء السوفيات كنيستي السفارة الروسيّة في طهران. لكنّ الرعيّة افتتحت لها كنيسة صغيرة في شارع أرومان حيث خدم فيها آخر مرسل هو الأرشمندريت فيتالي.

في العام 1941وصل إلى العاصمة الإيرانيّة الأرشمندريت فلاديمير، الذي تمكّن من جمع الأموال اللازمة لشراء قطعة أرض من السفارة الأميركيّة في طهران. وفي العام 1944 وضع أساس الكنيسة التي صمّمها المهندس نيقولاي ماركوف. وفي نيسان 1945 كُرّست كنيسة القدّيس نيقولاوس. خدم في هذه الكنيسة كهنة من الكنيسة الروسيّة خارج الحدود. ولكن في مطلع الثمانينات تركت الكنيسة من دون كاهن. وفي بدء العام 1995 ناشدت الرعيّة البطريرك الراحل ألكسي الثاني ليقبل عودة هذه الكنيسة إلى حضن الكنيسة الأمّ. فحلّ المجمع الأرثوذكسيّ الروسيّ هذه المشكلة وأعاد الكنيسة إلى بطريركيّة موسكو وكلّ الروسيا، وعين الأرشمندريت ألكسندر راعيًا عليها.

 

تركيا

كنيسة القدّيس قسطنطينوس في مينيمين

بعد ثلاثة وتسعين عامًا على إقفال كنيسة القدّيس قسطنطينوس في مينيمين، في محافظة إزمير، تركيا، تعود هذه الكنيسة إلى الحياة لأوّل مرّة، بحضور قداسة البطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل ومحافظ مينيمين طاهر ساهين، والقنصل العامّ اليونانيّ في إزمير السيّد ثيوذور تساكيريس، وشخصيّات رسميّة ودينيّة واجتماعيّة. وللمناسبة زرعت شجرة زيتون في باحة الكنيسة وأطلقت حمامات بيضاء رمزًا للسلام وللوحدة. وفي الكلمة التي ألقاها قداسة البطريرك قال: »أرحّب بكم بكلّ محبّة وبإيمان ثابت بأنّ هذه الكنيسة ستضيف لونًا جديدًا إلى حضارة إزمير وإلى تراثها. أودّ أن أشكر أهل هذه المدينة، فقد غمروني بمحبّتهم ولن أنسى هذه الذكريات مهما حييت«.

أمّا المحافظ، فنوّه بأنّ ترميم الكنائس وبناء المساجد من أولويّات المحافظة، وممّا قاله: »المهمّ بالنسبة إلينا ليس الدين أو العرق أو المذهب، فالإنسانيّة تأتي في المرتبة الأولى، ونحن بحاجة إلى أماكن عبادة حيث يستطيع كلّ إنسان ممارسة شعائره«.

وفي الختام جرى تكريم المهندسين الذين تولّوا ترميم الكنيسة، التي هجرت العام 1922، على أثر التبادل السكّانيّ الذي حدث بين اليونان وتركيا في نهاية الحرب العالميّة الأولى.

 

مدغشقر

جامعة أرثوذكسيّة في ماناكارا

قام غبطة بطريرك الإسكندريّة وسائر إفريقيا ثيوذوروس الثاني بزيارة رعائيّة إلى جزيرة مدغشقر، قابل فيها رئيس الجمهوريّة هير راجاناريمامبيانينا. رافق غبطته في هذا اللقاء سيادة مطران  أغناطيوس، وسفير مصر السيّد شريف عبّاس وقنصل اليونان السيّد بنايوتيس تالوميس والأرشمندريت ماركوس (ثيوذوسي) والكاهن المحلّيّ الأب إستفانوس.

وقلّد غبطته رئيس الجمهوريّة صليب القدّيس مرقص، كما أنّه شرح له تاريخ كنيسة الإسكندرية الذي يمتدّ على أرجاء القارّة الإفريقيّة منذ ألفي سنة. وبيّن له العمل الرعائيّ والإنسانيّ الذي تقوم به البطريركيّة، والذي تأمل أن تكمّله عبر تشييد المدارس والمستشفيات والكنائس والمؤسّّسات الأخرى التي تسدّ حاجات الإفريقيّين واليونانيّين في إفريقيا.

أمّا رئيس الجمهوريّة، فأشاد بالعمل الجبّار الذي تنفّذه الكنيسة الأرثوذكسيّة في مدغشقر، وعدّد المؤسّّسات التي ترعاها. ففي هذه الجزيرة اليوم خمسون كنيسة، خمس وثلاثون مدرسة، اثنان وعشرون مركزًا طبّيًّا، أربعة مياتم، بيتان للمسنّين، والمشروع الضخم المتمثّل بالجامعة الجديدة في مدينة ماناكارا.

وانتهت الزيارة بتدشين أوّل جامعة أرثوذكسيّة في مدغشقر، بحضور المطران المحلّيّ  والكهنة وممثّلين عن البرلمان وحشد من أهل ماناكارا. وتحدّث غبطته عن فائدة هذه المؤسّّسة التعليميّة على أبناء المنطقة وعلى مستقبل البلاد. كما وعد الحاضرين بإنشاء مؤسّّسات أخرى  آملاً أن يشيّد دير ومركز صحّيّ في هذه المدينة.  وفي الختام شكر غبطته للأرشمندريت كيرياكوس (تسولاكيس) من كارديتسا تبرّعه لبناء هذا الصرح.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search