سائح على دروب الربّ
بيتر بروباخير
»أنا بنعمة اللَّه إنسان ومسيحيّ. وأمّا بأعمالي، فخاطئ كبير و»سائح« من أدنى المراتب، دائم التجوال من مكان إلى آخر«.
هذه افتتاحيّة الكتاب الروحيّ الكلاسيكيّ »سائح روسيّ على دروب الربّ«. ألهم هذا الكتاب أجيالاً من المسيحيّين، ولكنّ هذا الوصف الذي يعطيه السائح عن نفسه لا يختلف عمّا نجده في الكتاب المقدّس وفي تاريخ الكنيسة. السائح، هو إنسان ترك منزله وعائلته وخرج إلى العالم، متّكلاً على اللَّه ليقوده ويهتمّ به. أوّل »تائه في الأرض« كان قايين، الذين بدلاً من أن يقبل الدور الذي عيّنه اللَّه له، استقرّ في نود وبنى مدينة. لذلك، ربّما أوّل سائح حقيقيّ نعرفه هو إبراهيم، الذي دعاه اللَّه وقال له: »اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك« (تكوين ١٢: ١).
وعدُ اللَّه بتأسيس إبراهيم وجعله أمّة عظيمة، تحقّق جزئيًّا عندما استقرّ الإسرائيليّون القدامى في الأرض المقدّسة، ولكنّ الأبرار بحسب شريعة موسى: »في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد وأقرّوا بأنّهم غرباء ونزلاء على الأرض« (عبرانيّين ١١: ١٣). ففي الكنيسة، جسد المسيح، تجد مواعيد اللَّه تحقيقها. حدّد بطرس الرسول الكنيسة بأنّها »جنس مختار، وكهنوت ملوكيّ، أمّة مقدّسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب« (١بطرس ٢: ٩).
حياة المسيحيّ رحلة من ظلمة الخطيئة إلى نور المسيح. واجبنا كغرباء ونزلاء في العالم، أن نمتنع عن الشهوات الجسديّة التي تحارب النفس (١بطرس ٢: ١١)، ولكنّ العديد من المسيحيّين اعتمدوا طرق الغربة الجسديّة، عبر الحجّ إلى الأديار أو الأماكن المقدّسة كروما أو أورشليم مثلاً. في حالتي الخاصّة، تركت بيتي في كندا، في شهر تشرين الأوّل الماضي وكنت ماشيًا باتّجاه أورشليم منذ ذلك الحين، بهدف الاحتفال بعيد قيامة المسيح المجيدة في كنيسة القيامة هناك.
على الدرب، صادفت أناسًًا رائعين وكرماء. سؤال مشترك كان دائمًا يطرح عليّ، »لمَ المشي؟«، كان أسهل، بالتأكيد، استعمال وسائل النقل الحديثة للوصول إلى قبلتي، فلو احتسبنا كلفة الطعام اليوميّة والمأوى للمبيت على طول الطريق، لكانت أيضًا أوفر ثمنًا. أن تمشي آلاف الكيلومترات في فصل الشتاء يبدو ممارسة حمقاء، ولكنّ الطريقة التي يمشي بها الشخص قد تكون بأهمّيّة الهدف ذاته. أن أسافر بسرعة ٤ ك/س أتاح لي الوقت لأخذ الأمور برويّة، ولأتحرّر من الوتيرة المحمومة للحياة المعاصرة مع كلّ ملهاتها، للتفكير والصلاة. صار لي مشي هذا الحجّ وقت تحضير، ومعاناة، وفرحًا.
معظم الناس لا يقوون على ترك منازلهم، وعائلاتهم، ومسؤوليّاتهم لمدّة ستّة أشهر للسفر مسافات عظيمة، ولكنّ الكنيسة وفّرت لنا وسيلة متاحة للجميع للمشاركة برحلة الحجّ نحو الفصح. ففي مقدّمة كتاب الأب ألكسندر (شميمن): »الصوم الكبير: رحلة إلى الفصح«، يكتب:
»فوق كلّ شيء، الصوم هو رحلة روحيّة باتّجاه الفصح، »عيد الأعياد«. هو تحضير »لتحقيق الفصح، الإعلان الحقيقيّ«.…
رحلة، وحجّ! ولكن، وعند البدء بها، عند الخطوات الأولى باتّجاه »الحزن البهيّ« للصوم الكبير، نرى - من بعيد - الهدف. هو فرح الفصح، هو فرح دخول مجد الملكوت. هذه الرؤية، مقدّمة عيد الفصح، ما تجعل حزن الصوم بهيًّا، ومجهودنا الصياميّ »ربيعًا روحيًّا«. قد يكون الليل مظلمًا وطويلاً، ولكن يشعّ في الأفق طول الطريق فجر سرّيّ متلألئ«.
إذا كان السفر مشيًا على الأقدام، يساعد الحجّاج على التحضير للوصول إلى وجهتهم، توجد وسائل مشابهة تساعد الذين يبقون في بيوتهم على تحضير رحلتهم نحو القيامة. المشاركة في حياة الكنيسة عبر الأسرار المقدّسة، ودورة الأعياد والأصوام، وأعمال الرحمة تجاه الآخرين، كلّها تحضّر المؤمن للمشاركة في فرح الربّ الناهض من الموت. بالنسبة إلى الحجّاج المسيحيّين، المهمّ هو كيفيّة الوصول إلى الوجهة، ولكنّ القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم يذكّرنا بأنّ الهدف »النهاية« هو الأساس. كلنّا مدعوّ إلى المشاركة في قيامة الربّ - فرح الفصح هو تذوّق مسبق لمجدٍ ينتظرنا.
»فادخلوا اذًا جميعكم فرحَ ربّكم. أيّها الأوّلون والأخيرون، خذوا أجركم.
أيّها الأغنياء والفقراء، اطربوا معًا فرحين.
أيّها الممسكون عفافًا والمتوانون إهمالاً، أكرموا هذا النهار.
إن صمتم أو لم تصوموا، فافرحوا اليوم. المائدة مملوءة، فتمتّعوا كلكم!«.
المسيح قام! حقًّا قام!l