البلمند- لبنان
في الذكرى السنويّة الثانية على اختطاف سيادة مطراني حلب المتروبوليت بولس (يازجي) ويوحنّا (إبراهيم)، صدر عن بطريركيّتي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وللسريان الأرثوذكس بيان مشترك أكّد على تأصّل المسيحيّين في هذه الأرض، وندّد بأشكال العنف كافّة كما دعا إلى اللقاء والتآخي في هذا الشرق.
وفي هذا الإطار خُصّص يوم الأحد الواقع فيه 19 نيسان 2015 لترفع الصلوات في الكنائس والأديار كافّة على نيّة المطرانين المخطوفين. وفي دير سيّدة البلمند البطريركيّ أقيمت الذبيحة الإلهيّة برئاسة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، ومشاركة سيادة المطران جورج (خضر) وإغناطيوس (فرنسا) والأساقفة أثناسيوس (فهد) وكوستا (كيال) وغريغوريوس (خوري)، ولفيف من الكهنة والشمامسة، وحشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل، ألقى سيادة المطران جورج عظة، هذا بعض ما جاء فيها:
»المسيح يسود كلّ حياتنا الشخصيّة وحياتنا في العالم. ونحن لا نستبقي قيامته في الكنيسة المحدودة بحجارتها. المسيح حيّ أي أنّه يحيينا. يقيم كلاًّ منّا من شقائه، من حزنه. المسيح يدخل إلى القلب الحزين. وليس فقط هو بين جدران الكنيسة. إذا اقتنعتم حقًّا بأنّ يسوع هو كلّ الحياة لا تحزنون. اجترئ على أن أقول إنّكم لا تموتون. تموتون في الظاهر، في الجسد. لكنّكم أحييتم إلى الأبد لكونه حيًّا. اذهبوا الآن يا إخوة، لنذهب جميعًا إلى حياة جديدة غالبة لأحزاننا في العائلة وفي الوطن وفي أمورنا الخاصّة. من لا يؤمن بأنّ المسيح حيّ الآن وليس فقط قبل ألفي سنة، ومن لا يؤمن بأنّه يحييه شخصيًّا مع عائلته وأولاده، هذا يكون قد قال إنّ المسيح ورد ذكره في الكتب، المسيح ليس في الكتب. هو في أمعائكم، في قلوبكم، في عيونكم. ان لم تتقبّله هكذا، يكون إنسانًا مات منذ ألفي سنة. المسيح حيّ. افهموا ذلك، تعمّقوا في ذلك، عيشوا من ذلك. تكون لكم الحياة«.
وبعد انتهاء القدّاس الإلهيّ ألقى غبطة البطريرك يوحنّا العاشر البيان المشترك، وهذا نصّه:
»على رجـــاء قـــيامـــة الأمـــوات أنـــا أحـــاكــــم« (أعمال 23: 6)
بولس ويوحنّا في محاكمة؛ وقفا مرّة في بدء البشارة المسيحيّة، ويقفان مرّة أخرى اليوم، في البقعة الجغرافية عينها، وإن اختلفت التسميات. إنّها محاكمة قلّ نظيرها، ليس فقط في الشرق، بل في عالمنا المعاصر. ارتداداتها لم تصب الأرضيّين فقط، بل اقحمت السماء أيضًا، في نزال الغلبة فيه للديّان العظيم، الذي له الحكم الأخير في هذه القضيّة، قضيّة الإنسان الحقّ وقضيّة الإله الحقّ.
لربّما هذه المحاكمة غير متكافئة، فأغلب الظنّ أنّ الموقوفين لا يسعهما المرافعة في قضيّتهما. ولكن هوذا خطابهما البيّن، وقد سطّراه بروحيهما وحياتهما وشهادتهما المستمرّة من دون انقطاع، يصدح ويتردّد في برّيّة هذا العالم:
يا إخوة الكلمة، أنتم أبناءنا في حلب، زرعنا بينكم وفيكم بذار كلمة الحقّ وكلمة الشهادة وكلمة الخدمة. هوذا الزرع ينمو! نراه فيكم ونفتخر بثماره. نعجب لصمودكم الذي يعزّز صمودنا. نبهت لثباتكم الذي يؤازر ثباتنا. نجلّ صبركم الذي يكافئ صبرنا. كيف لا، وأنتم إكليل »مجدنا« و»افتخارنا« (1 تسالونيكي 2، 19؛ 20) في محاكمة البشارة.
يا إخوة الإيمان، نمتحن بما آمنّا به وبشّرنا به وخدمناه باليد والقلب والضمير؛ إنّنا نعيش اليوم على الأرض لنحيا بعدها في السماء، والإنسان يحقّ له أن يؤمن بالإله الحقّ ويخدم بهذا الإيمان »قريبه كنفسه«. إيماننا بالإنسان الحقّ يدفعنا إلى خدمته أينما حللنا، ولا زلنا حيث نحن اليوم مقيمون. لن نحيد عن هذا العزم قيد أنملة وهو يستحقّ منّا كلّ تضحية دفاعًا عن كرامة هذا الإنسان بتقزيمه وتشييئه في سوق الإنسانيّة المعاصر، الذي يعرضه سلعة في مضاربات أثيمة. بهذا انكسرت شوكة التقزيم الرخيصة في محاكمة الكرامة.
يا إخوة الرجاء، لا يخفى عليكم أنّه إنّما نحاكم على »رجاء قيامة الأموات« (أعمال 23: 6). صرخها بولس مرّة، وها نحن نقولها بالفم الملآن: يريدون أن يفتكوا بالآتي على حساب الآنيّ، وهم لا يعلمون أنّ ربّ السماء والأرض إنّما خلق هذه وتلك لنقطع المسافة التي تفصل بينهما بروح الإيمان ونبلغ إليه بما أوتينا من رجاء بتحقيق وعده لنا. إنّ هذه الحياة لفانية وأمّا تلك فباقية، ونحن نرنو بكلّ جوارحنا أن تبقوا على هذا الرجاء أمام الموت الرابض إزاء أجسادكم وأرواحكم ليهلكها. إلاّ أن رجاءنا بقيامة المسيح قد كسر شوكة الموت في محاكمة الثبات.
يا إخوة المحبّة، لا شكّ في أن انتصابنا في محاكمة كهذه لا يستقيم إلاّ إذا انبرى لها المرء بحقيقة هويّته وإيمانه. لذا يعزّ علينا أن نخون محبّة المسيح لنا، ويعزّ علينا أيضًا أن تظلم القلوب والضمائر إلى درجة يسهل معها انتهاج درب النزوات وكلّ أشكال الأنانيّة البغيضة. نراكم يا إخوة فتثلج قلوبنا بمرأى محبّتكم وسط ركام إنسانيّة انحدرت بها وصوليّتها إلى أبواب الجحيم بكلّ ما للكلمة من معنى. بالمحبّة تغلبون كلّ شيء، وبها تجتازون كلّ أشكال الموت إلى ملكوت إله المحبّة. وسط الدمار والموت والعبث، يعلو بناء محبّتكم كحكْم مبرم في محاكمة الضمير.
يا إخوة الدم، أنتم الذين حكم أو سيحكم عليهم، منكم من أخذ حكْم ربّه شهيدًا أو معترفًا، ومنكم من يعيش شهادة رجاء منقطع النظير، في صمت أو تهويل، في هوان أو ضيق. إلاّ أنكم بجلادتكم قد أفحمتم المراهنين على خيانتكم أو ارتدادكم أو انخذالكم أمام ضعف أو ترغيب أو ترهيب. دمكم، سواء النابض أو المسفوك، بلسم لعوائلكم وإخوتكم، وختْم انتصار في محاكمة الخلود.
يا إخوة الحقّ، خسئ كلّ من أعلن نصرته على حقّ في الظاهر، هو باطل في الخفاء. بعيون القلب نراهم، ونسبر ما يظهر منهم في العلن، في كلامهم وأفعالهم، كما وما يضمرون في السرّ، في ضمائرهم. لن يعلو حقّ على حقّ اللَّه وحقّ الإنسان مهما كثرت الآثام. هذه هي صرخة يوحنّا فينا جميعًا: »من لا يحبّ أخاه، يبق في الموت. كلّ من يبغض أخاه فهو قاتل نفس« (1يوحنّا ٣: ١٤- ١٥). لن نساوم على الإنسان، ولن نذعن لغير الحقّ. نقولها معكم، في صلب معاناتكم، بصمودكم وكفاحكم وشجاعتكم. بهذا فضحتم ضلالهم المبين في محاكمة الحقيقة.
يا إخوة الوطن، جرحكم جرحنا، وعذابكم عذابنا، وألمكم ألمنا، ودموعكم دموعنا، وحياتكم حياتنا. أيادينا مفتوحة لكم وقلوبنا تتّسع لكم. هيّا بنا نتصافح ونتخاطب ونتسالم ونتصالح ونتفاهم ونتعاون ونتكامل. الحلّ لا يأتي بالعنف على أشكاله، بل بالحوار على أنواعه. الخوف أن يفنى الإنسان وتندثر حضارته متى طال زمن المحاكمة. معكم نرفع راية الشراكة في محاكمة الوحدة.
يا إخوة المصير، شرقنا؛ نحن رمال صحاريه، تراب سهوله، صخور جباله، مياه أنهاره، وجذور أشجاره. إن زالت، لا يبقى للحياة وجود أو معنى. بات شرقنا حلبة مفتوحة لكلّ سوء. رهان هذه المحاكمة هو هدم الحياة في مهدها، تحطيم توهّجها في حضاراتها، إزالة معالمها في مكوّناتها، إخفاء بصماتها في آثارها، تهجير إنسانها في تاريخها، ومسْخ اللَّه في أديانها. مدى غلبتنا في الحقّ على الأرض نستمدّه من السماء، ولكن ليس باستدعاء الإله لتسخيره، كرمى لنزواتٍ، السماء منها براء! نحن واعون أنّنا مكرّسون للبقاء في هذا الشرق الذي ننتمي إليه ونحن منه؛ فيه نشهد لإيماننا، ومنه تنطلق شهادتنا، وعليه نبني صرح إنسانيّتنا. لم يكن الإله الواحد بالنسبة إلينا موضوع خلاف ولا علّة اقتتال ولا سبب انقسام. تعلّمنا أن نخاطبه »أبانا« (متّى 6: 9)، لذا فالجميع بالنسبة إلينا »إخوة«. يمكننا أن نخاطب الجميع بالحقّ والمحبّة، و»أن نضع نفوسنا« لأجلهم (1يوحنّا 3: 16)؛ ويمكننا أيضًا أن نطالبهم ونسائلهم، فحقّنا عليهم أنّ مصيرنا واحد، نتعهّده معًا أو نخسره معًا! لا يمكن أن يتحوّل المؤمن، أيًّا كان، وحتّى غير المؤمن، في هذا الشرق أو خارجه، إلى شاهد زور بتعاميه عمّا يجري. معكم نرفع راية الأخوّة وبها نقطع دابر شاهدي الزور في محاكمة الإنسان والدين.
يا إخوة الإنسانيّة، باتت قضيّتنا أبعد من جماعة، وأكبر من وطن، وأوسع من منطقة. محكّنا هو محكّ الإنسانيّة في عالمنا المعاصر، بحكم تشويهها، خدمةً لمصالح ومآرب متنوّعة. نحن شاكرون لكثيرين ممّن يعون هذه المخاطر ويعملون على احتوائها ومعالجتها ودرئها. لن نتحوّل عنوانًا لقضيّة يطالب بحلّها وفكّ أحجيتها، فلسنا كذلك. فأنتم قضيّتنا! نحن ساهرون من مكان إقامتنا على ضمائر الذين يريدون الاستمرار بالفتك بقضيّتنا: الإنسان الحقّ وقضيّة الإله الحقّ. ألا يعقل أن تنقلب الأدوار، فيصير المحكوم عليه قاضيًا ولو كان في زنزانة، والقاضي محكومًا عليه وإن كان على منبر؟
يا أخانا الأكمل، من تجسّد لأجلنا وحمل طينتنا واحتمل الحكم الجائر وصعد على الصليب وهبط إلى الجحيم ثمّ ارتفع إلى السماء، لقد علّمتنا أنّنا »إخوتك«، عن غير استحقاق، وأنّ »أباك أبونا وإلهك إلهنا« (يوحنّا 20: 17). بلغ سلامنا وفرحنا بك شأنًا نعجز عن بلوغ ارتفاعه وعمقه في حياتنا الروحيّة، وقياس عرضه وطوله في حياتنا المادّيّة! فهو فرح وسلام بحجم المعطي: سلامي أعطيكم! فرحي أعطيكم! فلا ينزعهما أحد منكم (يوحنّا 14، 27؛ 16، 22). لقد حكمت أن تعطينا الفرح والسلام الخاصّين بك!فما أعظم انتصارنا وما أكرم حكمك!
هذه هي درجات الأخوّة العشر و»سفْر« مرافعتنا كاملة، وقد أخذناه »من يمين الجالس على العرش« (رؤيا 5: 7). هذه هي كامل بشارتنا إليكم؛ »فاصغوا« إليها (أعمال 2، 14)، فتعزيتنا كبيرة بكم.
كلّنا نعي أنّ المحاكمة لم تنته فصولاً، إذ لنا فيها جولات إلى ما يشاء القدّوس. »فماذا نقول؟ ألعلّ عند اللَّه ظلمًا؟ حاشا! (...) فماذا؟ إن كان اللَّه، وهو يريد أن يظهر غضبه ويبيّن قوته، احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيّأة للهلاك، ولكي يبيّن غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدّها للمجد...« (رومية 9: 14؛ ٢٢- ٢٣).
هذا هو انتصار يمين العليّ، بكم وبنا! أمّا ملتقانا المستديم فهو في الصلاة من أجل الكلّ، نرفعها معكم إلى الذي له المجد والقدرة والسجود والملك إلى الأبد! آمين«.
طرابلس
عيد الحركة 73
احتفل مركز طرابلس بعيد تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الثالث والسبعين، وذلك في الثانويّة الوطنيّة الأرثوذكسيّة، مار إلياس، يوم السبت الواقع فيه 14 آذار 2015. تقدّم المحتفلين سيادة المطران أفرام (كرياكوس) راعي أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما، وحضر الأمين العامّ رينيه أنطون، ومدير الثانويّة جهاد حيدر وحشد من الكهنة ورؤساء الجمعيّات والمؤسّّسات الكنسيّة والحركيّين.
وفي الحفل الخطابيّ الذي قدّمته الآنسة ماريّا طنّوس، تحدّث رئيس مركز طرابلس الأب إبراهيم (دربلي) وتمحورت كلمته حول السلام عند الشباب في عالم اليوم، فعدّد المرارة التي يعانيها الشباب في المجتمع واستغرب »كيف وصل شباب إلى هذا الحدّ من فقدان السلام الداخليّ الذي من شأنه أن ينعكس سلامًا خارجيًّا في المجتمع ونهضة ثقافيّةً وحضاريّة. أهو تقصير منّا أم أنّ هذه حال الدنيا تتّجه نحو الأسوأ؟ مهما كان السبب من المؤكّد أنّ لدينا عملاً كثيرًا لنقوم به في هذه الأيّام وإن لم ندركه الآن فسنندم عليه في المستقبل«. وشدّد على أنّ المحبّة والتعاون بين الحركيّين ضروريّان وهما أساس العمل، ولكنّهما لا يكفيان. وممّا قاله: »يتطلّب عملنا أيضًا التفاني من أجل الآخرين وبذل الذات ومحبّة الأعداء. كيف أشهد لربّي إن لم أقف جنبًا الى جنبٍ مع كلّ أطراف المجتمع بفئاته ودياناته وتيّاراته وأشهد للحقّ؟ كيف للمجتمع أن يدرك كلمة اللَّه إن لم أترجمها عملاً؟ كيف للناس أن يعرفوا يسوع المسيح إن لم يروه في عينيّ، في قلبي، في جسمي وفي كلّ تصرّفاتي؟ من سيضخّ السلام في هذا المجتمع، إلاّ ذاك الذي يسعى إلى اقتناء محبّة يسوع المسيح في قلبه؟ لا بدّ من أن ننقل المسيح إلى الآخرين إن لامس حبّه قلبنا. الحركة اشتعلت بشبيبةٍ مثلنا سمعوا صوت الربّ ولبّوا نداءه«.
وتحت عنوان »أخوة في المسيح« ألقى رالف جعجع كلمة هذا بعض ما جاء فيها: »أردنا في الحركة، في مركز طرابلس، أن نشدّد في هذا العام، وفي كلّ نشاطاتنا، على مفهوم السلام، عسانا ننهل من منبعه فنعيّد العيد وقد انتقل المزيد من السلام المسطّر على الورق إلى حياتنا ومحيطنا، فيغمر نفوس أبناء هذا الوطن بأكمله. نحن إخوة، إخوة في المسيح، لإيماننا بأنّه أخذ جسدًا كجسدنا. ونحن مدعوّون، لا بل ملزمون بالوحدة النابعة من الجسد الطاهر المعلّق والدم المنسكب الذي نسجد له في الأحد الثالث من الصوم معيّدين. الغربة كبيرة بيننا، ولكنّها أقلّ وطأةً بين الحركيّين، لأنّنا نلتقي، لأنّنا نتعاتب وجهًا بوجهٍ، لأنّنا نقبل أن نقول إنّ مصيبتك هي مصيبتي ولو كنت في بقعةٍ بعيدةٍ من بقاع الأرض، في سورية أو في العراق أو في مصر وأنا في لبنان. ولسنا من اليائسين، بل نبقى على الرجاء بجماعةٍ تبتغي التآخي بالمسيح، لتحفظ من الشرّير«.
ودائمًا تحت شعار السلام الذي اتّخذه مركز طرابلس نهجًا لهذا العام، تحدّث الأمين العامّ الأسبق ريمون رزق عن »سلام يسوع وسلام العالم«. فاستعرض مفهوم السلام في العالم وكيف اختصر في العهد القديم على الخيرات التي يتنعّم بها الإنسان، وكيف يرتكز اليوم على المكاسب وموازين القوى. ومع مجيء المسيح كيف انقلب المفهوم إلى ثورة حقيقيّة دعت إلى محبّة الأعداء. وتساءل »أين سلام يسوع اليوم؟ بالنسبة إلى مَن يريد حقًّا أن يكون مسيحيًّا، وحده وجه يسوع هو المبتغى. لكن غالبًا ما يُفتقد هذا الوجه في الأوساط المسيحيّة، فكيف يمكن للعالم إذًا أن يكتشفه؟ تنافس أحيانًا الممارسات الكنسيّة ممارسات العالم. دُعينا إلى أن نكون مرآة لوجه يسوع، وها إنّ النزاعات والخلافات ونوعيّة العلاقات في ما بيننا تعكس سواه. فيغدو سلام كنيسة يسوع يشبه بشكل مريب سلام العالم«. أمّا عن كيفيّة الحصول على السلام ونقله، فقال الأخ ريمون رزق: »ليس سهلاً أن ننطلق من سلام العالم إلى سلام يسوع. وقد قال يسوع إنّ »ملكوت السموات يُغتصب والغاصبون يختطفونه« (متّى 11: 12). بالنسبة إليه، نصنع سلامًا عندما نعيش مع ابن اللَّه كما يعيش هو مع أبيه. فعلينا أن نلبس المسيح. العالم ليس بحاجة إلى عقائديّين، وأسياد ومعلّمي المسكونة، بل إلى أناس يقتدون بالمسيح، فيبرهنون بمسلكهم الحياتيّ أنّ الحياة ليست عبثيّة، بل هي "تقدمة وخدمة ومشاركة، وهي ورشة الملكوت الآتي. لا اقتحام ولا غلبة على الوثنيّة الحديثة المعاصرة إلاّ بأناس يعيشون على مثال المسيحيّين الأوائل.
فلا تخافوا! اقتحموا العالم بمحبّة الربّ يسوع! ولا اقتحام ولا غلبة على الوثنيّة الحديثة المعاصرة إلاّ بأناس يعيشون على مثال المسيحيّين الأوائل. لا تقبلوا أن يقزَّم الإنجيل، بل تمسّكوا بالموعظة على الجبل. لا تقبلوا أن يقزِّم أحد كنيستكم بحصرها بشخصه أو جماعته. لا تقزّموا أنتم المسيح في حياتكم، بل جاهدوا باستمرار للوصول الى ملء قامته. أعطوه قلبكم فيرفعكم إليه. وبه فيكم ومعكم ترتفع الكنيسة، وتذكّر بالسلام الحقيقيّ، علّه يفهم العالم«.
ثمّ كانت كلمة راعي الأبرشيّة الذي قال: »لا تخَف أيُّها القطيع الصغير لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يُعطيكم الملكوت« (لوقا12: 32). من هو هذا القطيع الصغير؟! كان الربُّ يسوع يتكلَّم إلى التلاميذ، ونحن أيضًا تلاميذه، فهو إذًا يتكلَّم إلينا اليوم. يقول آباؤنا إنَّ ملكوت اللَّه ليس شيئًا مادّيًّا، ليس جنَّةً مخلوقة، هو نعمةُ اللَّه غير المخلوقة، حالة من السلام والفرح الإلهيَّين، أن يملكَ اللَّهُ على قلوبنا، وأن نعيش بحسب روح اللَّه، لا أن نعيش بحسب روح العالم. لا نتَّكلنَّ فقط على أمجاد الماضي، إنّني أفتخر بشبابنا المسيحيّ الأرثوذكسيّ الواعي، وبخاصّة الحركيّ منهم، وأؤمن بأنّهم يشكِّلون الخميرة الجيّدة في جيلنا الصاعد وفي المجتمع الشبابيّ الذي يتعرّض اليوم إلى تجارب عصيبة، حيث إنَّ الأمراض النفسانيّة تتكاثر. نحن نؤمن بأنَّ المسيح الحيّ والكنيسة الحيّة، هما الدواء الشافي لكلّ الانحراف الذي يواجه العالم ومجتمعنا اليوم«.
روسيا
الكنيسة الروسيّة تستعيد دير سمولني
استعادت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة دير سمولني وكاتدرائيّته من الدولة. يقع هذا الدير في مدينة سانت بيترسبرغ، وكانت شيّدته ابنة القيصر بطرس الأكبر، عندما انخرطت في السلك الرهبانيّ. وانتهى بناء الكاتدرائيّة في العام 1764.
في العام 1922 صادرت الحكومة الشيوعيّة في الاتّحاد السوفييتيّ الكاتدرائيّة وحوّلتها إلى مخزن. ثمّ استعملت قاعة للحفلات الموسيقيّة.
وعادت إلى وظيفتها الطبيعيّة كمكان للصلاة والعبادة في العام 2010. واليوم بعد سنوات من العذاب ترجع هذه الأملاك إلى كنف مالكها الحقيقيّ.
أرمينيا
١٩١٥-٢٠١٥ الذكرى المئويّة الأولى لإبادة الأرمن
في الذكرى المئويّة الأولى للإبادة الجماعيّة التي جرت في السنة ١٩١٥ في تركيا بحقّ الشعب الأرمنيّ، أقامت الكنيسة الأرمنيّة القدّاس الإلهيّ عن أرواح النساء والأطفال والعجزة الأرمن الذين قضوا في مذبحة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. مليون ونصف مليون أرمنيّ لقوا حتفهم، وها هي اليوم الكنيسة تكرّمهم وتكرّسهم شهداء. التأمت أرمينيا الشعبيّة والرسميّة في إتشمياتزين على مقربة من العاصمة الأرمنيّة ييرفان، لتصلّي في هذه المناسبة الأليمة. ترأس القدّاس الإلهيّ الكاثوليكوس كاراكين الثاني (عموم الأرمن) وآرام الأوّل (بيت كيليكية) وذلك بحضور الرئيس الأرمنيّ سرج ساركيسيان. وحضره غبطة بطاركة الشرق تاودروس (الأقباط الأرثوذكس)، أفرام (السريان الأرثوذكس)، يوحنّا العاشر (الروم الأرثوذكس)، بشارة الراعي (الموارنة)، نرسيس بدروس (الأرمن الكاثوليك) وممثّلون عن مختلف الكنائس. وبحضور دوليّ رسميّ كان في مقدّمته الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. ونشير إلى أنّ الدولة التركيّة لم تسمح لطائرة الرئيس البوسنيّ مليوراد دوديتش المتوجّهة للمشاركة في الاحتفال في أرمينيا، بعبور مجالها الجويّ.
وفي لبنان تضامنت الكنائس الأنطاكيّة عمومًا في هذه الذكرى عبر قرع الأجراس مئة مرّة وتلاوة الصلوات.
وتوجّه غبطة البطريرك كراكين الثاني من إتشمياتزين إلى العالم وإلى الشعب الأرمنيّ أينما حلّ، قائلاً إنّ أرمينيا التي كانت أوّل دولة مسيحيّة لن تهاب الموت ولن يتمكّن أحد من اقتلاع حبّ المسيح من الشعب الأرمنيّ. فدم الأرمن الذي سال فداء للمسيح كان علامة على إيمان غير متزعزع. واليوم هؤلاء الشهداء يرتعون في ملكوت السماوات حاملين رايات الظفر وهم شفعاء لنا عند الديّان العادل. وقداستهم التي أعلنت تعطي الشعب الأرمنيّ دفعًا قويًّا ونعمة وبركة وإرادة صلبة لمتابعة هذه القضيّة الإنسانيّة.
ألف رحمة على أرواح هؤلاء الشهداء الأطهار، وليمنحنا اللَّه القوّة والصبر على المحن التي يجتازها مسيحيّو الشرق. رغم كلّ المصائب التي حلّت بالشعب الأرمنيّ يبقى هو الأقوى المتمسّك بإيمانه وبجذوره وهو شعب حيّ لا يموت.l