نحو اليوم الثامن
جان يازجي
المسيح قام، حقًّا قام
نرتّل في سحر السبت العظيم: »إنّ موسى العظيم قد سبق فرسم هذا اليوم سرّيًّا بقوله: وبارك اللَّه اليوم السابع، لأنّ هذا هو يوم السبت المبارك هذا هو يوم السكون والراحة الذي فيه استراح ابن اللَّه الوحيد من كلّ أعماله لمّا سبَتَ بالجسد بواسطة سرّ التدبير الصائر بالموت وعاد أيضًا بواسطة القيامة إلى ما كان ومنحنا حياةً أبديّة بما أنّه صالح وحده ومحبّ للبشر«. ويبدو جليًّا أنّنا نحسب هذا السبت هو السبت الأصيل (سبت القيامة). فنؤكّد ذلك إذ نرتّل في سَحَر الفصح العظيم: »إنّ هذا اليوم المدعوّ المقدّس الذي هو أوّل السبوت وملكها وسيّدها إنّما هو عيد الأعياد وموسم المواسم...«. والحديث بالطبع عن يوم الفصح المعروف أنّه الأحد. فأحد الفصح هو أوّل السبوت وملكها وسيّدها. والمعروف عند عموم الشعب ارتباط السبت بأيّام الخلق والناموس اليهوديّ، وتكريم الأحد الذي يرى المسيحيّون أنّ اللَّه فيه »صنع كلّ شيء جديد«، فكيف نفهم هذه المسألة؟
لا بدّ أوّلاً من إعلان أنّنا ندخل هذا البحث من باب التأمّل والتسبيح، مبتعدين عن باب التحديد والتقرير، فإن بدت في السرد شبهة تقرير، فهي بنتُ حماسٍ وثمرةُ اندفاعٍ. هو تأملٌ في »سرّ التقوى« (1تيموثاوس 3: 16)، »الحكمة المكتومة التي سبق اللَّه فعيّنها قبل الدهور لمجدنا« (1كورنثوس 2: 7). وهو تسبيح مع شكر لذلك الذي أقامنا من موت وأوجدنا من ضلال (لوقا 15: 32)، هو تأمّل يتطلّب انفتاح الذات على ملء الكنيسة، ليدخل في القلب ملك المجد منيرًا القلب ببرق لاهوته، محقّقًا يومه الذي صنعه لنفرح ونتهلّل به.
لنعد قليلاً إلى البدء، إلى بدء حديث الربّ مع الإنسان، حين يخبرنا موسى العظيم: »بارك اللَّه اليوم السابع وقدّسه لأنّه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل اللَّه خالقًا«. (تكوين 2: ٢- 3) . وبعد قليل يؤكّد نبيّ اللَّه موسى ذلك في سفـر الخروج (20 : ١٠- ١١)، فالسبـت مقدّسٌ ومطلوبٌ من الناس تقديسه لأنّه تذكار راحة الربّ من عمله وهو الخلق. ثمّ ينبئنا موسى العظيم في سفر تثنية الاشتراع (5: 15) بإرادة اللَّه أن يقدَّسَ السبتُ تذكارًا للخروج من عبوديّة فرعون.
خرج الشعب من مصر العبوديّة إلى برّيّة الحرّيّة مع اللَّه، حيث أقام اللَّه عهده معهم: أن يكونوا شعبه ويكون إلههم. أوجدهم شعبًا بعد أن كانوا عبيدًا. أعاد خلقهم شعبًا للإله بعد أن كانوا أفراد قبيلة مشدودين إلى عربة فرعون. »يعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كلّ حياتهم تحت العبودية« (عبرانيّين 2: 5).
خلق الربّ الخليقة في ستّة أيّام، توَّجها بخلق آدم، وأدخلنا في اليوم السابع. يوم الراحة، تُرى لمن الراحة؟ هل يتعب اللَّه؟ وهل توقّف عن العمل؟ فكيف يقول يسوع: إنّه يعمل وأبوه أيضًا؟ يجيبنا القدّيس أفرام السريانيّ بأنّ اللَّه لا يتعب، لكنّ الشعب »أعطوا لهم الاستراحة المؤقتة رمزًا لسرّ الراحة الحقيقيّة التي سيُعطاها الشعب من دهر إلى دهر في دهر الداهرين«.
المجد لك ياربّ،.. المجد لتدبيرك... هيّأت آدم وأعطيته بركتك ليسعى إليك... وأعطيته اليوم السابع ليسعى إلى تألّهه... »كان على الإنسان أن يجمع بالنعمة طبيعتين في أقنومه المخلوق وأن يصير إلهًا مخلوقًا، إلهًا بالنعمة (لا كالمسيح الشخص الإلهيّ الذي اتّخذ الطبيعة البشريّة)... لكنّ آدم لم يتمّم دعوته... لم يعرف أن يبلغ الاتّحاد باللَّه وتأليه الكون المخلوق«.
»المسافة غير المحدودة بين المخلوق وغير المخلوق، ذاك الانفصال الطبيعيّ بين الإنسان واللَّه، كان يجب أن يُتجاوز بالتألّه«.
مبارك يا من خلقت الأوقات والأزمنة... جعلت أيّامنا المخلوقة أسابيع... سفينة الأسبوع ستّة أيّام، ودفّتها وشراعها اليوم السابع يحرّكها ويوجّهها... والمينا هو اليوم الثامن... يوم القيامة، يوم الظفر... يوم سقوط الأغلاق... يوم استعادة آدم الساقط...
استراحة الربّ المجيد في اليوم السابع، هي موقع انطلاق نحو زمن اليوم الثامن، يوم الملكوت، فالربّ أوكل إلى آدم أمرَ جميع الأفلاك المختلفة في الكون لمنحها التألّه، من طريق اتّحاده هو آدم باللَّه. وقد أخلف آدم دعوته، وحقّق المسيح ما أخلفه آدم (مكسيموس المعترف).
فاليوم السابع هو يوم الإعداد والجمع والانطلاق نحو الاتّحاد باللَّه. هو يومنا المبارك الذي نعيشه »تهيئةً« للدخول في سرّ اليوم الثامن... هو حياتنا الحاضرة، إن كانت إعدادًا وانطلاقًا، لذلك شدّد الربّ على تقديس اليوم السابع وحفظ السبت.
هل نقول إنّ السبت للأسبوع هو القدس في هيكل الحياة؟ فيه نقدّم إلى اللَّه ذبائحنا الروحيّة، فيه نكهن له، نقدّس أنفسنا له... نقدّم له الخليقة...تتقدّس أيّامنا باليوم السابع، وبه، وعبره، ننفتح على اليوم الثامن، بعد أن انشقّ حجاب البعد عن اللَّه بذبيحة الابن. هو سبت انتظارِ خروجنا جميعًا بالمعموديّة إلى حياة المسيح... هو تحضيرٌ للثامن، لكن في الوقت ذاته يتّسع الثامن ليحتوي السابع ويملأه ويعطيه معناه، منذ قال الربّ قد تمّ. وبواكير اليوم الثامن بدأت في العنصرة.
اليوم الثامن هو قدس أقداس أيّامنا... هو اليوم الذي صنعه الربّ... هو يوم اللقاء... يوم الاتّحاد... يوم التألّه... هو يوم الملكوت.
مبارك أنت يا إلهنا.. مسبّحٌ وممجّدٌ آبًا وابنًا وروحًا قدسًًا، أيّها الجوهر الواحد المحبّ... لقد أرسيت لنا جسرًا إليك... حملتنا دائسًا أشواك خطايانا وموتنا... اغفر لنا انحدارنا في يوم ضيقتنا الوقتيّة (2كورنثوس 4: 17)، تحوّلنا إلى وكيل لمصالح اللَّه بدلاً من أن نسعى إلى القيام بأعمال اللَّه، فيا ربّ يا من أعطيتنا أن نقوم بأعظم من أعمالك إن كان إيماننا كحبّة الخردل، أعطنا اليوم أن نكون »سفراء المسيح« (2كورنثوس 5: ١٤- ٢٠) في عالمنا الحاضر... أعطنا يا قدّوس أن تظهرَ جِدّتُك فينا...
قدّيسُك سمعان اللاهوتيّ الحديث يعلن من جبل الرؤيا: »إنّ الذين مُنحوا معاينة النور غير المخلوق لا ينتظرون المجيء الثاني لأنّهم يختبرون ملكوت اللَّه مسبقًا«.
المجد لك يا مانح النور... المجد لك يا غالب الموت
يا من جعلت اليوم الثامن نورًا يسطع مقدّسًًا الأيّام
جعلت اليوم الثامن بهاء السابع ومجده
جعلت اليوم الثامن تمام اليوم السابع وعطره
السابع هو الكون الذي أعدت خلقه بقطرات دمك (غريغوريوس النزينزيّ)
السابع هو القبر الذي أناره لاهوتك...
السابع هو كنيستك المجاهدة... كنيستك »كنيسة التائبين... وكنيسة الذين يفنون« (أفرام السريانيّ)
والثامن كنيستك الظافرة... ملكوتك الآتي ...
المجد لك يا من فتح لنا تقديس اليوم السابع.
المجد لك يا من يحفظنا للدخول في اليوم الثامن.
علّمتنا أن نحفظ وصاياك ونترك كلّ شيء لعيش أسرار اليوم السابع.
وأعطيتنا إن أخلينا ذواتنا وحملنا الصليب أن يعبر بنا اليوم السابع إلى تجلّي اليوم الثامن.
علّمتنا أن نبيع كلّ شيء لنشتري اليوم السابع فهو الحقل الحاوي الجوهرة جزيلة الثمن اليوم الثامن.
منحتنا يا مانح الرحمة العظمى أن نعيش الثامن سرّيًّا عند اجتماعنا إلى مائدتك...
يا رحيم... لا تحرمنا إيّاها... أعطنا أن نعيشها أمداء حيواتنا...
يا من هو عين الحياة... يا من بنوره نعاين النور... يا غالب الموت... المجد لك.l