2014

9. تحقيق: حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - الأمانة العامّة المؤتمر الخامس والأربعون - لولو صيبعة - العدد الثامن سنة 2014

 

حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - الأمانة العامّة

لولو صيبعة

 

لقاء يتحدّى المسافات والعقبات، لقاء يسخف من القتل والتهجير، لقاء يثبت أنّ المسيحيّ لا يجزع من الموت ولا يرتعد عند المصاعب، بل يجبه باسم يسوع الناصريّ كلّ مصيبة. من هنا حضر إلى مؤتمر الأمانة العامّة أعضاء حركيّون من المراكز التاليّة: من لبنان: مراكز بيروت وجبل لبنان وطرابلس والبترون وعكّار. ومن سورية مراكز دمشق وحلب واللاذقيّة وطرطوس. كما اشترك وفد من مكتب التعليم الدينيّ في حمص، ورئيس مركز الخليج العربيّ الأب يوسف (عرب). أكثر من ستّين شخصًا عطشوا إلى لقاء الأخوة، وحداهم الشوق على الاجتماع وتبادل الخبرات في هذا الزمن الصعب الذي تشهده المنطقة. فكانت جلسات المؤتمر ساحة لعرض الصعوبات التي تعترض العمل الحركيّ في أكثر من مكان.

المحطّة الأولى في هذا اللقاء كانت سيّدة البلمند التي فتحت ذراعيها لتستقبل على تلّتها وبين جدران كنيستها أبناءها في صلاة غروب ترأّسها غبطة البطريرك يوحنّا العاشر وتبعها تريصاجيون لراحة نفس أخوين حركيّين انتقلا إلى الأخدار السماويّة، وهما كوستي بندلي وروي فيتالي.

وانتقل الجميع إلى قاعة معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ حيث عقدت الجلسة الافتتاحيّة فكانت كلمة لغبطة البطريرك يوحنّا راعي هذا المؤتمر، والتي تطرّق فيها إلى شؤون كنسيّة وحركيّة، بعد تقديم من الأمين العامّ رينه أنطون قال فيه: »سار التلميذ خلف المعلّم مأخوذًا بجمال جسد لاحدود له، حتّى كُشف أمامه أنّ لكلّ موضع حبّ في هذا الجسد موهبة. فرَنا إلى المواضع كلّها، وراقت له المواهب مجتمعة. فهو تلميذ شيخ من مدينته، سبقه في علم الفداء، لم يعايش معه غير الجوع إلى مزيد من الحبّ والعطاء، وهو ابن جماعة رعرعته في سرّ الموهبة وسحر تكامل المواهب في ورشة وصل الأرض بالسماء. فاقتنى هذه، وسار بها إلى تلك، ومن تلك إلى هذه، من دون أن يهدأ متشبّهًا بترحال الرسل، إلى حين أن تعب ربّه يومًا من ضجيج شعبه في لحظة أنطاكيّة. إلى ذلك اليوم الذي فيه أطلّ اللَّه على أنطاكية صارخًا: إهدأ يا شعبي واصمت، ودعني أفعل في كنيستي. فإنّ لي حكمتي التي لن تدركها، والتي بها أحكم أن يتبوّأ عرش الرسل، فيها، من الأحبّة هذا الحبيب.

يا صاحب الغبطة، إذ يغمرنا الفرح برعايتكم هذا المؤتمر، نشكر اللَّه، ونضرع اليه أن يستحيل بالهموم التي تحيط بكم سبيل فرح بتحقيق إرادته في كنيسته. ونرفع صلواتنا كي يرفع عنكم، وعن كنيسته، ألم اختطاف سيادة المتروبوليت بولس، وأخيه المطران يوحنّا (إبراهيم)، ليعودا إلى خدمة الكلمة متوّجين بالصحّة الكاملة وإكليل الكرامة.

على رجاء أن يكشف اللَّه لنا سرّ حكمته ذلك اليوم، أدعو لكم، سيّدي، باسم حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الممتدّة في حياتكم وقلبكم، بأعوام عديدة سائلاً ربّنا يسوع المسيح أن يرافق طريقكم ويغمركم بالصحّة والقوّة والحكمة والثبات، وداعيًا إيّاكم إلى أن تباركوا هذا المؤتمر بتوجيهاتكم«.   

»سيروا ما دام لكم النور« هذه كانت وصيّة غبطة البطريرك يوحنّا في الجلسة العائليّة كما سمّاها غبطته في لقائه مع الإخوة الحركيّين أعضاء المؤتمر الخامس والأربعين، طرح غبطته بعض الأفكار، معربًا في البدء عن فرحه الكبير أوّلاً بهذا اللقاء مع كلّ الأحبة الذين أتوا من مناطق مختلفة من أنحاء الكرسيّ الأنطاكيّ رغم الأوضاع الأمنيّة الصعبة. وثانيًا لكونه نشأ في مدرسة حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، بشكل خاصّ على يدي المطران يوحنّا (منصور) متروبوليت اللاذقيّة.

وعن إنجازات الحركة منذ تأسيسها قال غبطته: »بركة ونعمة كبيرة أنّ الحركة قدّمت الكثير للكنيسة وتقدّم، هذا موضوع لا شكّ فيه. وقد أعطت وجوهًا نيّرة وأكثر من ذلك منذ سنوات طويلة عندما هبّ الروح في أولئك الشباب الشبّان الذين اندفعوا وأعطوا حياتهم للمسيح ومنهم من رقدوا بالربّ وسبقونا وأقمنا صلاة  التريصاجيون للمطران بولس (بندلي)، الأرشمندريت إلياس (مرقص)، الأخ كوستي بندلي، الأخ ألبير لحّام. نشكر اللَّه لأنّ الروح الذي هبّ بأولئك الأشخاص منذ ذلك الزمن البعيد أعطى هذه الثمار الكبيرة والواضحة وعلى جوانب الحياة الكنسيّة الروحيّة، والكنسيّة، والإداريّة والكهنوتيّة والرهبانيّة، والبشاريّة، والمطبوعات والنشر، إلى ما هنالك من أوجه النهضة في أنطاكية«.

واستشهد غبطته بكلمات من المطران بولس (بندلي) الذي قال: »دراسة الكلمة الإلهيّة قادرة وحدها على أن تُحييكم وتبني حياتكم. فلا اجتماعاتكم إلى لقاء اجتماعيّ ترتاحون إليه بشريًّا. همّكُمْ أن تقبلوا بكلمة اللَّه لرفعكم إلى المستوى الإلهيّ الذي دُعيتم إليه. هَمّكم سيكون دومًا أن تسعوا وراء الذين تضعهم النعمة الإلهيّة في طريقكم لكي تجدوهم وتقولوا لهم تعالوا معًا إلى من هو وحده سيّد حياتنا الذي يعرفكم منذ أن كنتم في أحشاء أمهاتكم«. كلام حلو. كلام حلو نتذكّر آباءنا ومعلمينا.

ومن الأب إلياس (مرقص) اقتطع ما يلي: »نحن لا نعمل خارج الطائفة، بل ضمنها وفي سبيلها. على الطائفة أجمع أن تتشرّب روح الكنيسة وتدخل في تيّار التجدّد، ولن يطمئنّ لنا بال إلاّ عندما تنتشر الحركة في الطائفة أجمع، فتصبح الطائفة الحركة والحركة الطائفة، بل لا يكون ثمّة طائفة أو حركة إنّما تكون الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة. نريد في الحركة أن نحيا الأرثوذكسيّة، أي أن نهتزّ في صميمنا لذكرها والتأمّل فيها وأن تملك الأرثوذكسيّة كلّ حياتنا فلا نعود نفكّر ولا نعمل إلاّ بروحها... واستمرار الحركة على أمانتها وأصالتها يتطلّب مزيدًا من التوغّل في حياة الكنيسة لا كمؤسّّسة بل كحدث«.

وعاد غبطته إلى كلا الأخ ألبير لحّام الذي دعا إلى طي صفحة الجبن والعبوديّة في حياة كلّ إنسان. وقال: »تُعَيِّدُ الحركة لكلمة اللَّه التي صارت إلى شباب هذه الكنيسة لدعوتهم كما دعت قبلهم الأجيال كافّة إلى حمل المسيح وبالمسيح الرجاء والخلاص إلى العالم بعامّة وإلى الطائفة بخاصّة. يؤمن هؤلاء الشباب بأنّ حياتهم وحياة كلّ إنسان لا تأخذ معناها الحقيقيّ الكامل إلاّ في يسوع المسيح وفي الكنيسة التي تُكَمِلُ المسيح في العالم. ولذلك كانت حركتهم وليدة هذا الانضواء التامّ تحت راية المسيح في الكنيسة«.

ونقل غبطته عن كوستي بندلي قوله: »الحركة ليست مجرّد مواظبة على الاجتماعات، ولكنّها حياة بالمسيح وللمسيح. هؤلاء الشباب الذين أسّّسوا الحركة والذين جاهدوا ويُجاهدون في صفوفها كانوا أو هم الآن في ربيع العمر وكانت فترة الفتوّة، وصوت العالم حولهم يُنادي: يجب أن يقضي الشبابُ جهلَهُ. ولكنّهم لم يفرّطوا بشبابهم لينالوا منه الخيبة المريرة والفراغ، بل وضعوه عند قدمي الربّ عالمين أنّ الربّ وبه وحده تتحقّق مواعيد ربيعهم. نورُ اللَّه لا يغمرُنا إلا إذا انفتحنا له وهذا الانفتاح أليم لأنّه إنسلاخ عن الأنا وإسلام للَّه. اللَّه لا يُبلغ بامتداد الإنسان نحو العلى. إنّما يُلاقى فقط إذا تواضع الإنسان فالتقى بتواضع اللَّه«.

بعد هذه المقاطع علّق غبطته على هذه الكلمات قائلاً في موضوع دراسة الكلمة: »كم نؤكّد في الكنيسة وفي الحركة بالطبع على دراسة الكلمة الإلهيّة، الكتاب المقدّس. ليتورجيّتنا مركّبة ومتداخلة مع الكتاب المقدّس. »ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم اللَّه«. نعم الانكباب على دراسة الكلمة الإلهيّة، كلمة اللَّه، الكتاب المقدّس، هي أولى الأمور التي نحياها والتي نُبشّر بها ونُعلّم بها«. وركّز على "»الانضواء تحت حياة الكنيسة والعلاقة الكاملة بين الحركة والكنيسة، وعلى أنّ الحركة نبعت من الكنيسة، وعلى العمل بروح الأرثوذكسيّة والعشق للإيمان المسيحيّ والإيمان الأرثوذكسيّ؛ وكيف أنّ الحركة ليست مؤسّّسة إنّما هي حدث، تيّار، يدفع إلى الحياة بالمسيح يسوع. أساس كلّ هذا الكلام هو جرن المعموديّة. لأنّنا نحن في المعموديّة نكون عبيدًا للخطيئة ونصبح أحرارًا بالمسيح يسوع، نخضع للمسيح يسوع. وفي المعموديّة نلبسُ المسيح يسوع، الذي علينا أن نحيا الحياة بالمسيح يسوع، هذه الحياة هي صليب، درب الآلام الذي نهايته القيامة وإكليل المجد. نحن بثباتنا، بمواظبتنا على القول باستمرارنا وبصبرنا حتّى المُنتهى، بأنّنا »نحن لن ننزل عن الصليب، سنبقى على هذا الصليب«. آنذاك بهذا الصبر وهذا الرجاء نحن نُكلّل بنعمة القيامة... الإحساس بضعفاتنا، واليقين برحمة الربّ، أي التوبة. هذا كلّه يصب في التوبة... أن تشعر بضعفاتك وأن تكون مؤمنًا برحمة الربّ. نعم، لأجل ذلك »صلاة يسوع: ربّي يسوع المسيح، يا ابن الله الحيّ، ارحمني أنا الخاطئ«، صلاة »يا ربّ ارحم« عزيزة على قلب الكنيسة، وكم نقولها ونكرّرها لأنّك أنت تشعر بضعفاتك وأنت متيقّن من ناحية ثانية بعظمة الربّ ورحمته؛ وهذا أساس في عمليّة التجديد والتغيير التي تحصل في حياة الشخص في الكنيسة أو على صعيد الجماعة المؤمنة معًا«.

كما استشهد غبطته مرّة ثانية بالأب إلياس (مرقص) الذي استعمل تعبير داء الخارجانيّة، فقال: »استعمل هذا الاصطلاح، لأنّنا أحيانًا لا نهتمّ بداخلنا، بل نكون دائمًا متوجّهين إلى الخارج. علينا أن نعود إلى الداخل. »أن تعرف ذاتك«. في كتاب »المبادئ الروحيّة« الصادر عن دير الحرف، هناك مقاطع عن معرفة الذات يذكرها الأب إلياس. منها مقطع للقدّيس إسحق السوريّ يقول »من يعرف خطاياه أعظم ممّن يقيم الموتى«. إذًا، هذا الصليب نهايته القيامة والفرح والرجاء والقوّة والنصر، ولكنّه أليم. أليم لأنّك ستتخلّى عن ذاتك وأنانيّتك وتصلب آلامك الجسديّة عليه كي تتنقّى وتتطهّر. وذلك يكون بالتوبة ومعرفة الذات والعودة إلى الداخل، ويكون بالانجذاب إلى شخص يسوع المسيح. هذا مهمّ جدًّا لأنّنا كثيرًا ما نتحدّث عن المسيحيّة والكنيسة، وهذا جيّد. لكن هناك شخص اسمه يسوع المسيح، هذا أتى وتجسّد من أجلنا وتألّم وافتدانا على الصليب وعلينا أن نحبّه هو. فحياة كل إنسان لا تأخذ معناها الحقيقيّ الكامل إلاّ في يسوع المسيح وفي الكنيسة التي تُكمل المسيح في العالم. الحركة ليست مواظبة على الاجتماعات، كما قال كوستي بندلي، بل حياة بالمسيح يسوع وللمسيح يسوع. نقول في الطلبات »فلنودع ذواتنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا المسيح الإله«؛ مهما فعلتم، فافعلوه في المسيح يسوع؛ هذا أساس. وهذا شعار الحركة »الذي به نحيا ونتحرّك ونوجد«، نوجد فيه أي من حيث الكيان. هذا الكيان الحيّ، لذلك نستطيع أن نحيا به. الذي به نتحرّك ونوجد ونجد ذاتنا، وذاتنا تصبح تلك الذات الحيّة، ونتحرّك أي كلّ ما تفعله أنت موجود فيه والحياة فيك وتتحرّك به أيضًا. تفكّر به وتسلك فيه. »ليكن فيكم فكر المسيح«. ومواقفنا كلّها نتحرّك بها بالمسيح يسوع لذلك هو الطريق والحقّ والحياة. هو الحياة وهو الحقّ وهو الطريق أو الأسلوب«.

وتحدّث غبطته أيضًا عن »الروح البشارية« أي نقل فرح القيامة، نقل هذه الحقيقة إلى الآخرين، فقال: »سمعنا سيّدنا بولس يقول: نخاطب الذين أمامنا ونقول لهم تعالوا معنا إلى من هو وحده سيّد حياتنا«. هناك التبشير. نحن يمكننا أن نحتفظ بحلاوة الحياة مع الربّ يسوع في قلوبنا؛ يتحوّل الواحد منّا إلى مسيح صغير وهذا المسيح يصبح شهادة حيّة«.

وتناول غبطته نقطتين هما أوّلا الاتّضاع. وفي هذا السياق ذكّر بقصّة أحد الآباء الروحيّين الذي يروي أنّه خلال اعتراف، ارشد ابنه الروحيّ ولمّا التقى به بعد فترة كان وجه هذا الابن يشعّ ويبدو واضحًا عليه الارتياح. بعد فترة أتى ابن روحيّ ثان عنده المشكلة ذاتها. أعطى الأب الروحيّ »الدواء« عينه، ولكنّه هذه المرّة كان مُعتدًّا بنفسه لأن بسببه هو، هكذا اعتقد، استفاد ابنه الروحيّ الأوّل. لسوء الحظّ لم يستفد الابن الثاني كما الأوّل لأنّه لم يتّضع كفاية كي يترك مجالاً لعمل روح الربّ. نتعلّم من هذه القصّة أهمّيّة الاتّضاع وعمل روح الربّ في حياتنا. 

وعن هواجس المسيحيّين في الشرق قال غبطته: »الكنيسة تهمّنا كلّنا ونحن أعضاء فيها، نحن نعيش صعوبات من الداخل والخارج، أمامنا عمل كثير من الداخل والخارج، أمامنا تحدّيات كبيرة. الكثيرون يسألونني السؤال ذاته: هل نبقى؟ هل نسافر؟ هل نهاجر؟  نحن في أوضاع حسّاسة ودقيقة ضمن الظروف التي تحصل في المنطقة وفي منطقة المشرق والشرق الأوسط بشكل عامّ. وكلّنا نصلّي ونعمل ونجهد كي يعطينا الربّ السلام والاستقرار في المنطقة حتّى نستطيع العيش بسلام وطمأنينة، ونستمرّ بحمل شهادة المسيح في هذه الديار التي انطلقت منها المسيحيّة إلى سائر أنحاء العالم«.

وقال غبطته عن الإكليروس والشعب والقوانين الكنسيّة، ومشاركة المؤمنين، الحرّيّة، الطاعة والاعتراف والأب الروحيّ: »هذه كلّها مواضيع مهمّة كثيرًا، وهي حياتنا، ويجب أن نعرف أنّنا لسنا في مدينة أفلاطون والكنيسة التي نحلم بها ليست مدينة أفلاطون. وأستطيع القول إنّ الكنيسة التي أتطلّع إليها هي الكنيسة الحلم. أحلم بكنيسة المطارنة فيها كلّهم قدّيسون والكهنة كلّهم آباء رعاة والشعب المؤمن كلّه منسحق القلب في محبّته للمسيح... ولكن، لا نعرف إن كان بالإمكان أن تحدث على الأرض أو أنّ اللَّه يريدها أن تكون على الأرض. نحن الكنيسة المجاهدة التائبة. نحن الكنيسة الضعيفة الساقطة كبشر. هناك صورتان في الكنيسة: البشريّ ونحن بشر والإلهيّ بسبب نعمة اللَّه. وما الضعف البشريّ إلاّ كي يكون المجد للَّه وليس للإنسان. لذلك نحن بشر نخطئ، ونعيش بسقطاتنا وتجاربنا، ولكنّنا أبناء المحبّة والعشق الإلهيّ ويسوع المسيح والكتاب المقدّس. نحن لا نرتضي أبدًا أن نبقى كما نحن، بل نحن نسعى إلى أن نكون دومًا الأفضل، وإلى أن نرتقي نحو نور السيّد. يتكلّم الآباء القدّيسون على المراحل الثلاث: »مرحلة التطهير ومرحلة الاستنارة ومرحلة القداسة«. وليست هذه مراحل رياضيّة، أي أنتقل من مرحلة إلى أخرى. بل ممكن في يوم واحد أن أمر بهذه المراحل الثلاث، ولكن بنعمة الربّ أكون متقدّمًا في الحياة مع الربّ على أمل أن أحيا صليب الرب وقيامته بنعمة الربّ إذا عدنا إلى أنفسنا وتبنا عن خطايانا وتطهّرنا ونقّينا نفوسنا وذواتنا.

وفي موضوع تحديث القوانين الكنسيّة ومجالس الرعايا والمواضيع كافة التي يجب معالجتها، يجب  التعاطي معها بطريقة »به نحيا ونتحرّك ونوجد«. نتحرّك به أي عندما نتعاطى بكلّ هذه الشؤون الكنسية بالقوانين والبشارة وغيرها، يجب أن نتعاطى بها بالمسيح يسوع، الكنيسة هي الجماعة الحيّة والبشر الذين أخطأوا وولدوا من جرن المعموديّة ولبسوا المسيح يسوع. وبما أنّ الربّ يسوع يعرف أنّنا بشر ونخطئ، وضع سرّ التوبة والاعتراف للتجديد الدائم. فعلينا نحن أن نكون بهذا التجدّد الدائم في إصلاح هذا الفساد الدائم الذي نراه حتّى في حياتنا الشخصيّة«. 

وختم غبطته حديثه بالنقطة الثانية التي قال فيها: »أرجو لكم وأصلّي، وأنتم أحبّة وأنا منكم، من أعماق قلبي أن يستمرّ عمل الحركة فيكم وعبركم. إذ إنّ الحركة هي مدرسة العطاء في الكنيسة الأنطاكيّة. هذا دعائي، وأتمنّى ان تستمرّ المسيرة. وهذا هو رجاؤنا وإيماننا بأنّها مستمرّة. نحن لا نستطيع أن نرى المسيحيّة، بل نرى المسيحيّين. الحركة لا نستطيع أن نراها، بل نرى الحركيّين لكي نعرف ماهيّة الحركة. فالربّ يعطينا أن يستمرّ العطاء، والولادة بالمسيح يسوع تستمرّ، وهذا الفعل يستمرّ. فالأبوّة الروحيّة هي عمل الحركة بأن تخلق رجالاً في المسيح يسوع. نقصد كلّ من غُطّس بجرن المعموديّة ذكرًا أو أنثى، إلى أن يصبح على ملء قامة المسيح. وأن يبقى هذا التيّار الفكريّ الروحيّ الحدث الكنسيّ الذي يقدّم ويعطي الذين ينزلون إلى العمق فيُصعدهم اللَّه إلى فوق. نحن الذين ننزل إلى العمق يصعدنا اللَّه لأنّنا اتّضعنا فنلتقي مع تواضع اللَّه ويُصعدنا الَّله إلى حيث يشاء، وهكذا نكون بحقّ به نحيا نتحرّك ونوجد، ويكون هو الطريق والحق والحياة«.

وختمت الجلسة الافتتاحيّة بعشاء دعا إليه غبطته وسادت فيه روح الألفة والمحبّة. وبعد ذلك كان دور دير سيّدة النوريّة الذي احتضن المؤتمرين على مدى يومين في مقرّ المؤتمرات الجديد الملاصق للدير، واستقرّ الأخوة في مضيف الدير الحديث والمجهّز لاستقبال الرياضات الروحيّة والاجتماعات.

خصّصت الجلسة الأولى من المؤتمر لعرض تقرير الأمين العامّ الذي جاء فيه:

»لربّنا الذي جمعنا اليوم كلّ الشكر. هو الذي شاء أن نجتمع إليه عبر لقائنا، وجوهًا، بعضًا إلى بعض برعاية أبينا غبطة البطريرك يوحنّا العاشر وبركته. وإذ أعبّر عن فرحنا الكبير أتوجّه بالدعاء إلى اللَّه كي يحفظ غبطته في الصحّة والقوّة إلى أعوام عديدة، ويزيده حكمة فوق حكمة، ويُحيطه بنوره في خدمته لكنيسة أنطاكية وقيادتها إلى ما يُرضي المسيح ويُفرحه بها. لربّنا الشكر على كلّ شيء، على ما يغدقه علينا من نعم لا نستحقّها، ومنها ما كشفه لنا من سبل خلاص عبر هذه الحركة التي أوجدها فرحًا لنا، وأوجدنا فيها فرحًا به وبخلاصه. نجتمع اليوم في ضياء محبّته الذي يمحو الظلمة ويُذيب الصعاب، لنألف لقاء الأبناء رغم كلّ ما يُبعد. نجتمع لنثبت معًا ونتقوّى، ليتغذّى كلّ منّا من إخلاص الآخر، لنُضيف مدماكًا جديدًا إلى أسس وحدتنا، لنطوّع الظروف والمحن ونُحنيها من أمام ما يفرح اللَّه ويجعل من هذه الحركة أكثر جمالاً وأمانة وملكًا له. وبالتأكيد كلّما زادت الحركة وعيًا لأهدافها ونهوضًا لأعضائها ووحدة لجسمها وحرّيّة لشبابها زادت جمالاً، وبها ومعها، زادت كنيسة اللَّه بهاءً. سيرة الظروف والمحن هذه تلفتني إلى ما عاينته، هذا العام، لدى الشباب الحركيّ، خصوصًا في سورية، من إصرار مذهل على تخطّي كلّ الصعاب لتلبية متطلّبات العمل الحركيّ ووحدته. إصرار من وجوهه، إلى اليوم، الثبات في الالتزام رغم المخاطر الكبرى، وتحمّل المشقّات وتعب ساعات عديدة للمشاركة في اللقاءات الجامعة. هذا الإصرار يجسّد حالة من الإخلاص لقضيّة اللَّه وكنيسته تندر في الزمن الصعب، يتعلّم منها المرء كثيرًا، وتضعنا جميعًا أمام مسؤوليّة أن نعمّدها بالوعي المطلوب، ونغذّيها بمزيد من فسحات المبادرة والحرّيّة وروح الوحدة لتكون أكثر رسوخًا وأعمق ثباتًا في النفوس. انطلاقًا من هذه المسؤوليّة المناطة بنا، خصوصًا كمسؤولين وأعضاء في الهيئة التشريعيّة الأعلى، أحدّثكم، على ضوء ما تلمّسته هذا العام، في ما أراه من أولويّات أو حاجات باتت ملحّة ليس وصولاً إلى حياة حركيّة أكثر استقامة وفاعليّة وحسب بل لتحصين الحركة، أيضًا، وتثبيت قدراتها على مواجهة صعوبات المستقبل القريب ومواكبة إيجابيّاته. وأعني بها الصعوبات أو الإيجابيّات الناجمة عن عبور الحركة، والكنيسة، معًا من زمن حركيّ وكنسيّ تختلف سماته ووقائعه وأولويّاته والتحدّيات التي واجهها عن الزمن الذي تعبران إليه.

في الحياة الحركيّة: هذا العبور قد يزيد من الصعوبات التي تحوط بالحركة وعلاقاتها. لكن ما من تحصين لها بغير أن نعالج الضعفات فيها، ونحفظها في الهويّة التي شاءها لها اللَّه عبر ما نقله لنا المؤسّّسون. وهذا سبيله أن يعي جميع الحركيّين، حقًّا، هذه الهويّة. أن يعوا أنّهم ينتمون إلى ورشة تربية على معرفة المسيح والحياة فيه والنهوض به. نهوض يعبّر عن ذاته بحضور قضيّة اللَّه في حياتهم، أفرادًا وجماعة، فوق كلّ قضيّة. وقضيّة اللَّه هي أن ينمو الأبناء في بنوّتهم للربّ وحبّه والتزامه والشهادة له، وأن يُسألوا عن تحلّي كنيسته ببهائه ليكتسب حضورها في العالم من الربّ وإنجيله ما يحمل الخلاص للعالم. الحركة هي هذه، والنهضة هي هذه. هي ورشة البناء في المسيح وقضيّته. نحن لا سبيل أمامنا إلاّ أن يعرف شبابنا هذه الهويّة ويرسخ بها. ما نشكوه من افتقاد بعض شبابنا لميزات الشباب المؤمن وخصوصيّته إنّما هو نتيجة جهله هذه الهويّة. فالشخص لا يُبنى في الالتزام، وينمو فيه، ما لم يترافق بنيانه مع وعي عميق، وتبنّ حرّ لغاية هذا الالتزام. وفي الواقع لدينا شرائح، لا يُستهان بها، من الشباب تجهل الحركة رغم ما تتحلّى به من إخلاص ونشاط. تجهل تاريخها وتراثها وفكرها وأهدافها واهتماماتها وتحصر هذه الهويّة والاهتمامات في ما كُشف لها محلّيًّا. هذا ما تزيد قناعتي به كلّما واكبت حياة الحركة أكثر وعاينت الشكاوى والتقيت بالمشاركين في مناسبات حركيّة وآخرها لقاءات الصيف. وإنّها مناسبة لأشكر اللَّه الذي أعطانا أن تنعقد هذه اللقاءات بمشاركة لافتة من معظم المراكز، وهي لقاءات الثانويّين والجامعيّين والحلقة الدراسيّة وورشة الهويّة النهضويّة، وأن يكون لها الصدى الجيّد لدى المشاركين. 

بالعودة إلى ما سبق، لن أكرّر نفسي وأتطرّق إلى موضوعي التربية الحركيّة والإرشاد كسببين. فقد سبق وعالجناهما مطوّلاً في مؤتمرات سابقة أذكر منها، مثالاً لا حصرًا، المؤتمرين الحادي والأربعين والثاني والأربعين، واتّخذنا في سياقهما مقرّرات لا تُحصى، إلاّ أنّ العبرة تبقى في التنفيذ. وأكتفي، اختصارًا، بالقول إنّنا ما زلنا نهمل في تربيتنا التعريف الأصيل بالحركة وآفاق اهتماماتها  وغاية الوجود فيها، كما أنّنا ما زلنا أسرى التقليديّة التنظيميّة التي تمنعنا من أن نبني أطرنا وفرقنا الحركيّة قياسًا على المؤهّلين من المرشدين حيث نستمرّ في منطق الاستعانة بمن تيسّر. لكنّني سأتوقّف عند أمر ثالث لا يقلّ أهمّيّة عن هذين السببين، وهو ما سبق وأسميته في المؤتمر الثالث والأربعين »اجتياح الوجه المؤسّّساتي للحركة« وقضيّتها، والأكثر تعبيرًا وتلخيصًا لهذا الاجتياح، اليوم، هو وطأة النظم والقوانين الداخليّة التي تسيّر حياة الحركة في أكثر من مكان. فإضافة إلى اختلافها الكبير بين مركز وآخر، بات بعضها ثقيلاً ومقيّدًا يعكس وطأة السنين ويساهم في حجب هويّة الحركة الحقّ عن الأعضاء خلفه. ولأسباب تعود، من دون شكّ، إلى الغيرة على الحركة وضبط استقامة حياتها، رهنت بعض نظمنا حياة الحركة لمزيد من المأسسة وحكم الحرف، وضيّقت فسحات الحرّيّة والمبادرة فيها أمام الأجيال الشابّة، وأضعفت الثقة بهذه الأجيال. أضف إليه أنّنا نُشغل، جميعًا، ونُنهك بمتطلّبات »المؤسّّسة« الحركيّة، الانشغال الذي يغيّب الآفاق ويطبع الحركة في الضمائر بكونها مؤسّّسة مقفلة تُحصر قضيّتها في انهماكاتها اليوميّة. إننّي لا أدّعي أنّ هذه الحال هي حال حركيّة عامّة، لكنّها بالتأكيد هي حال ملحوظة في مشهد الحركة في أكثر الأمكنة. وشهادة على ذلك نرى، مثالاً، أنّ التزام الحركيّين شؤون رعاياهم وأبرشيّاتهم لا يتساوى، بل لا يُقابل، مع حجم التزامهم حياة »المؤسّّسة« الحركيّة، مع ما توحيه هذه الحياة من انغلاق على كلّ ما هو »خارجي« وحيث، رغم تعب المرشدين والمختبرين، لا تُلحظ سمات القيادة والثقافة والالتزام ورجاحة الشخصيّة النهضويّة لدى العدد المرجوّ من الشباب. 

كلّ ما بادرنا إليه، أمانة عامّة ومراكز وفروعًا، من حلقات ولقاءات يساعد ولا يكفي. فهذه كلّها تشدّد وتحفّز وتزرع البذور. إلا أنّ هذه البذور إن سُيّجت بحدود وأحيطت بقيود تُخنق. نحن لم نعرف الحركة غير المدى الذي فيه نمت بذور التزامنا في المسؤوليّة والمبادرة والخلق، ولم نعرف مرشدينا الكبار غير رعاة لمزيد من النموّ بحرّيّة، فرحين بهذا النموّ. قد لا تقود هذه الحرّيّة الشخص إلى أن يُبنى في المسيح. هذا ليس بالضرورة. لكن يستحيل أن يُبنى شخص في المسيح من دونها. يستحيل أن نرى شبابنا قامات نهضويّة من دون هذه الحرّيّة. أمّا ما يضبط استقامة مسار حياة الشخص والجماعة في المسيح، فهي الرعاية وليس، أبدًا، النُظم وقيودها. فالباني في الربّ لا يبني بغير ما بنى الربّ. الربّ بنى بمحبّة الانسان واحتضانه وافتداء ضعفه وحرّيّته في آن. هو نقض، وتمّم، بأن جعل من الذبيحة رحمةً ولكلّ شريعة غايةً هي خدمة المحبّة والبناء فيها. وعليه أدعوكم إلى أن نكون في هذا المؤتمر بقامة ما تتطلّبه المرحلة من جرأة إعادة النظر بما يقتضي من أنظمتنا بالاتّجاه الذي يوسّّع فسحة الحرّيّة ويجعل الحركة أكثر نضوحًا بحيويّة الشباب ومبادراته، جرأة إعادة النظر في كلّ ما يوحي بأنّ للروح، في الحركة، حدودًا. إنّ إعادة تطويع أنظمتنا في خدمة »المحبّة الأولى«، بعد سبعة عقود من عمر الحركة، وترافقها مع إطلاق جدّيّ ورشة إصلاح إرشاديّ تربويّ ارتكازًا على مقرّرات مؤتمراتنا السابقة. ومع تكثيف الأمانة العامّة مبادراتها وتطوير الإعلام التواصليّ للحركة قد يسهّل علينا جميعًا الوصول إلى المرتجى. في هذا السياق أذكر، إضافة إلى لقاءات الأسر والحلقة الدراسيّة ومبادرات المنسّقين، ضرورة أن تستمرّ الأمانة العامّة في عقد ورشة الهويّة النهضويّة لتطال مشاركين جددًا وأن تؤسّّس لمرحلة ثانية منها تختصّ بالأخوة الذين سبق لهم وشاركوا في الحلقات الأولى لصقل ما سبق واكتسبوه. وفي السياق ذاته أتلمّس الحاجة إلى أن تؤسّّس الأمانة العامّة حلقة إرشاديّة دائمة حول »الفكر الحركيّ«، حيث سبق وطلبت من الأخ جورج تامر أن يتقدّم ببعض المقترحات حولها.  

في الإعلام: أمّا على صعيد الإعلام، ففي يقيني أنّه، رغم ما أنجز، يبقى أمامنا الكثير. سألتفت، أوّلاً، إلى الشأن الإعلاميّ الأهمّ في ضميرنا الحركيّ وهو مجلّة النور، المرجع الغنيّ لكلّ مهتمّ وباحث كنسيّ، لأتوقّف أمام إهمال التعاطي معها، تحريرًا وقراءة. هذا الإهمال المعبّر عنه باستقالة الكتّاب الحركيّين، على ندرتهم، من مسؤوليّتهم عن الكتابة فيها، وكذلك بإهمال قراءتها من معظم الحركيّين، وكلاهما غير مبرّر. وإذ أدعو إلى أن نعيد إلى هذه المجلّة مكانتها في ضمير الحركة، أرى أنّنا لا نستطيع أن نتجاهل، أيضًا، ما للانتقال من عصر الإعلام الورقيّ إلى عصر الإعلام الإلكترونيّ من متطلّبات. علينا أن نتكيّف مع ما يُكسب تعبنا الإعلاميّ فاعليّة أكثر وفق حاجات الزمن ويربّي أجيال الشباب، في آن، على جرأة الكتابة. ما أدعو اليه هو أن نبادر إلى تأسيس »مجلّة النور الإلكترونيّة« التي تنطق، أيضًا، باسم الحركة وتختصّ بالمقالات والهموم الإيمانيّة الشبابيّة كافّة والأخبار الحركيّة والكنسيّة كافّة على أن تتولّى تحريرها هيئة من الجامعيّين والعاملين الشباب برئاسة مُختبر، وأن تبقى المجلّة الورقيّة مختصّة بالمقالات النهضويّة العامّة والمواضيع والملفّات التعليميّة الكنسيّة. 

وفي ما يختصّ بالإعلام الالكترونيّ وأعني به تحديدًا، الموقع الإلكترونيّ، والتطبيق الجديد، الخاصّ بالحركة، على الهواتف الذكيّة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ، فباتت حاجته إلى ما هو أكبر من جهد فرديّ تطوّعيّ، أو تفرّغيّ جزئيّ رغم الجهود الكبيرة التي بذلها القائمون على إعلامنا والمرتبة التي قادوه إليها. لذا ستبادر الأمانة العامّة في هذه الفترة الآتية إلى تعيين هيئة، برئاسة الأمين العامّ، تضمّ بين أعضائها بعض المختصّين لتُشرف على أهداف هذا الإعلام وترصد حاجاته وتخطّط لتطويره على رجاء أن تجد الأمانة العامّة ما يسمح لها بتمويل حاجاته.

في هيئة الطوارئ الاجتماعيّة لن أتوسّّع إضافة في ما يعني سائر شؤون حياتنا الحركيّة، خصوصًا وأنّ لنا، في هذا المؤتمر، لقاء مع ما يرتجيه الشباب من الحركة، لكن لا بدّ من أن أتوقّف عند هذا الشأن الذي لا ينفصل عن كونه جزءًا من الأجزاء التي تكوّن استقامة حياة الحركة والحركيّين في المسيح. يوم بادرت الأمانة العامّة إلى تأسيس هذه الهيئة شغلها أمران: الأوّل إيجاد السبل التي تجعل الحركة حاضرة في وجع الأخوة وحاجاتهم، والاستفادة من أقسى الظروف لتربية بعضنا البعض على العطاء الشخصيّ وإعلاء شأن التخلّي في ضمائرنا. هذه التربية التي لم تكتسب في اهتمامات الحركة مكانتها الإنجيليّة المتصدّرة. هناك فرق شاسع بين أن نجعل من العمل الاجتماعيّ شأنًا خاصًّا بفريق حركيّ أو هيئة مسؤولة، وأن نربّي على أن يكون همًّا شخصيًّا لكلّ حركيّ. يؤسفني القول إنّ هذه الخبرة، خبرة هيئة الطوارئ لم تلاق الصدى المرجوّ. إنّني أشكر اللَّه لكون بعض الأخوة ما زالوا يلتزمون دعم الهيئة بانتظام شهريّ، ولكون الهيئة استطاعت أن تقدّم للمحتاجين من المساعدات ما لا يُستهان بحجمها، وعلى أنّها تتابع مهمّتها اليوم بالإمكانات المتوفّرة إلاّ أنّ هذا لا يعفي أحدًا، خصوصًا الأخوة رؤساء المراكز، من مسؤوليّة ايجاد السبل التي تضع الحركيّين بتماسّّ مع الهيئة ودعمها بمزيد من التزام العطاء تصحيحًا لمسار التزامنا الربّ، ومنعًا لتوقّف خبرة الحبّ هذه.

في الشأن الكنسيّ والرعائيّ: إضافة إلى ما سيخاطبنا به غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في افتتاح المؤتمر والذي سنتفاعل مع مضمونه في فسحة تداول مباشر في ما بيننا في هذا المؤتمر، يبقى، في هذا الشأن، أنّ غياب واحات الشورى والهيئات التي تجمع أعضاء الجسم الكنسيّ في الرعايا والأبرشيّات، بعضًا إلى بعض، هو وجع الكنيسة ووجع المؤمنين الكبير. ولعلّ التعبير الأهمّ عن هذا الوجع، مؤخّرًا، هو ما سبق ونقلته إلى صاحب الغبطة ممّا لوحظ من غربة للشعب الكنسيّ عن أعمال المؤتمر الأنطاكيّ الأخير ونتائجه، وجهله انعقاد المؤتمر ومواضيعه، رغم الجهود الكبيرة والإمكانات الهائلة التي وضعت لأجل إعداده وإنجاحه.  

اختصارًا، كنيستنا تحتاج إلى ذلك الإطار التشاركيّ الذي فيه تعبر هموم المؤمنين وتطلّعاتهم من مؤمن إلى آخر، ومن رعيّة إلى أخرى، ومن أبرشيّة إلى أخرى. تحتاج إلى الإطار الذي يضبط الكلّ في مسار القانون الكنسيّ ويجسّد، بحقّ، وحدتها، ويحرّرها من حالة التجزئة والفرديّة، السائدة على أكثر من صعيد، والتي تعبر فيها كنيستنا منذ الزمن الذي فيه وعينا على مسؤوليّتنا فيها وعنها. ولعلّ ما بات حاجةً لا تنتظر هو أن يواكب المجمع المقدّس التوجّه البطريركيّ إلى تأسيس دوائر أنطاكيّة تنفيذيّة، وذلك بأن يحسم أمر قانون المجالس النافذ إمّا بتعديله وفق ما يناسب اليوم بعد أربعين عامًا من إصداره والسير بتنفيذه، وإمّا بإصدار قانون جديد يلاقي هذا التوجّه ويعالج تذمّر المؤمنين، لا بل يأس الكثيرين منهم، من الحال التي لا تزال ترسخ فيها حياتنا الرعائيّة. الشورى في الكنيسة لا نتطلّع اليها كحقّ من حقوق. هي ليست غاية بحدّ ذاتها. الغاية، دائمًا، هي أن تحضر الكنيسة، بالرعاية، في قلوب الأبناء فيحضرون فيها وتحضر همومها في همومهم، ليتحسّسوا مسؤوليّتهم عنها وعن كلّ من فيها، ويملأون المدى الذي فيه يترجمون هذه المسؤوليّة، والإطار التشاركيّ هو هذا المدى. أيّ مساهمة للحركة، اليوم وغدًا، على هذا الصعيد؟ سؤال أحيل جوابه إليكم وإلى هيئة أقترح أن يولّفها الأمين العامّ تُسأل معه عن وضع خطّة عمل لمواكبة القضايا الكنسيّة والرعائيّة، في هذه الفترة الفاصلة، تعمل بإطلاع الأمانة العامّة وإشرافها، يجدر التأكيد دائمًا أنّنا، عندما نُضيء في مؤتمراتنا واجتماعاتنا على مكامن الضعف في حياة الحركة والكنيسة، فذلك لا يعني أنّنا نُعمى عمّا يُبهر في هذه الحياة ويرضي اللَّه. غير أننّا ما وجدنا في المسؤوليّة إلاّ لأجل أن نصير بما سُئلنا عنه واحة حنطة لا يشوبها زؤان. نسعى إلى هذا، ونعلم، أنّنا »نحمل هذا الكنز في أوان خزفيّة«، لكنّ اتّكالنا على اللَّه الذي يحبّ كنيسته، وأوجد هذه الحركة حبًّا بها، هو ما يُثبّتنا ويقوّينا في مسار التزامنا قضّيته. وختامًا ألتفت اليكم، جميعًا، شاكرًا تعبكم الكبير وجهودكم في خدمة الكلمة، وأتوجّه إلى جميع الأخوة المسؤولين والمنسّقين في الأمانة العامّة الذين جاهدوا، كلّ من موقعه، طيلة هذا العام، وأثمرت جهودهم حيويّة نهضويّةً ملحوظةً، راجيًا اللَّه أن يقوّيكم جميعًا ويحفظكم ويحفظ حركتنا في محبّته وحرّيّته إلى أن يشاء هو«.

ثمّ كان عرض برنامج Application on line الذي تطبّقه الأمانة العامّة ويتضمّن الأخبار الكنسيّة والمقالات وغير ذلك.

بعد الظهر عرض الأخ ديمتري سمعان من مركز حلب ورقة بعنوان »شهادتنا في زمن مضطرب«، تطرّق فيها إلى انعكاسات الزمن المضطرب على المجتمع المسيحيّ، وتتجلّى في التساؤل حول دور اللَّه في حياة البشر في ظلّ انتشار الشرّ وسيطرة الاهتمام بالشأن اليوميّ المعيشيّ والأمنيّ، والضغط الاقتصاديّ وفقدان دور الكنيسة الراعية. كما دعا إلى التحلّي بالرجاء بيسوع المسيح وتبنّي رؤية إنجيليّة تعالج قضيّة الدفاع عن الوجود المسيحيّ في المنطقة. كما دعا إلى الثبات في الأرض ونبذ العنف والتربية على شهادة مسيحيّة حقّ والتزام شؤون الأرض وإبراز أهمّيّة المواطنة.

وبعد التقرير الماليّ وإبراء ذمّة اللجنة الماليّة كانت شهادات في الأخ روي فيتالي قدّمها الأمين العامّ ومركز اللاذقيّة وبعض الأخوة.

وفي اليوم الأخير من المؤتمر شارك الأخوة في القدّاس الإلهيّ الذي أقيم في كنيسة القدّيس سمعان القريبة من الدير، ثمّ تابعوا مناقشة ورقة ديمتري سمعان. وبعد الاستراحة، استمعوا إلى انطباعات المنسّقين حول لقاءات الصيف أقامتها أُسرتا الثانويّين والجامعيّين والحلقة الدراسيّة والهويّة النهضويّة. 

وحول موضوع »أيّ حركة نريد؟« تحدّث كلّ من سارة نصر من مركز جبل لبنان، وعلاء مخّول من مركز عكّار، ورالف جعجع من مركز طرابلس. فأرادتها سارة نصر على صورة المؤسّّسين حاملة المسيح إلى الآخرين، شفّافة تعكس فرح السيّد، تحبّ الآخر بلا قيد أو شرط. ودعت إلى نهضة في الحركة والكنيسة وإلى تأسيس الحركة على نهج المؤسّّسين، وتوجّهت إلى الحركيّين طالبة أن يعي كلّ عضو أنّه يعمل مع اللَّه.

أمّا رالف جعجع، فتساءل عن دور الحركة في جذب الأطفال بالأساليب الحديثة، وعن دور الحركيّين في المجتمع والوطن، وأراد للحركة أن تنسّق مع الجمعيّات الأهليّة المدنيّة في الشؤون الثقافيّة والبيئيّة والوطنيّة، ودعا كلّ حركيّ إلى مواصلة السير حاملاً الشعلة بأسلوب عصريّ يخاطب لغة هذا الزمن.

علاء مخوّل أراد أن تعود المحبّة والألفة إلى قلوب الحركيّين، وقال إنّ مصير الحركيّ لا يتعلّق بما يريده هو، بل ما يريده اللَّه لهذه اللؤلؤة أن تكون في أنطاكية. نبغي حركة تلبس الطاعة مسوحًا وتسير وراء الراعي خرافًا مصلّية، حركة تعيش الليتورجيا جماعة واحدة تتفاعل في حياة الكنيسة اليوميّة، صوّامة مصلّية، سامريّة شفوق، غير متقوقعة ترى في الآخر صورة المسيح.

وبعد صلاة الغروب عقدت جلسة التوصيات، واتّخذت فيها القرارات التالية:

قرارت وتوصيات

بعد أن كلّف المؤتمر الأمين العامّ أن يطلع صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر على أعماله ومقرّراته وأن ينقل لغبطته شكر أعضاء المؤتمر وفرحهم للرعاية والاحتضان اللذين أحاطهم بهما، اتخّذ القرارات والتوصيات التالية:

القرارات:

١- اعتماد كلمة صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر ورقة تأمّل وعمل، لما حملته من تذكير بالأسس الإنجيليّة والكنسيّة وتأكيد على عمل الحركة لمجد السيّد وسط أحبّته وتثمينٍ لعمل الشباب وحيويته خدمةً لإعلاء كلمة الربّ، وستقوم الأمانة العامّة بتوزيع كلمة غبطته على المراكز، وتاليًا الفروع، ليُعمل بوحيها في الفترة القادمة.

٢- قبول تقرير الأمين العامّ ودعوة المراكز والفروع إلى دراسته والعمل بوحيه.

٣- دعوة الأمانة العامّة إلى تأليف لجنة، يرأسها الأمين العامّ وتضمّ بعض الأمناء العامّين السابقين من بين أعضائها، تهتمّ بالاطّلاع على الأنظمة الداخليّة المعمول بها في المراكز وتعمل على وضع مشروع نظام داخليّ موحّد للمراكز الحركيّة، يأخذ في الاعتبار الخصوصيّات المحلّيّة، ويؤكّد وحدة الحركة، ويساعد على تنمية الأجيال الشبابيّة في المسؤوليّة والالتزام ويزيد من حرّيّة مبادراتها. وكذلك تُناط بهذه اللجنة مهمّة إعادة قراءة النظام الحركيّ العامّ في ضوء هذا التوجّه على أن يتمّ إرسال المشروع الموحّد، وكذلك التعديلات المقترحة على النظام الحركيّ العامّ، إلى المراكز لدراستها قبل ثلاثة أشهر من الدعوة إلى عقد مؤتمر خاصّ بهذا الموضوع في فترة أقصاها شهر أيلول من العام 2015.

٤- دعوة الأمانة العامّة إلى جمع وتلخيص مقرّرات المؤتمرات الحركيّة المتعلّقة بالتربية الحركيّة والإرشاد، خصوصًا في السنوات الأخيرة، ووضعها في متناول المراكز الحركيّة قبل نهاية هذا العام كي تنطلق المراكز بالعمل بموجبها. على أن يخصّص برنامج المؤتمر الحركيّ العامّ القادم، حصرًا، إضافة إلى انتخاب أمين عامّ، للاطّلاع على تقارير المراكز بهذا الخصوص والمراحل التي بلغتها في التنفيذ ومعالجة الصعوبات التي اعترضتها.

٥- قبول التقرير الماليّ وإبراء ذمّة الأمانة العامّة للحركة عن السنة الماليّة التي بدأت في الأوّل من تشرين الأوّل 2013 وانتهت في الثلاثين من أيلول 2014.

توصيات:

٦- قياسًًا على حاجة الوضع الإرشاديّ في الحركة، يوصي المؤتمر الأمانة العامّة، إضافة إلى اللقاءات والحلقات المعمول بها، البحث في إمكان إطلاق حلقة إرشاديّة دائمة تهدف إلى بناء الأخوة المرشدين في الفكر الحركيّ ومقوّمات الشخصيّة الإرشاديّة.

٧- في ضوء الحاجات الإعلاميّة اليوم، وسعيًا إلى مزيد من تفاعل الأجيال الشابّة مع هموم الحركة والكنيسة وأخبارهما، وتوجّهًا إلى تشجيع الشباب على الكتابة والنشر تعبيرًا عن آرائه وتطلّعاته، يوصي المؤتمر الأمانة العامّة بحث السبل التي تُفعّل تعاطي الشباب مع مجلّة النور ومشاركته فيها وتُزاوج بين هويّتها الورقيّة والصعيد الإلكترونيّ.

٨- أمام ما يجسّده عمل هيئة الطوارئ الاجتماعيّة، وهيئات العمل الاجتماعيّ الأخرى في الحركة كمشروع التبنّي المدرسيّ والمراكز الاجتماعيّة وغيرها، من أبعاد إنجيليّة ووحدويّة، يؤكّد المؤتمر ضرورة حثّ الحركيّين على الالتزام الشخصيّ بدعم هذه الهيئات، وعلى مزيد من تربية بعضنا البعض على العطاء بما تقتضيه هذه التربية من أولويّة توجّه وسبل تراها المراكز مناسبة.

٩- نظرًا إلى أهميّة المرحلة الكنسيّة، وفي ضوء انعقاد المؤتمر الانطاكيّ الأخير ونتائجه، وتأكيدًا على مسؤوليّتنا ومساهمتنا بحفظ حياتنا الكنسيّة في الشورى والمشاركة ورحاب القانون، يوصـي المؤتمـر الأميـن العـامّ اتّخـاذ ما يراه مناسبًا من خطوات لمواكبة هذه المرحلة.

١٠- قرّر المؤتمر إدراج ورقة »شهادتنا في زمن مضطرب« للأخ ديمتري سمعان في أوراق المؤتمر.

١١- يوصي المؤتمر الأمانة العامّة دراسة السبل لتنفيذ ما تراه ممكنًا من المقترحات الواردة في ختام ورقة »شهادتنا في زمن مضطرب«.

١٢- قرّر المؤتمر إدراج مداخلات الأصـوات الشبـابيّــة الثلاثـة التي استمع إليها من كلّ من الأخوة ساره نصر، علاء مخّـول ورالـف جعجع في أوراق المؤتمر.

١٣- أكّد المؤتمر دور الأمانة العامّة في متابعة مبادرات الشباب الحركيّ التي تنطلق في أكثر من بلد خارجيّ نتيجةً لهجرة بعض الشباب والإشراف عليه.

١٤- يوصي المؤتمر الأمانة العامّة بإعداد الجزء الثاني من كتاب »أنطاكية تتجدّد« الذي يتناول المرحلة الحركيّة بين 1992 و 2017 وإصداره لمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لانطلاقة الحركة.

١٥- يوصي المؤتمر الأمانة العامّة البدء، في أقرب وقت ممكن، بإعداد ما تراه مناسبًا لمواكبة إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لانطلاقة الحركة.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search