لا يُفهَم إنـسان، اعـتنق يسوع دينًا، يعلم أنّ قريبًا له، أيَّ قريب (زوجته، أباه، أمّه، أخاه، صديقه...)، حزين منـه أو مـن أيّ شـيء آخـر، ويـديـر ظهـره لـحزنه ساعةً واحدة. نحن بشر لا نعرف كلّ شيء، أي قد نُحـزن أشخاصًا من دون علمنا. لكنّ الذي يعلم بحـزن الآخـرين، ويتـركهـم في مرارة حزنهم من دون أن يحـرّك سـاكنًا، لا يفهم شيئًا من دين الناصريّ!
هل هذه خلاصة قاسية؟ لا أحبّكم إن عبرتُ عن هذه «الرذيلة» من دون أن أصفعها بكلّ ما أوتيتُ من قوّة!
لا تسمحوا لأنفسكم بأن تأخذكم هذه السطور إلى أشخاص تعتقدون أنّها كُتبت إليهم هم. ما معنى المسيحيّة التي لا تكلّمني شخصيًّا؟ أكلّم نفسي. أكلّمكم. هناك قدّيس روسيّ كان، كلّما التقى بأحد، يحيّيه بقوله له: «يا فرحي، المسيح قام!». الكلمة لا تعني فقط أنّ المسيح الحيّ أهدانا، بقيامته المجيدة، الفرح أو هو شخصًا فرحُنا، بل أيضًا أنّه جعل الآخرين جميعًا فرحًا لنا.
كيف يكون الآخرون فرحًا لي؟
الجواب هو في ما كشفه الفصح عينًا. هذا الإنسان الآخر الذي أحيا معه، الذي ربّما يكون مزعجًا لا يُطاق، هو أخي الذي أقامه المسيح معه. «لنقل يا إخوة، ولنصفح لمبغضينا عن كلّ شيء في القيامة». نحن، في علاقتنا بالآخرين منعَنا الفصحُ من أن نأتي منهم إليهم. الجائز الوحيد أن نأتي منه إليهم. منه، أي من هذه الكرامة التي أهداها المسيح الحيّ للإنسانيّة جمعاء. كلّ إنسان «عضو مكرّم». هذا امتداد هدايا الفصح في الناس.
هل هناك مَن يقول إنّ هذه الكلمات مثاليّة؟ الواقع لا نختبره فعلاً في سوى حياة الطاعة. عندما تترك الناس حزانى (منك أو من أيّ شيء آخر) أنت ترتكب جرم فصلهم عمّا كشفه الفصح. كان لك فرصة أن تشبه الملاك الذي رأته النسوة، حاملات الطيب، أمام القبر الفارغ أو تشبه النسوة أنفسهنّ. ثمّ عندما تتركهم حزانى، من دون أن تحاول أن تفعل شيئًا يخفّف عنهم، من حيث تقصد أو لا تقصد، تعلن نفسك أنّك المستحقّ الفرح، أو أنّك لا تخطئ مثلهم، لتحزن هذه إنسانيّة فقيرة لا تعرف من الفصح، أو من هداياه، شيئًا.
ربّما أحزنتكم. لا أريدكم سوى فرحين. صدّقوا. هناك شيء فينا يعيقنا عن أن نتقدّم في العلم أنّنا بشر مخلوقون على صورة اللَّه، هو أن نقبل أنفسنا نختلف عنه. ثقوا بأنّ اللَّه لا يقبل أن نحزن إلّا الحزن الذي «يقودنا إلى التوبة». الأشياء، التي يفترض أن نقوم بها، مثل أن نصفح أو نعتذر، مثل أن نمسح عن عينَي الذين نحبّهم دموع الحزن، يمكن أن نستصعبها، أي نراها معقّدة، ويمكن أن نستسهلها. كيف تكون سهلة؟ الجواب عينه: إن قدرنا على أن نأتي من انتصارات اللَّه! هذه الثقافة، ثقافة الاعتذار أو ثقافة الصفح أو الغفران، عندما ندرك فعلًا أنّ الذين تسكن في صدورهم انتصارات اللَّه، (أو قلْ: الذين هم صورته أو يحبّون أن يتمثّلوا به)، هم الذين يتقنونها، لا نؤخّر أنفسَنا عنهم. لا يجعلني صغيرًا أن أعتذر. لا يقلّل من رجولتي أو من أنوثتي أن أسعى إلى فرح الآخرين. العكس هو الصحيح!
ما الذي أردتُ قوله إلى الآن؟ أردتُ شيئًا واحدًا: أن نحفظ أبدًا أنّ الفرح خدمة أيضًا. أكتب هذه السطور في الفترة الفصحيّة التي أخذ القدّيس سيرافيم ساروفسكي، الذي أشرت إليه، منها تحيّته. الذي أعتقده أنّه، بإضافته إلى هذه التحيّة الفصحيّة عبارة: «يا فرحي»، لم يضف إلى معناها شيئًا. الذي لا يعرف منّا أنّ التحيّة ذاتها تدفع قائلها إلى أن يخدم فرح الآخرين، إن قالها، لا يقول شيئًا فعليًّا، بل يبدل تحيّةً بتحيّة أخرى، عبارةً بعبارة!
يفرحني كثيرًا أنّنا ذكَّرْنا معظمَ المسيحيّين في هذه البلاد أن يعزّوا بعضهم بعضًا، أمام الموت، بعبارة الفصح. هذا كان يفعله المسيحيّون منذ البدء. كلّنا نعلم أنّ الموت لا يكسر الذي يصيبه فقط، بل أيضًا يكسر معه الذين يحبّونه، أهلًا وأقارب وأصدقاء. ما نفعله، بقولنا لأخٍ محزون: «المسيح قام!»، أنّنا نفتح عينَيه وقلبه على هديّة القبر الفارغ، وفي آنٍ ندعوه إلى أن يقوم من حزنه إلى فرح الفصح. لا نقول إنّه من العيب أن نحزن. العيب أن نسمح للموت بأن ينسينا أنّ إلهنا هدم قبور التاريخ إلى الأبد.
هذا من خدمة الفرح. الشيء الباقي، الذي يعنيني قوله، أنّ خدمة الفرح، الذي هو هديّة القبر الفارغ، هي شأن التلميذ الذي ركض إلى ملاقاة المسيح الحيّ في الجليل. شأنه أي هي أيضًا علامته اليوم وفي كلّ يوم.
يا فرحي، المسيح قام!