العدد الثالث - سنة 2021

14 - إيضاحات ليتورجيّة - فَلْنَقف، وإلى الربّ فلنطلبْ: يا ربّ ارحم - ميكال ساسين - العدد 3 سنة 2021

يتناول هذا المقال ضرورة الوقوف عند تلاوة «طلبة الكنيسة» (الطلبة السلاميّة الكبرى) التي  هي من المقوّمات الأساسيّة لخدمة القدّاس الإلهيّ. وقد تضمّنها الوصف الأقدم للقدّاس الإلهيّ الذي أورده القدّيس يوستينوس في دفاعه الأوّل (150م).

الممارسة الرائجة في الكنيسة الأنطاكيّة

اعتدنا أن نقعد أثناء «الطلبة السلاميّة الكبرى». ففي القدّاس الإلهيّ، مثلاً، نقف عند ترنيم المجدلة الكبرى (المجد لك يا مظهر النّور) قبل بدء القدّاس الإلهيّ، ونبقى واقفين أثناء التبريكة الافتتاحيّة للقدّاس الإلهيّ (مباركة هي مملكة الآب والابن والروح القدس)، وبدلًا من أن نستمرّ بالوقوف أثناء «الطلبة السلاميّة الكبرى» اعتادت الغالبيّة الجلوس حتّى نهاية الطلبة؛ ويقفون بعد ذلك إمّا عند «بعد ذكرنا الكلّيّة القداسة»، أو عند الإعلان التمجيديّ «لأنّه لك ينبغي كلّ مجد»، وإمّا عند بدء ترنيم «بشفاعات والدة الإله». فما مدى صحّة هذه الممارسة؟ 

ماذا في التراث؟

الممارسة الأنطاكيّة الأقدم، كما توردها أقدم خدمة مفصّلة للقدّاس الإلهيّ (الكتاب الثامن من «النظم الرسوليّة» (380م))، تقتضي تلاوة «طلبة الكنيسة» ونحن راكعون (كما في طلبات مساء أحد العنصرة).

وهذا جدول مقابلة بمطلع الطلبات وختامها (علمًا بأنّ الطلبات هي أكثر عددًا في «النظم الرسوليّة») وخاتمة الإفشين الذي يليها:

ففي «النظم الرسوليّة» نجد في المطلع دعوة للسجود (إحناء الرّكب)، وفي الختام دعوة إلى الوقوف باستقامة (وأنهضنا + فلنستقم).

هذه الممارسة الأنطاكيّة لم تكن عامّة وشاملة للكنائس كلّها. فهناك كنائس اعتمدت الوقوف أثناء تلاوة الطلبات، محافظة بذا على التراث المجمعيّ اليهوديّ (تسمية «عاموده» أي الوقوف العموديّ، هي إحدى تسميات الطلبات الموازية في التّراث اليهوديّ).

تنبّه آباء المجمع المسكونيّ الأوّل (325م) إلى هذا الاختلاف، وقضى المجمع بمنع السجود في الآحاد وفي المرحلة الخمسينيّة بين الفصح والعنصرة:

«استحسن المجمع المقدّس، بعدما رأى أنّ البعض يركعون أيّام الآحاد وأيّام الخمسينيّة، ولكي يكون النظام مـوحّدًا، أن ترفع الصلوات للَّه في الأيّام المذكورة، ونحن منتصبون وقوفًا». (القانون 20)

أسقف أنطاكية محرّر «النظم الرسوليّة» هو مقاوم للمجمع المسكونيّ الأوّل (وهذا يُمكن ملاحظته من جدول المقابلة أعلاه حيث الحرص على توجيه الصلاة والتمجيد لله الآب وحده بواسطة يسوع ابنه ومسيحه، كما من مواضع عديدة من مؤلّفه). ولذا كان من الطبيعي ألّا يلتزم بتعليمات هذا المجمع، والاستمرار في العمل وفق التراث الأنطاكيّ القديم بالسجود أثناء الطلبات.

المطلوب

ونحن اليوم، ونحن غافلون عن التراث القديم، أفتينا، بعد أن ملأنا كنائسنا مقاعد، بالجلوس أثناء «طلبة الكنيسة». وكأنّ الشمّاس ينادينا: «فلنجلسْ، وبسلام إلى الربّ فلنطلب». ما نقوم به اليوم غير مقبول. فالمطلوب أن نتلو «طلبة الكنيسة» (الطلبة السلاميّة الكبـرى) وقـوفًا أيّام الآحـاد والأعـياد الكبرى وفي زمن البندكسـتاري (بيـن الفصـح والعنــصرة). ينبغي أن نلتزم الوقوف ولو جلس أمامنا الأسقف الذي لا يستطيع الوقوف لضعف جسده. ثمّ يُمكن لمن لا يستطيع أن يستمرّ بالوقوف أن يقعد أثناء ترنيم الأنـتـيفـونات (أي الـتـرنيـمات المـتـنـاوب تـرنيـمـهـا بين الجوقين: «بشفاعات والدة الإله»، «خلّصنا يا ابن اللَّه»،...) إذ لا ضير في الجلوس أثناء ترنيمها.

أمّا في الأيّام العاديّة فيُمكن تلاوة «طلبة الكنيسة»، في السحر والغروب وحتّى في القدّاس الإلهيّ،  إمّا وقوفًا أو سجودًا؛ وإن كان الوقوف أَولـى، ليـكـون «النظام موحّدًا» في سائر كنائس اللَّه.

 

إلى الربّ فلنطلب:

وأخيرًا ننوّه إلى ضرورة تصحيح الترجمة العربيّة واعتماد عبارة «إلى الرّبّ فلنطلبْ» بدلاً من «إلى الربّ نطلب» الشائعة. فالشمّاس يحثّ الشعب على طلب الرحمة الإلهيّة بتضرّعه «يا ربّ ارحم»، ليتحقّق القصد الذي ذكره.

 

خاتمة

«طلبة الكنيسة» كما رأينا هي مكوّن أساس من مكوّنات القدّاس الإلهيّ، ولئن انتقل موضعها في التراث الروميّ من بعد العظة إلى ما بعد الدخول (قـبـل ترنيم التريصاجيون: قدّوس اللَّه)، فإلى مـطـلع القـدّاس الإلـهيّ بعد الإعلان الافتتاحيّ بعدما اعتُبِرتْ الأنتيفونات كجزء من القدّاس الإلهيّ. ونجدها تحت أشكال متنوّعة في سائر الطـقـوس الشـرقـيّة. أمّـا فـي التراث اللاتينيّ، فبعـدمـا سقطت من الاستعمال في مرحلة ما، أعـادها الإصـلاح اللـيتورجـيّ الأخير إلى مكانها فـي الـقـدّاس الإلـهـيّ مسمّيًا إيّاها «الصلاة الجامعة».

ولكن لكي تعبّر هذه الصلاة عن حقيقتها كـ«صلاة الكنيسة» ينبغي أن يعاد ترنيم «يا ربّ ارحم» إلى شعب اللَّه كلّه، صادحًا به بصوت واحد بقيادة قائد الجوقة.

فلننقذ صلاة «يا ربّ ارحم» من استئثار الجوقات بها ولنُعِدْها إلى صاحبها شعب اللَّه كلّه.

Loading...
 

الأعداد

© حقوق الطبع والنشر 2024 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search