2024

3 - الأخلاق والعائلة والمجتمع: الوعي بالقِيَم محور للإعلام المسيحيّ - قيس أسقف أرضروم - العدد الرابع سنة 2024

الوعي بالقِيَم محور للإعلام المسيحيّ

قيس أسقف أرضروم

مجلة النور العدد الرابع – 2024

 

الأمرُ الملحوظ في وقتِنا الحاضر هو أنَّ الإعلام يبتعد عن مسؤوليّتِه التربويّة، ويتمحور حول المفاجآت الأَخباريّة اليوميّة المتدفِّقة بلا انقطاعٍ، وملاحقة مواقع الأَحداث، عملًا بمبدأ تطبيق وممارسة حقِّ حُرِّيّةِ التّعبيرِ والضَّمير النَّاقد، إِلاَّ أنَّه، بإرادتِه أم مُرغمًا، يبثُّ الإِعلام في المساحاتِ العامَّة مروِّجًا لأَنظمةٍ ذات قِيَمٍ متعدِّدةٍ ومتباينة فيما بينها، البعضُ منها مِن الوحي والإلهام المجتمعيّ المحلّيّ، وبعضها الآخر هو نتاج استيراد متنوّعٍ من القيم والمعلومات الّتي هدفها التشويش على قيمِنا الروحيَّة والأخلاقيَّة-السّلوكيّة.

ليس عِلمُ النِّسبيَّة الأخلاقيّة (axiological relativism) هو سِمةُ وسائلِ الإِعلام فحسب، بل يُمكن ملاحظته أيضًا في ديناميكيّات المجتمع الانتقالي المتقلِّب بأَسرِه، في الأُسرةِ ولدى الشّباب، كما في المدرسة. لذلك، فالإعلامُ المسيحيّ مدعوٌّ لتحمُّلِ مسؤوليّة تطوير رسالته المِهنيّة، من خلال الاعتماد على المصادر الإِنجيليّة الثّابتة والآبائيّة واللاهوتيَّةِ والأخلاقيّةِ المسيحيّة. إِنَّ الاحترام تجاه أيّ شخصٍ، ونقل الحقيقة السّويّة والجميلة، يتعلّق بحرّيّةِ الكنيسةِ ووحدتها، ووحدة الرّعيّة والعائلة، من خلال حوارٍ مفتوحٍ مع كلِّ مكوِّنات المجتمع المحلّيّ الّتي هي قِيمٌ ثابتةٌ لا تزول أبدًا. قابليَّةُ التَّنشئة هي من ميزات النَّفس البشريّة، أمَّا التّربيةُ فهي خُبزُ النّفس.

إِنْ قُمنا بالبحث في مجموعة الأَحداث حتَّى الآن، نجدُ مصفوفةً كبيرةً من المواضيع الَّتي يُمكن طرحها إعلاميًّا في مجال الوعي القِيميّ-السُّلوكيّ المسيحيّ: دراساتٌ وبحوثٌ تتعلَّق بأَهمِّيَّةِ التّنشئة الدّينيّة المسيحيَّة (في المدرسة، والبيت، والكنيسة)؛ الكُتبُ التَّربويّة؛ شهاداتٌ/خُبرات من الطُّلاب والخرِّيجين الّذين حصلوا على دروسٍ في التّنشئة والتّربية المسيحيّة في مدارسهم حول دور التّربية في تنشئتهم أخلاقيًّا ومجتمعيًّا وإِيمانيًّا؛ شهاداتٌ مِن المعلِّمين والمربّين حول طُرق التنّشئة والتّربية المسيحيّة؛ خبراتٌ تربويّة من كنائس وأقاليم أُخَر؛ أَنشطةٌ للأطفالِ والشّباب مثل المخيّمات الكشفيّة، والفِرَق الموسيقيّة الرّعويّة، والخدمات التطوعيَّة، وتبادل الزّيارات الرعويّة بين الرعايا.

كذلك، هناك الدّوريّات ومجلّات البحوث اللاهوتيّة والتَّربويّة الصّادرة عن مختلف المراكز البحثيّة، والأكاديميّة واللاهوتيّة، ووثائق النّدوات والمؤتمرات ذات الاختصاص، إضافةً إلى المقابلات الرّوحيّة الّتي قدّمها الإكليريكيّون والتّربويّون المستنيرون، والّتي هي بحاجةٍ إلى القراءةِ والمطالعةِ بهدف تحديثِ وتطوير مِهنة الإعلام المسيحيّ. فمُعلِّمٌ في مدرسةٍ لا يتعلَّمُ هو أطرش وأعمى.

إِنْ كان المعلِّمون والمربّون، والآباءُ والتّلاميذ سيتوقّفون، من وقتٍ لآخر، أَمام النُّصوص المطبوعة في كنائسنا المشرقيّة، سيدركون أَنَّ مسؤوليّتهم أَمام الحِفاظِ على قِيمنا الرّوحيّة وتطويرها بالرّوح الإِنجيليّة لعظيمة هي، إذ فيها يشعّ نور المسيح الَّذي لا يغرب.

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search