2020

10. تحقيق - كنيسة رقاد والدة الإله - لولو صيبعة – العدد السادس سنة 2020

كنيسة رقاد والدة الإله

أو دير سيّدة الراس

لولو صيبعة

 

بطرّام كلمة سريانيّة معناها بيت الجبل العالي، وذلك لكونها تقع على تلّة مرتفعة (كما جاء في كتاب «أسماء المدن والقرى لأنيس فريحة»). كما ورد اسم «بيت هارام» أي البيت العالي في سفر (يشوع 13: 27). ويتبيّن من أصل اسمها ومن بعض آثارها أنّها قديمة العهد بالسكّان وبالحضارات.

للوصول إلى بطرام خضراء الكورة، عليك اختراق بساتين الزيتون وكروم العنب إلى إحدى التلال التي سمّاها الإفرنج «بالجبل الجميل»، حيث تمتدّ بيوت القرميد ومربّعات حجريّة مقنطرة تتعانق مع المساكن الحديثة. تبلغ مساحتها نحو 17334 هكتارًا، وتبعد عن العاصمة بيروت 80 كيلومترًا وعن طرابلس 14 كيلومترًا.

شهدت بطرّام أحداثًا تاريخيّة بارزة بفعل موقعها الجغرافيّ، ومنها أنّ بربر آغا والي طرابلس، كان يرتاح في أرجائها ويسقي خيله من مائها، قبل أن يتابع طريقه إلى بلدة إيعال حيث تقع قلعته.

من عائلاتها: مالك، سالم، سرحان، ديب، سركيس، يزبك، خوري، خولي، جبور، ملكي، جبرا، سرور، الشع، أندراوس، ساعود، عبود، مخول، داود، نعمة، نصر، كلش وطنوس.

عرفت بطرام تجمّعات سكّانيّة قديمة جدًّا بحكم موقعها - وسط الكورة - وخصب أراضيها. وفي وادي الكورة بين بطرّام وفيع، مغاور صخريّة قديمة وكبيرة، ما يثبت وجود إنسان ما قبل التاريخ حيث كان يأوي اليها على حسب تقدير بعض المؤرّخين الذين زاروا المنطقة وعرفوا الوادي، وبخاصّة عندما جاءت بعثة ألمانيّة وأخرى يابانيّة للتنقيب هناك.

من آثار البلدة ما يسمّى اليوم بمزار «أشمونيت» قرب الكنيسة، لدليل آخر على قدم البلدة وعهدها بالسكّان. والمزار مؤلّف من صخرة ضخمة حفرت فيها ثماني غرف، ينزل إليها على إحدى عشرة درجة تحت الأرض، ومدخل من باب في الصخرة ذاتها مربّع الشكل ويطلّ على سطح محفور ومنقوش، وحولها سبع غرف بالصخرة ذاتها أيضًا من ثلاث جهات. كرّس الأقدمون هذا المزار على اسم القدّيسة «سالموني» وأولادها السبعة ومعلّمهم لعازار (كما جاء في سفر المكّابيّين الإصحاح السابع من الكتاب المقدّس) والأيقونة موجودة في الكنيسة ومؤرّخة السنة 1871م. والأرجح أنّ هذا المزار يشبه الدياميس بغضّ النظر عن اسمه، تلك الدياميس المخفيّة تحت الأرض حيث كان المسيحيّون الأوائل يمارسون الأسرار، ويجتمعون للصلاة وكسر الخبز بعيدًا عن أنظار الرومان والمضطهدين. وهذا برهان آخر يؤكّد أنّ بطرّام مأهولة بالسكّان بناة الحضارة منذ القدم.

أمّا الصناعة في بطرّام فهي قديمة تعود إلى العام 1885، حيث كان يوجد في البلدة معملان لصناعة الحرير الطبيعيّ، وما يزال عمود المدخنة حيث كانت تغلى الماء لحلّ الشرانق موجودًا قرب العين، والمعمل الآخر لصناعة جرار الفخّار والأواني الفخّاريّة الذي أنشئ العام 1941، أمّا اليوم فيوجد معمل حديث متطوّر لإنتاج المعكرونة والشعيريّة والأرزّ المطحون، ومحمصة حديثة، وصناعات مرتبطة بالإنتاج الزراعيّ المحلّيّ كصناعة الزيت (4 مكابس) والصابون والعرق والنبيذ.

دير سيّدة الراس

على الصخر ارتفعت كنيسة رقاد والدة الإله منذ زمن سحيق، ولا يتذكّر أهل القرية تاريخ بنائها. إلاّ أنّ هناك من يقول إنّ وثيقة موجودة في الفاتيكان تثبت أنّ كاهنًا رُسم في الكنيسة العام 1050، ما يرجّح أنّها شيّدت في القرون الوسطى. كما أشار المؤرّخ أسد رستم إلى أن يكون بناها الإفرنج في أحدى البعثات الصليبيّة عندما بنوا كنيسة دير سيّدة البلمند.

الكنيسة هي ضمن دير يعرف باسم سيّدة الراس؟ ما هو سرّ التسمية؟ ألأنّها تقع في أعلى منطقة من قرية بطرّام؟ أو لأنّها رأس زاوية مثلّث مساحة الكورة المعتمد من الجيش اللبنانيّ(٢)؟ أم هناك سبب آخر؟ هل كانت مأهولة بالرهبان في وقت ما؟

تحت الساحة في الجهة الغربيّة غرفتان من عقد بناهما السيّد سليم مالك، وتعرفان  تحت اسم «الكمنتير» وهذه الكلمة تحوير لكلمة كيميتيريون اليونانيّة التي تعني المدفن وما نعرفه في اللغة الفرنسيّة cimetière فخلال الحرب العالميّة الأولى كانت تدفن فيه ضحايا الأعمال العسكريّة وجنود ينتمون إلى جنسيّات مختلفة.

هي كنيسة مبنيّة بالحجر الكلسيّ المقصّب، مستطيلة الشكل تنتهي بحنيّة ناتئة وتتّسع نحو ثماني شخصًا. وسقفها من الإسمنت المسلّح حلّ محلّ السقف الترابيّ.

تضرّرت الكنيسة بفعل القذائف التي طالتها خلال الحرب الأهليّة، فخضعت لعمليّة ترميم شبه كاملة في العام 1978. ومن الأعمال التي أُنجزت:

أنيرت الكنيسة بالكهرباء العام 1976.

نزع الطلاء عن الجدران وظهر الحجر.

الأرضيّة كانت من الحجر أمّا اليوم فهي من الرخام.

المذبح من الرخام وفوقه مظلّة من الخشب.

المقاعد الخشبيّة جديدة.

الأيقونسطاس القديم كان من الرخام ولم يبق منه سوى صليب ربّنا مع والدة الإله ويوحنّا الحبيب الذي يعلو الأيقونسطاس. قبل العام 1978 كان الأيقونسطاس يقتصر على بابين، أمّا اليوم فهناك ثلاثة أبواب.

كتبت الأيقونات الملكيّة راهبات دير القدّيس يعقوب الفارسيّ المقطّع في العام 1978.

لم تتوقّف أعمال الترميم، إنّما هي مستمرّة بفضل تبرّعات المؤمنين. وفي هذا السياق، نقرأ نقشًا على المدخل يشير إلى تبرّع السيّد ميشال سرحان بقطعة أرض: «الشكر لك يا مريم، ما أراده اللَّه أن يكون فكان. تمّ شراء أرض هذه الغابة وهبًا عن روح المرحوم ولدي جوزف ميشال إسحاق سرحان. شكرًا لك يا اللَّه، 1989».

وعلى لوحة أخرى نقرأ أنّ السيّد سرحان نفسه تبرّع بترميم الكنيسة في العام 1978.

في العام 2006 جرى توسيع الباحة وبناء الدرج عند المدخل.

تستقبلك فوق ساكف المدخل فسيفساء والدة الإله الأرحب من السماوات، وهي من تنفيذ ميلاد صليبي، العام 2014، وتبرّع بها السيّد إدمون نصر وزوجته السيّدة جومانا.

الجرسيّة القديمة التي ترقى إلى العام 1935 تضرّرت خلال الأحداث، فحلّت مكانها جرسيّة جديدة من الحجر الأبيض، تبرّع بإنشائها السيّد زياد رجا يزبك.

في العام 2015 رمّمت الطريق إلى الكنيسة ورصفت بالبلاط.

تقام الصلوات فيها خلال صوم والدة الإله وفي سبت الأموات، فالكنيسة محاطة بمدافن القرية.

من محتويات الكنيسة:

جرن معموديّة حجريّ جديد من العام 1998،

الجرس القديم من صنع معامل بيت شباب.

أيقونة النبيّ إلياس من العام 1928.

ثلاث أيقونات من العام 1945.

بئر من القرون الوسطى.

كما توجد في بطرام كنيسة كبرى قديمة العهد كتب على لوحة رخاميّة معلّقة على أحد جدرانها أنّها تعود إلى السنة 1779 مسيحيّة. كرّست على اسم القدّيسين «قزما ودميانوس»، وهي بناء حجريّ ضخم (2،5م سماكة حيطانها). هذا وفي مكتبتها تسع مخطوطات أقدمها مؤرّخ السنة 1778مسيحيّة.

وكانت لنا مقابلة مع الأب يوحنّا ساعود(٣) راعي كنيسة القدّيسين قزما وداميانوس في بطرّام الذي قال: «بنيت كنيسة السيّدة ثلاث مرّات ضمن الضيعة، ودمّرت ثلاث مرّات، إلى أن أرشدت والدة الإله سكّان القرية إلى المكان الحاليّ الذي شيّدت فيه. هي مبنيّة على الصخر من دون أعمدة، ويقال إنّه كانت توجد قلالٍ للرهبان، إلّا أنّ لا أثر لها اليوم. كانت المدافن من قبل قرب كنيسة القرية، ثمّ نُقلت إلى سيّدة الراس منذ نحو مئة سنة. بنى أهل بطرّام هذه الكنيسة قبل أن يشيّدوا كنيسة القدّيسين قزما وداميانوس.

رُسم فيها الأب يوحنّا حزبون البيتلحميّ، راعي الكنيسة الروميّة الأرثوذكسيّة في طنطا، وهو الذي عرّب  كتاب «كنز النفائس في اتّحاد الكنائس»، لمؤلّفه المعلّم نقولا أمبرازي، أستاذ مدرسة فرفاكيون في أثينا وكاروز مدينة إزمير سابقًا. طُبع في مطبعة التوفيق المركزيّة، القاهرة، 1904.

 تشتهر بطرّام بنسّاخها منذ العام 1648 ميلاديّ، وتاليًا هي قديمة العهد بالعلم، وعرفت في مطلع هذا القرن 1900 نهضة ثقافيّة وأدبيّة مهمّة، كما تمتاز بوفرة جمعيّاتها ونشاطاتها حيث ساهم البعض منها بالإنفاق على التعليم منذ بدء العام 1900 مع جمعيّة ترقية المصالح الوطنيّة، وجمعيّة الفتاة التي ساهمت بتعليم سيّدات البلدة اللغات وذلك العام 1923، وتوالت الجمعيّات التي تعنى بالتعليم، ومنها جمعيّة ترقية الفتاة البطرّاميّة 1911، التي تهتمّ بالخدمات الاجتماعيّة والتربويّة والصحّيّة والأشغال اليدويّة، لتتأسّس بعد ذلك حركة الشبيبة الارثوذكسيّة والنادي الثقافيّ الرياضيّ ومجلس الرعيّة.

ويروي المؤرّخ أسد رستم أنّ البطريرك مكاريوس ابن الزعيم زار بلدة بطرّام المشهورة بنسّاخها ودير سيّدة الراس. وذلك خلال الجولة الرعائيّة التي قام بها بين 1648 و 1649(٤). ومن هؤلاء النسّاخ ورد في مخطوط سريانيّ أنّ الشمّاس داود بن تادروس ابن القسّ وهبه الصبّاغ من بطرّام أنجز نسخ كتاب «الميناون» الخاصّ بشهر أيلول في العام 1549 ميلاديّ الموافق للسنة 7057 لآدم. وهذا قد يعني أنّ عدد القائمين على خدمة القدّاس الإلهيّ كثر عددهم ما استدعى نسخ هذا الكتاب. ومن النسّاخ في بطرام أيضًا، يوحنّا ابن القسّ مدلج وزوسيما ابن الخوري داود.n 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search