2020

3. ذكرى - رحل رجل اللَّه رحل أبونا ألكسي - لولو صيبعة – العدد السادس سنة 2020

رحل رجل اللَّّه

رحل أبونا ألكسي

لولو صيبعة

 

إلهي أين أنت؟ ألهذه الدرجة تحبّه حتّى رفعته إلى ديارك؟ إلى ديار استقبلت منذ ثلاث سنوات وحضنت أبونا جورج (مسّوح). لماذا يا ربّ تختار أنقياء القلب؟ ما هي حكمتك؟ أنت يا اللَّه عرّفته طرقك وسبلك علّمته وأهديته إلى حقّك، واليوم ترفعه من بيننا، بسبب جرثومة قاتلة؟ لماذا؟ لماذا رحل بصمت وحيدًا؟

الطبيعة اليوم، في يوم دفنك، غاضبة فالرعد يزمجر معبّرًا عن سخطه وسماء بيروت تبكي ابنها البارّ الذي كان يحيا بالإيمان.

ماذا أقول والألم يعتصر قلبي؟ هل الدموع تمحو الكلمات وتسرقها أم هذا من فعل حبّات المطر المنهمر؟ طيّب اللَّه ثراك يا أبونا ألكسي، فأنت الآن تسكن مع من أحببت، مع اللَّه، مع القدّيس نيقولاوس، مع القدّيس ألكسيوس سميّك.

جدران كنيستك ترجع صدى صوتك الصارخ بالمحبّة والوداعة والإيمان الصادق. أحببت القدّيس نيقولاوس وأحببت كنيسته وأبيت أن تتركها أكثر من مرّة. وحجارة كنيسة القدّيس نيقولاوس لو نطقت وباحت بمكنوناتها لأخبرت كم سهرت على رصفها وعلى تزيينها، حتّى أمست قطعة من قلبك.

غلبت الشيطان وكنت الأمين على نفسك وعلى رعيّتك، وتسلّحت بالبتوليّة من دون أن ترنو نفسك إلى المناصب والألقاب. أردت خدمة متواضعة وديعة بعيدة عن البهرجة. وآثرت أن تقيم في بيت الربّ جميع أيّام حياتك، وأن تسكن نفسك في الخيرات. فكم من مرّة قلت لك كان يجب أن تصبح مطرانًا لأنّك نقي القلب، وكنت تجيبني كنيسة مار نقولا هي بيتي ولا أستطيع أن أتركها.

عبدت الربّ بخشيّة، وبالربّ إلهك اعتصمت. شوقك كان دائمًا إلى اللَّه الذي يفرّج كلّ كرب. شوقك كان إلى رحمته، إلى عزّته إلى ملكوته، إلى عدله، إلى نوره وخلاصه، فصنعت مشيئته وافتخرت به. جعلك الربّ أبًا حكيمًا حليمًا محبًّا لرعيّة بادلتك المحبّة. وجعلت في شريعة الربّ هواك وبشريعته كنت تتمتم ليل نهار، ولم تعرف النميمة سبيلًا إلى قلبك.

من روحك الطاهرة كانت تفيض الخيرات على من هم حولك، ولم تكن شمالك تعلم ما تفعل يمينك. كنت تسأل عن القريب والبعيد، وكم من مرّة سألتني عن أخي وابنته وعن أحوالهما سؤال الأب الحنون. وكم كانت تحلو الجلسة في مكتبك بعد القدّاس الإلهيّ، وقد تحلّق حولك أبناء رعيّتك يتفقّدون أباهم الذي يرعاهم.

كلّما كنت أريد أن أتعرّف أكثر إلى تاريخ أبرشيّة بيروت كنت أقصد مكتبك، إذ كنت أعتبرك الخزّان الحيّ الذي يخبئ في داخله كنوزًا وجواهر. أذكر آخر لقاء في مكتبك عندما زرتك أبحث عن معلومات عن الأرشمندريت تريفن (نهرا)، فسردت لي بكلّ سهولة كلّ المعلومات التي أريدها. وكم ضحكت عندما أخبرتك عن نزهة لبنان وعن نشاطها.

كنت على مثال العذارى الحكيمات فسراجك كان دائمًا مملوءًا بزيت المحبّة والاتّضاع والتقوى. والوزنات التي أعطاك إيّاها اللَّه أعدتها إليه أضعافًا وأضعافًا، وحرست كرمه وبيته مثل الخادم الأمين العاقل. وكنت الأرض الطيّبة التي وقع عليها الحبّ فارتفعت ونمت وأثمرت.

يا ربّ أبونا ألكسي أحبّ مساكنك، واشتاقت نفسه إلى ديارك، وتهلّل قلبه للإله الحيّ، فارحمه يا اللَّه بعظيم رحمتك، أنت الإله الحيّ القيوم الغفّار القدّوس.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search