قضايا معاصرة
ملاحظة تاريخيّة
حول ملعقة المناولة المقدّسة
النور
علمًا أنّنا نؤمن بثبات بأنّ جسد الربّ ودمه الكريمين هما لشفاء النفس والجسد، يُلاحظ أنّ عددًا من المؤمنين يتساءلون، في خضمّ أزمة الكورونا، عن إمكانيّة تناقل الوباء بواسطة ملعقة المناولة، علمًا أنّ ذلك لم يحصل قطّ عبر العصور. الأهمّ هو جسد الربّ ودمه الكريمان، والملعقة التي ليست سوى وسيلة، لا بُعد إيمانيًّا لها. لذلك نبيّن في ما يلي أنّ استخدامها العامّ أتى متأخّرًا، وأنّ الكنيسة حرّمت في وقت ما استعمالها. فلا مانع البتّة إذًا من تغييرها، إذا اقتضى ذلك حسن رعاية المؤمنين.
يُقال إنّ الذهبيّ الفم أدخل استعمال الملعقة للمناولة في القرن الخامس لتفادي أن يأخذ سيّئو النيّة الجسد الطاهر في يديهم ويستعملوه في السحر، كما يبدو أنّه كان يحصل آنذاك. لكن لم تستمرّ هذه الطريقة بعد الذهبيّ الفم، إذ عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه تقليديًّا، أي بوضع الجسد المقدّس في يد المؤمن الذي يشرب الدم الكريم مباشرة من الكأس.
ويبدو أنّ مساعي جديدة لاستعمال المعدن في المناولة عادت إلى الظهور في القرن السابع، ما جعل المجمع الخامس السادس، المنعقد السنة 692، في قاعة تروللو في القصر الأمبراطوريّ في القسطنطينيّة، يتصدّى لها في قانونه ١٠١ الذي ينصّ:
«إنّ الرسول الإلهيّ القدّيس بولس قال بصوت عالٍ إنّ الإنسان المخلوق على صورة اللَّه هو جسد المسيح وهيكله. فإذ قد فاق بذلك على كلّ خليقة مدركة بالحواسّ بنعمة الآلام الخلاصيّة وحصل على الرتبة السماويّة بأكله وشربه للمسيح ينبوع الحياة ليصير أهلًا على الدوام للحياة الأبديّة بتقديس نفسه وجسده في اشتراكه في النعمة الإلهيّة. لذلك إذا شاء أحد أن يتناول الجسد الطاهر في وقت القدّاس الإلهيّ متقدّمًا للشركة فليجعل يديه على شكل صليب وهو يتناول شركة النعمة. أمّا الذين يصنعون آنية من الذهب أو غيره من المعادن للاستعاضة بها عن أيديهم في اقتبال العطيّة الإلهيّة وتناول القربان الطاهر، فهؤلاء لا يُسمح لهم على الإطلاق بأن يتقدّموا لأنّهم آثروا المادّة الدنيا على صورة اللَّه. وإذا وُجد مَن يناول القربان الطاهر للذين يجلبون معهم آنية من هذا النوع فليُقطعوا وليُقطع معه الذين يأتون بها»(١).
وتقول خلاصة قديمة لهذا القانون: «كلّ مَن يتقدّم لتناول سرّ الشكر، فليجعل يديه على شكل صليب وليتناول نعمته. وكلّ مَن أعدّ أداة من ذهب أو معدن آخر عوضًا من يده فليُقطع»(٢).
كان يوجد إذًا إصرار في الكنيسة على اتّباع طريقة المناولة القديمة التي يصفها القدّيس كيرلّس الأورشليميّ هكذا: «عندما تتقدّم لتناول القربان لا تمدّ ذراعك من بعيد، ولا تجعل أصابعك متباعدة، بل اجعل يدك اليُسرى عرشًا ليمناك التي ستقبل الملك العظيم، وتناول في راحة الكفّ جسد المسيح قائلًا آمين»(٣).
لا يُعرف بدقّة متى عاد استعمال الملعقة المعدنيّة. يُعتقد أنّه كان ذلك غالبًا في القرن التاسع أو بعده بقليل، نتيجة لموجة الرهبة أمام القدسات التي أطلقتها أوساط رهبانيّة آنذاك، والتي فرضت ضرورة عدم لمسها إلّا من «المكرَّسين»، أي في نظرهم أعضاء الإكليروس. n