خاطرة
أنتم نورالعالم
نيللي مرجانة
«لا تخفى مدينة على جبل ولا يوقد سراج ويوضع تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت، ليروا أعمالكم الصالحة فيمجّدوا أعمالكم الصالحة، فيمجّدوا أباكم الذي في السموات».
هكذا عندما امتلأت الشبيبة بروح الكلمة وقوّة الفعل، أرادت أن توقد السراج وترفعه عاليًا وبدأت تنشر الكلمة وتواصل البحث والتفتيش في الكتب، حتّى امتلأت بالإرادة الداعمة لفيض النور الذي تدفّق سريعًا في عروق المناطق من طرابلس إلى بيروت إلى دمشق وإدلب واللاذقيّة وحلب.
توالت الاجتماعات وبدأ الأخوة يتنقّلون وينشرون البشارة، بوعد أن يكونوا شهودًا لمعلّمهم بالكلمة والعمل واقتدوا بقول المعلّم في الكتاب المقدّس:
يوحنا 5: 31- 32: «لو كنت أشهد أنا لنفسي لما صحّت شهادتي. هناك آخر يشهد لي وأنا أعلم أنّ الشهادة التي يشهدها لي صادقة».
وفي شهر آذار الخير فاضت قوّة الكلمة بالعمل، كما تفيض الأرض بوفرة ينابيعها وسالت الكلمة لتتدفّق كنهر ماء سلسبيل، وتكون رافدًا مدرارًا بنعمة الروح للعمل الكنسيّ، مستعينة بطاقات الشباب الناهل من أنواع المعرفة والمتعطّش إلى دوره البنّاء في صنع أعمال تشهد لدوره ولوجوده .
ونحن إذ نحتفل بهذه الذكرى، نقدّم إقرارًا دلاليًّا أنّنا ما زلنا مهيّئين للتوبة وللبشارة، وقادرين على مواجهة التحدّيات المادّيّة والمعنويّة التي تواجه الكنيسة والمنطقة بأكملها، من فكر يرهب الأمم ويجلب الويلات، ويهجّر الناس من أمكنتها التاريخيّة ليضعها في ضياع الانتماء والهويّة، الذي عانينا منه بأشكال مختلفة حتّى خسرنا الكثير من الأخوة، كما فارقنا الكثيرون ممّن وجدوا لحياتهم ظروفًا معيشيّة فضلى في أماكن مختلفة من هذا العالم الواسع، بعد ما مرّ عليهم من ظلمات تاريخيّة في هذا الشرق الجريح.
ونحن إذ نشعر بفخر وجوديّ الآن، فهو لذلك الصبر الذي منحنا إيّاه الربّ، والمعرفة التي زوّدنا بها لابتكار أساليب جديدة لترميم الفراغات الكبيرة، التي أوجدها غياب أحبّة لنا كان لهم دور كبير في مساندتنا، في حماية سنابلنا ورعايتها لتنمو بفرح وسلام.
بدأنا بتقاسم العمل اليوميّ وتشجيع الجميع على الانخراط في مهامّ جديدة، مهما ثقل الحمل، مشكّلين جماعة حاولت أن تعبر من الاعتناق إلى الانعتاق من الجمود النفسيّ والتلبد الإنسانيّ. كما يقول بولس الرسول في 2تيموثاوس 2: 9 «أحتمل المشقّات حتّى القيود».
هذا هو احتفالنا اليوم، هو وعد على تجدّدنا مهما قست علينا الأزمات، كما هو وعد على استمرار تمسّكنا بمسيرة آبائنا، لكي يبقى هدفنا الأوّل جعل الحركة كما ننشد دومًا سيول بركة فيّاضة في المكان والزمان.
وبخاصّة أنّنا حوّلنا هذه الأزمة، بكلّ مآسيها، إلى فعل فرح جماعيّ تساندت فيه الأكتف وتشابكت الأكفّ لندعو العريس إلى أن يكون بيننا حاضرًا في خدمتنا، التي تجلت بأشكال عديدة، مستحضرين كلمات تعلّمناها من أخوتنا الحركيّين الأوائل في نشيدنا الحركيّ:
أهل الرسالة وولد الخلود، موت الجهالة وتحطيم القيود.n