2020

13. خاطرة - عجائب اللَّه في خلقه - وسيم ميلاد وهبة – العدد الثاني سنة 2020

عجائب اللًّه في خلقه

إلّا أنّ العجائب ظهرت

 للساجدين للسرّ بإيمان

 

وسيم ميلاد وهبة

 

العجييبة كلمة من معجمنا اليوميّ، نستعملها لأكثر من غرض، للسخرية حينًا أو للغضب أو للانبهار والاستحسان حينًا آخر. هي حاضرة إذًا في ذهننا ولو عن غير قصد. ولكن هل نحن حقًّا على يقين بما تعني هذه الكلمة، أم نحن غافلون عن جوهرها؟

لم يخلُ زمن بعد الخلق من العجائب والغرائب، كأنّ تلك هي توأم الوجود. الإنسان يشغف بما يفوق عقله، وبما يجعله في دهشة. الأمور المدرَكة بالعقل والحواسّ يعتادها فيخفّ وهجها أمامه، أمّا الحالات التي تتوشّح بالغموض، فتبقى ساحرة للنفوس فارضة رهبتها في الخفايا. لذا يبقى الإنسان مشدودًا إليها معجبًا بها، متطلّعًا إلى فكّ رموزها.

لعلّ غالبيّة المعتقدات عبر التاريخ آمنت بالعجائب حضورًا حسّيًّا للإله غير المحسوس. واذ بها بابٌ واسع يدخلنا عوالم الماورائيّات التي هي صلب الإيمان والتسليم. فكلّ ما لم يستطع الإنسان حصره وفهمه بالعقل، رماه في عالم العجائب، حتّى امتلأ التاريخ بأقاصيص المعجزات التي تذهلنا وتجعلنا نفكّر ونطرح أكثر من سؤال.

في اليوم الأوّل بعد الأزل، اجترح الربّ عجيبته الأولى العظيمة. قال للدنيا كوني فكانت، وتلوّن الوجود. وبعد أن رآها حسنةً صالحة، أجاد بها علينا. هكذا، بدأ زمن توالي العجائب والمواهب. هذا يقودنا إلى الإقرار بأنّ اللَّه هو العجيب الأسمى في ذاته لأجلنا.

ما يعنيني أنّ اللَّه لا يصنع إلّا الخير، وأنّ عجائبه ما وجدت إلّا لتكون مجدافًا يسوقنا قُدمًا في بحر عمرنا إلى برّ الخلاص والحياة. وأيّة روايةٍ عن حادثةٍ غريبة تلفّها الألغاز ولا فائدة خلاصيّة منها، لا تمتّ إلى العجيبة بصلة.

تفيض كتبُنا الإلهيّة بالعجائب، فهذه تملؤها من أوّل أسفارها إلى آخرها، من عتيق العهد إلى جديده. عهد اللَّه لنا ما هجرته العجائب قطّ فهل تهجره اليوم؟ أو غدًا؟

التأمّل في مرامي العجائب رحلةٌ شيّقة كثيرة المحطّات.. أمّا إذا اكتفيا بقراءة القشور السطحيّة، سخفّناها وعددناها شعوذاتٍ وأعمالَ جنّ. وأمّا اذا توغلّنا في تفاصيلها وصلنا إلى حقيقتها ولقينا اللَّه فيها، في وطن عجائبه المحبوب، متربّعًا على عرش الجود.

لكي يصنع اللَّه معنا المعجزات، وجب علينا أن نحبّه بإخلاص وأمانة، ونجعل صنائعه معنا حافزًا للتوبة الأعمق، ووسائلَ تبشيرٍ وكرازة، لا غايةً أنانيّة لمنفعة الذات فقط. وهو حين يرى قلوبنا مفتوحةً للتلقّي ومشاركة النعمة، يجود علينا بما يفوق فهمنا، فتنهال العجائب كالمطر علينا. فهلّا تركنا جانبًا شماسي الأنا المتعالية لنتلقّف مطرَ المراحم الغزيرة؟..

المعجزات تحصل كلّ يوم، نحن فقط إمّا نراها أو نغفل عن رؤيتها. العجائب هي توأم الوجود ولا تختفي إلّا باختفائه حين يسمح اللَّه بذلك. إلى حينها نحن توّاقون إلى هذا الذهول لما فيه من لحظات خلاصٍ وبعضٍ من سماء.n

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search