2017

2. العلاقة بين العهدين القديم والجديد ٣/٣ - المطران سابا (إسبر) – العدد الثامن سنة 2017

 

 

العلاقة بين  العهدين القديم والجديد

 

المطران سابا إسبر

 

 

 

 

القراءة الآبائيّة

سار آباء الكنيسة على المنوال ذاته في تعاطيهم مع كتب العهد القديم. وسنكتفي بمثلين فقط يبيّنان استمرار الكنيسة في انتهاج طريقة الربّ يسوع في التعاطي مع »الكتب المقدّسة«.

الأوّل هو النصوص المنتقاة من العهد القديم لتكون القراءات الكتابيّة في صلوات الغروب للأعياد السيديّة وأعياد القدّيسين الكبار في الكنيسة. والثاني نصّ صوفيّ تأمّليّ للقدّيس سمعان اللاهوتيّ الجديد (القرن 11م)، يبيّن كيف يقرأ القدّيس في أحداث سفر الخروج، خروج نفسه من شقاء الخطيئة والعبوديّة للشيطان. فيوازي فرعون بالشيطان، ومصر بأرض العبوديّة، وموسى بالأب الروحيّ... فيقول:

»أتستطيع أن تخلّصني من مصر، وتنتزعني من يدي فرعون الغاشّ، لئلاّ أصادف أخطارًا أفظع إذا ما تبعتك... لقد آمنت وقرّرت أن أتبعه. تمنّيت لو أصير أجيرًا من أجرائه. كان فرعون يمسكني«. (على ضوء المسيح أصبح فرعون صورة للشيطان، ومصر صورة لأرض العبوديّة، التي تعني حالة البعد عن اللَّه، أي الحالة المنافية لحالة الإنسان المؤمن). يذكر »الوكلاء المرجفون« (كانوا يرتجفون وهم يأكلون ويشربون من شدّة قسوة وكلاء فرعون). »أجبروني على الاهتمام بالطين والتبن« (هو لا يعمل بالطين والتبن لكنّه يتحدّث عن خطاياه الجسديّة). »لم أستطع أن أهرب وحدي. كان السلاح ينقصني«. (لم يستطع الشعب أن يغادر وحده كان بحاجة إلى قائد، اللَّه أرسل له موسى). »قال موسى للربّ أن يفعل ما يحسن عنده، فضرب الربّ مصر عشر ضربات. لم يلن فرعون، ولم يقبل أن يحرّرني. هو ذا أب يتشفّع واللَّه يستجيب. فقال لخادمه (أي لموسى) أن ينتزعني (أي للقدّيس سمعان) من يد فرعون، وسمح له بأن يسير معنا ويحرسنا من يد فرعون، ومن شرور مصر... ( أصبح موسى صورة للأب الروحيّ للقدّيس سمعان)«.

»عندما أخرجني من أرض مصر ممسكًا بيدي، وعلم ملك مصر بخروجي، لم يأبه لذلك، ولم يخرج ورائي هو بنفسه، بل أرسل عبيدًا كانوا تحت إمرته فركضوا، وبلغوا حدود مصر في طلبي، ولكنّهم عادوا خائبين. وقد تحطّمت سيوفهم، وأفرغت جعباتهم من السهام، ونحن لم نصب بأذى.

كان عمود النار يشتعل والغمام كان قريبًا منّا. مررنا وحدنا ببلد غريب. بين قطّاع الطرق وبين شعوب وملوك كثيرين.

عرف الملك باندحار جيشه فصار كالمجنون، واعتبر أنّه قد أهين إهانة كبرى لأنّ إنسانًا واحدًا قد تغلّب عليه وهزئ به، فأعدّ مركباته وجمع شعبه محرّضًا على ملاحقتنا، وأخذ يطاردنا والغرور ينفخه، فوجدني وحدي ملقى على الأرض تعبًا، (كان موسى ساهرًا يتكلّم مع اللَّه)، فأمر بأن تُربط يداي ورجلاي، فقبضوا عليّ وقيّدوني...

قال موسى: انظر ولا تخفْ. هيا لنهرب، إنّ الربّ يأمر بذلك، وسيحارب المسيح عنّا ضدّ ملك مصر. هيا يا ربّي! لن أنفصل عنك. لن أنقض وصاياك: سأحافظ عليها كلّها. آمين«.

السياق الليتورجيّ

تسمح لنا الليتورجيا بأن نفهم، بسهولة أكثر، صورًا كثيرة من العهد القديم، قد لا نفهم ما تمثّل في العهد الجديد إذا قرأناها منفردة في العهد القديم. لكن إذا اطّلعنا عليها، عبر العيد الليتورجيّ، فسنفهمها بسهولة.

في كلّ عيد سيّديّ أو عيد قدّيس مهمّ تتلى، في صلاة الغروب، ثلاث قراءات من العهد القديم. هذه القراءات منتقاة للدلالة على مناسبة العيد.

على سبيل المثال، عندما نقرأ في سفر التكوين عن حلم يعقوب، الذي رأى فيه »سلّمًا منتصبة من الأرض إلى السماء وملائكة اللَّه ينزلون ويصعدون عليها« (سفر التكوين)، قد لا نرى فيها بسهولة صورة عن العذراء التي بتجسّد المسيح فيها، وصلت السماء بالأرض، ولكن عندما نقرأها في عيد البشارة ستقفز هذه الصورة إلى ذهننا بوضوح.

كما نقرأ في تقدمة عيد الميلاد، من ميخا النبيّ: »لكن يا بيت لحم أفراتة، صغرى مدن يهوذا، منك يخرج لي سيّد على بني يعقوب يكون منذ  القديم، منذ أيّام الأزل ...« (5: 1)، وهي الآية التي استشهد بها الإنجيليّ متّى في روايته لميلاد السيّد (متّى 1: 6)... وهذه الآية من أشعياء النبيّ: »ولكنّ السيّد الربّ نفسه يعطيكم هذه الآية: ها هي العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمّانوئيل...« (7: 14)، ويستشهد بها الإنجيليّ متّى أيضًا (متّى 1: 23).

كذلك: »الشعب السالك في الظلام رأى نورًا ساطعًا، والجالسون في أرض الموت وظلاله أشرق عليهم النور. منحتهم ابتهاجًا على ابتهاج، وزدتهم فرحًا يا ربّ ... لأنّه يولد لنا ولد، ويعطى لنا ابن، وتكون الرئاسة على كتفيه. يسمّى باسم عجيب، ويكون مشيرًا، وإلهًا قديرًا، وأبًا أبديًّا، ورئيس السلام. سلطانه يزداد قوّة، ومملكته في سلام دائم. يوطّد عرش داود، ويثبّت أركان مملكته على الحقّ والعدل، من الآن وإلى الأبد. غيرة الربّ القدير تعمل ذلك« (أشعياء 9: 1- 6).

»يخرج فرع من جذع يسّى، وينمو غصن من أصوله. روح الربّ ينزل عليه، روح الحكمة والفهم والمشورة... يقضي للفقراء بالعدل وينصف الظالمين بكلام كالعصا. ويضرب الأرض بكلمة فيه. ويميت الأشرار بنفخة من شفتيه. يكون العدل حزامًا لوسطه، والحقّ مئزرًا حول خصره. فيسكن الذئب مع الخروف، ويبيت النمر بجانب الجدي...« (أشعياء 11: 1- 6).

كذلك نقرأ من سفر دانيال النبيّ (3: 36 و4: 1) عن الحلم الذي يتكلّم على حجر مقطوع من الجبل، من دون أن تلمسه يد، يضرب التمثال ويسحقه. يرمز الحجر إلى المسيح الذي حبل به من دون رجل، وهو، بدوره، سحق الآلهة الكاذبة وأوثانها.

من قراءات عيد الظهور الإلهيّ

  »اغتسلوا وصيروا أنقياء. أزيلوا شروركم من نفوسكم تجاه عيني. كفّوا عن شروركم. تعلّموا أن تصنعوا الخير...« (أشعياء 1: 16).

»استقوا ماء من ينابيع الخلاص بابتهاج...« (أشعياء 12: 3).

وأعياد والدة الإله

»فحلم أنّه رأى سلّمًا منصوبة على الأرض، رأسها إلى السماء، وملائكة اللَّه تصعد وتنزل عليها« (تكوين 28: 10). هذه السلّم صورة مسبقة عن والدة الإله، التي وصلت الأرض بالسماء، بواسطة حبلها بالأقنوم الثاني، الكلمة المتجسّد، المسيح.

وفي (حزقيال ٤٤: ١- ٥) نقرأ عن »باب المقدس الشرقيّ المغلق، الذي لا يدخله أحد لأنّ الربّ سيدخل منه«. وهو صورة مسبقة عن والدة الإله العذراء، التي لن ولم يدخل إليها أحد سوى الربّ.

وفي (3ملوك 40: 1) نقرأ عن تابوت الربّ، الذي حوى الوصايا الإلهيّة العشر. وهو صورة مسبقة أخرى عن والدة الإله، التي حوت الكلمة الإلهيّ المتجسّد في بطنها.

وعيد التجلّي

نقرأ في سفر الخروج (24: 12) عن وجود موسى في الجبل، وحضور اللَّه عليه، واستلامه الوصايا. »غطّى الغمام الجبل وحلّ مجد الربّ«، إنّها صورة حضور اللَّه ذاتها في حدث التجلّي في العهد الجديد.

وفي (خروج 33: 11 و34: 4): »أرني مجدك... أجتاز قدّامك بمجدي وأنادي باسمي الربّ أمامك... أجعلك في نقرة الصخرة... ترى قفاي أمّا وجهي فلا يراه إنسان ويحيا«. بينما في العهد الجديد، ولأنّ اللَّه تجسّد، صار الإنسان قادرًا على رؤية مجده، كما حصل مع الرسل بطرس ويعقوب ويوحنّا.

أمّا قراءة (1ملوك 19: 3) عن إيليّا النبيّ ولقاء الربّ، التي تتكلّم على عدم حضور الربّ في الريح، ولا في الزلزلة، ولا في النار، بل في صوت نسيم لطيف، الذي لمّا سمع إيليّا صوته، ستر وجهه بردائه... فتوازيها حادثة التجلّي. فالنسيم اللطيف يوازي فرح التلاميذ، »يا سيّد حسن أن نكون هنا«. أمّا ستر وجه إيليّا، فيوازيه الغمام، الذي غطى الرسل حتّى لا يروا أكثر.

مقابلة بين إله العهد القديم

وإله العهد الجديد

اللَّه هو نفسه في العهدين القديم والجديد، فهو إله محبّ ورؤوف ومؤدّب (مهذّب) في كلا العهدين على حدّ سواء. لأنّ الشعب كان خشنًا، وقاسيًا (يدعو الكتاب المقدّس البشر غلاظ الرقاب)، تعامل اللَّه معه بحزم وشدّة، مترافقين بمحبّة ورعاية وغفران. ليس من المنطق اختزال صورته في العهد القديم بصورة الإله القاسي. والدليل أنّ هذه القسوة لم تختف كلّيًّا في العهد الجديد، لأنّ الإنسان، مهما تحضّر وارتقى روحيًّا، يبقى بحاجة إلى تهذيب وتأديب.

نختم لنقول إنّ العهد القديم مكتوب بأسلوب بعيد عن زمننا، وبعقليّة مختلفة جدًّا عن عقليّتنا اليوم، ولشعب لم يكن يعرف شيئًا ممّا نعرفه اليوم على الصعيد الدينيّ والاجتماعيّ والعلميّ والحضاريّ. ويقول اللَّه للشعب في سفر التثنية: »لستم لأنّكم أفضل الناس اخترتكم، يقول الربّ، بل لأنّكم أصغرها وأرذلها وأحقرها، وذلك لأظهر مجدي فيكم« (تثنية ١٠: ١٠). لو ولد المسيح في أثينا لقيل إنّه نتاج الحضارة اليونانيّة، لو ولد في الهند لقيل إنّه نتاج الروحانيّة الهنديّة. ولكنّه ولد في شعب لا يعرف إلاّ ما علّمه إيّاه اللَّه على مدى أجيال وأصبح لكلّ الأمم. من المهمّ عند قراءتنا العهد القديم ألاّ نركّز على نقائص الإنسان المذكورة فيه، بل على فعل النعمة والرفقة الإلهيّة لهذا الإنسان، حتّى تغييره بالنعمة الإلهيّة. فاللَّه رافق البشر لأنّهم ناقصون، تجسّد لأنّهم بحاجة إلى الخلاص، فلو كانوا كاملين لما كانوا بحاجة لا إلى العهد القديم ولا إلى الجديد، ولا إلى كلّ فعل الخلاص.

نورد، على سبيل الإيضاح، جدولاً ببعض الآيات المأخوذة من العهدين، لتبيان تناوب صور عديدة للَّه موجودة في كليهما.

موازاة بين صورة اللَّه في العهدين: القديم والجديد

عهد جديد

عهد قديم

من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضا (لوقا 6: 29).

الرب (يهوه) رجل الحرب. الربّ (يهوه) اسمه (خروج 15: 3).

المسيح، كلمة اللَّه، »متسربلاً بثوب مغموس بدم... ومن فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم« (رؤيا 19: 13، 15).

»الرب (يهوه) إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطيئة« (خروج 34: 6- 7). انظر أيضا: عدد 14: 18، تثنية 4: 31؛ مزمور 86: 5، 108: 4؛ يوئيل2: 13).

»أنا هو الألف والياء، البداءة والنهاية. وأمّا غير المؤمنين فنصيبهم في البحيرة المتّقدة بنار وكبريت...« (رؤيا 21: 6 و8).

يقول اللَّه: »كنت أجذبهم بربط المحبّة ... لا أجري حمو غضبي. لأنّي أنا اللَّه لا إنسان، القدّوس في وسطك فلا آتي بسخط« (هوشع 11: 4 و9).

يقول الرسول بولس: »لأنّ غضب اللَّه معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم...« (رومية1: 18).

»أنت إله غفور وحنّان ورحيم، طويل الروح وكثير الرحمة...« (نحميا 9: 17).

يقول المسيح: »اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبديّة المعدّة لإبليس وملائكته...« (متّى 25: 41).

»الربّ (يهوه) حنّان ورحيم، طويل الروح وكثير الرحمة. الربّ صالح للكلّ، ومراحمه على كلّ أعماله« (مزمور 145: 8- 9).l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search