دخول مريم إلى الهيكل
نقولا أبو مراد
روايات دخول مريم إلى الهيكل نجدها في نصوصٍ من الأدب المسيحيّ القديم استعملت، على ما يبدو، لأهدافٍ تعليميّة ونجد أصداء لها في كتابات بعض آباء الكنيسة، من أمثال يرونيمس وأبيفانيوس أسقف سلاميس (القرن الرابع). من هذه النصوص ما يسمّى »إنجيل يعقوب«، وهو نصّ من أواخر القرن الثاني، نجد فيه توسيعًا لروايات طفولة يسوع كما ترد في إنجيلي متّى ولوقا، بالإضافة إلى رواية ولادة مريم ودخولها الهيكل. ومنها أيضًا »إنجيل ولادة مريم«، وهو نصّ يعود إلى القرن الثالث، ويشبه إلى حدّ بعيد ما نجده في »إنجيل يعقوب« مع اختلاف في بعض التفاصيل. وكذلك ما يسمّى »الشذرات الصعيديّة لحياة العذراء«، وهي بقايا مخطوطات باللغة القبطيّة من القرن الرابع تحتوي على رواية ولادة مريم وتقديمها إلى الهيكل، وتقدّم تفاصيل إضافيّة لا نجدها في »إنجيل يعقوب«. وقد استعملت هذه النصوص كلّها كمصدرٍ لإدراج عيد دخول والدة الإله إلى الهيكل في تقويم الأعياد المسيحيّة، والذي تعيّد له الكنيسة الأرثوذكسيّة في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني. كما استعملت روايات ولادة مريم وتقديمها إلى الهيكل الواردة في هذه النصوص في نظم ترانيم العيد وتراتيله ووضعها. الهدف من هذه المقالة أن أبرز العناصر الكتابيّة التي استند إليها واضعو هذه النصوص، وأحاول أن أستنتج أبرز المعاني المتضمّنة فيها، والتي تعكسها أيضًا ترانيم العيد.
إنّ المصدرين الأساسيّين لهذه الروايات هما في رواية تقديم صموئيل إلى الهيكل في 1صموئيل ١- ٣، وسفر المزامير، ولا سيّما المزمور 45 والمزامير ٢٤- ٢٨ التي تتحدّث عن تنصيب »مسيح الربّ« ملكًا على الأمم والشعوب ودخوله بيتَ الربّ. تتقاطع روايتا تقديم مريم وصموئيل إلى الهيكل في نقاط عدّة أبرزها اسم الأمّ »حنّة«، وتدخّل الربّ في حلّ عقرها، ونذرها إذا ما ولدت بتقديم الطفل وهو صغير إلى هيكل الربّ، وكذلك في استئثار مريم وصموئيل بكامل الاهتمام بحيث يصير كلّ منهما في روايته المحور الذي تدور حوله أحداث الهيكل. في رواية صموئيل يتحوّل الصبيّ الصغير إلى النبيّ الذي تحلّ فيه كلمة الربّ، فيما يشارف رئيس كهنة الهيكل »عالي« على نهايته، ومعها أيضًا نهاية وظيفة الكهنوت التي أفسدها ابناه بتصرّفهما المسيء إلى شريعة الربّ (1صموئيل 8: ١- ٥). أهمّيّة رواية صموئيل هذه أنّ كاتب سفر صموئيل أراد عبرها أن ينزع شرعيّة التعليم من »هيكل شيلوه«، وذلك بصورة رئيس الكهنة الطاعن في السنّ وغير القادر على النظر، ويعطيها لصموئيل الذي لم يكن من سلالة الكهنة، ولكنّ الربّ جعله حاملاً لكلمته، »وكبر صموئيل، وكان الربّ معه ولم يدع شيئًا من جميع كلامه يسقط على الأرض (...). وعاد الربّ يتراءى في شيلوه (الهيكل الرئيس في السامرة) لأنّ الربّ ظهر لصموئيل في شيلو بكلمة الرب« (1صموئيل 3: ١٩- ٢٢). يلفتنا في هذا الاستشهاد القول إنّ الربّ ظهر لصموئيل في شيلوه »بكلمة الربّ«. ومعنى هذا أنّ الهيكل يفقد أهمّيّته باعتباره المكان المرجعيّ الذي يسكن فيه الربّ، ويتحوّل صموئيل نفسه كحامل لكلمة الربّ إلى مكانٍ لسكنى الربّ.
هذا النسق عينه نراه في روايات ولادة مريم وتقديمها إلى الهيكل في كلّ النصوص التي ذكرناها أعلاه. حنّة العاقر حزينة وتشعر بالذلّ لأنّها لم تلد، »ويلي! من ولدني؟ وأيّ رحم جعلني أنمو؟ لأنّي لعنت أمام بني يعقوب. وأنا محتقرة، وهم يعاملونني بازدراء ويطردونني من هيكل الربّ إلهي. ويلي، ماذا أشبه؟ لست كطيور السماء، لأنّ طيور السماء مثمرة، أمّا أنا فلا (...) ويلي، ماذا أشبه؟ لست كالأرض، فالأرض تعطي ثمارها في مواسمها، وتباركك يا ربّ« (إنجيل يعقوب 3: ١- ٨). أنظر 1صموئيل 1: ٩- ١٨). وبعد هذا النشيد الحزين، يفتقد الربّ حنّة، كما افتقد أمّ صموئيل في 1صموئيل 19)، فيظهر لها ملاك الربّ قائلاً، »حنّة، حنّة، لقد سمع الربّ الإله صلاتك. ستحبلين وتلدين ووليدك سيكون على كلّ لسان وشفة في كلّ مكان يعيش فيه البشر« (إنجيل يعقوب 4: 1). وتنذر حنّة أن تقدّم الوليد إلى هيكل الربّ. غير أنّ كاتب »إنجيل يعقوب« يعدّ القارئ في هذه المرحلة إلى أنّ الوليد سيكون بنتًا، لا صبيًّا، وذلك ليبرز العنصر الغريب في روايته، والذي سيحتلّ الموقع الأهمّ تعليميًّا، ذلك بأنّ الشريعة تقضي بتقديم الذكور فقط إلى الهيكل، لا البنات كما هي الحال في رواية تقديم مريم. تقول حنّة، »حيّ هو الربّ الإله، سواء ولدت ذكرًا أو أنثى، سآتي به تقدمة إلى الربّ إلهي، سوف يخدمه كلّ أيّام حياته« (إنجيل يعقوب 4: 2). وتشدّد الرواية أيضًا في موضع آخر على هذا الأمر، وذلك في السؤال الذي تطرحه حنّة بعد ولادتها على القابلة، »ما هو؟ فأجابت القابلة: بنت. فقالت حنّة: تعظّم نفسي هذا اليوم. ووضعت طفلتها على السرير« (إنجيل يعقوب 5: ٥- ٧). وبعد ذلك يروي كاتب إنجيل يعقوب أنّ حنّة بدأت تعدّ مريم للإقامة في الهيكل منذ أشهرها الأولى، مشدّدة على موضوع الطهارة والنقاوة، والذي سيشكّل الإطار الأساس للقصّة، »يومًا بعد يوم، كانت الطفلة تنمو وتتقوّى. وعندما بلغت الشهر السادس من عمرها، وضعتها أمّها على الأرض لترى إذا كانت تستطيع أن تقف وحدها. فسارت سبع خطواتٍ، وأتت إلى ثدي أمّها. فحملتها أمّها وقالت، حيّ هو الربّ الإله، لن تسيري على هذه الأرض حتّى آخذك إلى هيكل الربّ. وصنعت لها هيكلاً في غرفة نومها ولم تسمح بأن يعبر فيه أيّ شيء وسخ ونجس. ودعت بنات العبرانيّين الطاهرات ليلعبن معها« (إنجيل يعقوب 6: ١- ٥). هذه الطهارة يشدّد عليها الكاتب في كلّ تفاصيل القصّة، بعد أن تقدّم مريم إلى الهيكل في سنّها الثالثة لتبقى فيه. يشدّد نصّ »الشذرات الصعيديّة« على هذه الطهارة أيضًا مضيفًا إلى إنجيل يعقوب الرواية الآتية، »وكان في الهيكل في ذلك الوقت كاهن يخدم الربّ، وكان متقدّمًا في السنّ. وكان أبًا لكلّ الشعب في ذلك الوقت. ورأى هذا الرجل رؤيا في الليل. ملاك الربّ ظهر له وقال، يا ابن ملاخي العجوز، تقول هذه الأمور ليواكيم وحنّة، احفظا ابنتكما عذراء مقدّسة لعريس واحد هو المسيح. وبعد ثلاث سنوات سيؤتى بها إليك. قل لها، لا يدخل فمك أيّ شيء نجس، إلى أن تفطمي الطفلة من حليبك. واحرص على أن تعطى لك بعد ثلاث سنوات وتحفظ عندك وديعة إلى اليوم الذي يراه الربّ مناسبًا، لأنّها تقدمة تقوى للسماء« (الشذرات الصعيديّة 1: ٧٣- ٧٨).
بهذه الطهارة والنقاوة تنمو مريم وتكبر في الهيكل، حيث تقضي وقتها في الصلاة والترنيم والتسبيح، فلا تأكل إلاّ ممّا تجلبه لها الملائكة من طعام سماويّ ومن شجرة الحياة، ولا تتحدّث إلاّ بتسبيح الربّ، »وكانت تأكل فقط من الطعام الذي كانت تقبله من يد الملائكة. أمّا ما كانت تناله من الكهنة، فكانت توزّعه على الفقراء (...). من الفجر وحتّى الساعة الثالثة كانت تصلّي، ومن الساعة الثالثة إلى التاسعة كانت تشغل نفسها بالحياكة. ومن الساعة التاسعة كانت تعود إلى الصلاة. لم تكن تتوقّف عن الصلاة إلاّ حين يظهر لها الملاك ليعطيها الطعام بيده. وهكذا كانت تزداد كمالاً شيئًا فشيئًا في عمل اللَّه. وعندما كانت العذارى الباقيات يرتحن من الصلاة، لم تكن ترتاح هي أبدًا. ولئلاً تتوقّف عن الصلاة إذا ما حيّاها أحد، كانت تجيب عن التحيّة بقولها، »شكرًا للَّه«. لم يتفوّق أحد على مريم بالحكمة ومعرفة شريعة اللَّه، أو بالتواضع، وجمال الترنيم، وفي كلّ الفضائل« (إنجيل ولادة مريم). واضح هنا البعد التعليميّ للرواية، والتي يريد عبرها الكاتب أنّ يقدّم مريم مثالاً للتقوى والطهارة والصلاة. وسوف نرى أنّ هذا البعد التعليميّ هو الطاغي على كلّ ما يتعلّق بهذا الموضوع.
المصدر الثاني المهمّ الذي تستند إليه هذه الروايات هو سفر المزامير. وهذا واضح في عدد غير قليل من الإشارات والمواضع في مختلف هذه الروايات. يحتلّ، في هذا السياق، المزمور 45 مكانةً مركزّية، ذلك بأنّ صورة دخول مريم إلى الهيكل ومعها العذارى والتي نجدها إلى جانب الروايات، في عدد غير قليل من ترانيم عيد دخول والدة الإله إلى الهيكل، مستمدّة من صورة »الملكة والعذارى« اللواتي يقدّمن إلى الملك في مزمور 45: ١٠- ١٥. في هذا المزمور يتوجّه المرنّم إلى مسيح الربّ كملكٍ مستقرّ على عرشه، بعد أن أنقذه الربّ من ضيقاته وآلامه، وثبّته على كرسيّه على أساس البرّ والاستقامة وابتعاده عن الشرّ والإثم. وكان كاتب المزامير قد أعدّ لهذا المزمور في سلسلةٍ من المزامير السابقة يتحدّث فيها عن معاقبة الربّ الأشرار الذي يتآمرون على مسيحه البارّ ليقتلوه، ويفرضوا أنفسهم سادة على الخليقة، معدّدًا آثامهم، وهي الغشّ والظلم والقتل والهزء بالمساكين والتكبّر والاتّكال على ادّعائهم بالقوّة. مسيح الربّ هو البارّ والمسكين والوديع والصدّيق بامتياز، ولذلك يرفعه الربّ ويجعله ملكًا على الخليقة أجمع. في المزمور 45 يعبّر الكاتب صوريًّا، مستعينًا بتشبيه زواج الملك، عن استمراريّة مملكته وثباتها إلى الأبد. المشهد في هذا المزمور، هو مشهد العروس المستعدّة للدخول إلى خدر عريسها الملك مصحوبةً بالعذارى، الذين يرافقونها إلى قصر الملك. هذا المشهد هو الذي تستند إليه روايات دخول مريم إلى الهيكل. ولعلّ هذا هو السبب الذي يفسّر لماذا أضافت »الشذرات الصعيديّة« الكلام الذي يتحدّث عن مريم كعروس للمسيح، وليس فقط كأمّ له.
بالإضافة إلى استنادها إلى المزمور 45، نجد حضورًا للمزامير في صوغ الروايات بشكل عامّ. فعند ولادة مريم يأتي داود ويتلو المزامير والتسابيح للربّ، »وأخذت حنّة الطفلة في يديها لكي تغسلها، وإذ نظرت إلى وجهها، رأت أنّه ممتلئ بنعمة اللَّه. وغنّت هذا النشيد للربّ، وأجابها داود المرنّم قائلاً: »أنت الربّ الذي رفعت شعبي المتواضع ووضعت أعين المتكبّرين. نظر الربّ من السماوات إلى بيوت الفقراء، وأغناهم« (الشذرات الصعيديّة). غير أنّ الأثر الأهمّ لسفر المزامير هو في الكلام عن التوجّه إلى هيكل الربّ. فبحسب »إنجيل ولادة مريم« (4: 2)، كان هيكل الربّ، الذي قدّمت إليه مريم، مبنيًّا على جبلٍ، وكان الصعود إليه بسلّم من خمس عشرة درجة كعدد مزامير المصاعد في سفر المزامير (مزمور ١٢٠- ١٣٤). وعندما جاء يواكيم وحنّة بمريم إلى الهيكل وضعاها على الدرجة الأولى، ورغم صغر سنّها صعدت السلّم كلّه بسرعة ومن دون عائق وكأنّها كاملة السنّ (إنجيل ولادة مريم 4: ٤- ٨). أمّا في إنجيل يعقوب، فنقرأ بأنّ والداها وضعاها على الدرجة الثالثة، وبدأت ترقص وتشرب وأحبّها كلّ بيت (إنجيل يعقوب 7: 9). في ترتيب مزامير المصاعد توازي الدرجة الثالثة مزمور المصاعد الثالث (مز 122) الذي يبدأ بالقول، »فرحت بالقائلين لي إلى بيت الربّ نذهب« (مزمور 122: 1). لعلّ »الرقص والشرب« علامتان على هذا الفرح بالذهاب إلى بيت الربّ. غير أنّ الملاحظة تجدر هنا أنّ مزامير المصاعد هذه إنّما هي ارتقاء إلى صهيون السماويّة التي أقامها الربّ نفسه لأبراره وصدّيقيه الذين يسيرون في تعليمه. وتاليًا فإنّ صعود مريم »السهل« إلى الهيكل، وفرحها الذي يرمز إلى التوجّه إلى بيت الربّ في مزمور 122، فهذا يعني أنّها بلغت هيكل الربّ غير المصنوع بيدٍ والذي هو هيكله السماويّ، أي ثبات كلمته وشريعته في الأبرار وجماعة المتحلّقين حوله لسماع كلمته والعمل بها.
هذه الأفكار موجودة في سفر المزامير في مزمور ٢٤- ٢٨، والتي تصوّر توجّه »مسيح الربّ« نحو بيت الربّ على نحو يوازي في أفكاره وصوره توجّه مريم إلى بيت الربّ في روايات الدخول. يبدأ هذا التوجّه بسؤال المزمور 24: 3 من يستحقّ أن يصعد إلى جبل الربّ ويقيم في هيكله. وجواب المزمور هو أنّ الطاهر اليدين والنقيّ القلب والذي لم يفعل أيّ شيء باطل ولم يحلف بالكذب هو الذي يسكن في بيت الربّ. وتأتي المزامير اللاحقة لتوضح هذا الأمر، ولتبيّن أنّ هذا الطاهر والنقيّ والذي ليس فيه إثم إنّما هو مسيح الربّ، ولذلك يبلغ ببرّه وتقواه وأمانته للربّ، في مزمور 27، السكنى الدائمة والأبديّة في بيت الربّ (مزمور 27: ٤- ٦)، ووقوفه أبدًا مصلّيًّا للربّ في قدس أقداسه (مزمور 28: 2). غير أنّ إقامته في بيت الربّ تترافق في هذه المزامير مع تعليمه الناس بأن يكونوا على مثاله أمينين للربّ وصدّيقين، وعليه تأتي المزامير ٢٩- ٣٤، للتوجّه إلى السامعين وتعلّمهم كلمة الربّ التي هي الابتعاد عن الشرّ وصنع الخير للقريب ومبادرة الناس جميعًا بالسلام حتّى ولو كانوا أعداء (مزمور 34). ويأتي تصوير هذا في المزامير في مشهدٍ عباديّ في هيكل الربّ، حيث نرى مسيح الربّ يؤمّ المصلّين ويدعوهم إلى الهتاف والترنيم له، وسماع كلمته التي يعلّمها هو ويدعوهم إلى قبولها والعمل بها، ليستحقّوا هم أيضًا أن يقيموا في هيكل الربّ إلى الأبد كما أقام هو.
ارتباط الصعود إلى بيت الربّ والإقامة فيه بحفظ كلمته والعمل بها إن في صورة مسيح الربّ أو في مزامير المراقي نحو أورشليم السماويّة، يدلّ، في قناعتي، على التماهي الذي يقيمه الكاتب بين المعلّم والتعليم، بحيث يصير قبول المعلّم واتّباعه هو أساسًا قبول للتعليم. وبهذا المعنى يتحوّل بيت الربّ من مكانٍ إلى حالةٍ أو وضعٍ هو الالتزام بهذا الكلمة والعمل بها. من هنا يمكن القول إنّ التوازي بين نقاوة مريم الآتية إلى بيت اللَّه للإقامة فيه إلى الأبد، ونقاوة مسيح الربّ الآتي هو أيضًا إلى بيت الربّ للإقامة فيه إلى الأبد، يراد عبرها دعوة السامعين إلى هذه النقاوة التي يكتسبونها عبراتّباعهم كلمة الربّ كما فعل المسيح، وكما فعلت مريم.
ومن هنا أيضًا، وكما جعل كاتب المزامير مسيح الربّ حاملاً لتعليم الربّ المتجسّد فيه بكونه البارّ والتقيّ والأمين، والذي لم يخالف مشيئة الربّ بشيء بل كان فاعلاً للخير على الدوام، هكذا يجعل أيضًا كتّاب رواية دخول مريم إلى الهيكل منها إناءً سيحمل هذه الكلمة ويعطيها للعالم. وهذا بالضبط ما تبرزه ترانيم عيد دخول والدة الإله إلى الهيكل في تصويرها على أنّها الهيكل الحقيقيّ والأبديّ للربّ، وذلك لكونها ستحمل في ذاتها كلمة الربّ، ومنها سيخرج إلى العالم. بهذا المعنى تتحوّل مريم إلى تابوت عهد يحمل الكلمة، إلى رسولٍ يتقبّل الكلمة الإلهيّة وينقلها إلى الناس. أمّا الطهارة والنقاوة، فهي عدم تلويث هذه الكلمة بفعل آثم أو شرّ. مريم الداخلة إلى هيكل الربّ والمحوّلة الهيكل من مبنى حجريّ إلى إنسانٍ حيّ، هي المعلّمة في ذاتها وفي كلمتها، والعذارى اللواتي في إثرها يحملن المصابيح ويدخلن خدر العريس، هم المدعوّون من الناس إلى أن يتقبّلوا الكلمة الإلهيّة ويستنيروا بها ويتحوّلوا كلّهم إلى مريم، يأتي المسيح إليهم في عذريّة قلوبهم وأفكارهم، ويولد منهم إلى العالم في أفعالهم وفكرهم. l