2017

7. مساهمة الأب صفروني في الروحانيّة الأرثوذكسيّة - الأب نقولا (سخاروف) – العدد الأول سنة 2017

 

مساهمة الأب صفروني في الروحانيّة الأرثوذكسيّة

الأب نقولا سخاروف

 

الهرم:

النتيجة: رؤية الأب صفروني المميّزة عن التراتبيّة في الكنيسة جاءت معاكسة تمامًا للتراتبيّة الموجودة في مجتمع الناس المدنيّ. في حال سلطة الدولة، نصوّر رئيسًا، أو ملكًا، أو حاكمًا على رأس الهرم. هو يأمر وزراء خاضعين له، وهؤلاء بدورهم يحكمون الآخرين. ولكنّ المسيح أتى ليقلب هذا الهرم. فهو، كملك، في القاعدة، في رأس هذا الهرم المنقلب، حاملاً ثقل البشريّة كلّها. لهذا دُعِيَ الضابط الكلّ: إنّه يحمل ثقل البشريّة كلّها بقوّة تواضعه، وصبره، ومحبّته. كلّما اقتربتم من المسيح، كلّما كان تواضعكم وخضوعكم أعمق: »لم يأت ابن الإنسان ليُخدم، بل ليَخدم ويبذل نفسه عن كثيرين« (مرقس 10، 45).

لذا، المقياس الأوّل عند الأب صفروني للتقدّم الروحيّ للراهب، هو ألاّ يبحث عن السلطة، وألاّ يرغب في السيطرة على إخوته. وهذا انعكس في رؤيته للمسيح، المسيح الذي لم يفرض نفسه بتاتًا. كان السبب الحقيقيّ لاستعماله الأمثال في تعليمه أن يتجنّب الوصيّة المباشرة، - أن يتجنّب لغة مماثلة: »آمركم«. اعتاد و. ه. أودن أن يقول: »لا يمكنكم أن تقولوا للناس ما عليهم أن يفعلوا، ولكن، تستطيعون أن تكلّموهم بأمثلة«. الأمثلة هي من دون أسماء: إنّها تضعكم أمام الحقيقة وتترك لكم الحرّيّة المطلقة لتقرّروا أنتم أنفسكم إن كنتم تريدون أن تتبعوا تعليمها، أم لا. هكذا كان الأمر مع الأب صفروني، ومع معلّمه القدّيس سلوان. كانا يتجنّبان الأوامر المباشرة، ولكنّهما كانا يتركان الناس أحرارًا في أن يقرّروا بأنفسهم ما يريدون فعله.

لدى وصولي إلى دير أسّكس، صعقت لرؤية رسم جداريّ كبير للثالوث القدّوس في غرفة الطعام. كانت نسخة عن أيقونة الثالوث القدّوس لروبليف، ولكنّ الكلمات كانت مأخوذة من الكتاب المقدّس: »لنصنعنّ الإنسان على صورتنا كشبهنا« (تكوين 26، 7). بالنسبة إلى الأب صفروني، الرؤية اللاهوتيّة للثالوث كانت الأساس الروحيّ لديرنا: الدير الذي على صورة الثالوث.

نجد في مثال الثالوث أشياء كثيرة مترابطة مباشرة بحياتنا اليوميّة. الآب والابن والروح القدس يعيشون ككيان واحد، خاضعين الواحد للآخر. »الآب يحبّ الابن، وقد وضع كلّ شيء في يده« (يوحنّا 3: 35). »كما أنّ الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته أيضًا« (يوحنّا 5: 26) و»لقد أعطى كلّ الدينونة للابن« (يوحنّا 5: 22). يعيد الابن هذا الملء للآب كأنّه جواب: »أنا حيّ بالآب« (يوحنّا 6، 57)؛ »في كلّ حين أفعل ما يرضيه« (يوحنّا 8، 29). »لا أفعل شيئًا من ذاتي؛ وأقول ما سمعته من الآب« (يوحنّا 8، 28). »ولكن ليفهم العالم أنّني أحبّ الآب« (يوحنّا 14، 31). وطبعًا، نتذكّر من يوحنّا 10، 30: »أنا والآب واحد«. كلّ هذه الآيات هي أقوال محبّة بين أشخاص الثالوث.

أحبّ الأب صفروني أن يشدّد على أنّ اللَّه إلهنا ليس إله الإسلام، وليس الإله الذي يفهمه اليهود واليهوديّة. ليس عندنا إلهٌ يعيش منعزلاً في أناه، مسرورًا في ذاته. نحن لسنا ديانة توحيديّة henotheistes، نحن نعبد الإله الواحد monotheistes: إلهنا مختلف. إلهنا هو الثالوث: مع كونه واحدًا، فهو أيضًا كائن يتواصل un Etre de relation. إنّ الحياة الحقيقيّة للَّه هي العلاقة الثالوثيّة، التي هي علاقة محبّة.

العلاقة إذًا هي أساس الحياة. بالنسبة إلينا، كمسيحيّين، تصبح »العلاقة« حجر زاوية لروحانيّتنا. ترتبط هذه الصورة عن اللَّه بواقع حياتنا الشخصيّة. ليس »واقع يوميّ« أقرب إلينا من علاقاتنا مع البشر interhumaines.

العلاقة: كلّ شيء يدور حول هذه الفكرة. إذا كانت علاقاتنا جيّدة، نعيش كما في الفردوس. عندما تكون علاقاتنا مع الآخرين رديئة، نتذوّق ظلمة الجحيم. العلاقة ورثناها عن اللَّه: لدينا الإمكانيّة أن نحبّ كاللَّه، أن نعيش كاللَّه، وأن نعامل الآخرين كما يعاملهم هو. في علاقتنا تتحقّق صورة اللَّه. كلّ العلاقات، - سواء في العائلة، أو في العمل، وبشكل خاصّ في الكنيسة، تستوجب المحبّة، وحيث المحبّة هناك صورة اللَّه في الإنسان.

وبحديثنا الآن عن الرهبنة، وأعني الرهبنة الحقيقيّة  (... نضحّي بكل شيء من أجل تحقيق هذا الهدف: أن نتعلّم أن نحبّ). لهذا كلّ النذور الرهبانيّة هي نذور لنكران ذات: نكران ذات من أجل محبّة اللَّه والآخرين. إنه الآخر الذي أحبّ، أخي وأختي، هو من يهمّني، وليس الأنا، »أناي«. نتعلّم أن ننسى ذواتنا، إلى حدّ أن نحوّل انتباهنا كلّه نحو الآخرين. لهذا، فالمحبّة تفترض دائمًا التضحية: وكلّما كانت التضحية كبيرة، كانت المحبّة قويّة.

هكذا، بالنسبة إلى الأب صفروني، لم يجد في الزهد والنذور الرهبانيّة شيئًا سلبيًّا وشاقًّا، بل رأى فيها العطيّة الكبرى للمحبّة والتعبير الفَرِح عنها. يؤكّد الأب صفروني في رسالته إلى بالفور: »الرهبنة هي ملء الحياة«. لن ينكر أحد أنّ السعادة والمعنى الحقيقي للحياة هما في خدمة الآخرين. هذه الحركة، - أن نتخلّى عن ذواتنا لنتوجّه نحو الآخرين-، هي الأساس الحقيقيّ للوجود. هذا يعني أنّ الاستدارة الحياتيّة نحو الآخرين (يوحنّا 13: 34) هي الأساس الحقيقيّ للكائن الأصيل.

في ما يختصّ بالنسك الرهبانيّ، نجد في التعاليم التي تلقّيناها من القدّيس سلوان ومن الأب صفروني، كلامًا مشابهًا، ومحبّة مشابهة. يكتب القدّيس سلوان: »أخونا هو حياتنا«. كما يؤلّف الشخصان الآخران، بالنسبة إلى كلّ شخص من الثالوث، الفحوى الحقيقيّة لحياته، هكذا بالنسبة إلى القدّيس سلوان، كلّ شخص آخر هو فحوى حياته. في التقليد الرهبانيّ، نستطيع أن نكتشف مبدأً حيويًّا، وهو أنّ حضور النعمة الإلهيّة يظهر، فوق كلّ شيء، في موقفنا من علاقتنا بالآخرين. يقول القدّيس سلوان: »تأتي النعمة من كلّ فعل جيّد، ولكن، قبل كلّ شيء، من محبّتنا لإخوتنا البشر«. وقبل الأب صفروني بكثير، كثيرون من الكتّاب النسّاك من العصر الآبائيّ، كالقدّيس يوحنّا السلّميّ، والقدّيس مكسيموس، والقدّيس ذياذوخس (كيلا نذكر سوى البعض)، يحسبون المحبّة الفضيلة العظمى، وهدف جهود الرهبان كلّها.

وإذا تأمّلنا في الثالوث، قلنا إنّ الراهب مدعوّ إلى أن يحقّق في داخل نفسه المثال الإلهيّ للمحبّة في الوحدة، وللوحدة في المحبّة. هكذا كان الأب صفروني يفهم وصيّة المسيح: »أحبّ قريبك كنفسك«. هذا لا ينتمي إلى فئة خلقيّة أو أدبيّة: أن نحبّ لا ينحصر في أن نكون لطفاء مع قريبنا. فالدير هو المكان حيث يتعلّم المرء أن يضحّي بحياته من أجل قريبه. الرهبنة، كما يكتب الأب صفروني عنها لدافيد بلفور، »هي شكل من أشكال المحبّة«. وللتضحية بحياتنا عدد غير محدود من الأشكال والطرائق . ولدينا أيضًا عدد غير محدود من الطرائق لنتعلّم كيف نخلي مكاننا لشخص آخر. الهدف الأسمى للحياة الرهبانيّة هو أن نتوصّل إلى الصلاة من أجل العالم كلّه، وإلى أن »نصير ديناميكيًّا مساوين للبشريّة كلّها، تمامًا كما هو الأقنوم الإلهيّ بالنسبة إلى الثالوث في كماله«.

أتصوّر أنّ الزواج هو مؤسّّسة مشابهة جدًّا من هذه الناحية. فإنّنا، في إطار العائلة، نتعلّم كيف نحبّ قريبنا. الزواج أيضًا مدرسة للحبّ، تتعلّمون فيها أن تضحّوا بذواتكم من أجل من تحبّونهم، زوجتكم، زوجكم، أولادكم، أهلكم. أعتقد أنّ كلمة »عائلة« بالروسيّة »سيميا«، تعكس الاستعداد العميق لهذه الوحدة الاجتماعيّة الضيّقة: سيميا، - واحد مضروب بسبعة. بتعبير آخر، نحن نبدأ بعائلتنا، ولكن، عندما تتوسّّع محبّتنا، نتعلّم أن نحبّ البشرية كلّها كما نحبّ عائلتنا.

انطلاقًا من هنا، كان مهمًّا وحيويًّا للأب صفروني، أن يرى في كلّ شركة، وبخاصّة في الشركة الرهبانيّة، كشفًا لصورة اللَّه أكثر من أيّ مكان آخر. قبل سنوات قليلة من موته، ألّف الأب صفروني »وصيّة« نصّ فيها كلّ ما كان يريدنا أن نحفظه. تلخّص هذه الوصيّة كلّ لاهوته حول الحياة الرهبانيّة.

الحياة الرهبانيّة، بالنسبة إلى الأب صفروني، مدرسة تتعلّم فيها »الكائنات« كيف تصبح فعلاً »بشرًا«، كيف تصبح »أشخاصًا«. أراد القول إنّ شركتنا هي عالم مصغّر عن البشريّة كلّها. إن استطعنا أن نتعلّم العيش في محبّة ووحدة مع شخص واحد من هذه الشركة، نحن نستطيع أن نتعلّم العيش مع ملايين من البشر أمثالنا. الشركة الرهبانيّة هي نقطة انطلاق ينمّي فيها الراهب محبّته شيئًا فشيئًا، ليتمكّن في النهاية من أن يعانق كلّ الأرض الآهلة. هاكم ما كتب في »وصيّتي«: »هدف الحياة في وسط شركة رهبانيّة هو البلوغ إلى الوحدة، على صورة وحدة الثالوث القدّوس. في قلب هذه الوحدة المذهلة، كلّ واحد هو مركز كلّ شيء في أقنومه. ليس هناك لا كبير، ولا صغير«.

كان الأب صفروني يرى تجلّيًا لصورة اللَّه في كلّ من الفضائل الرهبانيّة. كان يعلّق مازحًا أنّ التواضع الرهبانيّ لا ينحصر في أن نخفض عيوننا وأن نتكلّم بصوت ناعم: لا، إنّه الحياة في اللَّه، في المسيح نفسه. أنا، ذاتي، mon ego هو الأخير في الشركة. الآخرون هم حياتي، ليس أنا، ليس أناي. يكتب الأب صفروني: »كلّ ما لدى المرء و»أناه« نفسه، يخضعه لكلّ واحد وللجميع«.

الآن، ما هو، في الحقيقة، نذر الفقر الرهبانيّ؟ بالتأكيد، ليس تجرّدًا عن الممتلكات ولا انعدامًا كلّيًّا لها، ولكنّه أكثر من هذا، إنّه يطال كلّ فعل للشخص. خارج المحبّة، يمتنع الراهب عن الممتلكات (سواء أكانت روحيّة، أم مادّيّة، أم فكريّة، إلى آخره)؛ وعلى العكس، بالنظر إلى إخوته، فهو يشاركهم فيها. يسري هذا أيضًا على الطاعة. فالطاعة، بعيدًا عن أن تكون نظامًا عسكريًّا، هي بالأكثر فعلُ محبّة.

في الغرب الكاثوليكيّ، نظنّ عادة في أنّ الدير مبنيّ على أساس الطاعة لقاعدة ما. عندما كنت في أكسفورد، سألني أحد الطلاّب: »إلى أيّ نظام رهبنة تنتمون؟« أجبت: »ليس لدينا أنظمة رهبانيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة، لدينا عدم نظام، وأنا مرتبط بعدم النظام هذا«. في الواقع، لا يبعد هذا التعليق عن الحقيقة. ذات مرّة، انتُخب راهبٌ في جبل آثوس، ليصير رئيس دير. ولكونه كان مهتمًّا كثيرًا بهذه الوظيفة الجديدة، طلب النصح من شيخ معروف بخبرته، وهو الأب باييسيوس. »يا أبتِ، أعطني نصيحة. أيّ مبدأ أتّبعه في توجيه الدير؟« ولدهشته الكبرى، أجابه الأب باييسيوس: »إحفظ ديرك غير منظّم قدر المستطاع«. نحن نطيع، قبل كلّ شيء، شخصًا آخر، وليس مجموعة أنظمة. هكذا تسير الرهبنة.

عبر نظرتنا النسكيّة، يكتسب كلّ شيء طابعًا شخصيًّا، ولهذا، تتّخذ الممارسة الرهبانيّة للطاعة أساسًًا لاهوتيًّا جديدًا. في الواقع، الطاعة هي تعبير عن المحبّة. إن كنتم تحبّون أحدًا ما، فإنّكم ستطيعونه. رغبتكم هي إتمام إرادة ذلك الشخص. الطاعة هي الطريقة التي تظهر عبرها المحبّة. يكتب الأب صفروني: مبدأ الطاعة »الشخصيّة« مرتبط بشكل وثيق بمفهومنا للشخص، الذي يأتي من الطريقة الأرثوذكسيّة لفهم مثالنا الأوّل، أي الثالوث القدّوس. كلّ خسارة أو انحراف لهذا اللاهوت قد يقودان إلى خطوة، واعية أو غير واعية، نحو ما تتخطّى الشخص supra personnel بحيث يفوق ما هو عامّ على ما هو شخصيّ. في هذه الحالة، نمارس الطاعة كخضوع لـ»قانون«، أو »قاعدة«، أو »وظيفة«، أو »مؤسّّسة«، إلى آخره، لا في إطار علاقة مع أيّ إنسان.

لمـّا كان الأب صفروني في جبل آثوس، أتى إليه ناسك وسأله: »هذا الدير وذاك يطلبان منّي أن أصير رئيسهما. هل أوافق؟«. أجابه الأب صفروني: »بشرط واحد: أن تحفظ ترتيب الخدم الليتورجيّة وحسب، تاركًا للإخوة حرّيّتهم، (أي من دون التدخّل في حياتهم). يكفي أن تصلّي من أجلهم«. فرفض الناسك العرض.

قد تبدو هذه الكلمات غير مألوفة لمن يرون الحياة الرهبانيّة في الدرجة الأولى كحياة نظام قاسٍ، أو كقواعد صارمة، إلى آخره. ولكن، هناك حكمة كبيرة وخبرة خلف كلمات الأب صفروني هذه. إنّه يميّز بين الطاعة الإنجيليّة والنظام. في رهبنتنا، الطاعة ليست لقاعدة، ولكن لشخص. إنّها، قبل كلّ شيء، انعكاس للحياة، - لحياة الثالوث ومحبّته.

كان هذا البعد الشخصيّ للطاعة أساسيًّا بالنسبة إلى الأب صفروني، حتّى إنّه كان يؤمن بأنّ النظام هو عنصر غير شخصيّ قد يوقف نموّ الطاقة الأقنوميّة عند الإنسان. عندما يطغى النظام على الطاعة المؤسّّسة على الإنجيل، كما كان يقول، »قد نفقد نهائيًّا هدف المسيحيّة الحقيقيّ ومعنى الحياة«.

استنتج الأب صفروني ما يلي:

»انحراف الرؤية الصحيحة لمبدأ الشخص في كيان اللَّه سيقلّص قدرة جهودنا في الطاعة الشخصيّة الكاملة، وهذه خسارة لا تعوّض بأيّ نجاح خارجيّ للمؤسّّسة، ولا بكمال البنية التحتيّة »للمجموعة« ما مهما تكن«.

الطاعة الرهبانيّة هي بجوهرها مختلفة عن النظام.

يكتب: »الطاعة الرهبانيّة هي فعل دينيّ، لذا، يجب أن يكون هذا الفعل حرًّا؛ وإلاّ، سيفقد معناه الدينيّ. لا تكون الطاعة مثمرة، إلاّ عندما يكون لها طابع الرفض الحرّ للإرادة الخاصّة والمنطق الخاصّ... بناءً على رغبة المرء في أن يتعلّم ما هي إرادة اللَّه... إن اضطرّ الرئيس في الدير أو المرشدون الروحيّون الآخرون في الدير إلى استعمال... النظام«، فهذه علامة أكيدة لانحطاط الرهبنة، وربّما حتّى للفهم الكامل لهدفها وجوهرها«.

نتعلّم عبر الطاعة الإنجيليّة كيف نعيش حياة شخص آخر، تمامًا كما نرى ذلك في الثالوث، نفهم إرادة الآخر، وعقليّته، وأمنياته، وخبراته. يكتب الأب صفروني في مقطع آخر: »بتقدّمنا في طاعة اللَّه والقريب، نتقدّم في المحبّة: نوسّع كياننا إلى أن نتعلّم كيف نعيش حياة آدم الشامل، والبشريّة كلّها، كأنّها حياتنا«.

تصبح كلمة »نحن« »واحدًا«. في الحقيقة، عندما نصير كلّنا واحدًا، باشتراكنا في الكأس الواحدة وفي الجسد الواحد، نتمّم فعلاً ليتورجيًّا. في الواقع، نستطيع أن نقول إنّ القدّاس الإلهيّ، بالنسبة إلى الأب صفروني، لا يبدأ ولا ينتهي بالصلاة الطقسيّة. الحياة الرهبانيّة كشركة هي القدّاس الإلهيّ بامتياز. تصير الوحدة، المعبّر عنها في القدّاس الإلهيّ، الأساس الحقيقيّ لحياتنا النسكيّة اليوميّة. لهذا كان الأب صفروني يشدّد، في »أقواله إلى الشركة«، كوصيّة لرهبانه، قائلاً: »إحفظوا القدّاس الإلهيّ«؛ أراد أن يقول لهم أن يحفظوا الوحدة طول الحياة اليوميّة، بحيث يغدو إتمام القدّاس الإلهيّ، حتّى يستطيع كلّ واحد أن يصير كلاًّ للكلّ. وهذا يُعبَّر عنه في الصلاة، قبل كلّ شيء: »يجتهد كلّ واحد في تتميم ما تقترحه عليه الوصيّة، وهو يحمل أعضاء الشركة كلّهم في صلاته: »ستحبّ قريبك كنفسك«، أي كحياته »الخاصّة«.

بحسب تعابيره الخاصّة، الدير هو »مدرسة حياة«.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search