في وداع الكبير
قسطنطين باباستيفانو
سميرة شويري أبو خير
وحدهم الكبار يغادرون بهدوء.... وفقيدنا كان كبيرًا.
أحبّ الكنيسة وبذل من أجلها حياته. كان يقول دومًا: الأرثوذكسيّة هي قلب الكنيسة، هي عصب الإيمان ونور الحياة، فعلينا أن نقدّم لها أرواحنا لتبقى شامخة ثابتة، ليس بالقول فقط، بل بالعمل الصالح الدؤوب.
من منّا لا يعرف هذا الكبير؟ جدران الكاتدرائيّة المريميّة وكنيسة الصليب المقدّس وكنائس أخرى كثيرة في ريف دمشق تصرخ وتقول: نحن من عرفناه، نحن من عايشناه سنواتٍ طويلة، وكان نِعم الابن البارّ والكاهن الصالح.
أبونا كوستا، هكذا كنّا ندعوه دائمًا. من الذي لا يعرفه بقامته الممشوقة وهدوئه اللامتناهي. بوجهه الهادئ الرزين ونظراته التي ينبع منها الحبّ والإيمان.
كان، رحمه اللَّه، لي ولكثيرين من الشابّات والشبّان مثالاً يحتذى بالهدوء والاستقامة والعمل الدؤوب. رافقناه سنوات طويلة ونحن في عمر الزهور. أوّلاً في جوقة الترتيل التي شكّلها، ثمّ في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة التي سمّيت في ما بعد »مدارس الأحد«.
نظّم لنا نشاطات كثيرة. تمارين متواصلة على التراتيل، قراءات من الكتاب المقدّس، زيارات كنائس كثيرة خارج دمشق للترتيل فيها، والتأكيد على أنّ الأرثوذكسيّة باقية وستبقى وستعلو، اجتماعات مستمرّة لإيجاد السبل لإعلاء صرح هذه الكنيسة المقدّسة. وكنّا جميعنا متعطّشين لتلقّي كلّ شيء.
علّمنا أنّ محبّة اللَّه تنبع من محبّتنا للكنيسة ومن محبّتنا لأنفسنا، فكيف لإنسان أن يحبّ نفسه من دون محبّته لخالقه؟ وهذا لا يمكن من دون محبّته للكنيسة.
هكذا كان كبيرنا، فكيف باستطاعتي أن أعطيه حقّه بكلماتٍ قليلة؟.. مجلّداتٌ كثيرة لا تفيه حقّه لذلك سأكتفي بذلك.
أيّها الكبير لقد خسرتك كنيستك، وخسرناك نحن أبًا روحيًّا لنا.
فما أنت إلاّ نسمةً من نسمات اللَّه، فحلّق في الأعالي، وسبّح اللَّه في السماوات، واطلب لنا منه الرحمة والقوّة لنكمل المسيرة التي بدأناها معك.
أرقد بسلام فنحن لا نزال على العهد الذي وعدنا به سيّدنا المخلّص ونقلناه إلى أولادنا وأحفادنا، فهذا ما كنت دومًا تطلبه. واعلم أنّ هذه الكنيسة الحبيبة سوف تعلو وتعلو بهمّة أبنائها البررة.
فانظر إلينا من الأعالي وساعدنا، فأنت الآن بين أيدي الربّ الخالق.
فهنيئًا لك بذلك وهنيئًا لنا لأنّنا عرفناك.l