2015

6. قرأت لك: أقوال في القيامة - لبنى فارس الحاجّ – العدد الثالث سنة 2015

 

أقوال في القيامة

لبنى فارس الحاجّ

 

 

ما الذي حوّل التلاميذ الجبناء والمختبئين إلى رسلٍ غيّروا الدنيا؟ الجواب بسيط: إنّها »قيامة يسوع«، التي صاروا لها شهودًا وشهداء. في ما يلي مختارات من كتاب »برهان جديد يتطلّب قرارًا« لكاتبه جوش ماكدويل الذي تشكّل قصّة الآلام والقيامة جزءًا من مؤلَّفه. وهو يعرضها بطريقةٍ جذّابة غنيّة بالمعلومات التاريخيّة والعلميّة. 

»بعد أن أمضيت أكثر من سبعمائة ساعة في دراسة موضوع القيامة وفحصه، توصّلت إلى أنّ قيامة يسوع المسيح، إمّا أنّها أكثر خدعة شرًّا وسوءًا فُرضت على عقول البشر، أو أنّها أعظم حقيقةٍ على الإطلاق. فالمسيحيّة والقيامة يقومان معًا أو يسقطان معًا. سألني يومًا أحد الطلاّب في جامعة أورغواي: »أستاذ ماكدويل، لماذا لا تدحض المسيحيّة؟«. أجبته: »لسبب بسيط وهو أنّني لا أستطيع أن أجد تفسيرًا عقـلانيًّا لأحـد الأحـداث التاريخيّة، ألا وهـو قيامـة المسيح« (جوش ماكدويل).

دلالات القيامة

تقوم كلّ ديانات العالم العظمى على افتراضات فلسفيّة، ما عدا أربعًا منها، تعتمد على شخصيّات مؤسّّسيها. والمسيحيّة وحدها تنادي بأنّ قبر مؤسّّسها فارغ. فقد مات إبراهيم أبو اليهوديّة نحو العام 1900 ق.م. من دون أن يدّعي أحد أنّه قام. و»ليس هناك في الكتب البوذيّة ما يشير إلى أنّ ساكيا موني وُجد بعد موته أو ظهر لتلاميذه. مات نبيّ الإسلام في الثامن من حزيران 632م في المدينة في الحادية والستّين من عمره، ويزور قبره الملايين من المسلمين. وكلّ هذه الملايين من أتباع اليهوديّة أو البوذيّة أو الإسلام يقرّون بأنّ مؤسّّسي دياناتهم ماتوا ولم يقم أحد منهم من تراب الأرض« (تشايلدرز).

»لم يكن للإيمان المسيحيّ أن يقوم من دون عقيدة القيامة. فلولا القيامة، لبقي التلاميذ يائسين، منهزمين. ولو ظلّوا يتذكّرون معلّمهم المحبوب يسوع، لكانت ذكرى الصلب كفيلة بأن تُسكت فيهم أيّ رجاء في أن يكون هو المسيّا، ولبقي الصليب يمثّل النهاية المخزية والحزينة لحياته. من هنا، فإنّ المسيحيّة مؤسّّسة على إيمان التلاميذ الأقدمين في أنّ اللَّه قد أقام يسوع من بين الأموات«.(وليم كريغ).

»ليست حقيقة القيامة أمرًا من الأمور الجدليّة في المسيحيّة. فالمسيحيّة تقوم مع القيامة أو تسقط معها« (ثيوذوسيوس هارناك).

»الثقة الوطيدة للتلاميذ بيسوع، تنبع من إيمانهم بأنّ الموت لم يمسكه، ولكنّ اللَّه أقامه. بفضل ما عرفوه في المسيح، وبعد أن رأوه يقينًا، كان أمر قيامته مؤكّدًا بالنسبة إليهم تمامًا مثل حقيقة موته، وأصبح الموضوع الرئيس لكرازتهم به« (أدولف هارناك).

»منذ اليوم الأوّل الذي شاءت فيه العناية الإلهيّة أن تمنح الكنيسة الحياة، أجمعت هذه الأخيرة على الشهادة بإيمانها بقيامة المسيح. ويمكننا القول إنّ القيامة هي العقيدة الأساسيّة للمسيحيّة. ومن هنا، هي تتخلّل كلّ كتابات العهد الجديد، حتّى إنّك إذا أزلت منه كلّ نصٍّ يشير إلى القيامة، فسيصبح لديك مجموعة كتابات مبتورة لا يمكن فهمها. كانت القيامة جزءًا لا يتجزّأ من حياة المسيحيّين الأوّلين. فهي تظهر كحقيقة على قبورهم، وفي الرسوم المنقوشة في السراديب. كما أنّها تغلغلت في الترانيم المسيحيّة وأصبحت أحد أهمّ الموضوعات الدفاعيّة العظيمة في القرون الأربعة الأولى. شكّلت الموضوع الأساس للكرازة في عصر مجمع نيقية (325م)، كما دخلت ضمن قوانين الإيمان التي وضعتها الكنيسة. فنجدها في قانون الإيمان الرسوليّ وفي جميع قوانين الإيمان الأخرى اللاحقة. تؤكّد جميع شواهد العهد الجديد أنّ مضمون الأخبار المفرحة أو الإنجيل لم تكن »اتّبع هذا المعلّم وافعل الصالحات«، لكن أنّ »يسوع قد قام«. من هنا، لا يمكنك أن تنتزع القيامة من المسيحيّة من دون أن تغيّر طبيعتها جذريًّا وتفسد كيانها« (ولبر سميث).

»صار قبر المسيح مهد المسيحيّة« (بريسنسي).

»لو لم تكن القيامة حقيقة تاريخيّة، لبقي سلطان الموت سـائدًا، ومعـه كـلّ نتائج الخطيئة، ولبقي موت المسيح من دون أهمّيّة. وعليه لبقي المؤمنون بالمسيح بعدُ في خطاياهم، كمـا كانوا قبل سمـاعهــم عن يـســوع« (و.ج. سبارو سيمبسون).

»كان لحادثة الصلب تأثير مدمّر في نفوس التلاميذ ، إذ لم يكن لديهم أيّ فكرة عن موت المسيّا أو قيامته. وهم الذين كانوا يتوقّعون أنّ المسيّا سيملك إلى الأبد (يوحنّا 12: 24). دونمـا الإيمـان بقيـامته، كان من المحال الإيمان بيسوع على أنّه المسيّا المنتظر بعد أن مات. حوّلت القيامة الهزيمة إلى نصرة. فـرغم كلّ شيء أعـلن اللَّه أنّ يسـوع هـو المسيّا إذ أقامه من بين الأموات (أعمال 2: 32 و36). الأمر ذاته ينطبق على الصليب. فبقيامة المسيح صار موت العار على الصليب مصـدر الخـلاص. فبـدون القيـامـة، لـم يكـن هـذا الموت سوى هوان ولعنة من اللَّه، أمّا بالقيامة فقد أصبح مصدرًا لغفران الخطايا. وبدون القيامة لم يكن للمسيحيّة أن تظهر« (وليم لين كريغ).

»إنّ قيامة مخلّصنا... ذات أهمّيّة بالغة بالنسبة إلى المسيحيّة. حتّى إنّ الإيمان بأنّه المسيح يعتمد عليها. وهذان الأمران لا يمكن الفصل بينهما، إذ إنّهما في الحقيقة أمرٌ واحد. فإنّه منذ قيامة المسيح، يؤمن المرء بإحدى هاتين الحقيقتين فيؤمن بهما معًا، أو ينكر إحداهما فينكرهما معًا« (الفيلسوف البريطانيّ جون لوك).

»إنّ نتائج القيامة على الواقع المادّيّ لا تضاهى. فهي البرهان المادّيّ الواقعيّ التجريبيّ على أنّ الحياة ذات معنى وهدف، و»أنّ المحبّة أقوى من الموت«، وأنّ الخير والقوّة حليفان في نهاية الأمر وليسا خصمين، وأنّ للحياة الغلبة في النهاية، وأنّ اللَّه جاء إلى عالمنا وهزم آخر عدوٍّ لنا، وأنّنا لسنا كأطفال يتامى في هذا الكون، كما تصوّر ذلك الرؤى العالميّة العلمانيّة الحديثة. وهذه النتائج نلحظها بمقابلة حالة التلاميذ قبل القيامة وبعدها. فقبل القيامة فرّوا هاربين وأنكروا سيّدهم واختبأوا خلف الأبواب المغلقة بخوف واضطراب. أمّا بعد القيامة، فقد تحوّلوا من كائنات مرتعبة إلى قدّيسين واثقين، ورسل غيّروا الدنيا، وشهداء شجعان وسفراء عن المسيح يطوفون البلدان ممتلئين فرحًا« (بيتر كريفت ورونالد تاسيلي).

»منذ بدء المسيحيّة ووجود المسيحيّين يرتبط بعقيدتهم بقيامة يسوع من الأموات. وليست هناك علّة أخرى يمكن أن تفسّر سبب وجودهم. وفي العهد الجديد ليس هناك دليل واحد على أنّ المسيحيّين دافعوا عن فلسفة حياة جديدة أو مذهب أخلاقيٍّ حديث. فعملهم الوحيد كان الشهادة بهذه الحادثة التي يؤمنون بها، أي قيامة يسوع من بين الأموات. والأمر الوحيد الذي دافع عنه المسيحيّون كان الإعلان بأنّ يسوع قام من بين الأموات بحسب التدبير الإلهيّ، وما يترتّب على ذلك من اعتباره ابن اللَّه الوحيد والممثّل عن الإنسان، وينتج من ذلك مفهوم السبيل إلى المصالحة(١)« (س. ف. د. مول).

»كانت قيامة المسيح أساس المسيحيّة في العصر الرسوليّ. ويرجع ذلك إلى أسباب تتّصل بالعقيدة وبالأدّلة على حدّ سواء. فوعي الرسل الطبيعة الأساسيّة والجوهريّة للقيامة واضح من المكانة التي تشغلها شهادتهم. فقد كانت شرطًا لاختيار رسولٍ خلفٍ ليهوذا (أعمال 1: 22). وكان مضمون بشارة بولس بالمسيحيّة يُعرف عند الأثينيّين بأنّه »يسوع والقيامة« (أعمال 17: 18). ويؤكّد سفر الأعمال مرارًا في مطلعه أنّ: »يسوع هذا أقامه اللَّه ونحن جميعًا شهود على ذلك« (ج.سبارو سيمبسون).

كان سيمون جرينلف (1783-1853) أستاذ قانون شهير في جامعة هارفرد، ولجهوده مع سلفه جوزيف ستوري يُعزى ارتقاء كلّيّة حقوق هارفرد إلى مكانتها البارزة بين كلّيّات الحقوق في الولايات المتّحدة. وضع جرينلف مؤلَّفًا شهيرًا عنوانه: »بحثٌ في فقه الأدّلة« وهو لا يزال يعدّ أعظم مرجع عن الأدلّة في مؤلّفات الإجراءات القانونيّة كافّة. وفي العام 1864، وبينما كان جرينلف لا يزال أستاذًا للقانون في جامعة هارفرد، كتب كتابًا عنوانه »فحص شهادة الإنجيليّين الأربعة، استنادًا إلى فقه الأدلّة المتّبع في ساحات القضاء«. وفي هذا العمل قام الكاتب بدراسة قيمة شهادة الرسل عن قيامة المسيح. وفي ما يلي بعض الملاحظات المهمّة لرجل القانون الشهير هذا:

»كانت الحقائق العظمى التي أعلنها الرسل هي أنّ المسيح قام من بين الأموات، وأنّه بالإيمان به فقط وبالتوبة عن الخطيئة يمكن الإنسان أن ينتظر الخلاص. وهذه العقيدة أكّدوها بصوتٍ واحدٍ في كلّ مكان، ليس فقط في ظلّ ظروف غير مشجّعة على الإطلاق، بل في وجه أقسى أنواع الشرّ التي يمكن أن تخطر على عقل إنسان. فسيّدهم حُكم عليه بالموت مؤخّرًا كفاعل شرٍّ بحكم من محكمة عامّة. وكان دينه يسعى إلى قهر كلّ ديانات العالم. وكانت كلّ القوانين ضدّ تعاليمهم. وكانت اهتمامات جميع الحكّام في العالم ضدّهم. كان أسلوب العالم ضدّهم. وفي كرازتهم بهذا الإيمان الجديد، حتّى بأسلوبهم المسالم البعيد كلّ البعد عن العدوانيّة، لم يلقوا شيئا سوى الازدراء والمقاومة والشتم والاضطهاد المرير والجلد والسجن والتعذيب والقتل المروّع. ومع ذلك كرزوا بهذا الإيمان بغيرة وحماسة. وكلّ هذه الآلام احتملوها غير خائفين، بل فرحين. وإذ كان الواحد منهم يُقتل تلو الآخر، كان الباقون يواصلون العمل بحماسة وتصميم أكبر. ونادرًا ما نجد في كتب التاريخ التي تسجّل الحروب العسكريّة مثل هذه الأعمال البطوليّة من صمود وجَلَد وشجاعة لا تخور. كانت لديهم كلّ الدوافع الممكنة لمراجعة أسس إيمانهم وفحصها بعناية. ومن ثمّ كان من المحال أن يصرّوا على تأكيد الحقائق التي ذكروها، لو لم يكن يسوع قد قام من الأموات حقًّا، ولو لم يكونوا يعرفون هذه الحقيقة يقينًا كما يعرفون أيّ حقيقة أخرى. ولو كان ممكنًا بالنسبة إليهم أن ينخدعوا في هذا الأمر، لكان كلّ دافع بشريٍّ فيهم يقودهم إلى اكتشاف الخطأ والاعتراف به. أمّا أن يصرّوا على الاستمرار في كذبة كبيرة كهذه، بعد أن يعلموا بحقيقتها، فلم يكن يعني فقط مواجهة كلّ أنواع الشرور التي يمكن أن تصدر عن الإنسان وتوجَّه إليهم، ولكن أيضًا احتمال الآلام الداخليّة وتأنيب الضمير، بلا رجاء في سلام قادم، أو شهادة من ضمير صالح، أو انتظار كرامة أو إعزاز بين الناس، أو رجاء في نوال السعادة في هذا الحياة، أو في العالم الآتي.

وهذا السلوك من جانب الرسل كان سيُعدّ مخالفًا تمامًا لحقيقة كونهم من طبيعة البشر العاديّة مثلنا. إذ إنّ حياتهم تعلن أنّهم كانوا أناسًًا كسائر الناس، تحدوهم الدوافع ذاتها، وتدفعهم الآمال عينها، وتؤثّر فيهم الأفراح ذاتها، وتضغط عليهم الأحزان عينها، وتثيرهم المخاوف ذاتها، وتعرض لهم الآلام والتجارب والضعفات عينها، كما نحن أيضًا. وتبيّن كتاباتهم أنّهم كانوا أناسًّا ذوي مدارك نشطة ، ولو لم تكن شهادتهم صحيحة آنذاك، لما كان هناك دافع لاختلاقها«.l

 

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search