2015

6. المجمع الأرثوذكسيّ الكبير، لمحة تاريخيّة - جورج غندور – العدد الأول سنة 2015

 

المجمع الأرثوذكسيّ الكبير-١

لمحة تاريخيّة

جورج غندور

 

 

الأخ القارئ،

هل سبق لك أن سمعت بالمجمع الأرثوذكسيّ الكبير المقدّس؟ هل تعلم ما هو تاريخ التحضير له؟ وما هي أهدافه؟ أو ما هي العوائق التي تحول دون انعقاده؟ متى بدأ التحضير له؟ ما هو جدول أعماله؟ ما هي مساهمة الكنيسة الأنطاكية في أعماله التحضيريّة؟

هذه الأسئلة وغيرها ستجد أجوبة عنها هنا في سلسلة من المقالات تتمحور حول هذا المجمع للتعريف به وبأهمّيّته وبمواضيعه وبتحدّياته.

يعدّ هذه الزاوية الأخ جورج غندور، الذي يضع كتابًا بعنوان »الطريق إلى المجمع الأرثوذكسيّ الكبير« سيصدر قريبًا.

 

في آذار ٢٠١٤، عقد رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة اجتماعًا في مقرّ البطريركيّة المسكونيّة في الفنار (إسطنبول) ، وجرى الاتّفاق على دعوة المجمع الأرثوذكسيّ الكبير المقدّس إلى الانعقاد، في منتصف العام ٢٠١٦، ما لم تحل ظروف غير منتظرة دون ذلك. 

دخلت الكنيسة الأرثوذكسيّة منذ آذار العام ٢٠١٤، المرحلة التحضيريّة الأخيرة للمجمع الأرثوذكسيّ الكبير، والتي انطلقت في مطلع القرن العشرين عندما وجّه البطريرك المسكونيّ يواكيم (الثالث) رسالة إلى البطاركة ورؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المستقلّة، يعبّر فيها عن حاجة الكنيسة الأرثوذكسيّة إلى عقد مجمع يتّخذ قرارات بشأن التحدّيات التي تواجهها الكنيسة، في تلك المرحلة التي شهدت تطوّرات متسارعة، كان من أهمّها على الصعيد الكنسيّ مسألة الاستقلال الذاتيّ للكنائس ضمن الأمبراطورية العثمانيّة، والتقويم، والحوار مع الطوائف المسيحيّة الأخرى. لم يلق اقتراح البطريرك المذكور الاهتمام المطلوب في حينه، وإن أضاء على الحاجة الماسّّة إلى حلّ المشاكل المطروحة مجمعيًّا على المستوى الأرثوذكسيّ المشترك.

    في مرحلة لاحقة، قام البطريرك المسكونيّ ملاتيوس (متكساكيس) في العام ١٩٢٣ بتوجيه دعوة إلى اجتماع أرثوذكسيّ مشترك ينعقد في البطريركيّة المسكونيّة، لاقتراح حلول في ما يتعلّق بمسألة التقويم، بعد أن اعتمدت معظم الدول الأرثوذكسيّة التقويم الغريغوريّ، وظلّت الكنيسة في هذه الدول تعتمد التقويم اليوليانيّ، الأمر الذي سبّب مشاكل عمليّة للكنائس. قادت مواقف الكنائس من هذا الاجتماع الذي عقد في حزيران من العام ١٩٢٣ومن التقويم اليوليانيّ المصحّح الذي اقترحه والذي اعتمدته بعض الكنائس الأرثوذكسيّة، إلى أزمة داخليّة في العالم الأرثوذكسيّ الذي انقسم بين مؤيّد لهذا الاجتماع وقرارته ومعارض شرس له، وفئة قامت بالسعي إلى رأب الصدع الذي أحدثه ولا سيّما بشأن الاختلاف بالاحتفال بالأعياد الكنسيّة في العالم الأرثوذكسيّ.

أدّت الجهود التي بذلت، إلى الدعوة إلى مؤتمر أرثوذكسيّ عقد في دير الفاتوبيذي في جبل آثوس في العام ١٩٣٠، واستطاع أن يتجاوز الخلاف حول التقويم ويعدّ لائحة بالمواضيع الأخرى من أجل أن يدرسها كلّها مجمع تمهيديّ للكنيسة الأرثوذكسيّة، اتّفق على عقده في العام ١٩٣٢. ولكنّ عدم إيجاد حلّ للأزمة البلغاريّة التي نشبت مع البطريركيّة المسكونيّة بسبب رفض هذه الأخيرة الاعتراف باستقلال كنيسة بلغاريا الذاتيّ، حالت دون انعقاد هذا المجمع لتتأزّم العلاقات بين الكنائس الأرثوذكسيّة مجدّدًا في ما بعد، وتبلغ حدّ الشرخ بين كنيسة القسطنطينيّة ومعها الكنائس الناطقة باليونانيّة، وكنيسة روسيا ومعها الكنائس الواقعة ضمن الدول الشيوعيّة. وقد توّجت هذه »الحرب الأرثوذكسيّة الباردة« بدعوة بطريرك موسكو إلى قمّة أرثوذكسيّة عقدت في موسكو وقاطعتها البطريركيّة المسكونيّة والكنائس اليونانيّة واتّخذت قرارات قاسية بشأن العمل المسكونيّ والفاتيكان بشكل خاص.

سعى البطريرك أثيناغوراس الأوّل، الذي انتخب في العام ١٩٤٨ بطريركًا مسكونيًّا، إلى تجاوز الجمود الأرثوذكسيّ والخلافات بين البطريركيّات، واستطاع أن يدعو إلى مؤتمر أرثوذكسيّ عامّ شاركت فيه جميع الكنائس الأرثوذكسيّة، انعقد في جزيرة رودوس في العام ١٩٦١. أقرّ هذا الاجتماع لائحة بالمواضيع المطلوب من المجمع الأرثوذكسيّ العتيد اتّخاذ قرارات ومواقف بشأنها. ولكنّ نجاح هذا المؤتمر سرعان ما تعرقل بسبب الاختلاف بين الأرثوذكس حول الحوار مع الكاثوليك، وكيفيّة مشاركتهم في أعمال المجمع الفاتيكانيّ الثاني. ولكنّ حكمة البطريرك أثيناغوراس حالت دون فشل المؤتمرين الأرثوذكسيّين العامّين اللذين انعقدا في جزيرة رودوس في العامين ١٩٦٢ و١٩٦٤. وتوّجت هذه المرحلة بلقاء أورشليم بين البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس وبرفع الحرمات بين الكنيستين. بعدها استؤنف العمل من أجل التحضير للمجمع الكبير، وتمكّن المؤتمر الأرثوذكسيّ الرابع من مراجعة لائحة مواضيع المجمع واختصارها، وإنشاء أمانة سرّ تحضيريّة له في مقرّ المركز الأرثوذكسيّ في شامبيزي بالقرب من مدينة جنيف في سويسرا، وإقرار آليّة لتحضير عمل المجمع ترتكز على ثلاث نقاط:

١- يتمّ توزيع المواضيع المدرجة على جدول أعمال المجمع بين الكنائس، بحيث تختار كلّ كنيسة عددًا من المواضيع التي ترغب في إعداد الدراسات اللازمة بشأنها، ومن ثمّ ترسل الدراسات المعدّة من الكنائس إلى أمانة السرّ، التي تحيلها إلى جميع الكنائس المستقلّة لدراستها وإبداء الملاحظات بشأنها.

٢- في مرحلة ثانية، تناقش هذه الدراسات ضمن لجنة أرثوذكسيّة تحضيريّة مشتركة يدعو إليها البطريرك المسكونيّ وتشارك فيها جميع الكنائس بمندوب ومستشار.

٣- من ثمّ وفور الانتهاء من دراسة هذه المواضيع في اللجنة التحضيريّة، يدعو البطريرك المسكونيّ بالاتّفاق مع رؤساء الكنائس المستقلّة إلى مؤتمر أرثوذكسيّ تمهيديّ للمجمع، يقوم بدراستها واتّخاذ قرار بشأنها، وترفع مباشرة إلى المجمع الكبير.

تمّ الاتّفاق على أن تتمّ دراسات المواضيع العشرة التالية التي سوف تشكّل جدول أعمال المجمع الكبير وفق الآليّة المذكورة سابقًا:

١- الانتشار الأرثوذكسيّ

٢- الاستقلال الذاتيّ وكيفيّة إعلانه

٣- الإدارة الذاتيّة وكيفيّة إعلانها

٤- لوائح الذبتيخا

٥- مسألة التقويم المشترك

٦- موانع الزواج

٧- مواءمة القواعد الكنسيّة المتعلّقة بالصوم وفقًا لمقتضيات الزمان الحاضر

٨- علاقة الكنائس الأرثوذكسيّة مع العالم المسيحيّ

٩- الكنيسة الأرثوذكسيّة والحركة المسكونيّة

١٠- مساهمة الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة في تحقيق المبادئ المسيحيّة حول السلام والحرّيّة والإخوّة والمحبّة بين الشعوب، وفي إزالة التمييز العرقيّ.

وبالفعل تمكّنت الكنيسة بين العام ١٩٧١ والعام ١٩٨٦ من الدعوة إلى ثلاثة مؤتمرات تمهيديّة انعقدت كلّها في المركز الأرثوذكسيّ في شامبيزي في العام ١٩٧٦ و١٩٨٢ و١٩٨6، تمكّنت من اتّخاذ قرارات بشأن المواضيع الستّة الأخيرة من اللائحة.

انقطع العمل التحضيريّ لدعوة المؤتمر التمهيديّ الرابع  في العام ١٩٩٩، بعد خلاف بين البطريركيّة المسكونيّة وبطريركيّة موسكو، حول مشاركة كنيسة أستونيا ذات الإدارة الذاتيّة في الأعمال التحضيريّة للمجمع. قرّر رؤساء الكنائس المجتمعون في إسطنبول في العام ٢٠٠٨ إعادة إطلاق العمل التحضيريّ واستبعاد الكنائس ذات الإدارة الذاتيّة من المشاركة. انعقد مؤتمر تمهيديّ في العام ٢٠٠٩ تناول مسألة الانتشار الأرثوذكسيّ وقرّر إنشاء جمعيّات أسقفيّة في مناطق الانتشار التي حدّدها. تبعه اجتماع تحضيريّ تمّ فيه الاتّفاق بشأن موضوع الإدارة الذاتيّة وكيفيّة إعلانها. لم تستطع اللجان التحضيريّة حتّى الآن الوصول إلى اتّفاق بشأن مسألتي الاستقلال الذاتيّ وكيفيّة إعلانه ولوائح الذبتيخا.

ولكن، رغم هذا الأمر يبدو أنّه قد تمّ الاتّفاق بين رؤساء الكنائس على انعقاد المجمع، بجدول أعمال يتضمّن المواضيع التي يمكن أن تحصل على إجماع أرثوذكسيّ في المؤتمرات التمهيديّة. كما تمّ الاتّفاق على أن يرأس البطريرك المسكونيّ الاجتماع ويجلس إلى جانبه إخوته رؤساء الكنائس المستقلّة. وبأن تشارك كلّ كنيسة بأربعة وعشرين مطرانًا من مطارنتها وأن يكون لكلّ منها صوت واحد في المجمع.l

© حقوق الطبع والنشر 2025 مجلّة النور. كل الحقوق محفوظة.
Developed by Elias Chahine

Search